< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

ما أفاده المحقق النائيني (قده) في المانع الرابع:

كان الكلام في المانع الرابع من جريان أصالة البراءة في الأكثر، وحاصله: أنه يجب تحصيل غرض المولى عقلاً، والغرض لا يمكن تحققه إلا بالإتيان بالأكثر، ودفع هذا المانع الشيخ الأنصاري (قده) بوجهين وقد تمت الإجابة عنهما واتضح لنا عدم نهوض ما أفاده الشيخ لرفع المانع.

الآن الكلام فيما أفاده المحقق النائيني (قده):

المحقق النائيني ذكر في أجود التقريرات مقدمات لبيان جوابه، وفي المصباح أيضاً أوضحه ولعله في المصباح أوضح مما ذكره في الأجود، فعليه نذكر ما قرره في المصباح.

حاصله: يقول: إن الغرض على نحوين تارة تكون نسبته إلى الفعل نسبة المعلول إلى علته مثل القتل بتعبيره أو نقول مثل الذبح بالنسبة إلى قطع الأوداج، الغرض هو مثلاً ذبح الحيوان لأكله وهذا الغرض نسبته إلى المأمور به وهو فري الأوداج نسبة المعلول إلى علته، فري الأوداج هذا فعل وهذا الفعل علة لتحقق الغرض وهو الذبح، هذا النحو الأول، الغرض نسبته إلى الفعل نسبة المعلول إلى علته يعني الفعل علة لتحقق الغرض.

النحو الثاني: أن تكون نسبة الغرض إلى الفعل نسبة المعلول إلى العلل الإعدادية المعدات، والمعد ليس علة تامة وإنما هو يهيئ لتحقق الغرض يعني يهيئ لحصول العلة حتى يتحقق الغرض، أو إذا انضم له غيره تتم العلة وتتحقق العلة، المهم هو ليس بعلة تامة.

الفرق يكون بين النحوين واضح، بالنسبة إلى النحو الأول وهو ما يكون الفعل المأمور به نسبته إلى الغرض نسبة العلة إلى المعلول العلة التامة، يكون الغرض مترتباً على الفعل المأمور بلا توسط أي شيء آخر لأن الفعل قلنا هو علة تامة فري الأوداج علة تامة لتحقق الذبح وبعد فري الأوداج لا ننتظر شيء آخر، مجرد حصول فري الأوداج هذا المقدار يكفي لتحقق الذبح، المهم الغرض الأول لا يحتاج بعد تحقق الفعل إلى توسط أمر خارج عن قدرة المكلف.

أما بالنسبة إلى النحو الثاني العلة الإعدادية أو المعد، هنا الفعل عندما يتحقق الفعل المأمور به توجد واسطة بين تحقق الغرض وبين هذا المعد هذه الواسطة خارجة عن إرادة المكلف، يعني يتوقف تحقق الغرض على وجود مقدمات خارجة عن قدرة المكلف، مثلاً: الثمرة مع الزرع نفترض أن المأمور به هو نفس الزرع وما يرتبط به من الأفعال يعني جعل هذه البذرة مثلاً في الأرض وسقيها وإعطاؤها الغذاء وما شاكل، هذا المقدار هو الفعل الذي هو واقع تحت قدرة المكلف، وحصول الثمرة هذا ليس داخلاً تحت قدرة المكلف بل يتوقف على أمور أخرى، يتوقف على وجود ريح مثلاً وعلى ضوء الشمس وأمور أخرى، هذه خارجة عن قدرة المكلف، فالغرض هنا لم يتحقق بتحقق الفعل فقط وإنما الغرض يتحقق بعد تحقق الفعل على وجود مقدمات خارجة عن قدرة المكلف، هذا قسم ثاني.

إذاً إلى الآن عرفنا بأن الغرض على نحوين: تارة يكون ترتب هذا الغرض على الفعل المأمور به من باب ترتب المعلول على علته التامة وتارة يكون من باب ترتب المعلول على العلة الإعدادية وليس على العلة التامة.

إذا اتضحت هذه المقدمة نقول: هنا الغرض الموجود في المقام إذا كان من قبيل القسم الأول وهو ما يكون من قبيل المعلول على العلة هنا يجب تحصيل الغرض يعني يجب القطع بتحصيل الغرض وإحراز حصول الغرض، هنا لا نفرق بين أن يكون الأمر في مقام الإثبات الأمر تعلق بنفس الغرض أو تعلق بعلته، مثلاً: الآن في فري الأوداج مع الذبح قلنا النسبة نسبة المعلول إلى علته التامة، هنا سواء كان الأمر متعلق بفري الأوداج نفس الفعل أو كان الأمر متعلق بنفس الذبح على التقديرين يجب تحصيل الغرض يعني يجب القطع بحصول الذبح، في مثل هذا القسم لو دار الأمر -بالنسبة إلى الفعل طبعاً- بين الأقل والأكثر هنا لا بد من الاحتياط يعني نعلم بأن الغرض هو تحقق الذبح، الآن علمنا بهذا الغرض الأمر تعلق بالذبح قال: اذبح الحيوان لتأكله مثلاً، أو الغرض تعلق بفري الأوداج المهم علمنا بنفس الغرض وعلمنا بأن النسبة بين الغرض والفعل نسبة المعلول إلى العلة، هنا لا بد أن أحرز تحقق المعلول فلو دار الأمر بين الأقل والأكثر لا أحرز تحقق المعلول إلا بالإتيان بالأكثر، لو اقتصرت على الأقل لم أحرز تحقق الذبح، فلو دار الأمر في فري الأوداج بين أربعة أمور أو ثلاثة أمور نقول يجب الإتيان بالأربعة أمور حتى تحرز تحقق الذبح، هذا القسم يكون واضحاً إذاً، حاصله هكذا: إذا كانت نسبة الغرض إلى الفعل نسبة المعلول إلى علته فيجب القطع بحصول الغرض فلو دار الأمر بالنسبة إلى الفعل بين الأقل والأكثر لا بد من الاحتياط والإتيان بالأكثر حتى نحرز تحقق الغرض، هذا القسم الأول.

أما القسم الثاني: فهنا حصول الغرض ليس متعلقاً للتكليف لعدم القدرة عليه أساساً ولا يصح التكليف بغير المقدور، القسم الثاني قلنا بأن نسبة الغرض إلى الفعل نسبة المعلول إلى علته الإعدادية، الفعل فقط مُعد، وهناك واسطة بين المعد وبين تحقق الغرض وهذه الواسطة خارجة عن قدرة المكلف، إذا كانت خارجة عن قدرة المكلف فحصول الغرض لا يكون داخلاً في قدرة المكلف، المكلف نفترض يجب عليه الزرع والإتيان بما يهيئ هذه الحبة إلى أن تكون هناك ثمرة هذا المقدار الذي يجب عليه، أما حصول الثمرة هذا ليس داخلاً تحت يده فلا يصح أن يتعلق به الأمر يعني لا يصح من المولى أن يخاطب العبد أوجد الثمرة من الشجرة لا بل يقول له ازرع واسقِ الزرع ماء وأعطه غذاء، أما أنه أوجد الثمرة لا يمكن، إذاً الغرض في القسم الثاني لا يكون متعلقاً إلى الأمر لعدم القدرة عليه، إذا لم يكن متعلقاً للأمر إذاً لا يجب على العبد أن يقطع بحصول الغرض، في مثله لو دار الأمر بين الأقل والأكثر فبالنسبة إلى الأقل يعلم يقيناً بالوجوب فعليه أن يأتي بالأقل وبالنسبة إلى الأكثر هنا يشك في الوجوب يكون مورداً لأصالة العدم مورداً للبراءة.

عندنا الآن مورد ثالث: وهو ما إذا شككنا ولم نعلم أن الغرض من قبيل القسم الأول ما تكون نسبته إلى الفعل نسبة المعلول إلى العلة أو من قبيل القسم الثاني ما تكون نسبته نسبة المعلول إلى علته الإعدادية، إذا كان الغرض من قبيل القسم الأول فيجب الاحتياط إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر وإذا كان من قبيل القسم الثاني لا يجب الاحتياط، وفي حالة الشك هنا نرجع إلى مقام الإثبات ونرجع إلى الأمر، هناك في الأمر الأول قلنا بغض النظر عن مقام الإثبات، في القسم الثاني قلنا لا يمكن أن يكون الغرض متعلقاً للأمر، هنا الآن نشك لا ندري هل هو من القسم الأول أو من القسم الثاني؟ هنا لا بد أن نرجع إلى مقام الإثبات، مقام الإثبات هو يكشف فإذا كان مقام الإثبات الدليل دل على تعلق الأمر بالغرض نستكشف من ذلك أن الغرض مقدور عليه وإلا لم يتعلق به الأمر، أما إذا تعلق بنفس الفعل لا نستكشف أن الغرض مقدور عليه، مثلاً: الأوامر المتعلقة بالطهارة من الحدث، قال تعالى (إن كنتم جنباً فاطهروا) هنا متعلق الأمر الطهارة والطهارة هي الغرض والفعل يتحقق بنفس أفعال الغسل (إن كنتم جنباً فاطهروا) أفعال الغسل هي الواقعة تحت مقدور المكلف ولكن ما أتى بهذه الأفعال ترتب حصول الغرض جزماً، ولما كان الأمر متعلقاً بنفس الغرض بنفس (فاطهروا) استكشفنا من ذلك أن الغرض مقدور عليه وإلا لم يقع تحت الأمر ولم يأمر به المولى لقبح التكليف بغير المقدور، في مثل هذا المورد الآن نحن شككنا ففي الأقل والأكثر بالنسبة إلى الأفعال ووجدنا الأمر في مقام الإثبات تعلق بنفس الغرض، عليه: نستكشف أن الغرض مقدور يعني صار من القسم الأول وهو ما يترتب الغرض على الفعل من باب ترتب المعلول على علته والقسم الأول قلنا عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر يجب الاحتياط فيجب الإتيان بالأكثر، أما لو كان أن الأمر في مقام الإثبات لم يتعلق بنفس الغرض وإنما كان متعلقاً بالفعل المأمور به مثلاً: هناك غرض للصلاة وهناك غرض للصوم والأمر تعلق بنفس الصلاة وبنفس الصوم، هنا يستكشف بأن الغرض غير مقدور للمكلف المكلف ما يستطيع القيام به وما يقع تحت قدرته هو الإتيان بالمقدور وهو نفس أفعال الصلاة وتحقق الغرض ليس بمقدور المكلف ففي مثل هذا المورد نقول: إذا دار المر بين الأقل والأكثر لا يجب الاحتياط.

بعد هذا كله يقول: ما نحن فيه الذي نبحث فيه عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر من هذا القبيل أي من قبيل القسم الثاني وهو ما يكون الفعل مُعدا ولا يكون ترتب الغرض على الفعل من باب ترتب المعلول على علته التامة، وفي مثله إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر هنا لا يلزم الاحتياط وإنما بالنسبة إلى الأقل يجب الإتيان به على كل تقدير وبالنسبة إلى الأكثر يكون مجرى للبراءة، هذا حاصل كلامه.

ملخصه بشكل مختصر: نقول: إن المستشكل يقول: يجب تحصيل غرض المولى كما يجب تحصيل الامتثال، يعني يجب إحراز حصول غرض المولى، ووجوب تحصيل غرض المولى وإحرازه لا يتم إلا بالإتيان بما يعلم بتحققه وهو الأكثر، يعني إذا أتيت بالأكثر علمت بحصول الغرض وإذا اقتصرت على الأقل لم أعلم بحصول الغرض، والمحقق النائيني (قده) يقول: لا بد أن ننظر إلى الغرض ما هي كيفيته ونوعيته، إذا كان الغرض يترتب على الفعل من باب ترتب المعلول على علته التامة فهنا يجب تحصيله ويجب القطع بحصوله وإحرازه ولا يُحرز في حالة الشك إلا إذا أتيت بالأكثر، يعني يلزم الاحتياط، أما إذا كان نسبة الغرض إلى الفعل نسبة المعلول إلى العلل الإعدادية الفعل مجرد معد وهناك واسطة بينه وبين تحصيل الغرض هنا لا يجب إحراز تحصيل الغرض لأنه غير داخل تحت قدرة المكلف فيقتصر على المقدار الذي يحرز لزومه، في حالة الشك كما نحن فيه الآن نلاحظ نفس الدليل هل تعلق بالغرض فيكشف عن القدرة عليه أو أن الدليل تعلق بنفس الفعل فلا يكشف عن القدرة على الغرض نفسه؟ في حالة الشك نرجع إلى مقام الإثبات، وفي مقام الإثبات فيما نحن فيه لاحظنا أن الأمر يتعلق بنفس الأفعال يتعلق بنفس الصلاة والصوم ولم يتعلق بالغرض، فإذا دار أمر الصلاة بين الأقل والأكثر نقول: بالنسبة إلى الأقل نحرز وجوبه على كل تقدير فيجب الإتيان به وبالنسبة إلى الأكثر لا نحرز وجوبه فيكون مجرى لأصالة البراءة، على هذا يندفع الإشكال على تقريب المحقق النائيني (قده) وبالنسبة إلى الإشكال عليه يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo