< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

تتمة مناقشة السيد الخوئي (قده) لكلام المحقق النائيني وصاحب الكفاية (قده):

بقيت نقطة من كلام السيد الخوئي (ره) يناقش فيها المحقق صاحب الكفاية (قده).

وصاحب الكفاية على حسب ما ذكرنا سابقاً أنه أجرى البراءة الشرعية دون البراءة العقلية، وأيضاً أورد على نفسه بعض الإشكالات وأجاب عنها، ومن جملة الإشكالات التي أوردها على نفسه، هو أنه إذا جرى الأصل في الأكثر فلا يوجد عندنا دليل على وجوب الأقل، فنحتاج إلى دليل بالنسبة إلى وجوب الأقل.

وأجاب عن ذلك: بأنه بعد أن نضم بين أدلة الأجزاء وبين حديث الرفع نقول بأن الأقل واجب بهذا المعنى، قال إنه يوجد عندنا الأدلة الأولية تدل على وجوب المركب التام وبعد رفع الجزئية شككنا في الجزء ورفعنا الجزئية هنا يدل على أن حديث الرفع يستثني هذا الجزء من جملة المركب فتكون النتيجة أنه الأقل واجب لوحده وليس واجباً في ضمن وجوب الأكثر، بعبارة أخرى: أنه بعد رفع جزئية الجزء المشكوك بمثل حديث الرفع بعد أن نضم حديث الرفع إلى أدلة الجزئية الأساسية هنا نستفيد أن الجزئية مختصة بحالة الأقل فقط.

طبعاً هنا السيد الخوئي (ره) عندما قرر كلام المحقق صاحب الكفاية ذكر بأنه بعد جريان البراءة الشرعية عن وجوب الأكثر كيف يمكن الالتزام بوجوب الأقل ولا دليل عليه، فإن الأدلة الأولية تدل على وجوب الركب التام وبعد رفع جزئية الجزء المشكوك فيه بمثل حديث الرفع لا يبقى دليل على وجوب الباقي، هنا نسبة هذا الكلام إلى المحقق صاحب الكفاية لا تخلو من شيء، فصاحب الكفاية لم يجر البراءة الشرعية عن وجوب الأكثر لأنه على ما تقدم الكلام في بيان كلام صاحب الكفاية قلنا بأن وجوب الأكثر يتعارض عنده مع وجوب الأقل لهذا لجأ صاحب الكفاية إلى جريان البراءة عن الجزئية وليس عن وجوب الأكثر وفرق بينهما، المهم كلام السيد الخوئي الأخير النسبة صحيحة يعني عندما قال بعد رفع جزئية الجزء المشكوك هذا صحيح.

المهم حاصل الإشكال: أن صاحب الكفاية أجرى البراءة النقلية عن جزئية الجزء المشكوك هذا الجزء الزائد هل هو جزء أو لا؟ أجرى البراءة عن جزئيته، المستشكل على صاحب الكفاية قال: إذا رفعت جزئية الجزء المشكوك لا يوجد عندك دليل على وجوب الباقي فأساساً ما عندنا دليل على وجوب الباقي حتى يجب الإتيان بالباقي، صاحب الكفاية أجاب عنه: بأن نسبة حديث الرفع إلى أدلة الأجزاء والشرائط هي نسبة المستثنى والمستثنى منه، معنى ذلك أن دليل الأجزاء يقول إن هذا جزء مطلق سواء كان في حالة العلم أو في حالة الجهل وحديث الرفع يقول هذا ليس جزءً في حالة الجهل فيستثني من ذاك، إذا ضممنا الدليلين ينتج عندنا وجوب الأقل وهذا هو المطلوب، هذا ما أجاب به المحقق صاحب الكفاية على الإيراد.

السيد الخوئي (ره) علق هنا، يقول: بأن وجوب الأقل لا يحتاج إلى دليل، نفس العلم الإجمالي كافي لأن العلم الإجمالي متعلقه هذا إما يجب الأقل أو يجب الأكثر فوجوب الأقل أمر مفروغ عنه وجزمي، والكلام هو في وجوب الأكثر هل يجب الأكثر أو لا؟ هل يجب الزائد أو لا؟ إذاً نفس العلم الإجمالي كافي لتحقق ثبوت وجوب الأقل فلا نحتاج إلى ضم حديث الرفع إلى أدلة الأجزاء والشرائط من أساس.

إذاً أساس الإشكال يقول هو غير وارد، ولعله منشأ هذا الإشكال هو الخلط بين الاضطرار والنسيان وبين الجهل بالجزء، يعني إذا كان مضطرا إلى ترك أحد الأجزاء أو نسي الإتيان بأحد الأجزاء فهل يوجد عندنا دليل يدل على وجوب الأقل أو لا يوجد؟ بالنسبة إلى الاضطرار يأتي الإشكال والنسيان كذلك، يعني الآن إذا كان الأمر تعلق بالمركب بالعشرة الأجزاء واضطر إلى ترك أحد الأجزاء هنا هل يوجد عندنا دليل يدل على وجوب الباقي؟ يعني بالنسبة إلى الجزء المضطر إليه لا يمكن الإتيان به وهو معذور في تركه، هل عندنا دليل يدل على وجوب الإتيان بالباقي أو لا؟ هنا بحث، وأيضاً في حالة النسيان نفس الكلام، بعد رفع اليد عن المركب التام هل يوجد دليل يدل على المركب الناقص أو لا؟ أما بالنسبة إلى حالة الجهل فهذا الكلام أساساً لا يأتي، يجهل أنه هل الجزء الزائد جزء أو ليس بجزء؟ أنت تريد أن ترفعه بحديث الرفع، يقول ليس بجزء، نفس علمك بوجوب إما الأقل أو الأكثر كافي لإثبات الأقل لا يحتاج أن تسألنا دليل يدل على وجوب الأقل، في حالة الاضطرار أو النسيان نعم الأمر توجه للمركب التام الآن المكلف اضطر لترك أحد الأجزاء أو نسي أحد الأجزاء، هنا يأتي السؤال، هل يوجد دليل على وجوب الإتيان بالباقي أو لا يوجد؟

فالمستشكل خلط بين هذين الأمرين ولما خلط ذكر هذا الإشكال وإلا فهو في نفسه غير تام، ثم إذا عرفنا أن هذا الإشكال يرد في حالة الاضطرار وفي حالة النسيان، وقبل تتمة الكلام نقول: إن الكفاية فيها نسختان نسخة عبر عنها بالجهل ونسخة عبر بالتذكر والنسيان يعني لما نلاحظ عبارة صاحب الكفاية نرى أنه فيه نسختان كما قلنا فمعناه أنه في نفس النسختين يشير إلى أنه هذا الإشكال هل يرد في حالة الجهل أو في حالة النسيان، ولكن بحسب موضع البحث النسخة التي عبرت بالجهل هي الأولى في المقام لأنه كلامنا في جريان حديث الرفع في حالة عدم العلم بجزئية الجزء المشكوك.

الآن نعود لكلام السيد الخوئي، فهو يقول: المستشكل خلط بين حالة الجهل وبين حالة الاضطرار وحالة النسيان وبينا جهة الخلط، وبالنسبة إلى حالة الاضطرار وحالة النسيان الإشكال وارد ولا يندفع بجواب صاحب الكفاية فهو دفع الإشكال بالنسبة إلى جالة الجهل، يقول: إذا ضممنا حديث الرفع مع أدلة الأجزاء تكون النسبة نسبة الاستثناء وبذلك يثبت لنا وجوب الباقي وفي حالة الاضطرار هذا الجواب لا يرفع الإشكال وذلك لأنه هنا عندي أمر أساساً متعلق بالمركب ولما تعلق بالمركب الآن اضطر المكلف إلى ترك أحد الأجزاء يعني في الواقع أنه لم يستطع الإتيان بالمأمور به وهو الأمر بالمركب التام، هنا بمجرد جريان حديث الرفع في حالة الاضطرار تقول رفع ما اضطروا إليه لا يستلزم وجوب الباقي حتى لو ضممناه مع أدلة الأجزاء والشرائط، عندنا أمر تعلق بالمركب بالكل جاء واضطر إلى ترك جزء من الأجزاء الآن هل يجب عليه الإتيان بالباقي أو لا؟ أنت غاية ما تقوله: رفع ما اضطروا إليه، في هذا الجزء المضطر إليه أنت لا يجب عليك الآن وهذا الرفع حقيقي، هل يثبت بذلك وجوب الإتيان بالباقي؟ لا يدل على ذلك، نعم لو دل دليل على وجوب الإتيان بالبقية نقول: إن نسبة حديث الرفع بعد ضمه إلى أدلة الأجزاء والشرائط تكون نسبة الاستثناء، ولكن كلامنا في أصل وجود الدليل الدال على وجوب الباقي، بمجرد حديث الرفع لا يثبت وجوب الباقي.

نعم، لو دل دليل من الخارج مثلاً: بالنسبة إلى الصلاة عندنا دليل بهذا المضمون لا تسقط الصلاة بحال، فهنا لو اضطر المكلف إلى ترك جزء من الأجزاء نقول: يجب عليك الإتيان بالباقي بدليل لا تسقط الصلاة بحال، لو أيضاً تمت قاعدة لا يسقط الميسور بالمعسور هنا لو ثبتت كبرى وصغرى لأن فيها بحث، لو ثبتت أيضاً إذا أُمر بالمركب وكان معسورا فالميسور لا يسقط ويأتي بالباقي، لكن على فرض عدم ثبوت هذه القاعدة، ولا تسقط الصلاة بحال دليل خاص بالصلاة، هنا لما يوجد أمر متعلق بالمركب ولا يستطيع الإتيان بجميع أجزاء المركب للاضطرار مثلاً نقول هنا لا يوجد دليل على الإتيان بالباقي، ولهذا مثلاً لو اضطر للإفطار ساعة من النهار هنا هل نقول يجب عليه الإمساك بالنسبة إلى الباقي أو لا؟ هنا طبعاً لا يجب عليه الإمساك ولعل مقصوده الإمساك الذي يحقق التكليف بحيث يكتفي بهذا الصوم مع أنه اضطر لترك هذا الجزء، هذا لا يدل عليه، أو أوضح من ذلك: لو كان عنده ماء لا يكفي في الوضوء إلا إلى غسل الوجه وإحدى اليدين، هل نقول الآن لما رفع بحديث الرفع الاضطرار نقول له يجب عليك غسل ما تبقى من الأجزاء الممكنة؟ لا نقول بهذا.

حاصل كلام السيد الخوئي: يقول: إن أساس الإشكال الذي أورده صاحب الكفاية على نفسه قال هكذا: الإشكال إنما يكون ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه وهو الأمر الأول ولا دليل آخر على أمر آخر بالخالي عنه، يعني لما رفعنا الجزئية بعد الشك فيها لا يوجد عندي دليل على وجوب الباقي، هناك صاحب الكفاية قال: وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه إلا أن نسبة حديث الرفع الناظر إلى الأدلة الدالة على بيان الأجزاء نسبة الاستثناء وهو معها يكون دالة على جزئيتها إلا مع الجهل، بعد أن نجمع بين حديث الرفع وبين أدلة الأجزاء والشرائط نستكشف من ذلك وجوب الباقي.

السيد الخوئي يقول: لا، هذا المعنى أساساً غير وارد لأن الباقي لا يحتاج إلى دليل خاص بل نفس علمنا بأنه يجب إما الأقل أو الأكثر هنا كافي في وجب الأقل فلا نحتاج، وهذا المستشكل خلط بينه وبين حالة الاضطرار وحالة الاضطرار لا يرفعه هذا الجواب.

هذا تمام الكلام في هذه الجهة مع السيد الخوئي، وهو تام ولكن هنا قبل ذلك نقول: بأن السيد الصدر (قده) تعرض إلى كلام المحقق صاحب الكفاية وأورد عليه، إلى هنا طبعاً- حتى يتضح الإيراد- ثبت عندنا بأن المحقق صاحب الكفاية أجرى الأصل في جزئية الجزء ولم يجر الأصل في الوجوب وجوب الأكثر، ولهذا قلنا عبارة السيد الخوئي الأولى غير تامة والنسبة غير صحيحة للمحقق صاحب الكفاية.

السيد الصدر هنا يورد إشكال على المحقق صاحب الكفاية: يقول: بأن ترتب الجزئية على وجوب الأكثر انتزاع عقلي لا ترتب شرعي فنفي وجوب الأكثر لا يترتب عليه نفي الجزئية إلا بالملازمة، هنا توضيح الإشكال: أنه كيف نقول إن هذا جزء أو ليس بجزء، ترتب الجزئية على وجوب الأكثر، التكليف تعلق بالمركب هنا قلنا بأن الأكثر واجب انتزعنا من ذلك الجزئية، هذا الانتزاع عقلي وليس ترتباً شرعياً، فعليه: نفي وجوب الأكثر لا يترتب عليه نفي الجزئية إلا بالملازمة، هنا كما أوضحنا كلام صاحب الكفاية فصاحب الكفاية لم يجر الأصل في وجوب الأكثر كما قلنا سابقاً، إذا نلاحظ عبارة صاحب الكفاية قال: وأما النقل فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاضٍ برفع جزئية ما شُك في جزئيته، فجعل مورد حديث الرفع هنا هو الجزئية وليس وجوب الأكثر، وهذا أيضاً أوضحناه سابقاً قلنا أن الجزئية تنتزع من مقام تعلق الأمر بالكل، يعني لما تعلق الأمر بالمركب انتزعنا شيئين، انتزعنا عنوان الكلية من المجموع وانتزعنا عنوان الجزئية من الأبعاض، هنا جعل الجزئية مجعول شرعي بتبع المجعول التكليفي، يعني الأمر الأول والجعل الأول هو جعل وجوب الكل المركب والجعل بالتبع هو جعل الجزئية للأبعاض، المحقق صاحب الكفاية (قده) لم يجرِ الأصل في وجوب الأكثر وذلك لما ذكرناه سابقاً يرجع إلى أن هناك تعارض بين وجوب الأقل ووجوب الأكثر عنده فلهذا لم يجرِ وجوب الأكثر، هل يجري البراءة في الجزئية؟ نقول: نعم، وذلك لما أوضحناه سابقاً في بيان كلام صاحب الكفاية، وهو: أنه ربما لا يجري الأصل في السبب ويجري في المسبب، لا يجري في السبب لوجود تعارض فيجري في المسبب ولا محذور فيه، هنا لا يجري الأصل في منشأ الانتزاع وهو الوجوب لوجود التعارض على الفرض لكن يجري الأصل في الأمر الانتزاعي، وبعد معرفة أن الجزئية مجعولة شرعاً ولكن مجعولة تبعاً، حتى لا يأتي إشكال أنها غير مجعولة، الجزئية مجعولة بالتبع، هذا كلام صاحب الكفاية الذي أكده أيضاً فيما بعد، يقول: لا يقال إنما يكون ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه ولا يقال إن جزئية السورة ليست بمجعولة وليس لها أثر لأنه يقال إن الجزئية وإن كانت غير مجعولة بنفسها إلا أنها مجعولة بمنشأ انتزاعها وهذا كافٍ في صحة رفعها، يمكن توضيحه بعبارة أوضح وهي العبارة التي ذكرناها: أن الجزئية مجعولة بالجعل التبعي فهي مجعولة من قبل الشارع ولا مانع من جريان البراءة فيها، فقوله: إن ترتب الجزئية على وجوب الأكثر انتزاع عقلي لا ترتب شرعي فنفي وجوب الأكثر لا يترتب عليه نفي الجزئية إلا بالملازمة، هذا غير تام.

أولاً: لأن صاحب الكفاية لم يقل بجريان البراءة في وجوب الأكثر وإنما قال بجريان البراءة في نفس الجزئية.

وثانياً: إن الجزئية مجعولة بالجعل التبعي بجعل منشأ انتزاعها وهذا المقدار كافي لجريان البراءة.

فما أفاده السيد الصدر (قده) غير تام.

وبهذا أيضاً عنده إشكال آخر يندفع بما ذكرناه، هو قال: إشكال آخر، إن البراءة عن الجزئية غير معقولة في نفسها لأنها لا تقبل التنجيز والتعذير وإنما الذي يقبل ذلك منشأ انتزاعها أي الأمر بالأكثر فلو فُرض محالاً عدم وجوب الأكثر مع تحقق الجزئية لم يكن المكلف ملزماً عقلاً بإثباته.

نقول: إن جريان الأصل في الجزئية معقول باعتبار أنها مجعولة لا نحتاج إلى أنها لا تقبل التنجيز والتعذير، بل نفس الجزئية معقولة ولكن تبعاً بما أنها مما يضعها الشارع الرفع رفع لما يضعه الشارع، يعني المورد الذي يمكن أن يضع الشارع فيه بما هو شارع أيضاً يرفع بما هو شارع وهذا يتم في الجزئية بالبيان الذي ذكرناه.

فعلى هذا يبطل كلام السيد الصدر (قده) وبهذا ننهي الكلام من هذه النقطة، وهناك بحث جديد وهو الذي عبر عنه السيد الخوئي (ره) بقي الكلام في الاستصحاب، فقد تمسك به للاشتغال مرة وللبراءة أخرى، هذا يأتي الكلام فيه بعد التعطيل إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo