< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

البحث في القسم الثالث من الأجزاء التحليلية:

انتهينا من القسمين الأولين في الأجزاء التحليلية، القسم الأول: في الشرط ويكون منشؤه أمر مستقل كشرطية الطهارة مثلاً الناشئة من الوضوء أو شرطية الستر في الصلاة، والقسم الثاني: هو دوران الأمر بين المطلق والمقيد يعني أن يكون الجزء غير مستقل عن المأمور به، يعني عتق الرقبة الإيمان ليس مستقلاً عن الرقبة في الرقبة المؤمنة، هذا الأمران تقدم الكلام فيهما وقلنا بأن الصحيح هو جريان البراءة فيهما.

الآن القسم الثالث: الذي قلنا بأن الشيخ الأنصاري (قده) عبّر عنه دوران الأمر بين التعيين والتخيير وهو في الواقع لم يجعله قسماً ثالثاً في بادئ الأمر فكما في عبارته التي قرأناها سابقاً يذكر القسمين الأولين، ثم قال مما ذُكر يظهر كذا وكذا، ولكن عبّر يظهر الكلام فيما لو دار الأمر بين التخيير والتعيين، فإذاً ابتداءً نستطيع أن نقول جعل هذا القسم الثالث بين التعيين والتخيير.

السيد الخوئي (ره) كما نقلنا عنه سابقاً عنون هذا القسم الثالث بعنوان أن يكون ما يحتمل دخله في الواجب مقوماً للواجب، بأن تكون نسبته إليه نسبة الفصل إلى الجنس.

فالفرق بين القسم الثالث والقسم الثاني: أن القسم الثاني غير منفك عن المأمور به غير مستقل عن المأمور به بل هو متحد معه خارجاً الإيمان مع الرقبة ولكنه غير مقوم للرقبة، الإيمان يتحد مع الرقبة المؤمنة خارجاً ولكن هل هو مقوم لها؟ نقول لا ليس مقوماً للرقبة، ولهذا تكون عندنا رقبة مؤمنة ورقبة غير مؤمنة، أما هذا القسم الثالث: مضافاً إلى كونه غير مستقل عن المأمور به هو مقوم أيضاً له، كما مثل نسبته إليه نسبة الفصل إلى الجنس، مثاله ما لو تردد التيمم الواجب بين كونه على خصوص التراب أو على مطلق وجه الأرض؟ فهنا الأرض جنس ولها أنواع نوع تراب ونوع حجر ونوع رمل وهكذا، وهنا عندما تردد هل أن التيمم الواجب تعلق بالتراب أو تعلق بمطلق وجه الأرض الشامل للتراب وغيره؟ هنا يكون عندنا جنس وفصل ويكون ما يحتمل دخله في الواجب وهو التراب نحتمل أن الواجب خصوص التيمم بالتراب هذا مقوم للمأمور به مقوم إلى المطلوب، أو مثلاً مثال آخر: لو قال المولى لعبده إيتني بحيوان يُكب فشك هل أراد خصوص الفرس أو أراد ما يشمل الفرس والحمار والبغل وهكذا؟ هنا الحيوان جنس والفرس فصل والفصل الذي يُحتمل أنه واجب الذي نشك بوجوبه ودخله في الواجب هذا مقوم للحيوانية كما هو واضح.

المهم: هنا وقع البحث في القسم الثالث: الشيخ الأنصاري (قده) قال: بأن هذه المسألة اعتبرها في غاية الإشكال ولكن الترجيح عنده إلى عدم جريان البراءة، يعني في بادئ الأمر ذكر بأن هناك وجهين بل قولان قول بجريان البراءة وقول بعدم جريان البراءة وقال بأن المسألة في غاية الإشكال ولكن في الأخير رجّح القول بالاشتغال وعدم جريان البراءة.

المحقق صاحب الكفاية (قده) أيضاً استشكل في جريان البراءة في هذا القسم والمحقق النائيني (قده) أيضاً لم يجرِ البراءة في هذا القسم.

أما بالنسبة إلى الشيخ فإنه هو منشأ البحث وهو من أول الأمر جعل دوران الأمر بين التعيين والتخيير فنذكر عبارته ولو سريعاً، يقول: (مما ذكرنا يظهر الكلام فيما لو دار الأمر بين التخيير والتعيين كما لو دار الواجب في كفارة رمضان بين خصوص العتق للقادر عليه وبين إحدى الخصال الثلاث، هل يجب في الكفارة خصوص العتق أو مخير بين العتق والإطعام والصيام، فإن في إلحاق ذلك بالأقل والأكثر فيكون نظير دوران الأمر بين المطلق والمقيد القسم الثاني أو بالمتباينين يلحق، وجهين بل قولين) فإذاً هو جعل دوران الأمر بين التعيين والتخيير، هل عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير يلحق بالأقل والأكثر شبيه القسم الثاني المطلق والمقيد؟ أو يلحق بالمتباينين؟ إذا ألحقناه بالقسم الثاني تجري فيه البراءة بحسب نظر الشيخ وإذا ألحقناه بالمتباينين فهما مجرى للاشتغال كما أفاده هناك في القسمين الأولين صاحب الكفاية وقد بينا كلامه في ذلك، ثم بيّن الوجه في الوجهين، قال: (من عدم جريان أدلة البراءة في المعيّن) هذا وجه للقول بالاشتغال يعني وجه لجعله من قبيل المتباينين ذكر في ذلك وجهين، الوجه الأول: أن أدلة البراءة لا تجري في المعين، العتق في المثال، يعني نقول: نجري البراءة عن لزوم العتق بخصوصه، لا تجري لأن البراءة بالنسبة إلى المعين معارضَة بالنسبة إلى المخيَّر، أصل البراءة في المعين يتعارض مع أصل البراءة في المخير، هذا وجه، وأيضاً ليس بينهما قدر مشترك يعني بين العتق والإطعام والصيام حتى نقول هذا القدر المشترك متيقن وبالنسبة إلى هذا المتيقن لا تجري فيه البراءة وبالنسبة إلى ما زاد عن القدر المتيقن نجري فيه البراءة، لا، هنا ليس من هذا القبيل، يعني لا يوجد قدر مشترك خارجي أو ذهني لا من قبيل القسم الأول ولا من القسم الثاني، هذا وجه لجريان الاشتغال.

ووجه البراءة: أن الإلزام بخصوص العتق هذه كلفة زائدة، تجب الكفارة والكفارة معينة في خصوص العتق، هذه الخصوصية خصوص العتق مؤونة زائدة وكلفة زائدة، بما أنها كلفة زائدة يمكن جريان البراءة فيها، المهم النتيجة: قال بعد كلام: (والمسألة في غاية الإشكال لعدم الجزم باستقلال العقل بالبراءة عن التعيين بعد العلم الإجمالي) أعلم إجمالاً بوجوب خصوص المعين أو المخير، وعدم كون المعين المشكوك فيه أمراً خارجاً عن المكلف مأخوذاً فيه على وجه الشطرية كما في القسم الأول أو على وجه الشرطية على نحو الأجزاء الخارجية أو على نحو الأجزاء التحليلية الشرطية، بل هو على تقديره عين المكلف به.

ثم قال: (فلعل الحكم بوجوب الاحتياط وإلحاقه بالمتباينين لا يخلو عن قوة) هذا حاصل كلام الشيخ.

طبعاً ذكرنا كلام الشيخ بطوله وبتوضيحه ليتضح السر فيما بعد أن رأي المحقق النائيني أرجعه إلى ذلك ولكن في مرحلة المحقق النائيني تبلور البحث بصورة أكثر كما سيتضح من خلال الكلام.

المحقق الآخوند قلنا أيضاً أجرى الاشتغال ولم يجرِ البراءة هنا لا العقلية ولا النقلية، والمحقق النائيني أيضاً أجرى الاشتغال، ما هو الوجه في جريان الاشتغال عند المحقق النائيني؟ الوجه عنده هو قال: عندنا كما قلنا نسبة الفصل إلى الجنس، المحقق النائيني قال: إن الجنس لا تحصّل له في الخارج إلا في ضمن الفصل، حيوان لوحده في الخارج لا يوجد إما في ضمن الفرس أو في ضمن البغل أو في ضمن الحمار أو الأسد وهكذا، إذاً هذا الجنس وهو الحيوان لا تحصّل له في الخارج إلا في ضمن فصل من الفصول، إذاً لا يعقل تعلق التكليف به بدون أخذه متميزاً بفصل يعني لا يمكن أن يتعلق التكليف به إلا إذا أُخذ متميزاً في ضمن فصل من الفصول بحيث يقول إيتني بفرس بحمار ببغل إذا كان يطلب الحيوان لأجل الركوب، فإذاً بما أنه لا يمكن تعلق التكليف به إلا في ضمن فصل من الفصول فهنا يدور أمر متعلق التكليف بين كونه متميزاً بفصل خاص أو بفصل ما من فصوله، عندما أمر المولى عبده أن يأتيه بحيوان وتردد أمر الحيوان هل هو خصوص الفرس أو مطلق الحيوان؟ هنا دار الأمر من بعد أن عرفنا المقدمة أن الجنس لا تحصّل له في الخارج وإنما يتعلق به التكليف في ضمن فصل من فصوله ولا يمكن أن يتعلق التكليف به بجنسٍ ما، إذاً دار الأمر بين أن التكليف تعلق بالحيوان في ضمن فصل معين بخصوصه كالفرس أو تعلق التكليف بالحيوان في ضمن أي فصل من فصوله، إذا أرجعنا القضية إلى هنا الآن نفهم أن المسألة ترجع إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير، إذا أرجعناها لهذا نخرجها عن مسألة الأقل والأكثر، فإذا نلاحظ الآن كلمة الشيخ الأنصاري (قده) من أول الأمر جعل عندنا دوران الأمر بين الأقل والأكثر مخصوص بموردين في القسم الثاني الأجزاء التحليلية، ثم جعل حكم دوران الأمر بين التعيين والتخيير يظهر من خلال ما تقدم فلم يجعل المسألة من جملة دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

المحقق النائيني (قده) لما استعرض هذه الأقسام هذا القسم الثالث الذي يكون المشكوك فيه المحتمل وجوبه مقوماً للمطلوب ومقوم للواجب هنا أرجعه إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فإذاً أراد أن يخرجه من دوران الأمر بين الأقل والأكثر، وإذا أدخله في دوران الأمر بين التعيين والتخيير عندما أدخله في هذه المسألة قال بالاشتغال، فإذاً سر القول بالاشتغال إخراجه عن دوران الأمر بين الأقل والأكثر، والقول بالبراءة إذا استطعنا أن نرجعه إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

بعبارة أخرى: إذا استطعنا أن نوجد جامع مشترك مطلوب يقيناً هو قدر متيقن هنا تنحل المسألة ونرجعها إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فالشيخ الأنصاري قال: لا يوجد عندي جامع مشترك، فلهذا صار عنده الإشكال قوي ثم قوى جريان الاشتغال.

لما نرجع إلى كلمات المحقق النائيني فهو لما أرجع المسألة إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير قسّم دوران الأمر بين التعيين والتخيير إلى ثلاثة أقسام، وفي هذه الأقسام الثلاثة يجري الاشتغال ولا تجري البراءة.

القسم الأول: هو دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية ونعبر عنه دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الأحكام الظاهرية، مثاله: لو دار الأمر بين وجوب تقليد الأعلم على نحو التعيين أو وجوب تقليد الأعلم على نحو التخيير بينه وبين غير الأعلم، هذا قسم.

القسم الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الأحكام الواقعية وليس الأحكام الظاهرية، مثلاً في عصر الغيبة هل صلاة الجمعة واجبة تعييناً على المكلف أو واجبة تخييراً بينها وبين صلاة الظهر؟ هنا في مقام الجعل هل جُعِلَ الحكم الواقعي في عصر الغيبة لصلاة الجمعة على نحو التعيين يعني وجوب صلاة الجمعة تعييناً أو جُعل الحكم لها على نحو التخيير تجب إما صلاة الجمعة وإما صلاة الظهر، هذا القسم الثاني.

القسم الثالث: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال، وذلك يكون في المتزاحمين ففيهما إذا كان هناك غريقان ولا يمكن إنقاذهما معاً ليست عند المكلف إلا قدرة واحدة فبإمكانه أن ينقذ أحدهما، ودار الأمر أحدهما مثلاً عالم والآخر غير عالم، فنقول: أحدهما محتمل الأهمية يدور الأمر بين لزوم إنقاذ هذا المعين العالم مثلاً على نحو التعيين أو لك أن تنقذ أحدهما تخييراً؟ هنا يدور الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال.

المحقق النائيني (قده) في الأقسام الثلاثة قال بجريان الاشتغال، فنتيجة الكلام عنده: يقول: بأن هذه المسألة وهي إذا شككنا في وجوب شيء ولكن ما يُحتمل دخله في الواجب مقوم للواجب في مثله يكون من دوران الأمر بين التعيين والتخيير وعند دوران الأمر بين التعيين والتخيير تجري أصالة الاشتغال في الأقسام الثلاثة، فالنتيجة هنا نقول بالاشتغال، هذا ما أفاده المحقق النائيني وسيأتي الكلام في تفاصيل الأقسام الثلاثة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير والرأي الصحيح في كلٍ منها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo