< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

مناقشة المقدمة الثانية من المانع الثاني من جريان البراءة:تقدم الكلام عندنا في المانع الثاني من موانع البراءة، وقلنا بأن هذا المانع يتركب من عدة مقدمات، وملخصها:

المقدمة الأولى: أن التكليف المعلوم المردد بين الأقل والأكثر تكليف واحد وهو يتعلق بالأجزاء المرتبطة ثبوتاً وسقوطاُ.

المقدمة الثانية: تبتني على المقدمة الأولى وهي أنه لا يعقل سقوطه عن بعض الأجزاء دون بعض.

المقدمة الثالثة: أيضاً تترتب على المقدمة الثانية والأولى أنه لا يحصل القطع بما أنه لا يعقل سقوطه عن بعض دون بعض لا يحصل القطع بسقوطه بإتيانه بالإتيان بالأقل حتى بالنسبة للأقل المقطوع باعتبار أنه يحتمل أن يكون في الواقع المطلوب هو الأكثر، فإذا كان المطلوب هو الأكثر وأتى بالأقل فالأقل لا يسقط لأن الأقل في ضمن الأكثر، فإذا كان المطلوب هو الأكثر لا يسقط بالإتيان بالأقل لاحتمال وجوب الأكثر واحتمال وجوبه ملازم لاحتمال عدم سقوط التكليف رأساً.

النتيجة: هي أن الشك يكون في السقوط لا في التكليف، والشك في السقوط بعد العلم بالتكليف من موارد جريان الاشتغال.

تلخيص كامل لما تقدم: أن حاصل المقدمات الثلاث هو أن يجعل المورد دوران الأمر بين الأقل والأكثر من موارد الشك في سقوط التكليف لا الشك في ثبوت التكليف، إذا كان الشك في السقوط يعني هو مجرى للاشتغال.

وأجاب السيد الخوئي (ره) كما ذكرنا، بأن منشأ الشك في السقوط يكون أحد أمرين:

الأمر الأول: أن الشك في السقوط ناشئ من الشك في صدور الفعل من المكلف وهذا هو مورد الاشتغال.

الأمر الثاني: أن منشأ الشك في السقوط ناشئ من عدم العلم بجعل المولى يعني يرجع إلى التكليف والجعل وهذا من موارد البراءة وليس من موارد الاشتغال، وما نحن فيه من هذا القبيل، أنه أنا أتيت بالأقل وشككت في سقوط التكليف لعدم علمي بالتكليف هل هو الأقل أو الأكثر، يعني هل تعلق بالأقل أو تعلق بالأكثر؟ هذا المورد يكون من موارد الشك في التكليف ويكون مجرى للبراءة، هذا هو الجواب الأول للسيد الخوئي، وقلنا إن ما ذكره فيما بعد لا حاجة له لأنه ربما ينقض الجواب أساساً، من أول الأمر نحن نقول: كما ذكرت أن عندنا نحوان من الشك في السقوط وما نحن فيه يرجع إلى الشك في التكليف.

الجواب الآخر الذي نريد نجيب به عن هذا الإشكال:

نقول: نحن نناقش في المقدمة الثانية، المانع الذكور هو يترتب كما قلنا من مقدمات ثلاث نحن نناقش المقدمة الثانية، أساساً المقدمة الثانية غير تامة، المقدمة الثانية: قال المستشكل: لا يعقل سقوطه عن بعض دون بعض، يعني بعد أن ذكر المقدمة الأولى بأن التكليف المعلوم واحد وهو يتعلق الأجزاء المرتبطة سقوطاً وثبوتاً، ثم قال: لا يعقل سقوطه- هذا التكليف المتعلق بالمركب كل هذا المركب- عن بعض الأجزاء دون بعض، هذه المقدمة نحن لا نوافق المستشكل عليها، نقول: بأن هذا يبتني على عدم التبعيض في التنجيز، يعني جَعَلَ التكليف متعلق بالمركب بما هو مركب وإما أن يتنجز المركب بكامله أو لا يتنجز بكامله، أما أن يتنجز في البعض ولا يتنجز في البعض هذا لا يصح، هو هكذا افترض، ونحن لا نوافقه على هذا ونقول: يمكن التبعيض في التنجيز، التكليف واحد لا إشكال ولكن يحتمل أنه متعلق بالأقل و يحتمل أنه متعلق بالأكثر، المتعلَق الأجزاء أقل أو أكثر ولكن هل يمكن التبعيض في نفس التنجيز أو لا يمكن؟ نحن نقول يمكن التبعيض في التنجيز.

بيان ذلك: هو البيان الذي نقلناه سابقاً عن السيد الروحاني (قده) نفس ذاك البيان يمكن تطبيقه في المقام ونستفيد منه في المقام للإجابة على هذا المانع، وحاصل البيان: نقول بأن ترك الكل يمكن طبعاً يستحق المكلف العقاب عليه، أنا علمت بالتكلف ولا أدري هل تعلق بالأقل أو تعلق بالأكثر، عندما أترك الكل، ترك الكل يستحق المكلف عليه العقاب هذا معنى التنجيز فالكل منجز، وترك الكل يتم بأحد أمرين: إما أن يكون بتركه بالمرة ولا آتي بأي جزء من الأجزاء وإما أن يكون بتركه بترك جزئه عن علم، أعلم بأن هذا جزء وأتركه فأنا تركت الكل، وعلى كلا التقديرين يصدق عليّ تركت الكل وأستحق العقوبة على ذلك، وهذا معنى التنجيز.

بيان هذه النقطة بالمثال: إذا علمت بتعلق التكليف بالصلاة الآن نفترض للتوضيح أنه ما عندي شك في أجزاء الصلاة، أعرف بأن الصلاة مركبة من عشرة أجزاء، تارة أترك الصلاة مرة واحدة فأستحق العقوبة وهذا معنى التنجيز، وتارة أترك ركعة متعمداً أو أترك القراءة متعمداً هنا أيضاً أستحق العقوبة لأنه يصدق عليّ أنني تركت الكل لأني لم أصلِّ المطلوب.

إذاً التنجيز يتصور في ترك البعض وفي ترك الكل، هذه المقدمة واضحة وإذا اتضحت الآن نقول: علمت بوجود أمر تكليف يتعلق بالصلاة وتردد الأمر بين الأقل والأكثر، إذا في الواقع يجب الأكثر وأنا تركت المعلوم المتيقن وهو الأقل إذا تركت الأقل المعلوم هنا يصدق عليّ أنني تركت الكل، أنا لم أعلم بالأكثر، علمت بالصلاة بالتكليف وعلمت بوجوب الأقل ولكنني تركت الكل، هنا تركت الكل بمعنى تركت الأقل الذي تسبب لي في ترك الكل الآن لأني لا أعلم بالأكثر، هنا أستحق العقوبة، أما لو أتيت بالأقل فأنا تركت الكل ولكنني لم يكن تركي للكل من جهة تركي للأقل لأنني أتيت بالأقل، هنا لا أستحق العقوبة، أنا علمت بالتكليف وتيقنت بالتكليف بالأقل وفي الواقع كان التكليف متعلقاً بالكل، هنا تركت الكل بما هو كل ولكن ليس تركي للكل ناشئاً من تركي للأقل وإنما من تركي للزائد، هنا لا أستحق العقوبة، فإذاً عقلاءً وعقلاً نقول: بأن ترك الكل بتركك للأقل المعلوم يستحق العقوبة، وترك الكل لترك الزائد وأتيت بالمعلوم وهو الأقل هنا لا أستحق العقوبة، فهذا التنجيز الذي نريده.

نقول: إذاً هناك تبعيض في التنجيز، أنت تقول في المقدمة الثانية لا يعقل سقوط التكليف عن بعض دون بعض باعتبار أن التكليف واحد ومتعلق الأجزاء مجموع واحد يدور أمره بين الوجود والعدم، ثبوتاً واحد وسقوطاً، نحن نقول: صحيح التكليف واحد ولكن التنجيز يكون مبعّضاً، يعني الذي يتنجز هو المعلوم فقط أما ما عداه لا يتنجز، وبالبيان الذي ذكرناه ترك الكل من جهة تركي للأقل المعلوم يقيناً هنا يوجب استحقاق العقوبة منجز، أما تركي للكل من جهة الزائد عن الأقل هنا عقلاً وعقلاءً لا أستحق العقوبة.

فعليه: التبعيض في التنجيز أمر ممكن، فهو الموجب لجريان البراءة وهذا معنى جريان البراءة وهو أن العقل يقول لا يستحق العقوبة على ترك الزائد لأنه غير معلوم بل يستحق العقوبة على ترك الكل لأنه ترك الأقل المتيقن هذا ممكن، أما على تركه للزائد فلا يستحق العقوبة، فعليه: هذا الإشكال يندفع من أساسه.

وهذ الجواب يدعم ما ذكره السيد الخوئي (ره) يعني تكون النتيجة بأن المستشكل نتيجته أن يجعل الشك في المكلف به فلهذا يكون مجرى للاشتغال، والسيد الخوئي همه أن يجعل الشك في التكليف ويكون مجرى للبراءة، ونحن نقول لا نسلم مع المستشكل في المقدمة الثانية التي قال بأنه لا يعقل سقوط التكليف عن البعض، نقول نعم التكليف للجميع وللكل على فرض أن يكون الواجب هو الأكثر ولكن التبعيض في نفس التنجيز، إذا لم يتنجز لا يستحق العقوبة وهذا هو مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، يعني يقبح العقاب بلا بيان والبيان قام على الأقل وأنا أتيت بالأقل ولم آتِ بالأكثر فتركي للأكثر في الواقع لم يكن ناشئاً عن علمي بالتكليف، فيندفع هذا المانع.

إذا تم هذا المانع نذكر المانع الثالث وهو الذي تعرض له المحقق النائيني (قده)

المانع الثالث:

المحقق النائيني (قده) ذكر مانعاً آخر من جريان البراءة، يقول: بحسب تقرير السيد الخوئي (ره) له: أن العلم التفصيلي بوجوب الأقل إنما هو على نحو الإهمال الجامع بين الإطلاق والتقييد مع الشك في خصوصية الإطلاق والتقييد، وهذا المقدار من العلم التفصيلي هو المقوم للعلم الإجمالي لأن كل علم إجمالي علم إجمالي بالنسبة إلى الخصوصيات وعلم تفصيلي بالنسبة إلى الجامع فلا يكون هذا العلم التفصيلي موجباً للانحلال وإلا لزم انحلال العلم الإجمالي بنفسه.

حاصل ما أفاده المحقق النائيني (قده) يقول: بأن البراءة تبتني على أن يكون هناك علم تفصيلي في أطراف العلم الإجمالي وشك بدوي في الأطراف الأخرى فلهذا ينحل العلم الإجمالي ونجري البراءة، هذا غاية ما يقوله المستدل.

هو يقول إن التطبيق على المقام يكون بهذا النحو عندي علم تفصيلي بوجوب الأقل، المحقق النائيني يخاطب المستدل يقول له أنت تقول: عندي علم تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي في وجوب الأكثر فلهذا العلم الإجمالي للتكليف المردد بين الأقل والأكثر انحل إلى علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الأكثر فلهذا أجرينا البراءة في الأكثر، هذا ما ذكرته أيها المستدل.

المحقق النائيني يقول: بأن العلم التفصيلي المتعلق بالأقل متعلق به على نحو الإهمال لا على نحو الإطلاق ولا بنحو التقييد وإنما على نحو الإهمال الجامع بين الإطلاق والتقييد، بمعنى أن تقول أنا أعلم بوجوب الأقل، هل تعلم بوجوب الأقل مقيداً مع بقية الأجزاء؟ يعني تعلم بوجوب الأقل في ضمن الأكثر مع بقية الأجزاء؟ أو تعلم بوجوب الأقل على نحو الإطلاق؟ هو الأقل واجب سواء وجب الأكثر أو لم يجب، لا تستطيع أن تحدد وتقول أنا أعلم بوجوب الأقل على نحو التقييد منضماً مع غيره ولا تستطيع أن تقول: أعلم بوجوب الأقل على نحو الإطلاق بل تقول: أعلم بوجوب الأقل على نحو الإهمال سواء كان مطلقاً أو كان مقيداً، إذا علمت بوجوب الأقل على نحو الإهمال هذا ليس علما تفصيلياً في الأقل وشك بدوي في الأكثر لأن هذا نفس العلم بوجوب الأقل على نحو الإهمال هو نفسه العلم الإجمالي نفس قولك أعلم بوجود التكليف المردد بين الأقل والأكثر، يعني كأنك رفعت عبارة ووضعت عبارة أخرى، العبارة الأولى أعلم إجمالاً بوجوب أحد الأمرين إما الأقل أو الأكثر، رفعت هذه العبارة وقلت: أعلم بوجوب الأقل على نحو الإهمال، هذا مقوم للعلم الإجمالي وليس موجباً لانحلال العلم الإجمالي، فما أردت أن تبينه لانحلال العلم الإجمالي وهو وجوب الأقل على كل تقدير والشك في الزائد غير تام، لأنك علمت بوجوب الأقل على نحو الإهمال، لأنك لم تعلم بوجوب الأقل على نحو الإطلاق ولم تعلم بوجوب الأقل على نحو التقييد حتى يكون علم تفصيلي وشك بدوي، فإذاً البراءة لا تجري.

ثم أوضحه بعبارة أخرى لا بأس أيضاً ببيانها: يقول: انحلال العلم الإجمالي كما مرّ علينا أيضاً سابقاً وبينا هذه النقطة، العلم الإجمالي يتقوم بقضية منفصلة مانعة خلو، عندما تقول أعلم بنجاسة هذا أو هذا هنا تقول: أعلم بوجوب الأقل أو وجوب الأكثر، هذا العلم الإجمالي انحلاله يكون لوجود قضيتين مثبتتين إحداهما متيقنة والأخرى مشكوكة، قضيتين حمليتين، يعني بعد أن كانت قضية منفصلة مانعة خلو الآن يوجد عندي قضيتان حمليتان إحداهما متيقنة والأخرى مشكوكة، في مثال مثلاً: أعلم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين العلم الإجمالي الآن صار متركب من قضية منفصلة إما وإما هذا، ثم لما علمت وقامت البينة مثلاً أو علمت بوجود نجاسة في أحد الإناءين بعينه الآن صارت عندك قضيتن القضية الأولى تقول: هذا الإناء نجس هذه قضية حملية مثبتة متيقنة، والقضية الثانية الإناء الثاني تقول: هذا الإناء مشكوك الطهارة والنجاسة، فإذاً العلم الإجمالي حتى ينحل لا بد أن تنحل القضية المنفصلة إلى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة والأخرى مشكوكة، مثل الأقل والأكثر الاستقلاليين، علمت إما بوجوب صوم يومين أو ثلاثة أيام، نأتي بالنسبة إلى اليومين الآن صار عندك قضية حملية الآن بالنسبة إلى اليومين صار عندك وجوب صوم اليومين وبالنسبة إلى اليوم الثالث أشك في صوم اليوم الثالث، الأولى قضية حملية والثانية أيضا قضية حملية، في المقام لا يوجد عندنا قضية منفصلة وانحلت، بل عندي علم إجمالي إما بوجوب الأقل أو وجوب الأكثر، الآن لا تقول: عندي علم بوجوب الأقل قضية حملية وعندي شك بوجوب الأكثر قضية حملية، فعليه: تطبيق قاعدة العلم الإجمالي وانحلال العلم الإجمالي على المقام غير تام، هذا تقريباً حاصل ما أفاده المحقق النائيني، أما المناقشة فيما ذكره إن شاء الله يأتي الكلام فيها. والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo