< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام التزاحم:

كان الكلام في صور دوران الأمر بين التعيين والتخيير وذكرنا فيما سبق دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجية وانتهينا منه، وذكرنا أيضاً القسم الثاني الذي اعتبرناه ثالثاً في بادئ الأمر، وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام التزاحم، وهذا نستطيع أن نقول أحد قسمي دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال ويمكن أن نقسمه إلى قسمين القسم الأول منهما هو دوران الأمر في مقام التزاحم وهو الذي ذكرناه سابقاً.

وحاصله: أنه لو دار الأمر بين محتمل الأهمية وبين غيره، هل القاعدة تقتضي التعيين أو لا؟ إذا كان الواجبان متساويين في الملاك فلا إشكال أنه إذا دار الأمر بينهما فهنا لا يمكن أن يسقطا معاً لعلمنا بوجود الملاك الملزم في البين، فعليه: قلنا سابقاً بأن نرفع اليد عن الإطلاق إطلاق كلا الدليلين بمعنى أن دليل الأول هو في حد نفسه مطلق سواء أتيتَ بالثاني أو لم تأتِ بالثاني يقول الدليل الأول إيتي بهذا المتعلق أتيت بالأول أو لم تأتِ بالأول، أنقذ هذا الغريق أنقذت الثاني أو لم تنقذ الثاني، ودليل الآخر نفس الكلام مطلق.

الآن لما وقع التزاحم نرفع اليد عن كلا الإطلاقين بحيث نقول إنه يجب الإتيان بكلٍ منهما مشروطاً بترك الآخر، أو نقول مباشرة: أنت مخير في الإتيان بأيٍ منهما على حسب الخلاف الموجود في باب الواجب التخييري، أما إذا كان أحدهما محتمل الأهمية والآخر لا نحتمل أهميته، مثلاً: فرضنا أن إنقاذ العالم أهم من إنقاذ غير العالم والعالم مرجع ووجوده له دور كبير ومؤثر المهم قام الدليل عندنا على أهمية العالم على غير العالم، إذا وجدنا غريقين ونحتمل أن أحدهما هو العالم، الآن هنا يدور الأمر بين التعيين والتخيير، وجدنا غريقين وليست عندنا إلا قدرة واحدة لا يمكن أن ننقذهما معاً فهنا المكلف إما أن ينقذ هذا أو ذاك، نحتمل أن أحدهما هو العالم الذي قلنا سابقاً بأن العالم أهم فإذاً هنا نحتمل الأهمية فعلاً فدار الأمر بين التعيين والتخيير بين محتمل الأهمية وبين غيره، في مثل المقام على حسب ما ذكرناه سابقاً، قلنا بأن إطلاق غير محتمل الأهمية ساقط على كل تقدير إن كان الثاني أهم فهذا يسقط إطلاقه وإن كان الثاني غير أهم فهذا إطلاقه يسقط، فإذاً غير محتمل الأهمية ساقط الإطلاق جزماً، وأما بالنسبة إلى محتمل الأهمية فلم نعلم بسقوط إطلاقه ولا دليل على سقوط إطلاقه فيجب الإتيان به.

ويمكن أن نقول بعبارة أخرى: عندما دار الأمر هنا بين التعيين والتخيير بين أن يكون أحدهما محتمل الأهمية والآخر غير محتمل الأهمية نقول: بالنسبة إلى الإتيان بمحتمل الأهمية لا محذور فيه جزماً إن كان في الواقع هو الأهم تحقق الامتثال وأتى بملاكه وإن كان في الواقع ليس أهم فهو مخير بينه وبين الآخر فاختار هذا، فالإتيان بمحتمل الأهمية لا محذور فيه عقلاً أصلاً ومحقق للغرض ومحقق للملاك، وأما الإتيان بغير محتمل الأهمية فهنا لا نحرز جوازه لأن جوازه على تقدير عدم التمكن من الإتيان بالآخر يعني فيه محذور ونحتمل أن الآخر هو المطلوب معيناً وهذا أُخذ فيه أن لا يكون الآخر هو المطلوب معيناً فتفويت ملاك محتمل الأهمية بالإتيان بغير محتمل الأهمية لا دليل على جوازه، تفويت ملاك غير محتمل الأهمية بالإتيان بمحتمل الأهمية لا محذور فيه، وأما تفويت ملاك محتمل الأهمية بالإتيان بغير محتمل الأهمية هنا لا دليل على جوازه، يتوقف على عجز المكلف عن الإتيان بمحتمل الأهمية، إذا عجز المكلف عن الإتيان بمحتمل الأهمية عجزاً تكوينيا ً أو عجزاً تشريعياً هنا نأتي بالآخر، والعجز غير حاصل بالنسبة إلى محتمل الأهمية قادر عليه تكويناً وغير عاجز وتشريعاً إذا كان مأمور بالآخر تعييناً يكون عاجزاً عنه تشريعاً والفرض أنه لم يؤمر بالآخر تعييناً حتى يكون عاجزاً عن الإتيان بمحتمل الأهمية.

إذاً حاصل الكلام نقول: في هذه العبارة الثانية أن الإتيان بمحتمل الأهمية لا محذور فيه والإتيان بغير محتمل الأهمية فيه محذور فلهذا عقلاً العقل يقول: إيتي بمحتمل الأهمية فعندما دار الأمر بين التعيين والتخيير في مقام التزاحم العقل يقول: التعيين، هذا القسم الأول من دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال.

القسم الثاني من دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لكن لا من جهة التزاحم، القسم الأول كان من جهة التزاحم دار الأمر بين التعيين والتخيير وهنا لا من جهة التزاحم، في مقام الامتثال ولكن لا من جهة التزاحم، مثال ذلك: ما إذا دار الأمر في مقام الإطاعة والامتثال بين الإطاعة التفصيلية مع التمكن منها وبين الإطاعة الإجمالية، مثلاً تجب الصلاة على المكلف، الآن فعلاً لا يعلم بجهة القبلة تفصيلاً ودار الأمر عنده بين جهتين يعلم إجمالاً أن القبلة إما لجهة الغرب وإما لجهة الجنوب، هنا يمكنه أن يتحقق من الأمر ويعرف باتجاه القبلة ويمتثل بالإطاعة التفصيلية، لو امتثل في مقام الإطاعة بحيث صلى إلى الجهتين كرر الصلاة صلاة إلى جهة الغرب وصلاة إلى جهة الجنوب هنا طاعة إجمالية، الآن فعلاً هو قبل أن يأتي بشيء دار الأمر عنده بين تعيين الإطاعة التفصيلية وبين التخيير بين الإطاعة التفصيلية والإطاعة الإجمالية، هو إما مخير في مقام الامتثال إما أنه يتعين عليه التثبت ومعرفة القبلة يقيناً فيصلي إلى جهة القبلة بالخصوص إطاعة تفصيلية أو ليس بالضرورة نقول له أنت يمكنك أن تصلي صلاتين فتحرز الواقع فدار الأمر بين التعيين الإطاعة التفصيلية وبين التخيير بين الإطاعة التفصيلية والإجمالية إذا تريد أن تتثبت تثبت وإذا تريد أن تصلي إلى الجهتين صلِّ، هنا عندما دار الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لا من جهة التزاحم كالمثال الأول في مثل هذا الفرض أيضاً نقول بالتعيين باعتبار أن حكم العقل هو هو دار الأمر بين التعيين والتخيير بالنسبة إلى التعيين يعلم جزماً بتحقق الامتثال وفراغ ذمته، أما بالنسبة إلى الإطاعة الإجمالية فلا يحرز يرجع الكلام هنا، عنده اشتغال يقيني بالتكليف والاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني والفراغ اليقيني بالإتيان بالإطاعة التفصيلية، إذا أتى بالإطاعة التفصيلية تفرغ ذمته حتماً، أما إذا أتى بالإطاعة الإجمالية فلا، يشك هل أنه برأت ذمته أو لا؟ العقل يقول الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

هاتان صورتان والصورة الثانية لها صورتان صار المجموع تقريباً ثلاث، دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجية قلنا بالتعيين ودوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال من جهة التزاحم قلنا بالتعيين ودوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لا من جهة التزاحم قلنا بالتعيين، هذه الصور الثلاث خارجة أساساً عن البحث بُحثت هنا ولكن هي في واقعها خارجة عن أصل البحث بحيث أنه نجري البراءة أو نجري الاشتغال هنا الحكم العقلي التعيين، في الأخير يمكن أن ندرجه وإن كان هو مقتضى الحكم العقلي التعيين.

الصورة الثالثة: الآن نرجع إلى الصورة التي عنوناها الصورة الثانية هي الآن فعلاً صارت الصورة الثالثة: وهي دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الحكم الواقعي، هذه المسألة هي المهمة وهي التي لها تمام الصلة في بحثنا، هذا القسم مثاله العام ما ذكرناه سابقاً في بادئ الحديث في أول المطلب وهو أنه دار الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الحكم بالنسبة إلى صلاة الجمعة في عصر الغيبة، هل الشارع أوجب صلاة الجمعة على نحو التعيين أو أوجبها على نحو التخيير بينها وبين صلاة الظهر؟ هنا نشك في مقام الجعل بين التعيين والتخيير، دار الأمر بين الأمر بين التعيين والتخيير، السيد الخوئي (ره) قال في هذا القسم عندنا ثلاث صور فنذكر فعلاً ما ذكره السيد الخوئي (ره) ثم يأتي التعليق على ذلك فيما بعد:

الصورة الأولى: يقول: هي أن يعلم وجوب كلٍ من الفعلين في الجملة ويدور الأمر بين أن يكون كلٌ منهما مطلوباً تعييناً أو يكون كلٌ منهما مطلوباً بنحو التخيير، إذا كان المطلوب الوجوب المتعلق بهما تعييناً يعني يجب الإتيان بهما معاً في حالة التمكن وإذا كان المطلوب أحدهما تخييراً يعني يجبب الإتيان بأحدهما فقط فدار الأمر هنا بين الإتيان بهما يعلم بوجوب كلٍ من الفعلين في الجملة ولكن يدور الأمر هل أن وجوبهما على نحو التعيين فيجب الإتيان بهما معاً أو الإتيان بهما على نحو التخيير فيجب الإتيان بهما مخيراً، هذه صورة.

الصورة الثانية: أن يعلم وجوب كلٍ منهما وجوب فعلٍ في الجملة ويعلم بسقوطه لو أتى بالآخر ولكن لا يعلم هل أن الآخر عدلٌ له بالأول أو ليس بعدلٍ، مثال ذلك: وإن كان المثال فيه إشكال ولكن للتقريب فعلاً، يعلم بوجوب القراءة في الصلاة ولكن يعلم بوجوبه في الجملة ويعلم أنه لو صلى جماعة تسقط عنه القراءة، إذاً علم بوجوب القراءة في الجملة ومن جهة أخرى يعلم بسقوط القراءة عند الإتيان بالصلاة جماعة ولكن يشك فعلاً هل الصلاة جماعة عدلٌ تخييريٌ للقراءة في الصلاة أو لا، القراءة في الصلاة مشروطة بعدم الإتيان بها جماعة؟ وجوب القراءة على المكلف هل هو مشروط بعدم الإتيان بالصلاة جماعة أو من أول الأمر المكلف مخير بين أن يأتي بالصلاة مفردة يعني أن يأتي بالقراءة عند الصلاة مفردة وبين ألا يأتي بالقراءة عند الصلاة جماعةً يعني أن يصلي جماعة فلا يأتي بالقراءة، فصار عندي وجوب في الجملة يتعلق بفعل وبالنسبة إلى الفعل الآخر هل هو عدلٌ فيكون الوجوب الأول وجوب تخييري؟ أو هو ليس بعدلٍ فوجوب الأول وجوب تعييني ولكنه مشروط بعدم الإتيان بالصلاة جماعة، فهنا إذاً دار الأمر بين الوجوب التخييري وبين الواجب الأول أو كونه مسقطاً صلاة الجماعة عدل أو هي مسقط.

تظهر الثمرة هنا بين الاحتمالين إذا عجز المكلف عن القراءة فإنه على تقدير كون الوجوب تخييرياً يتعين عليه الائتمام، أنا عجزت عن القراءة المكلف عاجز عن القراءة وهذا وجوب تخييري صلاة الجماعة نقول له مثله مثل بقية الصلوات إذا عجزت عن أحد أفراد التخيير يتعين الثاني، عجزت عن الصيام يتعين الإطعام في كفارة الصوم، هنا عجزت عن القراءة عدلها الصلاة جماعة، هذا إذا قلنا بأنه تخييري، أما إذا قلنا بأن صلاة الجماعة مجرد مسقط يعني إذا صليت سقطت عنك القراءة وليست عدل، الآن إذا كان عاجزاً عن الإتيان بالقراءة لا نقول له تتعين عليك صلاة الجماعة لأنها ليست عدلاً وإنما القراءة مشروطة بعدم الإتيان بالجماعة لكنها ليست عدلاً، فعليه: في المثال نقول: إذا لم تتمكن لا يجب عليك القراءة ولا تجب عليك صلاة الجمعة، إذاً هاتان الصورتان الأوليتان من القسم الثالث، وللحديث بقية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo