< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

زيادة توضيح فيما أفاده صاحب الكفاية (قده):

كان الكلام في جريان البراءة الشرعية عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر بحيث تجري في الأكثر، وعلى حسب ما ذكرنا سابقاً بأن صاحب الكفاية والمحقق النائيني وإن لم يجروا البراءة العقلية ولكنهم أجروا البراءة الشرعية، وتقدم توضيح ذلك في كلامهم.

وانتقلنا على كلام السيد الخوئي ولكن أحببت أن نرجع إلى كلام المحقق صاحب الكفاية لأجل توضيح كلامه بنحو أكثر حتى نأتي على تمام كلامه.

المحقق صاحب الكفاية قال: (وأما النقل فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاضٍ برفع جزئية ما شُك في جزئيته، فبمثله يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر ويعيّنه في الأول)[1] ، هنا بعض النقاط ينبغي التنبيه عليها قبل شرح مراده:

النقطة الأولى: أنه ربما لا يجري الأصل في السبب لمانع من الموانع ويجري في المسبب، وهذا أمر واضح لمن خبر جريان الأصول نلاحظ أحياناً أن السبب لا يجري فيه الأصل لمانع ولو للمعارضة، وبالنسبة إلى المسبب يجري الأصل بلا معارض، فلهذا لا يجري الأصل في السبب ويجري في فالمسبب، لأن السبب والمسبب أمران متغايران وليسا أمرا واحدا بحيث أنه نقول إذا لم يجر في السبب لم يجر في المسبب، لا يقال ذلك، أيضاً نفس الكلام بالنسبة إلى الأمر الإنتزاعي ومنشأ الانتزاع، فالأمر الإنتزاعي هو الذي ليس له واقع تقريباً إلا وجود منشأ انتزاعه، يعني ننتزعه من وجوده الخارجي الذي هو يعتبر منشأ انتزاعه، كما يُذكر في مثل الفوقية والتحتية والأبوة والبنوة لا يوجد عندنا شيء في الخارج نسميه فوقية الموجود عندنا سقف مرتفع تحته الأرض مثلاً فنحن نقول هذا فوق ذاك فننتزع الفوقية، فالأمر الانتزاعي ليس له ما بإزاء في الخارج وإنما له منشأ انتزاع، عليه: يمكن أن لا يجري الأصل في منشأ الانتزاع ولكن يجري الأصل في نفس الأمر الانتزاعي على نحو ما ذكرنا بأنه في السبب ربما لا يجري الأصل ولكن يجري الأصل في المسبب، هذه نقطة.

النقطة الثانية: التي ينبغي بيانها، الجزئية للجزء أمر انتزاعي للجزء، يعني القراءة بالنسبة إلى الصلاة جزء وكذلك الركوع فننتزع الجزئية للركوع والقراءة والسجود، هنا تنتزع هذه الجزئية من مقامين: المقام الأول دخالة الجزء في تحقق المصلحة المترتبة على المركب وهذه الحالة واقعية تكوينية، المركب يتركب من عدة أجزاء، المصلحة التي تترتب على المركب يدخل فيها والمقوم لتحصيلها نفس الأجزاء، بما أن المصلحة تتوقف على المركب فالمصلحة يتوقف ترتبها على تحقق الأجزاء الدخيلة في المركب وبما أن الأجزاء دخيلة في تحقق المركب فهي دخيلة في تحقق المصلحة المترتبة على المركب، إذاً هنا منشأ انتزاع الجزئية من نفس أجزاء المركب، هذه الدخالة نسميها واقعية تكوينية وأيضاً دخالة الأجزاء أمر تكويني، هذا الآن ليس محل بحثنا، المقام الثاني: انتزاع الجزئية للجزء من مقام تعلق الطلب بالكل، عندنا أمر تعلق بالصلاة والصلاة كلٌ وعرفنا أيضاً ما هي أجزاء الصلاة، هذه الأجزاء المعينة هي أجزاء الصلاة، هنا من هذا الأمر المتعلق بالكل ننتزع الكلية وبالنسبة إلى الأجزاء الأمر المتعلق بها ننتزع منه الجزئية، فننتزع ويكون منشأ انتزاع عنوان الجزئية في مثل هذا المقام هو كون الأمر المتعلق بمركب ينتزع من تعلق الأمر بالمجموع عنوان الكلية ومن أبعاض هذا المركب ينتزع عنوان الجزئية، فعندنا أمر تعلق بالصلاة والمتعلق بالمجموع هنا ننتزع من هذا المجموع الكلية وبالنسبة إلى أبعاض ذلك المجموع ننتزع الجزئية، من هذه الجهة أن الجزئية باعتبار منشأ انتزاعها تكون مجعولة من قبل الشارع وهذه النقطة تفيدنا فيما بعد في جواب بعض الإشكالات على صاحب الكفاية.

النقطة الثالثة: أيضاً هي مهمة وينبغي الالتفات إليها، وهي أنه الحكم التكليفي وهو نفس الوجوب كما لا تجري فيه البراءة العقلية -بنظر صاحب الكفاية كما تقدم- أيضاً لا تجري فيه البراءة الشرعية، يعني لا يُتوهم بأن صاحب الكفاية أراد أن يجري البراءة الشرعية في نفس الوجوب وإنما منع من البراءة العقلية، نقول: لا، بالنسبة إلى الوجوب هو يقول: لا تجري فيه البراءة العقلية كما تقدم وأيضاً لا تجري فيه البراءة النقلية في وجوب الأكثر فيما لو دار الأمر بين الأقل والأكثر، باعتبار عدم انحلال العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو بوجوب الأكثر فلا نجري فيه أصالة البراءة، يعني لو أردنا أن نجري أصالة البراءة في وجوب الأكثر يعارضها أصالة البراءة في وجوب الأقل ولهذه المعارضة لا يمكن أن نقول بوجوب الأقل على كل تقدير مثلاً ونجري البراءة بالنسبة إلى وجوب الأكثر.

هذه نقاط ثلاث، أيضاً نضيف نقطة رابعة: وهو أن أصالة البراءة وغيره من الأصول لا يجري إلا في المجعول الشرعي أو ما يترتب عليه أثر شرعي، مثلاً نجريه في الوجوب أو فيف حرمة شيء فهذا مجعول شرعي يصح جريان البراءة النقلية فيه، لأن حديث الرفع إنما يكون في المورد الذي يكون فيه الوضع يعني ما يمكن فيه الوضع شرعاً يمكن أن ينفى شرعاً، إذا لم يكن من شؤون الشارع ووظائفه بما هو شارع أن يجعل شيئاً أو يضع الشيء لا يمكن أن نقول إن الشارع رفعه، إذاً لا بد لتصحيح جريان الأصل أن نقول أنه لا بد أن يكون مجرى الأصل مجعول شرعي أو يترتب عليه أثر شرعي، مثلاً نفس الخمرية ليست مجعولاً شرعياً ولكن إذا شككنا في سائل هل هو خمر أو لا؟ هنا يترتب عليه أثر شرعي إذا ثبتت الخمرية يحرم شربها وهي نجسة، وبلحاظ هذه الآثار يمكن جريان الأصل في الخمرية.

الحاصل: ما نريد أن نقوله: هو أن الأصل لا يجري إلا فيما هو مجعول شرعي أو ما يترتب عليه أثر شرعي، أما غير ذلك فلا يجري فيه الأصل.

إذا اتضحت هذه النقاط الأربعة، نرجع إلى كلام صاحب الكفاية، فإنه يقول: عندما نشك بين الأقل والأكثر يعني نشك في جزئية الزائد وهو الأكثر للمركب، عندما نشك في وجوب القراءة وعدم وجوبها نشك في جزئية القراءة للصلاة وعدم جزئيتها، وبما أنه نشك في الجزئية وعدم الجزئية فيمكن رفع الجزئية بنفس حديث الرفع-رفع ما لا يعلمون- يرفع الجزئية لأنه شُك في جزئية القراءة وعدم الجزئية فنجري في الجزئية أصالة البراءة، وإذا أجريناها في الجزئية ورفعنا جزئية القراءة وهي الزائد هنا يرتفع الإجمال المردد بين الأقل والأكثر وتعين في الأقل، هذا كلامه الأصلي، وهذا الذي بينه مثل السيد الخوئي (ره).

صاحب الكفاية أورد على نفسه بعض الإشكالات وأجاب عنها ولا بد من بيانها لتتضح فكرة صاحب الكفاية بمجموعها.

الإشكال الأول: الذي أورده على نفسه، هو أن جزئية السورة المجهولة ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول، نحن ذكرنا في النقطة الرابعة أنه لا بد لجريان الأصل أن يكون إما هو بنفسه مجعولاً شرعياً وإما أن يكون له أثر شرعي، الجزئية ليست مجعولة شرعاً وليست مما له أثر شرعي، أما أنها ليست مجعولة لأنه نفس الجزئية قلنا إنها أمر انتزاعي ليس له ما بإزاء وإنما له منشأ انتزاع، وهي أيضاً ليست أثراً لمجعول شرعي وحديث الرفع إما يرفع المجعول الشرعي بنفسه أو ما له أثر شرعي، تقول بوجود أثر شرعي، الجزئية ليست بمجعول شرعي ولكن لها أثر شرعي يترتب عليها وهو وجوب الإعادة، الآن إذا كان في الواقع يجب الأكثر فأنا لم آتِ بالأكثر إذاً يجب علي الإعادة، فوجوب الإعادة أثر شعري يترتب على الجزئية فمن هذه الجهة يمكن جريان البراءة الشرعية.

إن قلت بهذا أيها المستشكل، بأن وجوب الإعادة ليس أثراً شرعياً يترتب على الجزئية وإنما هو أثر لبقاء الأمر بعد العلم يعني أنا شككت في هذا الجزء الزائد لم آتِ به وعلمت فيما بعد أن هذا جزء فنفس الأمر الأول المتعلق بالأكثر يقول لك يجب عليك الإعادة، فوجوب الإعادة من آثار بقاء الأمر الأول المتعلق بالأكثر وليس من آثار الجزئية حتى تقول إن لها أثر شرعي، هذه جهة.

جهة أخرى في الجواب: يقول بأن وجوي الإعادة أمر عقلي وهو داخل في ضمن وجوب الإطاعة عقلاً ويقول بما أنك لم تأت بالمطلوب يجب عليك بالامتثال ووجوب الامتثال يقتضي وجوب الإعادة.

حاصل الإشكال الذي أورده صاحب الكفاية على نفسه: يقول بأن الجزئية ليست مجعولة شرعاً بنفسها وليست مما يتعلق بها أثر شرعي ويشترط في جريان البراءة أن يكون موردها إما مجعول شرعي وإما له أثر شرعي والأثر المتصور في المتصور في المقام وهو وجوب الإعادة ليس أثر شرعي بل هو أثر عقلي بل ليس من آثار نفس الجزئية.

أجاب صاحب الكفاية: بأن الجزئية ليست مجعولة شرعا بنفسها ولكن هي مجعولة بمنشأ انتزاعها وهذا يكفي في صحة رفعها، قلنا بأن الجزئية ليس لها ما بإزاء ولكن لها منشأ انتزاع حقيقي تارة مثل الفوقية التكويني وتارة يكون نفس الطلب المتعلق بالكل بالمركب بالأبعاض ننتزع الكلية من المجموع وننتزع الجزئية من الأبعاض، الجزئية في حد نفسها لم تكن مجعولة ولكن الشارع جعل منشأ انتزاعها وهو نفس هذا الأمر، إن شئت تقول عندما أمر متعلق بالكل وعندنا أمر متعلق بالجزء وهو أمر ضمني، انتزعنا من الأمر المتعلق بالمجموع الكلية وانتزعنا من الأمر المتعلق بالبعض الضمني الجزئية، إذاً الجزئية مجعولة من الشارع بتبع جعل منشأ انتزاعها، هذا المقدار من تبعية الجزئية لمنشأ انتزاعها تنسب إلى الشارع أو نقول يكفي في كونها مما يجعلها الشارع بجعل منشأ انتزاعها، فيصح منه أن يرفعها بما هو شارع.

ثم أورد على نفسه صاحب الكفاية: يقول إذا قلنا الآن بأن الجزئية ترتفع بارتفاع منشأ انتزاعها، يعني يرتفع الأمر الانتزاعي بارتفاع منشأ انتزاعه، نقول: منشأ الانتزاع هو نفس الأمر الأول المتعلق بالكل المركب الأكثر، إذا كان نفس الأمر هو المتعلق بالأكثر وأجريت البراءة فيه يعني رفعت الكل فإذا رفعته لا يوجد عندي دليل آخر يتعلق بالخالي عن الجزء الزائد أي يتعلق بالأقل إلا بنحو الأصل المثبت، تقول: لما رفعنا الأمر بالأكثر والأمر يدور بين الأقل والأكثر إذاً يتعين عندنا الأقل فجريان البراءة في الأكثر في الجزئية بلحاظ منشأ انتزاعها يرفع الأمر الأول المتعلق بالأكثر ولا يتعين الأقل إلا بالأصل المثبت وهو لا صح في مثل البراءة، إن قلت بهذا.

نقول: وإن كان ارتفاع الجزئية بارتفاع منشأ الانتزاع لكن نسبة حديث الرفع إلى الأدلة الدالة على بيان الأجزاء نسبة الاستثناء، ومع ضم هذه نستفيد استثناء هذا الجزء في حال جهله.

وتوضيح هذه النقطة: نحن عندنا أمر متعلق بالصلاة وهو المركب وعندنا أمر متعلق مثلاً بوجوب القراءة أو الركوع أو السجود وهكذا وعندنا حديث الرفع وهو حاكم على أدلة الأجزاء، دليل الجزء يقول تجب القراءة في الصلاة مقتضاها الإطلاق يعني تجب القراءة سواء كان يعلم بها المكلف أو لا يعلم بها وحديث الرفع يقول بأنه بالنسبة إلى حالة العلم ما عندنا كلام وأما بالنسبة إلى حالة الجهل هل هو واجب أو ليس بواجب؟ نرفعه، إذا رفعناه الآن ضممنا حديث الرفع مع أدلة الأجزاء والشرائط فصار عندي استثناء، يعني يجب الإتيان بالقراءة إلا في حالة الجهل، هنا لا يكون مثبتاً بل يكون استثناءً، لهذا قال هو فيف الأخير: نعم وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه إلا أن نسبة حديث الرفع الناظر إلى الأدلة الدالة على بيان الأجزاء- الناظر يعني الحاكم- الدليل الدال على الركوع أو القراءة، حديث الرفع نسبته إلى أدلة الأجزاء والشرائط نسبة الاستثناء وهو معها يكون دالاً على نسبيتها إلا مع الجهل بها، يعني الدليل الدال على بيان الأجزاء مطلق وحديث الرفع معها يكون نستثني حالة الجهل فالنتيجة أن القراءة ليست جزءً في حالة الجهل من الصلاة، فعليه: لا نحتاج إلى ما يثبت وجوب الأقل نحن عندنا الأمر دار بين الأقل والأكثر رفعنا بواسطة حديث الرفع الجزئية ومعنى رفع الجزئية أن القراءة ليست بواجبة بمقتضى دليلها في حالة الجهل، فهنا نكتفي بالإتيان بالأقل، هذا تمام كلامه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo