< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

ما أفاده السيد الروحاني (قده) في المنتقى:

كان الكلام ولازال في دوران الأمر بين التعيين والتخيير وتعرّضنا في كلمات الأعلام وبقي أن نتعرض إلى كلام المحقق الروحاني صاحب المنتقى (قده)، فله كلام هنا يختلف فيه عن غيره، ولا بأس بطرحه.

قال: بأنه يمكن في هذا المقام أن نجري انحلال العلم الإجمالي الحكمي وإن لم يمكن الانحلال الحقيقي للعلم الإجمالي، وبيان ذلك: أنه فيما تقدم في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء في الارتباطيين على حسب ما تقدم البحث فيه، كان هناك له نظر وحمل هناك الشيخ الأنصاري على ما ذكره هو، وأشرنا إليه سابقاً وتعرضنا له في محله، فلا بأس أن نذكر ما ذكره هناك أولاً بنحوٍ مختصر ثم نذكر ما ذكره في القام.

ما ذكره هناك: أنه يمكن أن نقول بالتبعيض والتَبَعُّض في التنجيز، إذا قلنا به فهناك نجري أصالة البراءة عن الأكثر بدون أن يأتي إشكال المحقق صاحب الكفاية الذي تعرّضنا له سابقاً، ولتوضيح ذلك نقول: بالنسبة إلى تنجيز التكليف تارة نتصوّر أن التنجيز من جهة بسط التكليف بالنسبة للمركبات ذات الأجزاء وتارة نقول: إن التنجيز باعتبار أن التكليف ينبسط على الأجزاء فإذا شككنا في جزء هل انبسط عليه التكليف أو لم ينبسط؟ هنا يمكن أن نجري أصالة البراءة بالنسبة إلى هذا الجزء، مثال ذلك: الصلاة مركب ذات أجزاء ولنفترض أنها ذات تسعة أجزاء متيقنة والجزء العاشر مشكوك فيه، التكليف بوجوب الصلاة ينبسط على هذه الأجزاء الداخلة في المركب فوجوب الصلاة ينبسط على تكبيرة الإحرام القراءة الركوع السجود التشهد، هذه الأجزاء المتيقنة فإذا فرضنا أنه عندنا تسعة أجزاء متيقنة فالتكليف انبسط على هذه التسعة وإذا شككنا في جزء عاشر هل هو واجب أو ليس بواجب يعني نشك في انبساط التكليف عليه، بما أنه عندنا قدر متيقن وهو الأجزاء التسعة ونحرز انبساط التكليف عليها وعندنا شك بدوي في الزائد فهنا ينحل العلم الإجمالي، نعلم بوجوب خذا المقدار المتيقن وهو الأقل لعلمنا بانبساط التكليف عليه ونشك في انبساطه على الجزء العاشر وهنا تجري أصالة البراءة، هذا رأي ومبنى كما تقدم تفصيل ذلك.

المبنى الآخر: وهو الذي أفاده المحقق السيد الروحاني (قده) وحاصله: التبعيض في التنجيز بلحاظ تعدد الأجزاء، بيان مراده: نفس المثال السابق عندنا الصلاة مركبة ذات أجزاء، المقدار المعلوم يقيناً أنه داخل تحت التكليف يعني تنجز التكليف فيه وما زاد على ذلك لا نعلم بتنجز التكليف لأننا نشك هل هو جزء أو ليس بجزء، الوجوب يتنجز في المقدار المتيقن المقدار المعلوم قطعاً تنجز فيه التكليف والجزء الأخير المشكوك فيه هنا لا نحرز تنجز التكليف في التبعيض، معنى ذلك: أن المكلف لو ترك التعسة الأجزاء التي يعلم بدخولها ضمن المركب المأمور به، فبالتالي ترك المركب، لو كان في الواقع الواجب هو الأكثر فهنا ترك الأقل فبالتالي ترك الأكثر فيعاقب على تركه الأكثر لعلمه بتنجز الأقل وكان تركه للأقل موجباُ لتركه للأكثر فهنا لا معذر له لوجود العلم بوجوب الأقل وإن كان لم يعلم بوجوب الأكثر لكنه ترك الأكثر باعتبار أنه ترك الأقل فتركه للأقل ترك للأكثر والأقل معلوم فيستحق العقوبة لا معذر له على ترك الأكثر يعني على ترك المجموع، أما لو افترضنا أنه أتى بالأقل ولم يأتِ بالجزء المشكوك فيه فهنا تَرَكَ الأكثر بلحاظ تركه للجزء المشكوك فيه لا بلحاظ الأجزاء المعلومة فالأجزاء المعلومة أتى بها ولكنه ترك الأكثر المركب من العشرة أجزاء لم يأتِ به بلحاظ تركه للجزء العاشر، في مثل هذا الفرض لا يستحق العقوبة، لا يقال له لماذا تركت الأكثر بتركك للجزء المشكوك فيه؟ لا يعاقب على ذلك لعدم وجود بيان على الجزء المشكوك فيه الجزء العاشر، مع عدم وجود البيان عليه يكون العقاب على ترك الأكثر بلحاظ ترك هذا الجزء المشكوك عقاب بلا بيان وهو قبيح، فإذاً يكون مجرى للبراءة، هذا المعنى هو الذي سمّاه التبعّض في التنجيز، تنجز الحكم أو العلم الإجمالي كان منجزاً بمقدار الأقل ولم يكن منجزاً بمقدار الأكثر، فالتبعّض في التنجيز العلم الإجمالي لم ينجز التكليف في الكل في المركب من العشرة وإنما العلم الإجمالي نجَّز في خصوص مقدار الأقل، لو ترك الأقل استحق العقوبة لوجود العلم الإجمالي، ولكن هذا العلم الإجمالي وجوب إما الأقل أو الأكثر ليس بياناً على الجزء العاشر، فإذاً لا ينجز التكليف في الجزء العاشر والنتيجة يكون الجزء العاشر مجرى للبراءة ولا يستحق العقوبة على تركه، هذا ما أفاده في ذلك المبحث.

الآن نفس الضابطة يريد أن يطبقها في المقام، نحن هنا في المقام الشك بين التعيين والتخيير وهناك بين الأقل والأكثر، هل الواجب تسعة أجزاء أم عشرة أجزاء؟ هنا الآن هل الواجب الصوم بعينه أو مخير بين الصوم والإطعام؟ - على حسب المثال السابق الذي ذكرناه- هل يجب الصوم بعينه أو يجب إما الصوم وإما الإطعام؟ إذاً عندنا علم إجمالي، لا ننسى أن الكلام فعلاً في المبنى الذي ذكره السيد الخوئي (ره) وصار الكلام عليه في هذه الأيام، وهو أن الواجب التخييري مآله إلى وجوب جامع انتزاعي وهو عنوان أحدهما أو أحدها، يجب أحدها التخييري يجب إما الصوم أو الإطعام يجب أحدهما، الكلام هنا على هذا المبنى، على هذا المبنى العلم الإجمالي الآن المتصور أعلم إما بوجوب الصوم بعينه أو بوجوب أحدهما إما الصوم وإما الإطعام؟ على هذا المبنى يقول السيد (قده): وإن لم بمكن الانحلال الحقيقي للعلم الإجمالي لعدم وجوب قدر متيقن في البين بحيث إذا وجد هذا القدر المتيقن نقول هذا قطعاً واجب وما عداه مشكوك، لكن يمكن الانحلال الحكمي، الانحلال الحكمي تصويره على طبق قاعدة التبعّض في التنجيز التي الآن شرحناها، ضابطة التبعّض في التنجيز.

هنا حتى تكون واضحة نقول: بعبارة وتوضيح منّي، نقول: عندنا كبرى وعندنا صغرى في المقام، الكبرى هي هذه: العلم الإجمالي يوجِب التنجيز للجهة المشتركة بين طرفي العلم الإجمالي، هذه الضابطة الكبرى يتفرّع عليها: هكذا نقول: ترتب الأثر العقلي في مقام الطاعة على المقدار المتيقن ثبوته في كلا التقديرين، مثال ذلك: حتى تتضح الفكرة، لو وجد عندي أمر مثلاً يقول: أكرم عالماً، ودار الأمر، صدر الأمر من المولى بإكرام العالم ولكن لم نعلم أن هذا الأمر كان خاصاً بالعالم الهاشمي، المولى قال أكرم عالماً هاشمياً؟ أو كان مطلقاً أكرم عالماً هاشمياً كان أو غيره؟ تردد صار عندنا لا نعلم ما هو الصادر من المولى، إذاً هنا نلاحظ القاعدة: عندي علم إجمالي بوجوب إكرام إما العالم الهاشمي وإما مطلق العالم هاشمياً كان أو غيره، عندي هذا العلم الإجمالي وهو ينجز الجهة المشتركة بين الطرفين وهي العالمية، إن كان المطلوب إكرام مطلق العالم فهذا عالم، وإن كان المطلوب العالم الهاشمي فأُخذ فيه العالم، إذاً الجهة المشتركة بين طرفي العلم الإجمالي في المثال هي العالمية، نرجع الآن للضابطة، يقول: العلم الإجمالي يوجب تنجيز الجهة المشتركة بين طرفيه ويتفرع على هذه الضابطة ترتب الأثر العقلي في مقام الطاعة على المقدار المتيقن ثبوته، في مقام الطاعة والامتثال العقل يقول يجب طاعة المولى في المقدار المتيقن ثبوته وهو في المثال العالم، هذا قدر متيقن ثبوته، العلم الإجمالي ينجز الجهة المشتركة وهي العالم، الأثر العقلي المترتب الذي يترتب في مقام الطاعة هو امتثال المقدار المتيقن ثبوته وهو وجوب إكرام العالم، إذاً تنجز العلم الإجمالي في مقدار العالم، وبالنسبة إلى صفة الهاشمية العلم الإجمالي ليس بياناً عليها وإذا لم يكن بياناً عليها لو تركها العبد هل يستحق العقوبة؟ لا، لأنها عقوبة بلا بيان، وقبح العقاب بلا بيان، لو ترك إكرام العالم وأكرم هاشمياً غير عالم لا ينطبق عليه الجهة المشتركة، والعلم الإجمالي نجز الجهة المشتركة، فلو أكرم هاشمياً ليس عالماً نقول له لم تحقق الامتثال وتستحق العقوبة، أما لو ترك إكرام العالم الهاشمي بحيث أكرم العالم ولم يكن هاشمياً هنا العلم الإجمالي نجز العالمية وقد أتى بها، لم يكن العلم الإجمالي بياناً على الهاشمية فلهذا لا يستحق العقوبة على تركها.

إذاً هذا معنى التبعيض في التنجيز، التنجيز بمقدار الجهة المشتركة وبمقدار ما قام عليه البيان وبمقدار المتيقن ثبوته، أما ما عداه فلا، هذه القاعدة الآن نطبقها على ما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير ومثاله الذي ذكرناه ولكن للإيضاح أكثر.

المقدار الثابت هو الجامع بين الطرفين وهو تنجيز التكليف المعلوم بالإجمال، الآن في مثال الصوم يجب إما الصوم تعييناً وإما الصوم تخييراً بينه وبين الإطعام، هذا هو المثال، العلم الإجمالي ينجز الجهة المشتركة وهي هنا يجب إما الصوم تعييناً أو الصوم أو الإطعام مخيراً، نطبق الجهة المشتركة في هذا النحو، نقول: هنا عندنا جهة مشتركة ويترتب على ذلك أن الأثر العقلي في مقام الطاعة هو امتثال القدر المتيقن ثبوته، لما نأتي هنا نقول: لو ترك الصوم وترك الإطعام هنا قدر متيقن من استحقاق العقوبة، يعني خالف العلم الإجمالي قطعاً فيستحق العقوبة على ذلك، هذا المقدار لا إشكال فيه، أما لو ترك الصوم وأتى بالإطعام هل تقول هنا يستحق العقوبة؟ أو لا هنا لا نقول يستحق العقوبة؟ لأنه يحتمل أن يكون في الواقع الوجوب تخييرياً بين الصوم والإطعام، فمع احتمال كونه تخييرياً وأتى بالمحتمل به، ترك الصوم صحيح ولكن أتى بالمحتمل به ولما أتى بالمحتمل به لا أحرز المخالفة اليقينية، إذاً لا يستحق العقوبة، فالعلم الاجمال وجوب إما الصوم وإما الصوم أو الإطعام هذا العلم الإجمالي بيان على أحدهما ولم يكن بياناً على خصوص الصوم فعليه: لو ترك الصوم والإطعام فيتنجز العلم ويستحق العقوبة وأما لو أتى بالإطعام وترك الصوم أتى بالمحتمل به وترك الصوم هنا لم يحرز المخالفة القطعية لاحتمال أن الوجوب تخييري فلم يتنجز العلم، يعني لا يستحق العقوبة على تركه الصوم لو أتى بالإطعام لما ذكرناه وهو التبعّض في التنجيز، عليه: يكون الشك في وجوب الصوم بعينه مجرى لقبح العقاب بلا بيان ويمكن أن نجري فيه أصالة البراءة ولا محذور في ذلك، هذا حاصل ما أفاده (قده).

وهو بيان متين، ومن حيث الكبرى أيضاً تامٌ وذكرنا فيما سبق تماميته في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء.

ولكن الذي يظهر وينقدح في الذهن: أن هنا صار خلطاً بين مقام الجعل ومقام الامتثال، كلامنا فعلاً في مقام الجعل كما ذكرناه سابقاً أما في مقام الامتثال فقد فرغنا عنه، في مقام الجعل حسب الفرض هنا أن المعين وهو الصوم نقطع بتعلق التكليف به لأنني أعلم بوجوب الصوم ولكن أشك هل الإطعام أيضاً واجب فيكون الصوم تخييرياً؟ أو الإطعام ليس بواجب فالصوم واجب تعييني؟ إذاً أنا أقطع بوجوب الصوم وإذا قطعت بوجوب الصوم بعينه أحتاج لفراغ الذمة في مقام الامتثال وفي مقام الأثر العقلي للتكليف الذي عبّر عنه أيضاً مقام الأثر العقلي في مقام الطاعة هو المقدار المتيقن، نحن نقول: في مقام التكليف نعلم بتعلق الحكم بالصوم ونشك هل جُعل الآخر عدلاً له أو لا؟ إذاً في مقام الأثر العقلي في مقام الامتثال إما أن آتي بما وجب عليَّ بعينه أو آتي بما ثبت أنه بدلٌ عنه، يفترض هكذا، نقول قاعدة عامة: إذا تعلق الحكم بشيء فلا تفرغ ذمتي إلا إذا أتيت به أو بما جعله الشارع بدلاً عنه، تعلقت ذمتي بالصلاة والصلاة مركبة من هذه الأجزاء العشرة فنسيت القراءة وركعت مقتضى القاعدة أن الصلاة باطلة الحكم الأولي لكن الشارع لما قال بقاعدة التجاوز وقال: بلى قد ركعت، لما قال بقاعدة التجاوز هنا صارت هذه الصلاة الناقصة بدلاً عن الصلاة التامة، أقطع بأني تركت القراءة ولكن لم أذكر إلا بعد الدخول في الركوع، الشارع يقول: لا بأس أمضي في صلاتك، فجعله بدلاً، وبما أنه جعله بدلاً فتقوم مقام المبدل منه، فإذاً: يجب الإتيان بما تعلقت به الذمة أو يأتي ببدله المعلوم أن الشارع جعله بدلاً.

في المثال: علمت بتعلق الوجوب بالصوم وأشك هل جُعِل الإطعام عدلاً؟ يعني جُعل بدلاً أو لم يجعل؟ القاعدة أن آتي بما تعلق بذمتي أو ببدله، لم أحرز البدل وبما أنه لم أحرز البدل لا تجري البراءة لو أتيت به، فلا تأتي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فعلى هذا يتضح أن الصغرى ليست صغرى لتلك الكبرى التي أفادها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo