< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

التمسك بالاستصحاب في المقام:

الكلام فعلاً في التمسك بالاستصحاب للاشتغال أو للبراءة على حسب ما تقدم في دوران الأمر بين الأقل والأكثر اتضح عندنا أن الصحيح هو جريان البراءة عن الأكثر ولكن هنا بحث ملحق بما مضى وهو:

أن البعض تمسك بالاستصحاب لإثبات الاشتغال وآخرون تمسكوا بالاستصحاب لإثبات البراءة، فهنا يقع البحث فعلاً في مقامين:

المقام الأول: في التمسك بالاستصحاب لإثبات الاشتغال وهل هو يتم أو لا يتم؟

من ادعى التمسك بالاستصحاب قرر البحث وجريان الاستصحاب على نحو ما يجري في استصحاب الكلي القسم الثاني فلهذا ينبغي توضيح الفكرة في استصحاب الكلي القسم الثاني ثم نطبق المقام على نحوه.

في استصحاب الكلي من القسم الثاني قالوا بأنه لا يمكن جريان استصحاب الفرد في كليهما لوجود المعارض ولكن يمكن جريان الاستصحاب في الجامع بينهما وتوضيح ذلك: أنهم مثّلوا بأنه لو علم المكلف بصدور حدث منه ولكن لم يعلم أن هذا الحدث الصادر هو حدث أصغر ويوجب الوضوء أو هو حدث أكبر ويوجب الغسل؟ هنا استصحاب عدم حدوث الحدث الأصغر معارض باستصحاب عدم حدوث الحدث الأكبر باعتبار وجود فائدة وثمرة يمكن أن تترتب على كليهما فبالنسبة إلى الأصغر كان على يقين سابق بعدم حدوثه والآن يشك في حدوثه فيستصحب عدم الحدوث فينتفي وجوب الوضوء أيضاً من ناحية الحدث الأكبر يشك في حدوث الحدث الأكبر والأصل عدم حدوثه ويترتب عليه أنه لا يجب عليه الغسل، هنا الاستصحابان لا يمكن أن يجريا لتعارضهما فيسقطان فنتمسك باستصحاب الكلي الجامع كلي الحدث وكلي الحدث هو يعلم به يعلم يقيناً بصدور الحدث الإجمالي، إجمالاً يعلم به، هل هو أصغر أو أكبر؟ لا يعلم ولكن يعلم بصدور الحدث، الآن عندما توضأ هل ارتفع الحدث أو لم يرتفع ذلك الحدث الواقع؟ تردد الأمر بين مقطوع الزوال ومقطوع البقاء، بمعنى إذا كان الحدث الصادر هو الحدث الأصغر فقطعاً قد زال بالوضوء فهذا الفرد ينتفي قطعاً أما إذا كان الصادر هو الحدث الأكبر فقطعاً لا زال باقياً، فهنا علم بصدور الحدث الكلي وشك في زواله وارتفاعه وتردد الأمر بين مقطوع الزوال ومقطوع البقاء، هنا بما أن الكلي له أثر شرعي فلهذا يجوز ويمكن التمسك باستصحاب بقاء الكلي فيستصحب بقاء الحدث كلي الحدث ويترتب عليه مثلاً عدم جواز لمس كتابة القرآن الكريم، هذا بيان إلى استصحاب الكلي القسم الثاني.

المستدل في المقام يقول: بأن استصحاب الاشتغال يجري في المقام بنحو ما كان يجري في استصحاب الكلي القسم الثاني.

وتوضيح ذلك: أنه علم المكلف إجمالاً بالتكليف ولكن تردد الأمر هل هذا التكليف تعلق بالأقل أو تعلق بالأكثر؟ تردد الأمر بينهما، عندما أتى بالأقل تردد الأمر بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء، بمعنى أن التكليف إذا تعلق بالأقل فهو قد أتى بالأقل وحقق الامتثال فارتفع التكليف قطعاً، يعني أنه الآن غير مطالب بشيء، وإن كان التكليف تعلق بالأكثر فهنا يقطع ببقائه لأنه لم يأتي بالأكثر فتردد الأمر بين الفرد المقطوع الارتفاع وهو الأقل والفرد المقطوع البقاء وهو الأكثر، لا يمكن جريان الأصل في الفردين والطرفين فلهذا نقول: المكلف كان يعلم يقيناً بتحقق التكليف وأن ذمته مشغولة بالتكليف، الآن يشك في بقاء التكليف يستصحب بقاء التكليف على غرار ما صورناه في استصحاب الكلي القسم الثاني، هذا هو الاستدلال.

ونضيف شيء للاستدلال حتى لا يقال إن هذا من باب الأصل المثبت، المستدل يقول: هنا عندما أجرينا الاستصحاب وهو استصحاب بقاء الحكم أو استصحاب الحكم بقاءً، هنا هذا المقدار فقط، أن الاستصحاب يحقق لنا بقاء الحكم تعبداً، إذا تحقق هذا المقدار الآن يأتي حكم العقل بوجوب الإتيان بالأكثر تحصيلاً لفراغ ذمته، وتوضيح ذلك: أن المكلف يعلم بحصول التكليف باشتغال ذمته بالتكليف الإجمالي، عندما أتى بالأقل يشك في فراغ ذمته ويشك في سقوط التكليف، استصحب بقاء التكليف تعبداً، استصحاب بقاء التكليف تعبداً هو بنفسه لا يثبت وجوب الإتيان بالأكثر لأنه يكون من الأصل المثبت فلهذا المستدل يقول: لا، نحن لا نريد أن نرتب وجوب الإتيان بالأكثر على استصحاب بقاء التكليف وإنما نريد باستصحاب بقاء التكليف يتحقق موضوع حكم العقل بلزوم الإتيان بالأكثر لفراغ ذمته فوظيفة الاستصحاب إذاً هي استصحاب بقاء التكليف، وبعد أن استصحبنا بقاء التكليف وحكمنا ببقاء التكليف تعبداً العقل يقول: يجب الإتيان بالأكثر لفراغ الذمة من التكليف، الذمة التي كانت مشغولة بالتكليف لا تفرغ إلا إذا أتيت بالأكثر، على هذا لا يكون هناك أصل مثبت يعني ليس من باب الأصل المثبت وإنما هناك ملازمة بين بقاء التكليف وحكم العقل بوجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة فيتم المطلب والنتيجة هي الاشتغال، فإذاً هذه صورة الاستدلال بالاستصحاب للاشتغال.

هنا أورد غير واحد من الأعلام على هذا الاستدلال، من جملة من أورد السيد الخوئي (قده) وأورد عليه بإيرادين.

الإيراد الأول: يقول: هناك فرق بينما نحن فيه وبين استصحاب الكلي من القسم الثاني، استصحاب الكلي القسم الثاني يتوقف على إمكان جريان الأصول في الأطراف وتعارضها وبعد التعارض ننتقل إلى استصحاب الكلي هذا هو استصحاب الكلي، بمعنى أن الحادث في استصحاب الكلي مردد بين المرتفع يقيناً والباقي يقيناً مثلما مثلنا في الحدث، بعد أن توضأ هنا عندنا حدث أصغر مرتفع يقيناً وعندنا حدث أكبر إن كان هو الحادث فهو موجود يقيناً، إذاً تردد الحادث بين الباقي يقيناً والمرتفع يقيناً، فاستصحاب عدم هذا يتعارض مع استصحاب عدم هذا فننتقل إلى استصحاب الكلي، أما فيما نحن فيه لم يتردد الحادث بين أمرين أحدهما مرتفع يقيناً والآخر باقي يقيناً، ما نحن فيه فرد حادث يقيناً والآخر مشكوك الحدوث من الأساس.

بيان ذلك: نوضحه بذكر مثال أولاً يفترق عن مثال استصحاب الكلي مع الحدث، مثلاً: من كان على حدث أصغر يقيناً الآن شك فخرج منه سائل وشك هل هذا السائل هو بول يعني يوجب الحدث الأصغر أو هو ما يوجب الحدث الأكبر؟ في مثل هذا الفرض المكلف عنده يقين بصدور الحدث الأصغر وعنده شك الآن في حدوث الحدث الأكبر، هل حدث حدثٌ آخر وهو أكبر أو لا؟ يشك، هنا عند السيد الخوئي (ره) عبارة عبر هكذا: إنما الشك في انقلابه إلى الأكبر، هذه العبارة مسامحية غير تامة، قال: لأن الحدث الأصغر كان متيقناً وإنما شك في انقلابه إلى الأكبر، هنا الكلام ليس في الانقلاب لأن الحدث الأصغر لا ينقلب إلى حدث أكبر وإنما مراده أن الحدث الأصغر كان يقيناً صادراً منه والآن خرج سائل آخر، هل هذا أيضاً أصغر أو هو أكبر؟ هنا يشك، فلهذا نقول: عنده يقين بالحدث الأصغر وعنده أساساً شك في الحدث الأكبر فاستصحاب عدم حدوث الحدث الأكبر أما الحدث الأصغر فعلى ما هو عليه، لهذا لا يجب عليه إلا الوضوء، وما نحن فيه من هذا القبيل الثاني وهو ليس من باب استصحاب الكلي القسم الثاني، ما نحن فيه هو يعلم يقيناً بتعلق التكليف بالأقل والآن هل تعلقت ذمته بالتكليف بالأكثر أو لا؟ هنا يشك، هنا لم يتردد الأمر بين فردين فرد مقطوع البقاء وفرد مقطوع الارتفاع، هنا وجوب الأقل هذا متيقن وبالنسبة إلى الأكثر هل يجب أو لا يجب؟ هنا لا يعلم، أصالة عدم وجوب الأكثر لما تنضم إلى العلم اليقيني بوجوب الأقل يتحقق ويحرز حال الفرد ويتعين في الأقل.

توضيح هذه الجهة أكثر: يقول: بأن ما نحن فيه يعلم بوجوب الأقل يقيناً كما أن في المثال الآخر يعلم بصدور الحدث الأصغر يقيناً هنا يعلم بتعلق التكليف بالأقل يقيناً، بالنسبة إلى الأكثر يشك هل يجب الأكثر أو لا يجب الأكثر؟ نستطيع الآن أن نجمع بين أمرين، من جهة نعلم بوجوب الأقل ومن جهة أخرى أصالة عدم وجوب الأكثر، يجتمع الوجدان مع الأصل ولما اجتمع الوجدان مع الأصل هنا أحرزَ حال الفرد وتعين أنه في الأقل فلا يلزم عليه الإتيان بالأكثر ولم يبقى مجال لجريان استصحاب الكلي، هذا ما نحن فيه.

إذاً ينبغي ملاحظة مورد استصحاب الكلي من القسم الثاني ومورد ما نحن فيه، مورد استصحاب الكلي من القسم الثاني هو صدر حدث وهذا الحدث تردد هل هو أصغر أو أكبر؟ لا يعلم، وما نحن فيه من قبيل أنه يعلم بحدوث الحدث الأصغر ثم شك في صدور حدث آخر، ولما صدر الحدث الآخر شك هل يوجب الأصغر أو الأكبر، فلهذا هناك عنده يقين بالحدث الأصغر وشك في الحدث الأكبر، فلهذا ضم الوجدان إلى الأصل يقين عدم الأكثر يتحقق وجوب الوضوء لأنه هناك نعلم بأن موضوع وجوب الوضوء هو من صدر منه الحدث ولم يكن أكبر، من صدر منه الحدث الأصغر ولم يصدر منه حدث أكبر فالقسم الأول بالوجدان حدث منه الحدث الأصغر والقسم الثاني بالاستصحاب عدم صدور الحدث الأكبر ويضم الوجدان إلى الأصل نقول يجب عليك الوضوء، هنا اعتبره من هذا القبيل، عنده يقين بتعلق التكليف بالأقل وهذا متيقن ما عندنا شك وعندنا شك في تعلق التكليف بالأكثر نستصحب عدم وجوب الأكثر نضم أصالة عدم وجوب الأكثر مع التيقن بوجوب الأقل ينتفي موضوع الاستصحاب استصحاب الكلي، هذا هو الإشكال الأول.

الإشكال الثاني: الذي أورده السيد الخوئي (قده) يقول: على فرض جريان الاستصحاب المذكور وهو استصحاب الكلي من القسم الثاني، لكن هذا الاستصحاب إما معارض أو محكوم، إما معارض باستصحاب عدم تعلق التكليف بالأكثر عدم تعلق الجعل بالتكليف بالأكثر، إما معارض بهذا أو محكوم له، أيضا بيان هذه الجهة: أن المستدل استصحب بقاء التكليف الذي كان متيقناً، نحن الآن نشك هل أساساً جُعل تكليف متعلق بالأكثر أو لم يُجعل؟ نشك، نستصحب عدم تكليف متعلق بالأكثر، هذا الاستصحاب إما أن يكون معارض لاستصحاب بقاء التكليف، أو يكون الثاني حاكم يعني استصحاب عدم جعل تكليف متعلق بالأكثر حاكم على استصحاب بقاء التكليف أساساً، بقاء التكليف بعد جعله ونحن نشك في الجعل إذاً نشك في التكليف إذاً استصحاب عدم جعل تكليف متعلق بالأكثر يكون حاكماً على استصحاب بقاء التكليف، هذا ما أفاده السيد الخوئي (ره) وإن شاء الله يأتي الكلام فيما فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo