< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

بيان آخر لما أفاده المحقق النائيني (قده) في جريان البراءة الشرعية:

أوضحنا فيما سبق كلمات صاحب الكفاية (قده) بتمامها تقريباً لبيان جريان البراءة النقلية في المقام وإن لم تجر البراءة العقلية، وتبعه في أصل الفكرة المحقق النائيني (قده) فهو أيضاً لم يجر البراءة العقلية ولكنه أجرى البراءة الشرعية وله في ذلك وجهان وهذا ما يحتاج أن نعيد بيانه لا كما نقلناه سابقاً، فإذا تلاحظون أن السيد الخوئي (قده) نقله في المصباح ولكن مختصراً، ربما لا يؤدي المطلوب بنحو التمام.

فلهذا نقول: إن المحقق النائيني (قده) قال بعدم جريان البراءة العقلية لوجود العلم الإجمالي الذي يصلح للتنجيز في كلا الطرفين وما لم ينحل هذا العلم الإجمالي لا تجري البراءة العقلية ولكن بالنسبة إلى البراءة الشرعية فعندنا وجهان بواسطتهما يمكن جريان البراءة وانحلال العلم الإجمالي.

البيان الأول: يتضح بحسب ما تقدم في المباحث السابقة أن العلم الإجمالي ينحل انحلالاً حكمياً فيما إذا جرى الأصل المثبت في أحد طرفيه وجرى الأصل النافي في الطرف الآخر، مثلاً لو كان أحد الإناءين نجساً في السابق والآخر طاهر ونعلم الذي كان سابقاً نجس نعلمه بعينه، هنا لو وقعت قطرة دم في أحد هذين الإناءين فبالنسبة إلى الإناء الذي كان نجساً سابقاً يجري فيه استصحاب النجاسة وهذا أصل مثبت للتكليف، يعني لا نقصد الأصل المثبت المصطلح، وبالنسبة إلى الإناء الآخر نشك في طهارته ونجاسته فتجري فيه أصالة الطهارة الذي هو أصل نافٍ للتكليف، وبضم هذين الأصلين ينحل العلم الإجمالي، حكماً الآن لا تقول: أعلم إجمالاً بنجاسة هذا الإناء وإما الإناء الآخر بل حكماً تقول إن هذا الإناء الذي كان نجساً سابقاً محكوم بالنجاسة فعلاً والإناء الآخر محكوم بالطهارة فعلاً، هذا ما تقدم بيانه في المباحث السابقة.

هل يشترط أن يكون هناك أصلان متعددان يعني كما في المثال أصل مثبت للتكليف وأصل نافي للتكليف أو لا يشترط؟ يعني يكفي إذا كان الأصل الواحد يقوم بمقام الأصل المتعدد، يعني يأخذ دور الأصل المتعدد، نقول: نعم، إذا كان الأصل الواحد يمكن أن يقوم بدور الأصل المتعدد ويكون مثبتاً من جهة للتكليف ومن جهة أخرى نافياً للتكليف فينحل العلم الإجمالي ببركته، وما نحن فيه من هذا القبيل يعني أصالة البراءة النقلية تثبت التكليف من جهة وتنفي التكليف من جهة أخرى ولا تثبت التكليف عن طريق اللازم أو المقارن حتى يكون أصلاً مثبتاً في الاصطلاح وإنما تثبت وجود تكليف بالنحو الذي ذكرناه.

بيان ذلك: أصالة البراءة في المقام تتعلق بالجزء، يعني أصالة البراءة من الجزء الزائد المشكوك هل الجزء الحادي عشر مثلاً واجب أو ليس بواجب؟ هل هو جزء أو ليس بجزء من الصلاة؟ أصالة البراءة تنفي هذه الجزئية يعني تنفي أن يكون الزائد المشكوك جزءً وتثبت إطلاق الأمر من جهة أخرى في مرحلة الظاهر وعدم تقييد متعلقه بأن ينضم إليه الجزء المشكوك، طبعاً هذه الجهة تتضح عندما نعلم ونعود لما ذكرناه سابقاً من كلام المحقق النائيني وهو أنه لماذا لم يجرِ البراءة العقلية؟ يقول: لأن دوران الأمر بين الإطلاق والتقييد، بعبارة أخرى أن الأقل واجب لا بشرط وهو نفس كلامك أن تقول هل هو مطلق أم هو مقيد؟ يعني التردد بين الطرفين في الأقل والأكثر اعتبره مقوماُ للعلم الإجمالي، وعندما تثبت الإطلاق يعني بنحو القضية المهملة بنحو اللابشرط هذا ليس شيئاً آخر غير المقوم للعلم الإجمالي وليس هو لبيان أحد الطرفين، هذا كان إشكال المحقق النائيني في عدم جريان البراءة العقلية.

الآن هو يريد أن يدفع هذه النقطة في البراءة النقلية، فيقول: نفس أصالة البراءة من الجزء الزائد المشكوك فيه هو بنفسه يثبت الإطلاق في الأقل في مرحلة الظاهر، هل الأقل أُخذ هنا لا بشرط أو أُخذ بشرط شيء؟ إذا قلت بشرط شيء يعني الأقل مع تقييد متعلقه بالجزء المشكوك وهذا معنى الأكثر، الإطلاق هو الأقل لا بشرط نفس أصالة البراءة عن الجزء الزائد المشكوك فيه هو بنفسه يثبت إطلاق الأمر ظاهراً يعني يثبت أن الأمر المتعلق بالأقل متعلق به بنحو الإطلاق وبنحو اللابشرط فمعنى وجوب الأقل هو نفس معنى أن الأمر المتعلق هنا متعلق بالأقل بنحو الإطلاق، فمتى ما أثبتنا الإطلاق هو بنفسه إثبات لوجوب الأقل، لأن وجوب الأقل يرجع في الواقع إلى أخذ الأقل لا بشرط وعدم لحاظ شيء زائد يعني عدم لحاظ قيد منضم إليه، هذا بنفسه يثبت بأصالة البراءة، فأصالة البراءة أفادتنا شيئين هنا: أصالة البراءة نفت الجزء المشكوك فيه وهذا مثل أصالة الطهارة في الإناء في المثال السابق، ومن جهة أخرى أثبتت بأن الأمر مطلق، هذا بمثابة استصحاب النجاسة في المثال السابق مثبت للتكليف وهنا أثبت الإطلاق وإثبات الإطلاق هو نفس معنى وجوب الأقل، فإذاً وجوب الأقل لا بشرط وهذا الإطلاق استفدناه من جريان نفس البراءة، فأصالة البراءة تثبت لنا وجوب الأقل لا بشرطٍ لا من باب الملازمة حتى نقول بأن هذا أصل مثبت فأصل البراءة هنا ينفي الأكثر ويثبت الأقل وهو إطلاق الأمر ظاهراً من جهة الجزء المشكوك فيه، عليه: ينحل العلم الإجمالي، هذا ما عُبر عنه بالإطلاق الظاهري، هذا التقريب يكون أوضح من التقريب الذي أفاده السيد الخوئي (ره) في المصباح، هذه جهة.

البيان الثاني لجريان البراءة النقلية: أن لزوم الاحتياط في موارد العلم الإجمالي إنما يكون من جهة تعارض الأصول النافية في أطرافه، على مبنى الاقتضاء هو تنجيز العلم الإجمالي بعد ملاحظة تعارض الأصول وتساقطها في الأطراف، ففي المثال السابق لو لم ندخل قيد أننا نعلم سابقاً بنجاسة أحد الإناءين، يعني قلنا عندنا إناءان طاهران ووقعت النجاسة في أحد الإناءين لا على التعيين فهنا صار عندنا علم إجمالي بنجاسة أحد الإناءين، ولما نأتي إلى الطرف الأول إما نقول كانت الحالة السابقة الطهارة فنستصحب الطهارة أو نقول لا علم لنا بالحالة السابقة فنجري أصالة الطهارة، والإناء الثاني نفس الشيء، إذاً استصحابا الطهارة في الموردين أو أصالة الطهارة في الموردين يتعارضان فيسقطان وبعد التساقط يتنجز العلم الإجمالي وينجز التكليف ويلزم الاحتياط بتركهما معاً، هذا المدار للزوم الاحتياط في باب العلم الإجمالي، ولكن إذا جرى الأصل في أحد الطرفين بلا معارض ينحل العلم الإجمالي ومثاله نفس المثال ولكن أصالة الطهارة في الثاني لا يعارضها شيء لأن الإناء الأول كان سابقاً نجس واستصحبنا فيه النجاسة فلا معارض لأصالة الطهارة فينحل العلم الإجمالي، وما نحن فيه هنا نصوّره بتصوير المثال الأول لا بتصوير المثال الثاني، بعباءة أخرى يجري الأصل في أحد الطرفين بلا معارض فلا يتنجز العلم الإجمالي وينحل العلم الإجمالي حكماً.

وتطبيق ذلك في محل الكلام: عندنا هنا يدور الأمر بين وجوب الأقل ووجوب الأكثر، العلم الإجمالي أطرافه وجوب الأقل أو وجوب الأكثر وبالنسبة إلى وجوب الأكثر أصالة البراءة تجري فيه بلا معارض، أشك هل أن الجزء الزائد واجب أو لا؟ أجري فيه أصالة البراءة، وبالنسبة إلى الأقل لا يمكن جريان أصالة البراءة لأنه واجب على كل تقدير، يعني لا نشك في التكليف بالنسبة له، الأقل معلوم الوجوب فلا تأتي أصالة البراءة في حقه فأصالة البراءة إنما تجري فيما إذا شك في وجوبه وعدمه أما مع إحراز الوجوب لا معنى لجريان أصالة البراءة، فعليه: في المقام أصالة البراءة تجري بالنسبة إلى الأكثر ولا تجري بالنسبة إلى الأقل لأن الأقل معلوم الوجوب.

فالنتيجة: أن العلم الإجمالي لا يتنجز، لأن العلم الإجمالي إنما يتنجز مع جريان الأصول في الطراف وتعارضها مع تعارض الأصول في الأطراف هنا يلزم الاحتياط ويتنجز العلم، وفي المقام على هذا البيان تجري أصالة البراءة عن الأكثر بلا معارض فينحل العلم الإجمالي.

بهذين البيانين ذهب المحقق النائيني إلى جريان أصالة البراءة في المقام، هذا ما أردنا بيانه بنحو التفصيل ليكون أوضح مما ذكره السيد الخوئي (ره) في المصباح عن المحقق النائيني (قده).

بعد ذلك يأتي الكلام، هل كلام السيد الخوئي وارد على كلام الآخوند أو على كلام النائيني لأنه هو أورد إشكال محصله أنه إن قلنا بعدم جريان أصالة البراءة العقلية في المقام وعدم انحلال العلم الإجمالي في المقام أيضاً نقول بعدم جريان أصالة البراءة النقلية، فالعلم الإجمالي إما أن يكون منحلاً فتجري أصالة البراءة العقلية والنقلية وإن لم يكن منحلاً لا تجري كلتا الأصالتين، هذا مجمل الإشكال ولكن إن شاء الله يأتي بيانه وتوضيحه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo