< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

البحث في أقسام دوران الأمر بين التعيين والتخيير:

تقدم الكلام عندنا في القسم الثالث وقلنا بأن المحقق النائيني (قده) أرجعه إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير وقسَّم دوران الأمر بين التعيين والتخيير إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجية.

القسم الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الجعل بالنسبة إلى الحكم الواقعي.

القسم الثالث: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال.

وأجرى في جميع هذه الموارد وهذه الأقسام الثلاثة أجرى قاعدة الاشتغال، وتفصيل البحث: ذكرنا القسم الأول وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجية، ويمكن أن يعبر عنه دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الأحكام الظاهرية، وله أمثلة في ذلك:

المثال الأول: لو دار الأمر بين وجوب تقليد الأعلم تعييناً أو المكلف مخير بين تقليد الأعلم وتقليد غيره، في مثل هذا المثال، هنا يدور الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجية، بمعنى هل الحجة جعلت لخصوص الأعلم؟ قول المرجع حجة على العامي، فهل خصوص الأعلم يعني قول الأعلم بخصوصه بعينه هو الحجة، أو أن الحجة بالنسبة إلى المكلف مخيرة بين قول الأعلم وبين قول غير الأعلم؟

المثال الثاني: لو دار الأمر بين حجية خصوص خبر العادل أو حجية مطلق خبر الثقة سواء كان عادلاً أو ليس عادلاً، المهم في مثل هذا المورد عندنا دوران الأمر بين التعيين والتخيير.

في المثال الأول الذي ذكرناه وهو دوران الأمر بين حجية قول الأعلم أو غيره، يمكن أن نتصور الدوران فيه من جهتين، يعني تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية، وتارة يكون من جهة الشبهة الموضوعية.

توضيح ذلك: أنه تارة المكلف يشك أو نحن نشك هل أن الشارع جعل حجية قول الأعلم على نحو التعيين؟ أو جعل حجية قول الأعلم على نحو التخيير بينه وبين غير الأعلم؟

هذه الشبهة شبهة من ناحية الحكم، وتارة تكون الشبهة من ناحية الموضوع، لو أحرزنا من ناحية الحكم حجية قول الأعلم بخصوصه، مادام موجوداً فقوله هو الحجة، ولكن شككنا هل أن زيداً هو الأعلم أو أنه متساوٍ مع عمرو؟ فهنا يدور الأمر بين التعيين والتخيير وجهة الشبهة شبهة موضوعية، أنا أحتمل إما أن زيداً بخصوصه هو الأعلم أو أنه وعمرو متساويان، هنا أيضاً يدور الأمر بين تعيين زيد بخصوصه لأنه يحتمل كونه الأعلم ولا نحتمل كون عمرو هو الأعلم ويحتمل أنهما متساويان ويكون قولهما حجة تخييراً عليَّ، فإذاً نتصور من حيث التصور أن دوران الأمر بين التعيين والتخيير تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية وتارة يكون من جهة الشبهة الموضوعية الخارجية، وعلى كل تقدير سواء قلنا بالجهة الحكمية أو بجهة الشبهة الموضوعية في المقام نقول: بأن مقتضى القاعدة هو التعيين وبالتالي تكون نتيجته نتيجة الاشتغال، والسر في ذلك: أننا الآن بالنسبة إلى احتمال جعل خصوص الأعلم، نلاحظه أيضاً من جهتين حتى يكون التفصيل أوضح:

تارة نلاحظ المسألة من جهة عقلية، وتارة نلاحظ المسألة من جهة شرعية، أما من الجهة العقلية: ما هو موضوع حكم العقل في المقام؟ هو نقول: قاطع العذر، بمعنى أن المكلف ذمته مشغولة فيريد ما يقطع عذره بينه وبين الله تعالى، ما يبرئ ذمته أمام الله تعالى فيقطع هذا العذر، وبالنسبة إلى قول الأعلم في حقه إذا كانت الشبهة حكمية وإذا كانت الشبهة موضوعية بالنسبة إلى محتمل الأعلمية، نقطع بأنه عذر، لما ذا أتيت بهذا الفعل؟ يقول المكلف اعتماداً على رأي الأعلم، أو في الشبهة الموضوعية على رأي محتمل الأعلمية، هذا قاطع للعذر، فإذاً الإتيان بالفعل على طبق قول الأعلم قاطع للعذر، يقطع بحجيته عليه، وبالنسبة إلى الإتيان بالفعل استناداً إلى قول غير الأعلم مشكوك، هل أنه ينقطع العذر أو لا؟ هنا الشبهة موضوعية لنفس موضوع الحكم العقلي.

وبعبارة أخرى: نقول: بالنسبة إلى قول الأعلم نقطع بحجيته على كل تقدير، إن كنا بنحو التعيين فهو حجة وإن كان بنحو التخيير فهو حجة، إذاً قوله حجة على كل تقدير، وبالنسبة إلى قول غير الأعلم فهو مشكوك الحجية والقاعدة المسلَّمة ومرَّت في بحوث سابقة: أن الشك في الحجية مساوق للقطع بعدم الحجية، ربما تسأل كيف يجتمعان؟ الشك في الحجية يساوق القطع، الشك يساوق القطع بالعدم، كيف يكون ذلك؟ نقول: المراد أن الشك في الحجية من حيث الواقع، هل هو حجة واقعاً أو ليس بحجة واقعاً؟ يساوق القطع بعدم الحجية الفعلية، فإذاً متعلَّق الشك هو الحجية الواقعية، هل هو حجة أو ليس بحجة؟ ومتعلق القطع الحجية الفعلية، فالمشكوك حجيته واقعاً، هناك نشك واقعاً هل هو حجة أوليس بحجة؟ في مقام الفعلية نقول: نقطع بعدم حجيته، يعني لا محرز لنا على أنه حجة وإذا أتيت به واعتمدت عليه لا تعلم ببراءة ذمتك، إذاً القاعدة في هذه الجهة هو أن نقول: التعيين عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير القاعدة هي التعيين يستتبع ذلك القول بالاشتغال، فإذاً القول بالاشتغال عندما يقول المحقق النائيني لا تجري البراءة ونجري الاشتغال جريان الاشتغال معقب على التعيين يعني بعد أن ثبتت التعيينية بحكم العقل الذي ذكرناه هنا عندما دار الأمر بين التعيين والتخيير قلنا بالتعيين، نتيجته أن نقول بالاشتغال، هذا إذا لاحظنا المسألة من جهة عقلية.

إذا لاحظنا المسألة من جهة شرعية: نقول: بالنسبة إلى الحجية، حجية قول غير الأعلم كحجية قول الأعلم، الحجية حكم وضعي شرعي ما هو منشؤه الآن شيء آخر، هذا الحكم الوضعي جعلي يعني حادث مسبوق بالعدم مجعول، الآن نعلم بأن الشارع جعل الحجية لقول الأعلم ولكن بالنسبة إلى قول غير الأعلم هل جعل الشارع الحجية له أو لم يجعلها له؟ نشك، إذا شككنا عندنا أصلان: أصل عدم الجعل وأصل عدم المجعول، يمكن تصوراً أن نتصور الإثنين، أصالة عدم الجعل وتارة أصالة عدم المجعول، أصالة عدم الجعل ربما يأتي فيه إشكال المثبتية فلهذا الآن نرفع اليد عنه، ولكن أصالة عدم المجعول، هذا الحكم مجعول أو ليس بمجعول؟ نستطيع أن نجري أصالة عدم الحجية من جهة عدم المجعول، فإذاً تارة نتصور أصالة عدم الحجية من حيث عدم الجعل، قلنا هذا نرفع اليد عنه لاحتمال شبهة الإثبات كونه أصلاً مثبتاً، أما أصالة عدم الحجية من حيث المجعول بما أنه مجعول هنا يجري فيه الأصل.

فإذاً عندنا طريقان: طريق عقلي عندما يدور الأمر بين التعيين والتخيير ونقول أصال التعيين وأيضاً عندنا طرق شرعي هو أصالة عدم حجية قول غير الأعلم، هذا ما يمكن الآن فعلاً أن نقوله في دوران الأمر بينهما.

نريد أن نضيف شيء: من هذا القبيل أيضاً نستطيع أن ندرج هذا المثال: أنه دوران الأمر بين التعيين والتخيير في المسألة الأصولية أيضاً يندرج فيه، بيان ذلك: الآن لو لاحظنا مورد تعارض النصين، تعارض نصان أحد النصين يوجد فيه ما يحتمل أن يكون مرجحاً ما عندنا دليل قاطع يدل على أن هذه المزيَّة مرجحة، توجد فيه مزيَّة ولكن لا يوجد عندنا دليل أن هذه المزيّة مرجحة، كما أنهم عندهم بحث بالنسبة إلى تعارض النصين مع وجود بعض المزايا، هل يمكن أن نتعدى عن مورد النص؟ النص ذكر الترجيح بموافقة الكتاب وبمخالفة العامة وبالأشهرية وكذا، لو أمر آخر غير موجود في ضمن هذه المزيات المنصوص عليها لكن هي تعتبر مزيّة، هنا تعارض النصان أحد النصين فيه مزيّة نحتمل أن تكون هذه المزيّة مرجحة له، هنا أيضاً يمكن أن نتصور دوران الأمر بين التعيين والتخيير في المسألة الأصولية، هل أن المكلف المجتهد مثلاً مخير بين الأخذ بأي أحد من الدليلين أو أنه يجب عليه أن يأخذ بالخبر ذي المزيّة بعينه؟ نتصور دوران الأمر بين حجية ذي المزيّة بعينه وبين حجية ذي المزية مخيراً معه ومع غيره، هنا أيضاً نطبق نفس القاعدة السابقة.

نقول: بالنسبة إلى الخبر ذي المزية نقطع بحجيته على كل تقدير إن كان بنحو التعيين فهو حجة وإن كان بنحو التخيير فهو حجة، وبالنسبة إلى الخبر فاقد المزية نشك في حجيته والشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها، مشكوك الحجية مقطوع بعدم حجيته، إن شككنا في حجيته في الواقع إذاً نقطع بعدم حجيته في مقام الفعلية، إذاً على هذه التقادير وهذه الأمثلة كلها القاعدة واحدة وهي الحجية التعيينية يعني ما يحتمل أنه هو المعين هو الذي يكون حجة، هذا بالنسبة إلى القسم الأول وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجية في مقام جعل الحكم الظاهري، وهذا الأمر فيه واضح، ولهذا نلاحظ الفقهاء في موارد هذه القاعدة في فتاواهم يمشون على هذا الأمر.

القسم الثاني: وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير الذي جعلناه ثالثاً لأنه قلنا دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية ودوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الأحكام الواقعية ودوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال، القسم الثاني نؤخره لطوله، والقسم الثالث: يمكن أن نجعله ذا قسمين بهذا الاعتبار:

دوران الأمر بين التعيين والتخيير في باب التزاحم، يمكن أن نجعله باب مستقل ويمكن أن نجعله من قسم دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال، دوران الأمر بين التعيين والتخيير في باب التزاحم مثلما إذا كان واجبان أحدهما محتمل الأهمية كما مثلنا سابقاً، نفترض كفرضية يوجد عندنا غريقان أحدهما عالم والآخر غير عالم، عالم وله شأنه وتدور حوله أمور واجبات كثيرة، هنا نفترض الآن أنه محتمل الأهمية، هنا دار الأمر بين التعيين والتخيير لأنه أنا ليس عندي إلا قدرة واحدة على الإنقاذ إما أن أصرفها في إنقاذ العالم أو أصرفها في إنقاذ غير العالم، أحتمل أهمية إنقاذ العالم، إذاً واجبان أحدهما محتمل الأهمية، وبما أنه أحدهما محتمل الأهمية في مثل هذا المورد دوران الأمر بين التخيير والتعين في باب التزاحم.

في مثل هذا الفرد أيضاً نلتزم بالتعيين؛ السبب أنه عندنا إطلاق في الدليلين يفترض ذلك، الآن إذا كان عندنا واجبان كل واجب دل عليه دليل فعندنا واجبان أحدهما محتمل الأهمية تزاحما لا يمكن أن آتي بهما معاً، هنا دليل الأول مطلق يجب الإتيان بمتعلقه سواء زاحمه غيره أو لم يزاحمه، دليل الثاني أيضاً مطلق يجب الإتيان بمتعلقه سواء زاحمه غيره أو لم يزاحمه غيره، هنا تزاحم صار لأنهما مطلقين، هنا في مثل هذا التزاحم في حالة التخيير نقيد كل واحد من الإطلاقين بالآخر، يجب الإتيان بهذا ما لم تأتِ بذاك ويجب الإتيان بهذا ما لم تأتِ بذاك، هنا صار تزاحم نقيد كل واحد من الإطلاقين، ليس هذا على إطلاقه وليس هذا على إطلاقه وإنما لا بد أن نرفع اليد عن الإطلاق، وإذا كان أحدهما محتمل الأهمية نقول: تقييد غير محتمل الأهمية قطعاً موجود، يجب الإتيان بهذا ما لم تأتِ بالواجب الآخر، هذا التقييد قطعاً متحقق وقطعاً نرفع اليد عن إطلاقه الذي لا يحتمل أهميته، وبالنسبة إلى ما يحتمل الأهمية هو كان في الأساس مطلق هل نرفع اليد عن إطلاقه يعني هل قُيّد بالدليل الآخر أو لم يقيد بالدليل الآخر؟ ليس عندنا دليل على التقييد بحيث نقول يجب الإتيان بمحتمل الأهمية إن لم يأتِ بالآخر هنا لا يوجد عندنا دليل على ذلك.

إذاً مرجع التخيير إلى الالتزام بتقييد الإطلاق في كلٍ منهما ومحتمل الأهمية لا نعلم بتقييده، أما بالنسبة إلى الآخر فهو مقيد على كل تقدير، فلهذا نقول في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في باب التزاحم يقدم التعيين الذي هو محتمل الأهمية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo