< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

جريان البراءة الشرعية في الأكثر أو عدم الجريان:

كان الكلام في الجهة الثانية، فرغنا عن الجهة الأولى وهي البحث في جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعدم جريانها وقلنا بأن بعض الأعلام مثل صاحب الكفاية والمحقق النائيني قالوا بعدم جريان قبح العقاب بلا بيان في المقام، وتقدم الكلام في أدلة المانعين وفي أدلة المثبتين ووجدنا أن أدلة المثبتين قوية وما ذكره المانعون من المنع غير ناهض وفي الأساس عندنا في جريان قبح العقاب بلا بيان أحد وجهين، الذين يمكن أن نعتمد عليهما:

الوجه الأول: هو أن الأقل واجب على كل تقدير سواء كان واجباً استقلالياً أو كان واجباً ضمنياً باعتبار أن الأمر بالمركب ينحل إلى الأمر بأجزائه فلهذا يكون عندنا وجوبات متعددة ضمنية بمقدار المركب فعندما يقول المولى: صلِّ ويأمر بوجوب الصلاة فهنا الصلاة مركبة من عدة أجزاء فيكون عندنا أمر بالقراءة وأمر بالركوع وأمر بالسجود وهكذا، عليه نقول: بالنسبة إلى الأقل إما هو واجب استقلالاً لأن الواجب في الواقع هو الأقل وإما أن يكون الأقل واجباً ضمنياً في ضمن الأكثر فهو واجب على كل تقدير، وبالنسبة إلى الأكثر نشك في وجوبه فنقول: يقبح العقاب على تركه لعدم العلم به، هذا وجه نعتمد عليه.

الوجه الثاني: هو أن نلاحظ المنجزية وعدم المنجزية، بمعنى أن نقول: بأن الأمر عندما توجه للمركب فيكون متنجزاً بحيث يستحق المكلف العقاب على تركه فعليه نقول: بالنسبة إلى الأقل هو متنجز على كل تقدير بمعنى لو ترك الأقل بالمرة وكان في الواقع الأقل هو الواجب باستقلاله فهنا يستحق العقوبة على تركه، ولو ترك الأكثر مع تركه للأقل مع كون الواجب في الواقع هو الأكثر فهنا أيضاً يستحق العقوبة على ترك الأكثر لتركه للأقل يعني عندما ترك الأقل هو ترك الأكثر فهنا استحقاق العقوبة على ترك الأكثر الذي هو واجب في الواقع بسبب تركه للأقل، أما لو أتى بالأقل ولم يأت بالأكثر لجهله به وعدم علمه به فهنا نقول عقلاً لا يستحق العقوبة على ترك الأكثر وهذا معنى أن الأقل منجز على كل تقدير وأما الأكثر فليس منجزاً على كل تقدير يعني لا يستحق العقوبة عليه على تركه على كل تقدير بل يستحق العقوبة على تركه عندما يترك الأقل ولا يستحق العقوبة على ترك الأكثر عندما يأتي بالأقل، فإذاً تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان عن الأكثر وهذا البيان يختلف عن البيان السابق.

هذا كله قد تقدم، والآن الكلام في جريان البراءة الشرعية بالنسبة إلى الأكثر وعدم جريانها:

نقول: إما بناء على القول بجريان قبح العقاب بلا بيان تجري هنا أيضاً رفع ما لا يعلمون البراءة الشرعية على حد سواء، هناك قلنا بأنه يمكن جريان البراءة العقلية بالتفصيل الذي ذكرناه وهنا أيضاً نفس الكلام، هنا نشك هل يجب الأكثر أو لا يجب الأكثر؟ وهل هناك مؤاخذة على ترك الأكثر أو لا؟ فهنا رفع ما لا يعلمون يمكن تطبيقه على المقام.

وبعبارة أخرى: إذا شككنا في الأكثر يعني نحن نشك في الإطلاق والتقييد، هل أن الأقل واجب على نحو الإطلاق؟ بمعنى أنه وجب غيره أو لم يجب غيره الأقل واجب؟ أو أن الأقل واجب مقيد بالإتيان بالأكثر؟ فهنا نشك بين الإطلاق والتقييد، والإطلاق لا كلفة فيه بخلاف التقييد فالتقييد فيه كلفة فيه مؤونة زائدة فتجري أصالة البراءة حديث الرفع عما فيه كلفة لأن حديث الرفع امتناني ومع كونه امتنانياً هنا يُرفع – رفع ما لا يعلمون- أما بالنسبة إلى الإطلاق ليس فيه كلفة فلا يأتي فيه الامتنان وعدم الامتنان، فحديث الرفع يأتي كما تأتي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، هذا إذا قلنا بجريان قبح العقاب بلا بيان أيضاً نتصور جريان حديث الرفع بلا إشكال.

أما لو قلنا بمقالة المحقق النائيني والمحقق صاحب الكفاية بأنه لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان فهنا هل نقول بجريان حديث الرفع أو لا؟ فالمحقق صاحب الكفاية والمحقق النائيني كلاهما ذهبا إلى جريان حديث الرفع البراءة الشرعية في المقام وإن لم تجرِ البراءة العقلية في المقام، ولكن لكل منهما بيان:

فصاحب الكفاية قال في الكفاية ما نصه: (وأما النقل فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاضٍ برفع جزئية فيما شك في جزئيته فبمثله يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر ويعينه في الأول)[1] طبعاً هنا لا يخلو كلام الآخوند من التعريض بكلام الشيخ بنحو من الأنحاء فالآن نذكر عبارة الشيخ ليتضح المراد من كلام الآخوند.

فنذهب إلى عبارة الشيخ، قال: (وأما الدليل النقلي فهو الأخبار الدالة على البراءة الواضحة سنداً ودلالة ولذا عول عليها في المسألة من جعل مقتضى العقل فيها وجوب الاحتياط) ، الذي اختار الاحتياط بمقتضى العقل مثل صاحب الفصول ومثلما نقلنا كلمات الآخوند والمحقق النائيني المهم الشيخ يشير إلى كلام صاحب الفصول اختار وجوب الاحتياط بمقتضى العقل ولكن اختار الاعتماد على البراءة النقلية باعتبار وضوحها سندا ودلالة،(بناءً على وجوب مراعاة العلم الإجمالي) يعني لماذا هو جعل مقتضى العقل وجوب الاحتياط؟ بناءً على وجوب مراعاة العلم الإجمالي (وإن كان الإلزام في أحد طرفيه معلوم بالتفصيل، وقد تقدم أكثر تلك الأخبار في الشك في التكليف التحريمي والوجوبي) من هنا نلاحظ أن الشيخ (قده) يريد أن يجري البراءة من خلال التكليف من خلال الشبهة التحريمية بالنسبة إلى الأجزاء وقد تقدم أكثر تلك الأخبار في الشك في التكليف التحريمي والوجوبي( منها قوله عليه السلام: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم) يطبق الآن هذا على ما نحن فيه (فإن وجوب الجزء المشكوك محجوب علمه عن العباد) دار الأمر بين الأقل والأكثر يعني شككت في وجوب الجزء الزائد ولما شككت فيه يصدق عليه ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (فهو موضوع عنهم، فدل على أن الجزء المشكوك وجوبه غير واجب على الجاهل كما دل على أن الشيء المشكوك وجوبه النفسي غير واجب في الظاهر على الجاهل) هنا الشيخ يريد أن يقول: بأن حديث الحجب كما يشمل الوجوب النفسي المشكوك يشمل الوجب الغيري المشكوك، فنحن نلاحظ رفع الوجوب وليس رفعاً للجزئية الآن، هناك أشك في وجوب الكل مثلاً المركب بكله أشك في وجوبه أو الفعل أشك في وجوبه النفسي أتمسك بما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فأنفي الوجوب، هنا في المقام أشك في وجوب الجزء الزائد هنا أيضاً ينطبق عليه ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم، فأتمسك بحديث الحجب لرفع الحكم بالوجوب لرفع التكليف، ويمكن تقريب الاستدلال: بأن وجوب الأكثر مما حجب علمه فهو موضوع، ولا يعارَض بأن وجوب الأقل كذلك كما أن وجوب الأكثر حجب علمه أيضاً وجوب الأقل حجب علمه إذا قلت هناك موضوع عنهم هنا أيضاً موضوع عنهم، لا يعارض بهذا، لأن العلم بوجوب الأقل المردد بين النفسي والغيري غير محجوب، أنا أعلم بأن الأقل واجب على كل تقدير سواء كان نفسياً أو غيرياً فهذا ليس بمحجوب فهو غير موضوع، وأيضاً هذا حديث الحجب ثم يطبق حديث الرفع،( وقوله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي ما لا يعلمون، فإن وجوب الجزء المشكوك مما لم يُعلم فهو مرفوع عن المكلفين، أو أن العقاب والمؤاخذة المترتبة على تعمد ترك الجزء المشكوك الذي هو سبب لترك الكل مرفوع عن الجاهل إلى غير ذلك من أخبار البراءة الجارية في الشبهات الوجوبية) فإذاً يتحصل من كلام الشيخ أنه نشك في وجوب الجزء الزائد من حيث التكليف هل يجب أو لا يجب؟ فنرفع الوجوب بحديث الحجب وبحديث الرفع يعني بالبراءة الشرعية، ثم تعرض الشيخ إلى كلام أستاذه شريف العلماء قال: ( وكان بعض مشايخنا قدس الله نفسه يدعي ظهورها في نفي الوجوب النفسي المشكوك وعدم جريانها في الشك في الوجوب الغيري) يقول: هذه الأحاديث ناظرة إلى الوجوب النفسي المشكوك أما ما نحن فيه هو الوجوب الغيري وهذه غير جارية في الشك في الوجوب الغيري، فأجاب عنه الشيخ ( ولا يخفى على المتأمل عدم الفرق بين الوجوبين في نفي ما يترتب عليه من استحقاق العقاب لأن ترك الواجب الغيري منشأ لاستحقاق العقاب ولو من جهة كونه منشأً لترك الواجب النفسي)[2] هنا الشيخ كأنه رفع اليد عن تقريبه الأول الذي نقلناه عنه سابقاً واتخذ التقريب الثاني لجريان البراءة العقلية، وتقريره كما أوضحناه سابقاً، أن الأكثر على فرض كونه هو الواجب في الواقع هنا إن تركتُ الأكثر لتركي للأقل فيكون منشأً لاستحقاق العقاب أم إذا تركت الأكثر مع الإتيان بالأقل هنا لا يستحق المكلف العقاب.

الشيخ يقول: لا نفرق بين الوجوبين، الوجوب المتعلق بالوجوب النفسي أو المتعلق بالوجوب الغيري لأن التارك للواجب الغيري الأقل سينشأ منه الترك للأكثر المطلوب نفساً فيكون ترك الواجب الغيري منشأ لاستحقاق العقاب على الأكثر، وهذه النكتة إذا تلاحظون لم يشر إليها السيد الخوئي (ره) فيما سبق في تقريره لبيان الشيخ وهذا اعتبرناه تقريب الثالث وهو التقريب الثاني المعتمد الذي ذكرناه في أول الكلام، هذا كلام الشيخ (قده).

الآن لما نرجع إلى كلام الآخوند (قده) نلاحظ أن الآخوند يقول: وأما النقل فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاضٍ برفع جزئية ما شك في جزئيته، ومن كلمات الشيخ عرفنا أن الشيخ نظره متوجه إلى الحكم التكليفي ونظر صاحب الكفاية إلى الجزئية وعدم الجزئية وهذا ما سنوضحه إن شاء الله فيما بعد.


[2] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج2، ص328.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo