< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

ما أفاده صاحب الكفاية (قده) رداً على الشيخ (قده) في جريان البراءة الشرعية:

كان الكلام في جريان البراءة الشرعية النقلية من طرف المحقق صاحب الكفاية والمحقق النائيني (قده) وقلنا بأن المحقق صاحب الكفاية (قده) ناظر إلى كلمات الشيخ (قده) ويعرض نوعاً ما بكلام الشيخ، وكلام الشيخ على حسب ما ذكرناه سابقاً، حاصله: يقول بأن أدلة البراءة الشرعية من قبيل حديث الرفع وحديث الحجب تجري في وجوب الجزء المشكوك بالنسبة إلى الأكثر الزائد يشك في وجوبه فهو يجري البراءة في نفس الوجوب في نفس التكليف المتعلق بهذا الجزء المشكوك، يعني أن وجوب الأكثر مما حجب الله علمه عن العباد مما هو مجهول عند المكلف فهو موضوع عنهم ورفع ما لا يعلمون وأن جريان البراءة في الوجوب الغيري يجري كما يجري في الوجوب النفسي لأن هنا الوجوب المتعلق بالجزء وجوب غيري فهنا البراءة تجري فيه كما تجريئ في نفس الوجوب النفسي على حد سواء، فهو يخالف بذلك ما التزم به شريف العلماء كما نقلناه سابقاً، لأن في الوجوب الغيري يوجد أيضاً استحقاق العقوبة وعدم الاستحقاق يعني الوجوب النفسي إذا تعلق بالمكلف ولم يأت به يستحق العقوبة عليه، والوجوب الغيري أيضاً عندما لم يأت به المكلف يستحق العقوبة على ترك الكل لأنه ترك الكل بتركه للجزء، فيكون منشأ نفس الوجوب الغيري المقدمي منشأ لاستحقاق العقاب على تركه، فإذاً: استحقاق العقوبة تأتي في النفسي وتأتي في الغيري، وهنا النكتة التي أشرنا إليها سابقاً وهي أن الوجوب الغيري يكون منشأً لاستحقاق العقوبة على ترك الكل، بمعنى أن المكلف إذا علم بالأقل وشك في الأكثر هنا إذا ترك الأقل وفي الواقع المطلوب الأكثر فهنا يستحق العقوبة على تركه للأكثر لأنه ترك الأقل، أما لو أتى بالأقل وترك الأكثر فهنا تكون العقوبة بلا بيان على ترك الأكثر فلهذا لا تأتي هنا، كما أنه تجري البراءة العقلية تجري البراءة النقلية سواء في حديث الرفع أو حديث الحجب، هذا ما أفاده الشيخ (قده).

المحقق صاحب الكفاية (قده) يعرض بكلام الشيخ فيقول: (وأما النقل فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاضٍ برفع جزئية ما شُك في جزئيته، فبمثله يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر ويعينه في الأول)

هنا نلاحظ كلمات الشيخ صاحب الكفاية (قده) يجري البراءة النقلية، هو لم يجر سابقاً البراءة العقلية ولكن البراءة النقلية يقول هي جارية لا محذور فيها، ولكن هذه البراءة النقلية تجري في الجزء المشكوك لا في وجوب الجزء المشكوك، الشيخ قلنا أجراها في نفس الوجوب وهو الوجوب الغيري في الواقع المتعلق بالجزء، الآخوند (قده) يجريها في نفس الجزئية لا في الوجوب، والفرق بينهما أن الشيخ أجراها في الوجوب في الحكم التكليفي ودفع عن نفسه إشكال وهو أنه كما أننا نشك في وجوب الأكثر نشك في وجوب الأقل، فلما تجري البراءة في الحكم التكليفي في وجوب الأكثر يمكن تصور المعارض وهو في وجوب الأقل، دفعه الشيخ بأن هذه المعارضة لا تتم لعلمنا بوجوب الأقل على كل تقدير إما لوجوبه الغيري وإما لوجوبه النفسي، فلهذا عنده المقتضي للبراءة الشرعية موجود وهو كون المرفوع مجعولاً شرعياً مجهولاً وأيضاً في رفعه منة على المكلف ولهذا سابقاً بأن حديث الرفع حديث امتناني، والمانع أيضاً مفقود لأن المانع إما هو العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر أو معارضة الأصل مع أصالة عدم وجوب الأكثر تتعارض مع أصالة عدم وجوب الأقل، وبالنسبة إلى العلم الإجمالي فهو مرتفع لأن هذه الأخبار المرخصة أخبار البراءة الشرعية حاكمة على العلم الإجمالي وهذا ما بحثه الشيخ سابقاً بأن هذه الأدلة النقلية حاكمة على العلم الإجمالي فلهذا لا يكون العلم الإجمالي مانعاً منها، وأما بالنسبة إلى المعارضة فقلنا بأن الأقل يعلم بوجوبه على كل تقدير وبما أنه يعلم به كذلك لا يكون الأقل مورداً للأصل وأما الأكثر فهو مورد للأصل، وبهذا الشيخ أتم كلامه من حيث المقتضي ومن حيث المانع في جريان البراءة النقلية عن التكليف عن وجوب حكم الجزء، أما الآخوند يعرض في الشيخ في هذه الجهة فالآخوند ناظر إلى الجزئية بنفسها وهي التي ترتفع، يعني أن أركان البراءة الشرعية عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين الأركان للبراءة الشرعية مجتمعة لأن المشكوك فيه هو الجزئية كالسورة مثلاً هذا المشكوك الجزئية فالجزئية مجعولة بتبع الجعل الشرعي يعني الشارع عندما أمر بالصلاة بهذا المركب وقال تجب القراءة مثلاً نحن انتزعنا الجزئية أن القراءة جزء، فالجزئية مجعولة بتبع الجعل الشرعي، وبما أنها كذلك انتزعنا الجزئية، وهذا المقدار كافي لأن تجري البراءة في نفس الجزئية ولا تجري الحكم المتعلق بالجزء وهو التكليف، فالمصنف صاحب الكفاية هنا عدل عما أفاده الشيخ فالشيخ أفاد جريان البراءة الشرعية في نفس التكليف وهو الوجوب وجوب الأكثر وصاحب الكفاية يقول: لا، جريان الأصل في نفس الحكم الوضعي وهو نفس الجزئية.

لماذا عدل صاحب الكفاية عن كلام الشيخ؟ هنا يمكن أن نصور أصالة عدم وجوب الأكثر معارضة بأصالة عدم وجوي الأقل لأنه لو أجرينا كلتا الأصالتين لزم القطع بالمخالفة الواقعية، ووجوب الأقل تفصيلاً إما نفسياً وإما غيرياً لا يفيد عند صاحب الكفاية لأنه على حسب ما ذكرنا سابقاً أنه يلزم منه الدور فلا يفيد في انحلال العلم الإجمالي لأن المفيد في انحلاله هو إثبات الوجوب على كل تقدير والوجوب على كل تقدير بنظر صاحب الكفاية يلزم منه الدور كما سبق تفصيله، فعليه: أصالة عدم وجوب الأقل يمكن أن تعارض أصالة عدم وجوب الأكثر، فالتزم بأن البراءة النقلية تجري في نفس الجزئية ولا تجري في نفس الحكم هذا هو الفارق بين كلمات الشيخ وكلمات المحقق صاحب الكفاية، ولهذا هو أيضاً فيما بعد قال: ( لا يقال إن جزئية السورة المجهولة ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول والمرفوع بحديث إنما هو المجعول بنفسه أو أثره، ووجوب الإعادة إنما هو أثر بقاء الأمر بعد العلم لأنه يقال: إن الجزئية وإن كانت غير مجعولة بنفسها إلا أنها مجعولة بمنشأ انتزاعها وهذا كافي في صحة رفعها) هذا حاصل كلام المحقق صاحب الكفاية وبيانه في جريان البراءة النقلية.

المحقق النائيني (قده) أيضاً أجرى أصالة البراءة النقلية ولكن لا بنحو ما أفاده صاحب الكفاية وإنما يقول: بأن مفاد حديث الرفع وحديث الحجب مثلاً هذه أدلة البراءة النقلية عدم تقييد في مرحلة الظاهر فيثبت به الإطلاق بحسب الظاهر في مرحلة الظاهر، لأن عدم التقييد هو عين الإطلاق، طبعاً هنا مقدمة مفروغ عنها عند المحقق النائيني (قده) وهي:

أن التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل العدم والملكة، التقييد ملكة والإطلاق عدم فالتقابل بينهما تقابل بين الملكة وعدمها، هنا معنى ذلك أن الإطلاق هو عدم التقييد، لما نقول التقابل تقابل الملكة وعدمها يعني ا، الإطلاق هو عدم التقييد فيما من شأنه أن يحصل له تقييد، كما تقول في الإبصار والعمى فالعمى عدم ملكة الإبصار فهنا أيضاً الإطلاق يكون عدم التقييد وبما أنه الإطلاق هو عدم ملكة التقييد طبعاً في مورد يصلح للتقيد فهنا نشك في الإطلاق والتقييد، ولما شككنا فيهما أجرينا البراءة حديث الرفع في التقييد واستفدنا من ذلك عدم التقييد، يعني شككنا هل التقييد لازم هنا أو ليس بلازم هنا؟ هنا أجرينا البراءة رفع ما لا يعلمون فهو موضوع عنهم في حديث الحجب ولما رفعنا بحديث الرفع الآن يتم المطلوب عند المحقق النائيني من جهة التقابل هو تقابل بين التقييد وتقابل الملكة والعدم التقييد والإطلاق ومن جهة حديث الرفع ناظر إلى نفس الأجزاء وإلى نفس الشرائط أيضاً، نشك في جزئية شيء أو في شرطية شيء نقول: رفع ما لا يعلمون ونقول فهو موضوع عنهم ونستفيد من ذلك الحكم بالإطلاق في مرحلة الظاهر، فإذاً: مفاد حديث الرفع هو عدم التقييد في مرحلة الظاهر وناظر إلى الجزئية فيكون ناظر إلى ثبوت الإطلاق في مرحلة الظاهر من ناحية الجزئية وعدمها فهو حتى لو لم يجر البراءة في نفس الجزئية فيف نفس الحكم الغيري إلا أنه أثبت بحديث الرفع الإطلاق الذي عدم التقييد.

فالنتيجة: نقول: إن البراءة الشرعية تأتي في الأكثر تأتي في هذا الجزء الزائد المحتمل أنه واجب.

فالفرق بين كلام صاحب الكفاية وكلام المحقق النائيني: أن كلام صاحب الكفاية حديث الرفع يجري في نفس الجزئية، هل هذه الجزئية مجعولة أو غير مجعولة هنا يجري البراءة عنه، والمصحح لذلك أن الجزئية وإن كانت بحد نفسها لم تكن وإنما هي مجعولة بتبع منشأ انتزاعها لكن هذا المقدار يصحح جريان البراءة في نفس الجزئية، أما المحقق النائيني يقول: نحن يدور الأمر عندنا بين التقييد والإطلاق، هل الأقل واجب بنحو الإطلاق أو أنه واجب بنحو التقييد مقيد بضميمة ما يأتي؟ عندما يدور الأمر بين الإطلاق والتقييد والمقابلة بين الإطلاق والتقييد مقابلة العدم والملكة التقييد ملكة والإطلاق عدم، فهنا عندما شككنا في هذا التقييد في المورد الذي يصلح فيه للتقييد تمسكنا بحديث الرفع لإثبات عدم التقييد في مرحلة الظاهر وعدم التقييد في مرحلة الظاهر هو عين الإطلاق فنثبت أن الأقل يجب مطلقاً وجب معه شيء آخر أو لم يجب معه شيء آخر، هذا كلام المحقق النائيني.

السيد الخوئي (ره) قال: الكلام يبتني أساساً على إمكان جريان البراءة العقلية والنقلية وعدم الإمكان، بمعنى أنه لا يوجد تفكيك بين البراءتين بحيث نقول البراءة العقلية لا تجري والبراءة الشرعية تجري، المانع الذي يصلح أن يكون مانعاً من جريان البراءة العقلية هو بنفسه يصلح أن يكون مانعاً من جريان البراءة الشرعية، فعليه: إن حكمنا المانع عن جريان البراءة العقلية فهو بنفسه يصلح أن يكون مانعاً عن جريان البراءة الشرعية، فلا تفكيك بينهما، فلهذا قال ما لفظه هكذا: ( والتحقيق: عدم صحة التفكيك بين البراءة العقلية والشرعية وأنه على تقدير عدم جريان البراءة العقلية كما هو المفروض عندهما لا مجال لجريان البراءة الشرعية أيضاً وذلك لأن عمدة ما توهم كونه مانعاً عن جريان البراءة العقلية أمران: الأول: لزوم تحصيل الغرض المردد ترتبه على الأقل والأكثر، وهذا ما بحثناه في المانع الأخير، الثاني: أن الأقل المعلوم وجوبه على كل تقدير هو الطبيعة المرددة بين الإطلاق والتقييد) وهذا ما شرحناه في ضمن كلام المحقق النائيني في المانع الثاني أو الثالث (فكلٌ من الإطلاق والتقييد مشكوك فيه فلا ينحل العلم الإجمالي لتوقفه على إثبات الإطلاق، فما لم يثبت الإطلاق كان العلم الإجمالي باقياً على حاله، فعليه يكون الشك في سقوط التكليف بإتيان الأقل لا في ثبوته)[1] يعني مراده بأنا نحن نشك في الإطلاق والتقييد فإذا لم يثبت عندنا الإطلاق وجوب الأقل مطلقاً وجب غيره معه أو لم يجب، إذا لم يثبت هذا الإطلاق العلم الإجمالي يبقى على حاله، وعليه: يكون الشك في سقوط التكليف يعني نعلم بأصل التكليف ونشك في سقوطه، إذا علمنا بأصل التكليف وشككنا في سقوطه هذا مورد للاشتغال كلما علمنا بالتكليف وشككنا في سقوطه يعني شككنا في براءة علمنا باشتغال الذمة وشككنا في براءتها فلا بد من الإتيان بما يحصل البراءة وهو الإتيان بالأكثر، فإذاً: لا بد أن نثبت الإطلاق إذا ثبتا الإطلاق انحل العلم الإجمالي وإذا لم نثبت الإطلاق لم ينحل العلم الإجمالي، وإذا ثبتنا الإطلاق انحل العلم الإجمالي وتجري كلتا البراءتين العقلية والنقلية وإذا لم يثبت عندنا الإطلاق فهنا العلم الإجمالي منجزاً وإذا كان منجز تجري قاعدة الاشتغال ولا تجري البراءة، هذا إشكال السيد الخوئي (ره) ويأتي له تتمة أيضاح أكثر من هذا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo