< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

بيان المانع الثالث والجواب عنه:

الكلام كان في ذكر الموانع من جريان البراءة في الأكثر، وذكرنا أن المانع الثالث ما ذكره المحقق النائيني (قده) وأفاد في بيان ذلك عدة صيغ وعبارات، الصيغة الأولى كانت هكذا: أن العلم التفصيلي لوجوب الأقل إنما يوجب الانحلال إذا كان الأقل معلوماً، إما بنحو الإطلاق أو بنحو التقييد، أما في المقام فالعلم التفصيلي بوجوب الأقل هو علم بالأقل على نحو الإهمال، وأوضحنا ذلك بأن المكلف عندما تردد التكليف عنده بين وجوب الأقل أو وجوب الأكثر هو يعلم بوجوب الأقل على كل تقدير سواء كان وجوب الأقل متوجهاً إلى الأقل باستقلاله أو كان وجوب الأقل متوجهاً إلى الأقل في ضمن الأكثر، هنا يكون التكليف بالأقل على نحو الإهمال يعني يجب الأقل سواء كان يجب الأكثر أو لا يجب الأكثر، فلهذا نسمي هنا على نحو الإجمال، وجوب الأقل على نحو الإهمال لا يوجب الانحلال لأن هذا الوجوب هو المقوِّم للعلم الإجمالي، يعني نفس العلم الإجمالي عندما تقول أعلم إجمالاً إما بالأقل وإما بالأكثر يعني أنت تعلم بالأقل على نحو الإهمال، هل هو بنحو الإطلاق أتيت بالأكثر أو لا؟ أو بنحو التقييد فيجب الأقل في ضمن الأكثر، فإذاً العلم التفصيلي بالأقل على نحو الإهمال هو في الواقع نفس العلم الإجمالي بوجوب أحدهما الأقل أو الأكثر، فإذاً لا يوجب انحلال العلم الإجمالي، هذه كانت صيغة.

الصيغة الثانية للمانع الثالث:

هو أن العلم الإجمالي في واقعه يتركب من قضية منفصلة مانعة الخلو، أعلمُ إجمالاً إما بوجوب الأقل وإما بوجوب الأكثر، كما تقول: أعلم إجمالاً إما بنجاسة الإناء (أ) أو بنجاسة الإناء (ب) ثم القضية قضية واحدة ولكنها قضية منفصلة ومانعة خلو، لا يخلو الحال إما بوجوب هذا أو وجوب هذا، عندما نقول بانحلال هذا العلم الإجمالي ينحل إلى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة والأخرى مشكوكة، ففي مثال الإناءين إذا علمت أو قامت البينة بنجاسة خصوص الإناء (أ) تقول الإناء (أ) نجس، هذه قضية حملية متيقنة والإناء (ب) مشكوك النجاسة والطهارة، وأيضاً مثل الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين، عندما تعلم بوجوب صوم فائت إما فات عليّ يومان أو فات عليّ ثلاثة أيام هنا عندي قضية منفصلة وجوب إما صوم يومين أو وجوب صوم ثلاثة أيام هذه القضية منفصلة وانحلت إلى قضية متيقنة حملية وهي وجوب صوم اليومين قطعاً متيقنة وقضية أخرى مشكوكة الشك في وجوب صوم اليوم الثالث، هنا ينحل العلم الإجمالي، إذاً انحلال العلم الإجمالي معناه هو تحول القضية من قضية منفصلة مانعة خلو إلى قضيتين إحداهما قضية حملية متيقنة وأخرى مشكوكة، هذا المعنى للانحلال لا ينطبق على الأقل والأكثر الارتباطيين، هنا في الارتباطيين عندنا وجوب الأقل صحيح ولكن وجوب الأقل هل هو في ضمن الأكثر أو وجوب الأقل مستقلاً، فما انحلت عندي القضية المنفصلة مانعة الخلو إلى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة والأخرى مشكوكة، هذا بيان ثاني.

بيان ثالث للمانع الثالث:

يقول: انحلال العلم الإجمالي إنما يكون بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل بنحو الإطلاق، قلنا بأن وجوب الأقل تردد أمره هل أنه يجب الأقل بنحو الإطلاق أو يجب الأقل بنحو التقييد يعني منضماً إليه غيره؟ إذا كان بنحو الإطلاق نعم يوجب الانحلال، إذا قلنا يجب الأقل بنحو الإطلاق هنا يوجب الانحلال يعني يكون عندي هكذا: علم تفصيلي بوجوب الأقل مطلقاً أتيت بالأكثر أو لم آت بالأكثر، فصار عندي هنا قضية حملية مثبتة وهي وجوب الأقل بنحو الإطلاق ولكن في الواقع ما نحن فيه لا أعلم بوجوب الأقل بنحو الإطلاق وإنما أعلم بوجوب الأقل إما مطلق وإما مقيد أنا أشك فيه، فإذاً الموجب لانحلال العلم الإجمالي أن تعلم علماً تفصيلياً بوجوب الأقل على نحو الإطلاق وما نحن فيه هو وجوب الأقل على نحو الإهمال، فعليه: لا يوجب انحلال العلم الإجمالي، هذه بيانات ثلاثة إلى تحقيق هذا المانع.

الجواب عن هذا: يمكن أن نجيب بجوابين:

الجواب الأول: هو الذي أفاده السيد الخوئي (ره) وحاصله: أن هذا الكلام متين في حد نفسه ولكن إذا قلنا بالانحلال الحقيقي يرد هذا الكلام، أما إذا قلنا بالانحلال الحكمي فلا يرد هذ الكلام.

بيان ذلك: أنه على حسب ما ذكرنا سابقاً بأن الانحلال تارة يكون حقيقياً بحيث يرتفع العلم الإجمالي حقيقة وذلك فيما لو علمت بمتعلق العلم، يعني علمت أولاً إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين إما الإناء (أ) وإما الإناء (ب) ثم وجدت النجاسة في الإناء (أ) هنا صار عندي علم تفصيلي بنجاسة الإناء (أ) وشك بدوي بنجاسة الإناء (ب) هنا الانحلال يكون انحلالاً حقيقياً يعني فعلاً لا يكون عندك علم إجمالي إما بنجاسة الإناء (أ) وإما بنجاسة الإناء (ب) هذه القضية المنفصلة غير موجودة، فلا تقول أعلم إما بنجاسة هذا وإما بنجاسة هذا، وإنما تقول أعلم يقيناً بنجاسة الإناء (أ) وأشك بدواً هل الإناء (ب) نجس أو ليس بنجس؟ هذا انحلال حقيقي، والانحلال الحكمي هو عدم تنجيز العلم الإجمالي بواسطة جريان الأصل في أحدهما دون الآخر، مثلاً لو كان عندنا علم إجمالي بنجاسة أحد الإناءين وكانت الحالة السابقة لأحد الإناءين هي النجاسة ووقعت الآن قطرة دم في أحد الإناءين وعلمت بنجاسة أحد الإناءين هنا بالنسبة إلى الإناء الخاص ولنفترض الإناء (أ) كانت حالته السابقة هي النجاسة الآن استصحب النجاسة فيه، الإناء (ب) أشك في نجاسته وطهارته أجري فيه أصالة الطهارة وأصالة الطهارة الجارية في الإناء (ب) لا تعارض بمثلها في الإناء (أ) و (أ) لا يمكن جريان أصالة الطهارة فيه بل هو في حد نفسه محكوم بالنجاسة بواسطة الاستصحاب فهنا عندي انحلال للعلم الإجمالي ولكن انحلال العلم الإجمالي انحلال حكمي.

فإذاً بعد معرفة أنه عندنا انحلال حقيقي وانحلال حكمي نطبق هذا الكلام على ما نحن فيه، إشكال المحقق النائيني يقول: نحن نعلم بوجوب الأقل ولكن على نحو الإهمال لا على نحو الإطلاق فلا يفيدنا لأن هذا نفس معنى العلم الإجمالي، العلم التفصيلي بوجوب الأقل هو نفس العلم الإجمالي صار، بما أنه على نحو الإهمال.

الجواب أننا لو أردنا أن نقول بانحلال العلم الإجمالي حقيقة هذا الكلام يأتي لأنه لم ينحل عندنا العلم الإجمالي على نحو الحقيقة، ولكن نحن لا نريد أن نقول بانحلال العلم الإجمالي على نحو الحقيقة وإنما نريد أن نقول بانحلال العلم الإجمالي حكماً، بمعنى أننا في البدء علمنا بوجوب إما الأقل أو الأكثر وهو انحل عندنا إلى علم تفصيلي بوجوب الأقل قطعاً ولكن بوجوب الأقل هل على نحو الإطلاق وجب الأكثر أو لم يجب؟ أو وجوب الأقل مقيداً في ضمن وجوب الأكثر؟ هنا نشك يعني نشك في خصوصية الإطلاق والتقييد، بالنسبة إلى الإطلاق بما أنه لا كلفة فيه ولا مؤونة فيه لا ثمرة في جريان أصالة البراءة عنه، يعني أقول أصالة البراءة عن الإطلاق لا يفيدني شيء لأنه أنا يجب عليّ الأقل بنحو الإطلاق وجب الأكثر أو لم يجب نحن نقول بوجوب الأقل مطلقاً، الإطلاق فيه سعة فلا كلفة ولا مؤونة فيه فلا تجري فيه أصالة البراءة، وبالنسبة إلى التقييد فالتقييد فيه كلفة زائدة فجريان أصالة الطهارة في التقييد له وجه، إذاً أحد الطرفين لا ثمرة في جريان أصالة البراءة فيه والطرف الآخر توجد ثمرة في جريان الأصل فيه، فنجري أصالة البراءة عن التقييد ولا يعارضه جريان أصالة الطهارة عن الإطلاق، نفس جريان أصالة الطهارة عن التقييد بدون معارضة يوجب انحلال العلم الإجمالي، وبعبارة أخرى يمنع من تنجيز العلم الإجمالي لأنه حسب ما تقدم بأن تنجيز العلم الإجمالي يتوقف على جريان الأصول في الأطراف وتعارضها وتساقطها كما في مثال الماء، علمت بنجاسة إما الإناء (أ) أو الإناء (ب) جريان أصالة الطهارة في الإناء (أ) يعارضها أصالة الطهارة في الإناء (ب) هنا يتعارضان ويسقطان ويتنجز العلم الإجمالي، هذا هو تنجيز العلم الإجمالي، فإذاً منجزية العلم الإجمالي متوقفة على جريان الأصول في الأطراف وتعارضها وتساقطها، هذا المعنى الآن لا يتم عندما نجري أصالة البراءة عن التقييد عن الخصوصية ولا تجري أصالة البراءة عن الإطلاق لخصوصية الإطلاق، فإذاً لا يوجد عندنا أصلان متعارضان في الأطراف وإذا لم يوجدا لا يتنجز العلم الإجمالي لأن تنجزه يتوقف على جريان الأصول في الأطراف وتعارضها وتساقطها، الآن يجري الأصل في أحد الطرفين ولا يجري في الطرف الآخر كما قلنا أيضاً في مثال مسبوق النجاسة في أحد الطرفين، أحد الإناءين كان نجساً هنا لا تجري فيه أصالة الطهارة، والآخر الذي نشك في طهارته ونجاسته ولم يكن مسبوق النجاسة تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض فلا يتنجز العلم الإجمالي، فإذاً النقطة هي هنا: أن الانحلال المقصود في المقام نقول يجب الأقل ونشك في الأكثر هذا الانحلال انحلال حكمي لأننا نجري أصالة البراءة عن التقييد، الأقل هل هو مقيد؟ نجري أصالة البراءة عن التقييد، وبالنسبة إلى الإطلاق لا تجري فيه أصالة الطهارة إذاً لا يتنجز العلم الإجمالي فيرتفع إشكال المحقق النائيني (قده)، هذا ما أجاب به السيد الخوئي (ره).

ويمكن لنا أن نجيب بجواب آخر على ضوء ما تقدم أيضاً في البيان: على ما تقدم سابقاً بأن بعض الأجزاء يمكن أن توجب التنجيز يعني التنجيز ربما يتعلق ببعض الأجزاء لا بالأكثر.

توضيح ذلك: أن هذا البيان الذي أفاده السيد الخوئي (ره) يبتني على ما تقدم منه ومن الشيخ من أن الأقل هنا يجب على كل تقدير إما استقلالاً وإما ضمناً فبالنسبة إلى الأقل نقول يجب مطلقاً وبالنسبة إلى الأكثر نشك، وجوب الأقل مطلقاً يعني إما مستقل تعلق الوجوب به لوحده أو في ضمن الأكثر، فيأتي الإشكال والجواب، أما إذا قلنا بأنه الأقل منجز على كل تقدير بهذا المعنى السابق الذي ذكرناه وهو: أن نفس الأكثر يتنجز ببعض أجزاءه، بعبارة أخرى: أن الأقل يجب ويجب وإذا كان الأقل يجب يكون منجزاً، لو كان في الواقع الأكثر هو الواجب هنا الأقل إن أتيتُ به ولم آتي بالأكثر لا أستحق العقوبة عقلاً يقول أنت غير مستحق للعقوبة لأنك وإن تركت الأكثر ولكن تركت الأكثر مع الإتيان بما تعلم به، الأكثر الزائد لم يكن منجزاً عليك لأنه مشكوك لا أعلم به، أما لو تركتُ الأكثر وتركت الأقل معه هنا يكون منجزاً يعني أستحق العقوبة المكلف لأنه ترك الكل وفي الواقع وجب عليه الكل هنا يستحق العقوبة، أما إذا كان يجب الكل وهو ترك الأكثر الزائد وأتى بالمقدار المتيقن هنا لا يستحق العقوبة، إذاً يمكن أن نقول بتنجز الأكثر من خلال تنجز الأقل بمعنى أنه لو ترك الأكثر مع تركه للأقل لا معبّرية له أما إذا ترك الأكثر وأتى بالأقل فهنا معذور، على هذا الأساس عندما نطبق هذا المعنى نقول: انحلال العلم الإجمالي المقصود بهذا المعنى أن الأقل منجز على كل تقدير إما هو في حد نفسه لأنه هو الواجب استقلالاً وإما لأنه واجب في ضمن الأكثر ومعنى تنجيزه هو أنه لو تركت الأكثر مع تركك للأقل لا تكون معذوراً ويكون منجزاً، هذا المعنى للانحلال يرفع أساس الإشكال أيضاً للمحقق النائيني.

فإذاً المانع الذي أفاده المحقق النائيني لا يرد.

المانع الرابع:

بشكل مختصر نذكره وتوضيحه فيما بعد إن شاء الله، وهو ما ذكره المحقق صاحب الكفاية وأخذه من الشيخ (قده) حاصله يبتني على هذه المقدمة: أن رأي المذهب الإمامي أعزهم الله هو أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية تابعة للملاكات بخلاف من يرى أن الأحكام غير تابعة للملاكات، تابعة للملاكات في الأكثر يقولون على أنها تابعة للملاكات في متعلقاتها، هناك من يقول: تابعة للملاكات في نفس جعلها لا في متعلقاتها ولكن الرأي المشهور أن الأحكام تابعة للملاكات في متعلقاتها بمعنى أن الوجوب عندما نقول الشيء الفلاني واجب معناه أن هناك مصلحة ملزمة في الفعل هذه المصلحة ملاك للحكم أوجب القول بالوجوب وإذا كانت في الشيء مفسدة ملزمة هنا يأتي الحكم بالحرمة وهكذا وهذا معنى التبعية.

إذا تبينت هذه المقدمة نقول: مقدمة أخرى أيضاً وهو أنه يجب تحصيل الغرض للمولى بحكم العقل إذا علم العبد بغرض المولى أن غرض المولى الشيء الفلاني هنا عقلاً يجب تحصيل غرض المولى لأنني أعلم بغرضه فيجب تحصيل غرضه.

إذا ضممت هاتين المقدمتين: أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية وأنه يجب تحصيل غرض المولى هنا الآن وجب إما الأقل وإما الأكثر، أعلم إذاً بأن في هذا المركب توجد مصلحة ملزمة وهي الملاك، هذه المقدمة الأولى تحققت ومن جهة أخرى أعلم بأن غرض المولى هو تحصيل هذا الملاك وتحصيله لا يتم إلا عن طريق الإتيان بالأكثر، لأنه لو أتيت بالأقل وكان الواجب في الواقع هو الأكثر هنا لم يتحقق غرض المولى، ولكن إذا أتيت بالأكثر فإن كان في الواقع غرض المولى موجود في الأكثر فقد أتيت به وإن كان غرضه موجود في الأقل فقد أتيت به فعلى كلا التقديرين أتيت به، فإذاً ضم هاتين المقدمتين يوجب أن يحتاط المكلف بالإتيان بالأكثر ولا مسوغ له عقلاً أن يقتصر في الامتثال على الأقل، فالنتيجة لا تجري البراءة في الأقل ولزوم الإحتياط بالإتيان بالأكثر، وهذا المانع يأتي بقية الكلام فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo