< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

جواب الشيخ الوحيد (حفظه الله) على إشكالات السيد الخوئي (قده):

تقدم الكلام عندنا في إشكالات السيد الخوئي (ره) على المحقق النائيني (قده) حيث إن المحقق النائيني أجرى الاشتغال أو اختار القول بالتعيين في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الجعل، والسيد الخوئي (ره) أجرى البراءة، وأورد عدة إشكالات على المحقق النائيني في الوجه الثاني.

جواب الشيخ الوحيد (حفظه الله) على إشكالات السيد الخوئي (ره): دفاعاً عن المحقق النائيني (قده).

بيان ذلك: أن الوجه الثاني الذي أفاده المحقق النائيني (قده) يرجع إلى استصحاب عدم لحاظ التخيير، قال: بأن التعييني يحتاج إلى لحاظ واحد وأما بالنسبة إلى التخيير فهو فيه مئونة زائدة ثبوتاً وإثباتاً فلهذا لا بد أن يقوم الدليل على هذه المؤونة الزائدة وإلا فالأصل عدمه، فأرجع إذاً إلى استصحاب عدم المئونة الزائدة، هنا أورد عليه السيد الخوئي أنه من جهة أصل مثبت ومن جهة أنه متعارض مع استصحاب عدم التعيينية في الواجب الآخر، على حسب ما تقدم بيانه.

الشيخ الوحيد (حفظه الله) هنا يقول: عندما نلاحظ عبارة المحقق النائيني ونلتزم بهذا اللفظ وهو أصالة عدم اللحاظ هذه الإشكالات ترد، بل يمكن أن يضاف أيضاً بأن اللحاظ وعدم اللحاظ أمر عقلي والاستصحاب لا بد وأن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي أو له أثر شرعي، ولكن يمكن إصلاح ما أفاده المحقق النائيني.

وغاية ما يمكن إصلاحه هو أن نقول هكذا: بأننا في الواقع عندما نلاحظ ما نحن فيه في هذا القسم على حسب ما مرَّ هو أننا نعلم بوجوب شيء ونشك في وجوب شيء آخر، هل ذلك الشيء الآخر واجب عدل للواجب الأول الذي نعلم بوجوبه أو ليس واجباً؟ إذا كان واجباً عدلاً يكون الأول واجب بالوجوب التخييري وإذا لم يكن عدلاً فهو واجب بالوجوب التعييني، فدار الأمر بين التعييني والتخييري، فإذاً: بناءً على هذا نحن فعلاً نعلم بوجوب أحد الفردين وبالنسبة إلى الفرد الآخر نحن نشك في وجوبه وعدم وجوبه، فعليه: تجري فيه إما أصالة البراءة أو نقول استصحاب عدم وجوبه فيتعين القول بأن يكون الواجب الآخر واجباً تعيينياً.

بيان ذلك بصورة أكثر: نقول: بأننا في المقام لا نريد أن نثبت عنوان التعييني للفرد الأول، دار الأمر بين وجوب هذا بالوجوب التعييني أو وجوبه بالوجوب التخييري، نحن هنا عندما نريد أن نستصحب عدم الوجوب في العدل هل نريد إثبات صفة التعيينية في الواجب الأول نقول فإذاً يثبت أنه واجب تعييني؟ إذا كان كذلك يكون أصلاً مثبتاً لأن لازم أن يكون العدل الآخر غير واجب هو كون الأول واجب بالوجوب التعييني، ولكن نحن في غنىً عن ذلك ولا نحتاج إلى هذه الصفة صفة التعيينية، نحن عندنا هذا الشيء واجب قطعاً هذا محل الفرض، نفترض الصيام واجب قطعاً للكفارة، بالنسبة إلى الإطعام هل هو واجب على نحو أن يكون عدلاً للصيام أو لا؟ إذا كان واجباً على أن يكون عدلاً للصيام يكون الصيام واجباً بالوجوب التخييري، أما إذا لم يثبت أنه واجب فذلك ثابت بلا حاجة أن نقول واجب بالوجوب التعييني، فعليه: لا يلزم الأصل المثبت.

فنقرره بهذا النحو: أن الصيام في الفرض واجب قطعاً، هل الإطعام واجب عدل للصيام أو ليس بواجب؟ كلٌ منهما سواء كان واجباً تعيينياً أو كان واجباً تخييرياً هو حادث مسبوق بالعدم ويجري فيه الأصل في حد نفسه، بالنسبة إلى الصيام لا يمكن أن نجري فيه أصالة عدم وجوبه لأنه واجب على كل حال سواء كان تعيينياً أو تخييرياً، وبالنسبة إلى الإطعام هل هو واجب أو لا؟ نشك، لم يكون واجباً نشك في جعله نشك في وجوبه فأصالة عدم وجوبه، هذا المقدار يكفي مادام أثبتنا أن ذلك متيقن الوجوب في نفسه وهذا استصحبنا عدم وجوبه هذا كافٍ انتهى وتحدد عندنا التعيين، فلا نحتاج إلى أن نثبت التعيينية فإذا لا نحتاج إثباتها هذا المقدار هو كافي، يعني غرض الفقيه سواء كان لأجله أو كان لمقلديه غرضه أن يثبت ما يكون مبرئاً له ومبرئاً لذمته وما اشتغلت به ذمته، وبالنسبة إلى الصيام إذا أتى به تفرغ به ذمته لا إشكال في ذلك، وبالنسبة إلى الإطعام هو يشك هل هو واجب بالوجوب التخييري فتفرغ ذمته إذا أتى به؟ أو هو ليس واجباً بالوجوب التخييري؟ فلو أتى به لا تفرغ ذمته، هنا نشك، فإذاً: نحن نشك في الوجوب نستصحب عدم الوجوب والأثر المترتب عليه أنه لا تفرغ ذمته عندما يأتي به، هذا المقدار من الأثر كافي لتصحيح جريان الاستصحاب، فعليه: هذا الإشكال الذي أورده السيد الخوئي (ره) على المحقق النائيني (قده) يرتفع.

نعم، هنا نقطة وأشرنا لها سابقاً وهي: أن ما أفاده السيد الخوئي (ره) أساساً يبتني على مختاره في الواجب التخييري، ما هو الواجب التخييري؟ وما هي حقيقة الواجب التخييري؟ محل بحث بينهم مفصّل، هل الواجب التخييري هو وجوب كل واحدٍ منهما الواجبين التخييرين بشرط ترك الآخر فيجب الصوم بشرط ترك الإطعام ويجب الإطعام بشرط ترك الصوم؟ أو الواجب التخييري متعلقه العنوان الانتزاعي؟ يعني يجب أحدهما، وهناك مبانٍ متعددة الآن لسنا في صددها، نحن الآن على حسب مبنى السيد الخوئي يأتي ما قاله، والشيخ الوحيد (حفظه الله) أيضاً يؤيد السيد الخوئي على مبناه، بمعنى في الواجب التخييري هو يجب أحدهما الصوم أو الإطعام يجب أحدهما، هنا عندما ننتزع عنوان انتزاعي وهو أحدهما، هذا المقدار وهو وجوب أحدهما هذا مسلَّم وقدر متيقن، إذا كان الواجب هو الصيام بعينه تعييناً فهنا خصوصية زائدة على عنوان أحدهما، إذا كان الواجب الصوم على نحو التخييري لم توجد هذه الزيادة، إذاً على هذا المبنى أن العنوان الانتزاعي وجوب أحدهما قدر متيقن ونشك في الزائد وهو الخصوصية وهو التعيينية، فعليه: نجري الاشتغال عن هذه الخصوصية عن هذه التعيينية، يجب أحدهما هذا مسلّم، أحدهما ينطبق على الإطعام وينطبق على الصيام لكن إذا كان الصيام واجباً وجوباً تعيينياً يعني هناك زيادة على عنوان أحدهما ليس فقط عنوان أحدهما صار عندنا هذه الخصوصية فعليه نجري البراءة في هذه الخصوصية النتيجة هي التخيير.

فإذاً: يقول الشيخ الوحيد (حفظه الله) إن ما أفاده السيد الخوئي (ره) على طبق مبناه في الواجب التخييري يكون تاماً، ولكن هذا لا نقبله، لا نقبل ما أفاده السيد الخوئي، وعدم القبول يعني لا نقبل أصل مبناه في الواجب التخييري، هناك نناقش أنه لا يوجد عندنا دليل على فرض تعقل المعنى الانتزاعي ثبوتاً وكونه متعلَّق للحكم ثبوتاً، نقول: لا يوجد عندنا دليل في عالم الإثبات يدل على أن المتعلق هو عنوان أحدهما، فنحن لا نقبل بأصل المبنى، مضافاً إلى أن مناقشة المحقق النائيني على مقتضى مبنى السيد الخوئي هذا غير فني، يفترض أن يناقش المحقق النائيني على طبق مبناه لا على طبق مبنى السيد الخوئي، يعني يقول على مبنانا القول بالاشتغال لا يجري، هذا غير فني.

الشيخ الوحيد (حفظه الله) يقول: هنا لا بد من التفصيل بين أن يكون الوجوب التخييري هو التخيير العقلي وبين أن يكون التخيير تخييراً شرعياً، إذا كان التخيير عقلياً فالتخيير العقلي يأتي فيه ما ذكره السيد الخوئي (ره) أيضاً، يعني التخيير العقلي مثلما مثلنا سابقاً: تجب الصلاة هذا الكلي، أنت أيها المكلف مخير أن تأتي بهذه الصلاة في المسجد أو في الدار أو في المدرسة أنت مخير، هنا لو فرضنا شككت هل يجب الإتيان بها في المسجد؟ تعلم بوجوب الصلاة الكلي، ولكن هل يجب الإتيان بها في خصوص المسجد؟ عندما تشك هنا تجري البراءة عن هذه الخصوية، ففي الوجوب في التخيير العقلي يأتي ما أفاده السيد الخوئي، يعني أعلم بالمتعلق وهو الطبيعي وهو الكلي وهذا قدر متيقن وأشك في وجوب الخصوصية، لما شككت في وجوب الخصوصية أمكن جريان البراءة، أما في الواجب بالوجوب التخييري الشرعي هذا الكلام لا يأتي لأن متعلق الحكم هو نفس الفرد يعني التعيين الصوم الإطعام حتى في التخيير تقول: يجب إما الصوم وإما الإطعام ولا تقول يجب أحدهما ففي التخييري لا يوجد عندنا، تقول يجب إما الصوم أو الإطعام، إما الصوم تعييناً أو الإطعام، هنا النسبة بينهما نسبة التباين، إذا كانت النسبة هي التباين بينهما لا يمكن أن نوجد قدر متيقن وهذا واجب لا إشكال فيه ونشك في الزائد في الخصوصية، بل نقول هنا: يدور الأمر بين المتباينين بالنسبة إلى الصوم في الفرض يبرئ للذمة ويبرئ عن اشتغال الذمة وأما بالنسبة إلى الإطعام فنشك، إن كان واجباً تخييرياً تفرغ الذمة وإن لم يكن واجباً تخييرياً لا تفرغ الذمة، عليه: مقتضى القاعدة هو الاشتغال، فإذاً: يفصل الشيخ الوحيد (حفظه الله) بين التخيير العقلي فهنا تجري البراءة عند الشك في الخصوصية وبين التخيير الشرعي فيجري الاشتغال ويكون مؤيداً في هذه النقطة لكلام المحقق النائيني أن الشك ليس شكاً في التكليف وإنما هو شك في الامتثال، أنا أعلم بوجوب هذا ولكن أشك في وجوب الآخر وليس عندي قدر متيقن الذي هو جامع أو الذي هو الكلي حتى تقول هذا الجامع نعلم بوجوبه وهو قدر متيقن ونشك في الخصوصية، لا يأتي هذا الكلام، هذا حاصل ما أفاده الشيخ الوحيد (حفظه الله) في مناقشته للسيد الخوئي (ره).

ولكن هنا لنا تعليق على كلام الشيخ الوحيد (حفظه الله) وسيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo