< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

ما أفاده المحقق العراقي (قده) في المقام:

لازال الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير وبحسب ما قدمناه اتضح لنا أنه التعيين في الصورة الأخيرة التي كنا نتحدث فيها وهي أولاً في مقام الجعل ثانياً نعلم بوجوب أحدهما بعينه نعلم بوجوبه ونشك في وجوب الآخر فإن كان الآخر واجباً فيكون الأول وجوبه بنحو التخيير وإن كان الآخر ليس واجباً فوجوب الأول بنحو التعيين، اتضح عندنا أن الحق هو ما أفاده الآخوند والمحقق النائيني (قدهما) من القول بالتعيين ولكن بالصياغة التي صغنا بها الدليل وتنجز العلم على حسب ما تقدم الكلام فيه.

الآن هنا نقطة تكون متممة أيضاً للبحث وتتفق معنا فيما ذكرناه ولكن الطريقة مختلفة فنتعرض إلى هذه الصيغة وهي ما أفاده المحقق العراقي (قده) ويختلف طبعاً عما ذكرناه ولكن في نتيجة في بعض الجوانب يتفق ما ذكرناه مع ما ذكره (قده).

المحقق العراقي (قده): في الواقع فصَّل بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية، فالبراءة العقلية لا تجري، أما بالنسبة إلى البراءة الشرعية فهو بنى المسألة على حسب المبنيين، مبنى العلية أي علية منجزية العلم الإجمالي وهو الذي اختاره هو، فهنا لا تجري البراءة، وعلى المبنى الآخر وهو مبنى الاقتضاء فهنا تجري البراءة الشرعية، هذا ما أفاده بنحو الإجمال.

أما بنحو التفصيل: فبالنسبة إلى البراءة العلية هو قال لا تجري في المقام عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير، في مثل موردنا الذي هو عنونه إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر بين الكلي الطبيعي وفرده، أو في مثل دوران الأمر بين الأقل والأكثر في مثل الجنس والنوع، يعني الكلام إذاً طرحه في هذه المسألة، إذا كان دوران الأمر بين الأقل والأكثر في مثل الجنس والنوع أو في مثل الطبيعي والفرد هل تجري البراءة أو تجري الاشتغال، بالنسبة إلى البراءة العقلية قال: لا تجري، السر في ذلك يقول: نحن من خلال ما تقدم عندنا قاعدة هذه قاعدة ومناط نحتفظ به لتطبيقه على المقام، وجهة الإشكال هنا في جريان البراءة أو الاشتغال ما هو؟ جهة الإشكال أنه هل الأمر في مثل المقام يدور بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين؟ إذا كان بين الأقل والأكثر فتجري البراءة وإذا كان من قبيل بين المتباينين فلا تجري البراءة وإنما تجري أصالة الاشتغال، بعد هذا لما بين جهة الإشكال الآن بين المناط الذي نأخذه ويكون بيدنا في معرفة أن هذا من دوران الأمر بين الأقل والأكثر أو من دوران الأمر بين المتباينين، لا بد أن نعرف القاعدة والمناط.

المناط أو القاعدة: هي في دوران الأمر بين الأقل والأكثر يكون الأقل موجوداً في ضمن الأكثر بذاته لا بحده، إذا كان كذلك فهو من الأقل والأكثر.

بيان ذلك: إذا فرضنا في الأمثلة السابقة دار الأمر في الواجب المركب هل أن المركب مركب أساساً المطلوب الذي تعلق به الوجوب متركب من تسعة أجزاء أو من عشرة أجزاء؟ الأقل هنا موجود في ضمن الأكثر لكن لا بحد الأقلية، إذا كان الواجب هو الأكثر يعني المركب ذو العشرة أجزاء فالتسعة أجزاء وهي الأقل موجودة في ضمن الأكثر، هذا الأقل موجود في ضمن الأكثر ولكن ليس بحدوده، تنطبق القاعدة دار الأمر بين الأقل والأكثر، مثال آخر: في مثل ما إذا دار الأمر بين الشدة والضعف يعني الأمور المشككة مثل السواد مثل النور، السواد الدرجة الأقل موجودة في ضمن الأكثر يعني لو حللنا فرضاً في التجزئة العقلية حللنا أن شدة السواد في هذا الجسم يتكون من عشر طبقات مثلاً طبقة وطبقة أشد وطبقة أشد وهكذا، الطبقة الخامسة التي هي سواد ولكن أقل شدة من سواد الطبقة العاشرة الطبقة الخامسة موجودة في الأكثر وداخلة فيه ولكن ليس بحدودها، يعني لا نقول هذه الأقل مستقلة ومنعزلة ولها حدود، لا، هي في ضمن الأكثر، بل هكذا عبر: بذاتها موجودة في ضمن الأكثر ومحفوظة في الأكثر ولكن ليس بحدها، إذاً القاعدة عنده عندما تريد أن تعرف أن هذا الأمر مما دار بين الأقل والأكثر أو لا لابد أن تلاحظ هذا الجانب أن الأقل محفوظ بذاته في ضمن الأكثر لا بحدّه وحدوده.

في المقابل عند دوران الأمر بين المتباينين لا يكون أحدهما محفوظاً في ضمن الآخر، إذاً هما متباينان، في الأقل والأكثر نجري البراءة وفي المتباينين نجري الاشتغال، هذه القاعدة التي أسسها أولاً.

تطبيق هذه القاعدة على المقام: حسب الفرض عندنا أن الأمر دار بين أن يكون المطلوب الطبيعي أو الفرد، مثال آخر: المطلوب الجنس أو النوع، هل بين الجنس والنوع أو بين الفرد والطبيعي القاعدة التي أسسناها وهي قاعدة الأقل والأكثر وهي وجود الأقل محفوظاً بذاته في ضمن الأكثر أو لا؟ يقول: لا ليست موجودة، نمثل أولاً مثالاً: دار الأمر بين وجوب إكرام أو وجوب إطعام كلي الإنسان أو إطعام زيد بخصوصه، النسبة طبيعي وفرد، هل الذي أوجبه الشارع إكرام طبيعي الإنسان أو إكرام زيد بخصوصه؟ في مثال الجنس والنوع هل الذي أوجبه الشارع إطعام كلي الحيوان أو إطعام الإنسان بخصوصه؟ في مثل هذين الفرضين وما شابههما، نفترض الآن عندنا في الأمثلة الشرعية مثلما تقدم، هل الواجب خصوص الصيام أو الواجب الطبيعي الذي يشمل الصيام والإطعام مثلاً، هذه أمثلة الآن.

في هذه الأمثلة يقول: ليست النسبة نسبة أقل وأكثر والسر في ذلك: أن نسبة الكلي الطبيعي إلى أفراده هي نسبة الآباء للأبناء وليست نسبة الأب الواحد للأبناء، وبما أن النسبة نسبة الآباء للأبناء إذاً في كل فرد يوجد طبيعيٌ، يعني عندما ألاحظ زيد حصة من طبيعي الإنسان فيه وعندما ألاحظ عمرو حصة من طبيعي الإنسان فيه، نسبة الآباء إلى الأبناء هذه الحصة حصة من الكلي الطبيعي الموجودة في ضمن زيد مباينة للموجودة في ضمن غيره ولا تقول بأنه يوجد قدر مشترك موجود في ضمن زيد وهو موجود في ضمن الآخر ونشك في الزيادة، لا تستطيع أن تقول هذا، تستطيع أن تقول لو كانت النسبة نسبة الأب الواحد إلى الأبناء المتعددين، هناك تقول عندي قدر متيقن وهو الحصة الموجودة في ضمن الأب وعندي خصوصيات وأنا أشك في الخصوصية، هنا لا تستطيع أن تقول أشك في الخصوصية، أنت عندك كلي وهذا الكلي موجود في ضمن الأفراد يعني هذا الفرد فيه حصة من الكلي والفرد الآخر فيه حصة من الكلي والحصة الموجودة هنا مباينة للحصة الموجودة هناك، فعليه: يكون دوران الأمر هنا بين المتباينين وليس بين الأقل والأكثر لأننا قلنا أن في الأقل والأكثر لابد أن يوجد الأقل بذاته في ضمن الأكثر لا بحده، وبما أنّا فرضنا أن الكلي الطبيعي الموجود في ضمن زيد هو حصة من الكلي والموجود في عمرو هو حصة أخرى من الكلي وليس الموجود في زيد فيه قدر متيقن موجود في ضمن الكلي وهناك خصوصية أخرى، لا، ليس من هذا القبيل، إذاً لا يدور الأمر بين الأقل والأكثر بل يدور الأمر بين المتباينين.

إذا دار الأمر بين المتباينين النتيجة هنا مرجع العلم الإجمالي لما نريد أن نطبق على مثل الإطعام والصيام، يجب الصوم بعينه أو يجب الصوم مخيراً بينه وبين الإطعام، في مثل هذا الفرض دار الأمر هل الصوم واجب بخصوصه أو مخير بينه وبين الإطعام؟ في مثل هذا الفرض مرجع هذا العلم الإجمالي إلى أنه نعلم إجمالاً بوجوب الصوم وحرمة تركه مطلقاً سواء أتى بالإطعام أو لم يأتِ هذا إذا كان على نحو التعيين، نعلم بوجوب الصوم وبحرمة تركه مطلقاً أتينا بالإطعام أو لم نأتِ به، القسم الثاني للعلم الإجمالي أو نعلم بوجوب الإطعام وحرمة تركه مع ترك الصوم، لاحظوا هنا الأول الواجب التعييني الصوم نعلم إما بوجوبه تعييناً معنى ذلك يعني يحرم تركه مطلقاً أو العدل الثاني للعلم الإجمالي أو بوجوب الإطعام تخييراً يعني وجوب الإطعام وحرمة تركه إذا تركت الصوم لا مطلقاً، علمك الإجمالي يرجع إلى هذا، أعلم بوجوب الصوم أي بحرمة تركه مطلقاً أو بوجوب الإطعام أي بحرمة تركه مع ترك الصوم لا لوحده، هنا العلم الإجمالي، لا يوجد جامع بين التركين ترك الصوم لوحده وترك الإطعام في ظرف ترك الصوم لا يوجد جامع بين التركين، فإذاً أنا أعلم إما بحرمة ترك الصوم مطلقاً أو بحرمة ترك الإطعام عند ترك الصوم، هذان متباينان لا يوجد ترك جامع لهما، وبما أنهما متباينان نقول: إذا أتيت بالصوم وتركت الإطعام فرغت ذمتي قطعاً ولا أستحق العقوبة، أما إذا أتيت بالإطعام وتركت الصوم لا أحرز فراغ ذمتي فمقتضى القاعدة هو الاشتغال، الإتيان بالصوم يبرئ الذمة قطعاً أما الإتيان بالإطعام لوحده لا يبرئ الذمة.

إذاً النتيجة: لا تجري البراءة العقلية في المقام لأن هذه الصورة لم تندرج في ضمن دوران الأمر بين الأقل والأكثر بل اندرجت في ضمن دوران الأمر بين المتباينين فالنتيجة هي الاشتغال وعدم جريان البراءة العقلية.

أما بالنسبة على البراءة الشرعية: على مبناه أن العلم الإجمالي منجز في طرفه بنحو العلة التامة هذا واضح أنه لا تجري البراءة، الكلام على القول بالاقتضاء، أن منجزية العلم الإجمالي اقتضائية فقط كما هو رأي المشهور غير رأي المحقق العراقي، هنا يقول: يمكن جريان البراءة الشرعية بهذا البيان: في المثال الأخير الذي ذكرناه نستطيع أن نصور ثلاثة تروك:

الترك الأول: ترك الصوم والإطعام، وهذا مخالف للعلم الإجمالي قطعاً لا تجري فيه البراءة الشرعية.

الترك الثاني: عندي ترك الصوم مع الإتيان بالإطعام هنا يمكن أن نجري البراءة، ترك الصوم مع الإتيان بالإطعام لا أحرز المخالفة القطعية للعلم الإجمالي، على القول بالاقتضاء إذا أمكن جريان البراءة في أحدهما دون الآخر يعني إذا لم أخالف العلم الإجمالي القطعي لا محذور في جريان البراءة، هنا عندما أترك الصوم ولكن آتي بالإطعام لا أقطع بالمخالفة لأنه ربما في الواقع يكون الوجوب وجوب تخييري ولك أخالف الواقع، على تقدير أن يكون الوجوب تعيينياً خالفت الواقع، إذاً عندي مخالفة احتمالية وليست قطعية فعليه: هنا تجري البراءة.

الترك الثالث: وهو ترك الإطعام حتى لو تركت الصوم النظر إلى ترك الإطعام، بخلاف الصورة الأولى كان النظر فيها إلى ترك الصوم ولكن ترك الإطعام، هنا النظر إلى ترك الإطعام في ظرف ترك الصوم ولكن النظر في خصوص ترك الإطعام حتى يكون فرق بين الصورة الثالثة والأولى، ترك الإطعام في ظرف ترك الصوم، هنا هل أقطع بالحرمة؟ لا أقطع بالحرمة، يعني حرمة ترك الإطعام لا أقطع فيها، إذا كانت هناك حرمة فلأجل ترك الصوم لأنه تعييناً الآن بالنظر إلى ترك الإطعام ليس عندي جزم بمخالفة العلم الإجمالي، إذا لم يكن عندي جزم بمخالفة العلم الإجمالي يمكن جريان البراءة، فعليه: يقول: على القول بالاقتضاء يمكن أن نجري أصالة البراءة الشرعية، هذا حاصل ما أفاده المحقق العراقي (قده)، ومن أراد أن يتابع المسألة موجودة في المجلد الثالث في نهاية الأفكار الصفحة 396 يبدأ بالكلام، (وأما لو كان الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع)، ثم في الأخير في الصفحة 398 ذكر: (وأما على القول باقتضاء العلم الإجمالي لذلك فالظاهر أنه لا مانع عن جريانها في كل واحد من التركين وهما ترك العتق في ظرف وجود الإطعام والصيام وترك الإطعام والصيام المقرون بترك العتق) وإلى آخره حسب ما بيناه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo