< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

المانع الرابع: الصحيح عند السيد الخوئي (قده):

تقدم الكلام في جواب المحقق النائيني وإشكال السيد الخوئي عليه، وأن الإشكال لا يرد لأنه نفس المحقق النائيني أورد الإشكال على نفسه وأجاب عنه وباعتبار جواب المحقق النائيني لا يرد إشكال السيد الخوئي، بعد ذلك السيد الخوئي أتى بجواب وعبّر عنه أنه الصحيح في الجواب، هذا الجواب تقريباً هو المستل من كلمات المحقق النائيني عندما نلاحظ المجموع، يعني أصل مطلب المحقق النائيني مع ما أورده على نفسه ثم الجواب عنه يتضح الجواب الصحيح، ولكن إما أن يكون بعبارة أخرى أو نعتبره كتطوير لجواب المحقق النائيني، حتى لا يرد عليه الإشكال ويحتاج إلى دفعه.

حاصل جواب السيد الخوئي الصحيح:

يقول: بأن الغرض تارة يكون هو بنفسه متعلقاً للتكليف وعليه مثلاً أن يأمر المولى بقتل زيد الغرض هو نفس قتل زيد والفعل الذي يؤدي إلى القتل لم يتعلق به التكليف، يعني لم يقل مثلاً اضربه بسكين أو اذبحه، وإنما أمر بنفس الغرض وهو القتل، مثل هذا هنا يجب على المكلف إحراز حصول الغرض والإتيان بما يقطع بأنه محصل للغرض، من هذا الباب لو أمر بنفس الطهارة إذا قلنا بأن الطهارة هي مترتبة على أفعال الطهارة على الوضوء مثلاً وعلى الغسل مثلاً فهنا أمر بنفس الغرض أمر بنفس حصول الطهارة وعندما أمر بنفس الغرض فيجب الإتيان بما يقطع بأنه محصل للغرض يأتي بالفعل الذي يحصل به الغرض جزماً وتارة يكون التكليف متعلقاً بالفعل المأمور به لم يتعلق بنفس الغرض وإنما يتعلق بفعل المأمور به، هنا الواجب على العبد أن يأتي بما أمر به يعني حرفياً كما يقال، أمره بالإتيان بكذا يأتي بنفس المأمور به، أما هل أن المأمور به هو وافي بتحقق الغرض أو غير وافٍ بتحقق الغرض فهذا ليس من شؤون العبد وإنما هو من شؤون المولى نفسه ومن وظائف المولى، المولى عنده غرض يرى المولى بأن هذا الفعل هو محقق له يأمر به، فإذاً عندما يأتي العبد بالمأمور به لا يطلب منه أن يتحقق الغرض ولا يلام على عدم تحقق الغرض لأن تحقق الغرض وعدم تحققه من شؤون ووظائف المولى وليست من شؤون العبد، فلو فرضنا بأن البيان لم يكن تاماً من قبل المولى هنا لا يصح له أن يعاقب العبد على عدم تحقق الغرض من هذا الأمر.

وبعبارة أخرى: أنه لو لم يكن البيان تاماً ووافياً من قبل المولى فهذا التفويت من قبل المولى وليس من قبل العبد، فعليه: لا يستحق العقوبة.

إذا اتضحت هذه نقول: بأن أصل التكليف إذا لم يقم عليه بيان من قبل المولى فهو مجرى للبراءة ولا يستحق العبد العقوبة عليه كذلك بالنسبة إلى الغرض فهو لا يزيد أمره عن أصل التكليف فكما أن التكليف إذا لم يقم عليه بيان من قبل المولى أو لم يكن البيان وافياً من قبل المولى لا يستحق العقوبة على تركه فكذلك بالنسبة إلى الغرض إذا لم يكن هناك بيان وافٍ على الغرض فعدم تحقق الغرض لا يوجب للعبد استحقاق العقوبة.

إذا فرضنا الآن محل الكلام دار الأمر بين الأقل والأكثر هنا التكليف الزائد مجرى للبراءة ولا يستحق العبد العقوبة على ترك التكليف الزائد كذلك بالنسبة على الغرض فهو يتوقف على هذا الفعل والفعل دار أمره بين الأقل والأكثر والبيان قام على الأقل أما على الأكثر فلم يقم بيان، هنا عدم تحقق الغرض كما قلنا من شؤون ووظائف المولى فعندما يأتي العبد بالأقل ويترك الأكثر هنا لا يستحق المكلف العقوبة على ترك الأكثر ولا على تركه للغرض لأنه صار مترتباً على الأكثر لعدم وجود بيان وافٍ وواصل إلى المكلف.

هذه الجهة هي تقريباً نفس الجهة التي بيناها في كلام المحقق النائيني فهو في الجواب عن الإشكال الذي أورده على نفسه نفس الكلام، يقول: بأن الغرض إذا كان من الأهمية بمكان بحيث أن المولى يريده من العبد حتى في حالة الجهل يكون على المولى أن يبينه ولو بمتمم الجعل يجب عليه أن يبين وجوب الاحتياط لأنه يريد هذا العمل ولو في حالة الجهل الغرض ولو في حالة جهل المكلف فعليه إذاً أن يأمر ولو بأمر ثانٍ لأن الأمر الأول غير وافٍ يأمر بأمرٍ ثانٍ للزوم تحصيل الغرض يعني يأمر بالاحتياط بأمر ثانٍ، فإذا لم يأمر بالاحتياط هنا نستكشف عدم كون الغرض من الأهمية بمكان بحيث يريده المولى حتى في حالة الجهل وإذا كان يريده لا يستحق العبد العقوبة على تركه لأن هذا ليس من جانب العبد وإنما هو من جانب المولى، أصل هذه الفكرة هي نفس ما أفاده السيد الخوئي (ره) وإن كان بتعبير آخر.

فيقول السيد الخوئي: أن الغرض لا يزيد على أصل التكليف فكما أن التكليف الذي لم يقم عليه بيان مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فكذلك بالنسبة إلى الغرض الذي لم يقم عليه بيان من جهة المولى يكون مورداً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا أصل التكليف دار أمره بين الأقل والأكثر فبالنسبة إلى الأكثر لم يقم عليه بيان فيكون مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان كذلك الغرض المشكوك ترتبه على الأقل أو على الأكثر، فإنه بالنسبة إلى الأقل لو كان في الواقع مترتب على الأقل وأتى بالأقل تحقق الأمر ولو فرضنا انه لم يأتي بالأقل هنا يعاقب، ولو كان في الواقع يترتب على الأكثر وهو أتى بالأقل ولم يأت بالأكثر هنا لم يتحقق الغرض ولكن ليس ذلك من جهة العبد فلا يستحق العقوبة، نعم لو فرضنا أنه نشك هل الغرض يترتب على الأقل أو يترتب على الأكثر وقام البيان على الأقل ولكنه ترك الأقل ففي الضمن يكون ترك الأكثر لتركه للأقل هنا يستحق للعقوبة لأنه لم يأت بالمقدار المتيقن به، يعني استند عدم الإتيان بالغرض لعدم الإتيان بالأقل لا لأجل عدم الإتيان بالأكثر الذي لم يقم عليه بيان ففي مثل هذا المورد يستحق العقوبة، هذا تمام الكلام في مقام رفع الإشكال، فاتضح أن جواب السيد الخوئي (ره) مع جواب المحقق النائيني (قده) ربما يرجعان إلى جواب واحد وكلاهما وافيان في رفع الإشكال الأساس وهو أن العقل يحكم بلزوم تحصيل غرض المولى كما يحكم بلزوم امتثال أوامره وهنا الغرض لا نحرز تحققه إلا بالإتيان بالأكثر عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر فلا بد من الإتيان بالأكثر ولا بد من الاحتياط ولا تجري البراءة والجواب هو الذي ذكرناه وهو أن الغرض لا يكون أكثر من نفس التكليف كما أن التكليف إذا دار أمره بين الأقل والأكثر يكون الأكثر مجرى لقبح العقاب بلا بيان نفس الغرض كذلك، هذا كله طبعاً كما أشرنا إليه في بداية البحث على القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها لأنه كما ذكرنا سابقاً أن العدلية في مقابل الأشاعرة يقولون بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية أي للملاكات، ثم إن العدلية في أنفسهم اختلفوا المشهور يرى بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها وغير المشهور يرى بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في نفس جعلها وهذا الرأي غير المشهور يظهر من بعض كلمات المحقق صاحب الكفاية واختاره أيضاً من المعاصرين كما نقل سماحة الشيخ بشير النجفي (حفظه الله) ويظهر أيضاً من كلمات السيد الحكيم (حفظه الله) فإنه يرى بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في جعلها، ولكن الذي يبدو لي ليس على إطلاقه.

المهم على هذا المبنى وهو تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في نفس جعلها يرتفع الإشكال من الأساس ولا يرد، بل يرد الإشكال إذا كان هناك أغراض يعني مصالح في المتعلق أما إذا كانت المصلحة في نفس الجعل فالجعل قد تحقق ومصلحته قد تحققت وملاكه قد تحقق، فليس من جانب العبد أنه يجب عليه تحصيل الغرض، على هذا المبنى يكون تحصيل الغرض بنفس الجعل وهذا من شؤون ووظائف نفس المولى فلا يرد الإشكال من الأساس ويرتفع، ولكن هذا الرأي وهو تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد أو لملاكاتها في نفس جعلها وهو الرأي غير المشهور.

هذا كله بالنسبة إلى جريان البراءة العقلية وتحصّل إلى الآن بأن البراءة العقلية جارية وأن الموانع المذكورة لا تصلح أن تكون مانعة عنها، فعند دوران الأمر بين الأقل والأكثر يمكن جريان قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إلى الأكثر على التفصيل المتقدم بيانه، هل هو على النحو الذي ذكره الشيخ (قده) بأن الأقل نعلم بوجوبه سواء كان بالوجوب النفسي أو بالوجوب المقدمي وبالنسبة إلى الأكثر نشك فيه فنجري أصالة البراءة أو قلنا بأن الأقل نعلم بوجوبه سواء كان استقلالاً أو ضمناً وهذا يختلف البيان عن البيان السابق كما أوضحناه سابقاً أن الأقل هو واجب إما بالوجوب الاستقلالي الأقل هو واجب بلا حاجة إلى وجوب غيره وبدون أن يجب ما عداه أو هو واجب وجوباُ ضمنياً يعني الذي يجب الأكثر والأقل جزء من الأكثر فيترتب عليه الوجوب الضمني على ما اختاره السيد الخوئي (ره) أو نقول بأن النظر إلى نفس المنجزية فبالنسبة إلى الأقل نقول هو منجز على كل حال نفس المنجزية الأقل منجز على كل حال، إن كان المطلوب هو الأقل فهو متنجز ووصل البيان عليه وإن كان المطلوب هو الأكثر فالأقل منجز بهذا المعنى بمعنى أن المكلف إذا ترك الأكثر في ضمن تركه للأقل فهنا يمكن إسناد ترك الأكثر لتركه للأقل فيستحق العقوبة وأما إذا ترك الأكثر مع إتيانه بالأقل فهنا لا يكون منجزاً عليه يعني لا يستحق العقوبة على تركه هنا مرادنا من التنجيز تنجيز الأقل على كل حال بهذا المعنى، إذا ترك المكلف الأكثر لأنه ترك الأقل يعني ترك الأقل فبالتالي ترك الأكثر هنا قام البيان على الأقل قطعاً فهنا يستحق العقوبة عقلاً، أما لو أتى بالأقل الذي هو يتيقن بوجود خطاب به ضمناً أو استقلالاً يتيقن بوجوب خطاب به فأتى به، بالنسبة إلى الأكثر لم يأت به لعدم وجود خطاب واضح فيه فهنا في الواقع ترك الأكثر يعني ترك المركب لأن المركب متركب من الأقل والأكثر ترك المركب لتركه للأقل هنا يستحق العقوبة، أما إذا ترك المركب مع الإتيان بالأقل فلا يستحق العقوبة.

فإذاً نقول: بالنسبة إلى الأقل متنجز على كل حال وبالنسبة إلى الأكثر اليس متنجزاً فهنا يكون مجرى للبراءة العقلية، المهم على البيانات الثلاثة التي تقدمت نقول بجريان البراءة العقلية عن الأكثر، هذا في الجهة الأولى.

الجهة الثانية في جريان البراءة الشرعية:

قلنا فيما سبق أن جريان البراءة بالنسبة إلى الأكثر أختُلف فيه، فبعض الأعلام قال بأن البراءة لا تجري لا العقلية ولا الشرعية وإنما يكون هو مجرى للاحتياط وهذا ما بينه القائل بالموانع الأربعة المذكورة واندفع هذا الكلام.

القول الثاني: أن البراءة العقلية والشرعية كلتاهما تجريان وهذا ما اختاره الشيخ والسيد الخوئي وغير واحد من الأعلام وهذا الذي أقمنا الدليل عليه بأن البراءة الشرعية تجري في المقام.

القول الثالث: هو ما اختاره المحقق صاحب الكفاية وتبعه المحقق النائيني وهو التفصيل بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية فالبراءة العقلية لا تجري عندهما ولكن تجري البراءة الشرعية، فالآن فعلاً يقع الكلام في بيان جريان البراءة الشرعية.

بالنسبة لجريان البراءة الشرعية على القول بجريان البراءة العقلية لا إشكال في جريان البراءة الشرعية، نفس ما ذُكر سابقاً من البيان يمكن أن يأتي هنا بهذا النحو: الأقل إذا كان واجب في نفسه فيكون هو واجب مطلقاً بمعنى لا بشرط القسمي سواء وُجد معه غيره أو لم يوجد معه غيره الأقل واجب مطلق، وإذا كان الأقل واجب في ضمن وجوب الأكثر فيكون واجباً مقيداً يعني الأقل يجب بقيد أن يأتي بالأكثر فالأكثر بالنسبة له مقيد به الجزء الأقل مقيد بالإتيان بالأكثر بمعنى أنه الأقل واجب بشرط شيء، فعندنا إذاً الآن يدور الأمر بين وجوب الأقل لا بشرط يعني مطلقاً وبين وجوب الأقل بشرط شيء بشرط أن ينضم إليه غيره، الإطلاق فيه سعة على المكلف ليس فيه تضييق فإذا لم يكن فيه تضييق لا يكون مجرى لأصالة البراءة لحديث الرفع أساساً حديث الرفع حديث امتناني على المكلف فما فيه كلفة وأن أشك فيه أو أنا أجهل بحكمه الشارع يقول رفع ما لا يعلمون، فبالنسبة إلى الإطلاق لا كلفة فيه وإذا لم يكن فيه كلفة إذاً لا يأتي فيه حديث الرفع من أساس، وأما التقييد أن يأتي بالواجب الأقل بقيد أن ينضم إليه غيره فهنا فيه كلفة وبما أن فيه كلفة يكون مجرى لحديث الرفع أنا أجهل بهذه الكلفة وأشك هل أن هذه الكلفة واجبة أو ليست بواجبة عليّ؟ فهنا أجري حديث الرفع، يعني لا مؤاخذة من جهة المولى على العبد لا مؤاخذة على العبد من هذه الجهة فيشمله حديث الرفع.

فإذاً على القول بجريان البراءة العقلية بنفسه يأتي الكلام في البراءة الشرعية فنقول بجريانه أيضاً بالبراءة الشرعية، هذا ما يمكن أن يقال فعلاً.

المحقق صاحب الكفاية والمحقق النائيني قلنا بأنهما قالا بعدم جريان البراءة العقلية فعليه: هما يصوّران البراءة الشرعية في المقام وكلٌ بنظره وهذا إن شاء الله مما يأتي توضيحه فيما بعد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo