< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

مناقشة ما أفاده صاحب الكفاية (قده):كان الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر وقلنا بأن دوران الأمر بين الأقل والأكثر يكون على نحوين:

النحو الأول: دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

النحو الثاني: دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين.

بالنسبة إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين هناك مجرى للبراءة في الزائد وليس الكلام فعلاً فيه.والقسم الأول وهو الأقل والأكثر الارتباطيين هو محل البحث، وتقدم عندنا أيضاً: أن البحث فيه من جهة هل أنه من صغريات الشك في التكليف أو من صغريات الشك في المكلف به؟ فمن جعله من صغريات الشك في التكليف يكون مجرى للبراءة ومن جعله من صغريات الشك في المكلف به جعله من صغريات مسألة الاشتغال، فلهذا البحث يدور في هذه الجهة، هل هو صغرى لهذا أو ذاك؟ للشك في التكليف أو الشك في المكلف به.وقلنا أيضاً: بأن الأقوال الموجودة ثلاثة:

القول الأول: جريان البراءتين العقلية والشرعية، وهذا ما اختاره الشيخ واختاره المحقق السيد الخوئي (قده).

القول الثاني: أنه مجرى للاشتغال، لا تجري كلتا البراءتين، وهذا ما ذكره صاحب الكفاية في الحاشية.

القول الثالث: التفصيل بين البراءة الشرعية والبراءة العقلية، وهذا رأي النائيني والشيخ الآخوند في الكفاية، على أنه لا تجري البراءة العقلية ولكن تجري البراءة الشرعية.

الكلام فعلاً في جريان البراءة العقلية هل تجري أو لا تجري؟الشيخ الأنصاري ذكر وجهاً لجريان البراءة وحاصله وملخصه: أن الأقل إما واجب بالوجوب النفسي وإما واجب بالوجوب الغيري، فهو على كلا التقديرين نتيقن بوجوبه وأما بالنسبة للزائد نشك فنجري البراءة في الزائد.

السيد الخوئي (ره) تعرض لوجه آخر وأيضاً نسبه للشيخ وإن قلنا بأنه لم نجده في كلمات الشيخ.

هذا الوجه هو أن الأقل واجب يقيناً إما بالوجوب الاستقلالي أو بالوجوب الضمني، إن كان الواجب هو الأقل فالأقل واجب بالوجوب الاستقلالي وإن كان الأكثر هو الواجب فالأقل واجب بالوجوب الضمني فينحل في الباقي، هذا أيضاً تعرضنا له.

ثم ذكرنا هناك موانع لجريان البراءة من جملة الموانع ما ذكره المحقق الآخوند (قده) وعلى أن جريان البراءة يستلزم الخلف أو يستلزم من وجوده عدمه، من جهة تقولون بأن الأقل هو واجب على كل تقدير يعني على تقدير وجوبه هو وعلى تقدير وجوب الأكثر ومن جهة تقولون بالانحلال في الأكثر فهنا ينتج أنه ليس واجباً على كل تقدير بل واجب على تقدير دون تقدير فيلزم الخلف أو يلزم من وجوده عدمه وتقدم شرح ذلك.

الآن في الجواب عن هذا الإشكال ذكرنا جواب للسيد الخوئي (ره) وحاصل الجواب الذي أفاده: بأن الأقل المقصود هنا عندما نقول يجب الأقل، لا نتكلم على أن الأقل متنجز على كل تقدير حتى يتوهم جريان الإشكال، وإنما نقول: بأن الأقل في نفسه واجب بذاته واجب، هذا الأقل الذي هو واجب بذاته سواء كان وجوبه ناشئاً من الأمر الاستقلالي الذي يخصه أو كان واجباً من جهة الوجوب الضمني الذي ترشح عليه من وجوب الأكثر، وبعبارة أخرى: يقول: بأن الأقل متعلق للتكليف بنحو اللابشرط القسمي وليس متعلقاً للتكليف بنحو بشرط لا، يعني نحن بالنسبة إلى الأقل تارة نلاحظه هو واجب لا بشرط يعني لا بشرط الانضمام يعني سواء كان يجب مع انضمامه إلى غيره أو يجب من دون انضمامه إلى غيره، هو واجب، هذا لا بشرط، وتارة نلاحظه بشرط لا يعني الأقل يجب بشرط أن لا ينضم إليه غيره، وتارة نلاحظه بشرط شيء يعني بشرط انضمام غيره إليه، الآن في مبحث الأقل والأكثر لا يلاحظ الأقل بشرط عدم انضمام غيره إليه بشرط لا، لأنه حينئذ سوف يندرج تحت دوران الأمر بين المتباينين يعني إذا قلنا تردد الأمر هل أن الأقل واجب بشرط لا أو واجب بشرط شيء، إذا دار الأمر هكذا أن الأقل هو واجب بشرط لا يعني بشرط عدم انضمام غيره إليه أو أنه واجب بشرط انضمام شيء إليه، هنا يكون من دوران الأمر بين المتباينين، حتى يندرج الأمر في دوران الأمر بين الأقل والأكثر نلاحظ الأقل لا بشرط والأكثر بشرط شيء، بين لا بشرط وبشرط شيء لا يوجد هناك تباين.

فمحل البحث فيما إذا كان يمكن الاحتياط لا فيما لو لم يمكن الاحتياط، لتوضيح ذلك: لو دار الأمر بين الصلاة قصرا وتماماً هنا لا يمكن الاحتياط بحيث أن يأتي بالصلاة تامة ويكون هذا احتياط، بل نقول هنا دار الأمر بين الركعتين القصر بشرط عدم الانضمام أو بين الركعتين بشرط انضمام ركعتين أخريين، هنا بين بشرط لا، إما قصرا يعني بشرط عدم الاتيان بأكثر من الركعتين أو تقول الواجب تماماً يعني الركعتين بشرط شيء، هذا هنا لا يكون الاحتياط بأن يأتي بالتمام وإنما الاحتياط يقتضي أن يأتي مرة بالصلاة قصرا وأن يأتي مرة أخرى بالصلاة تماماً هذا خارج عن محل بحثنا، ومحل بحثنا إما أنه يجب الأقل ولا مانع من الاتيان بالأكثر أو أنه يجب الأقل منضما معه الأكثر الزائد، في مثل هذا المورد إذا كان موردنا من هذا القبيل فهنا يأتي الكلام، نقول: بالنسبة إلى ذات الأقل هذا واجب لا إشكال فيه قطعاً متيقن، الشك في الإطلاق والتقييد، هل أن هذا الأقل واجب بنحو الإطلاق الذي عبرنا عنه لا بشرط، أتيت بالأكثر أو لم تأت بالأكثر، أو أنه واجب بشرط شيء يعني مع التقييد فهنا الشك صار بين الإطلاق والتقييد، هل أن الأقل واجب على نحو الإطلاق أو أنه واجب على نحو التقييد أن ينضم إليه غيره، إذا بلغ الأمر إلى الشك بالإطلاق والتقييد فذات الأقل هذا قطعاً واجب وبالنسبة إلى الشك في الإطلاق فهو ليس مجرى للبراءة لأن الإطلاق فيه توسعة وليس فيه تقييد، الإطلاق إذا ليس مجرى للبراءة وبالنسبة إلى التقييد هنا مجرى للبراءة لأن فيه كلفة ومؤونة زائدة فهو مجرى للبراءة، فإذاً أحد متعلقي العلم ليس مجرى للبراءة ليس مجرى للأصل، والمتعلق الآخر مجرى للأصل، النتيجة أنه لا يتنجز العلم الإجمالي، عندما تقول أعلم إما بوجوب الأقل أو بوجوب الأكثر هنا لا يتنجز العلم الإجمالي، لأن تنجز العلم الإجمالي كما ذكرناه سابقاً يتوقف على تعارض الأصلين في الموردين، فإذا كان في أحد الموردين يجري الأصل وفي المورد الآخر لا يجري الأصل إذاً لا يوجد تعارض، فعليه: بالنسبة إلى التقييد نجري أصالة البراءة، فعندنا القدر المتيقن الأقل هنا لو تركه يستحق العقوبة وأما بالنسبة إلى الأكثر لو تركه العقوبة عليه عقوبة بلا بيان فلهذا يكون مجرى للبراءة وينحل الكلام ولا يلزم من وجوده عدمه ولا يلزم منه الخلف.

هذا تقريباً أوضحناه سابقاً بنحو من الأنحاء.

الآن نضيف شيء ذكره السيد الروحاني(قده) في المنتقى([1] )، هناك تعرض إلى نكتة ربما عندما نضمها إلى كلام السيد الخوئي يكون البحث أوضح، وبتعبيره هو أنه غفل عنها صاحب الكفاية وغيره أيضاً فلهذا أورد الإشكال.

بيان كلامه: يقول: بأن التكليف عندما يتعلق بمركب من أجزاء عديدة هنا نتصور أمرين:

تارة: نلتزم بأن له تنجيز واحد، هذا المركب له تنجيز واحد بلحاظ مجموع الأجزاء، يعني إما أن يتنجز كله وإما ألا يتنجز، تعلق هنا بالمجموع على نحو الكلي المجموعي، إما أن يتنجز المجموع أو لا يتنجز، يعني هنا لا نتصور التبعيض في التنجيز، إما أن يتنجز المجموع بما هو مجموع وإما ألا يتنجز المجموع بما هو مجموع.

وتارة: متعلق التكليف قابل للتبعيض في التنجيز بحسب تعدد أجزاءه، يعني نقول: هذا التنجيز كأنه يترشح على جميع الأجزاء فكل جزء يمكن أن يتنجز لوحده حتى لو لم يتنجز غيره فهو المركب تنجز من جهة ولم يتنجز من جهة، يعني تنجز من جهة بعض أجزاءه ولم يتنجز من جهة بعض أجزاءه الأخرى، من قبيل كنظير له بطلان العمل، بطلان العمل تارة يكون لعدم الاتيان بالعمل وتارة يكون لترك بعض أجزاءه، نقول هذا العمل المركب باطل لترك بعض أجزاءه، وتارة نقول باطل لأنك لم تأت به.

طبعاً هذا التنظير لا يخلو من مسامحة، لأنه قال بطلان العمل يستند إلى ترك الكل وتارة إلى ترك بعض الأجزاء، وترك الكل لا يقال له بطلان العمل بل يقال إنك لم تأت بالعمل لا أن العمل باطل، فهذا التنظير لو لم يذكره أولى، حتى لو غضضنا النظر عن هذا التنظير، أصل الفكرة قلنا بأنه يمكن أن يتنجز بعض أجزاء المركب حتى لو لم تتنجز بعض أجزاءه الأخرى.

عليه: الآن نقول: مثلاً لو علم المكلف بوجوب بعض أجزاء المركب وجهل بالبعض الآخر هنا لو ترك الأجزاء المعلومة ثم تبين له بعد ذلك أن المطلوب هو المركب المشتمل على الأجزاء المعلومة والأجزاء غير المعلومة، هنا هل يعاقب لتركه المركب أو لا؟ يستحق العقوبة أو لا؟ نقول نعم يستحق العقوبة، هو علم ببعض أجزاء المركب ولم يعلم بالبعض الآخر، هذا البعض الذي علم به تنجز في حقه، عندما تنجز في حقه هو لم يأت بالأقل لم يأت بهذا البعض وإنما ترك الجميع، فيما بعد علم بأن المطلوب هو المركب من هذه الأجزاء المعلومة ومن أجزاء مجهولة، هنا يستحق العقوبة على الأكثر على تركه المركب، نقول: تركت الصلاة مثلاً والصلاة مركب من أحد عشر جزء هو علم بعشرة أجزاء ولكن لم يأت بالعشة أجزاء تركها، لما تبين في الواقع أن المطلوب أحد عشر جزء نقول: أنت تستحق العقوبة لتركك للمركب وإن كان المنجز عليك هو البعض، يعني تنجز الأكثر من خلال تنجز الأقل، أما لو فرضنا بأنه أتى بالعشرة أجزاء وتبين له فيما بعد أن المطلوب أحد عشر جزء هنا لا يستحق العقوبة على ترك المركب؛ لأن هذا يكون من باب العقوبة بلا بيان هو يجهل الأكثر والعقوبة عندما تنصب على الأكثر تكون بلا بيان، فإذاً الآن إذا عرفنا هذه النقطة أن الأجزاء في البعض يتنجز، هذا من جهة ومن جهة أخرى قلنا بأن ترك المركب لتركه الأجزاء المعلومة موجب لاستحقاق العقاب ولكن ترك المركب لتركه الأجزاء المجهولة لا يستحق العقوبة هنا الآن نطبق، نقول: هنا لا يرد إشكال صاحب الكفاية بالمرة يعني ينحل التنجيز بالانحلال العقلي، قبح العقاب بلا بيان يجري لأنه هو علم إجمالاً بوجوب الأقل أو الأكثر هذا فرض الكلام، بالنسبة إلى الأقل علم بوجوبه تفصيلاً إما لنفسه يعني إما أن الأقل هو الواجب استقلالاً أو لكونه جزء الأكثر في ضمن الأكثر، فيكون واجباً بالوجوب الضمني، هذا يستلزم العلم بأن ترك الأقل موجب للعقاب، هو ترك الأقل المعلوم له، لما تركه يستحق العقوبة لأنه ترك المعلوم هنا يستحق العقوبة على ترك الأقل إما لأنه واجب في نفسه وإما لتنجز الأكثر من جهته، هذه النقطة التي تدفع كلام المحقق الآخوند مع الاحتفاظ على التنجز، يصير الفرق عن كلام السيد الخوئي يقول نرفع كلمة التنجز أساساً، هنا تقريباً نفس الاتجاه ولكن نحافظ على كلمة التنجز ونقول يستحق العقوبة لتنجز الأكثر من جهة تنجز الأقل، فالأقل هنا واجب إما لأنه واجب مستقل وإما لأنه واجب في ضمن الأكثر، فهنا إما لوجوبه لنفسه أو لتنجز الأكثر من جهته، يعني يستحق العقوبة لا لتركه الأكثر وإنما لتركه الأقل الذي أوجب ترك الأكثر في الواقع، فعليه يقول: مخالفة الأقل معلومة القبح تفصيلاً، لو خالف الأقل ولم يأت به فهذا قبيح تفصيلاً إما لنفسه أو لكونه في ضمن الأكثر، أما مخالفة الأكثر فلا، يعني مخالفة الزائد فلا، مخالفة الزائد في نفسه لو أتى بالأقل وترك الزائد هنا لا يستحق العقوبة فتقول له أنت تركت المجموع المركب، يقول صحيح تركت المجموع المركب ولكن بالنسبة إلى الأقل الذي هو معلوم لي أتيت به وبالنسبة إلى الأكثر فالزائد لا أعلم به وبما أني لا أعلم به فالعقوبة عليه عقوبة بلا بيان، فعليه: ينحل الإشكال، ولا يرد إشكال صاحب الكفاية، لأنه يلزم منه الخلف أو يلزم من وجوده عدمه، لماذا؟ يقول هكذا: إذ لا خلف في فرض منجزية الأقل على كل حال، الأقل التزمنا بمنجزيته سواء كان لوجوبه لنفسه أو لتنجز الأكثر من جهته، إذ هو مستلزم لفرض تنجز الأكثر من جهة الأقل خاصة لا تنجزه بقول مطلق، يعني لا نقول بأن الأقل منجز بقول مطلق، وإنما منجز من جهة تنجز الأكثر من جهة الأقل، وهذه النقطة التي ذكرناها سابقاً يعني نؤكد عليها، أنه عندما علم بالأقل وترك المجموع المركب فهنا يستحق العقوبة على ترك الأكثر من جهة تنجز الأقل، لا يقول أنه لم أكن أعلم، أما لو أتى بالأقل ولم يأت بالمجموع هنا لم يتنجز عليه.

فإذاً الأقل هو متنجز على كل حال متنجز إما في نفسه أو متنجز من جهة تنجز الأكثر من جهته، فهنا لا يلزم خلف، التنجز باق على ما هو عليه كما أنه لا يستلزم من فرض وجود الانحلال عدمه، إذ الانحلال يبتني على فرض منجزية الأكثر من جهة الأقل المستلزم لعدم تنجز الأكثر من جهة الزائد المشكوك، نقول: الأكثر هنا كيف نقول بالانحلال، يقول لا يلزم ذلك لأنه نحن فرضنا الانحلال على فرض منجزية الأكثر من جهة الأقل، يعني إن كان الأقل هو الواجب استقلالاً فهذا قدر متيقن بالوجوب ونشك في الباقي فينحل، وإن كان الأقل واجباً في ضمن الأكثر فالأكثر يتنجز بتنجز الأقل، يعني بكونك معلوم الأقل، هذا المعنى الذي ذكرناه إذا ترك الأكثر مع علمه بالأقل ترك الجميع يعني فترك الأكثر الزائد مع الأقل هنا يستحق العقوبة.

فعليه: الأقل متنجز على كل حال، إذا كان كذلك والأكثر متنجز من جهة الأقل هنا نقول بالانحلال، لو قلنا بأن الأكثر متنجز من جهة المشكوك فيه هنا لا يصح الانحلال، أما إذا قلنا بأن الأكثر متنجز من جهة الأقل فهنا يلزم الانحلال.

هذا بيان السيد في المنتقى، بيان متين يبتني على هذه الجهة أساساً، هل نقول بالتبعيض يعني بإمكان أن يتنجز بعض أجزاء المركب دون البعض الآخر أو لا؟ إذا قلنا لا يمكن التنجيز على نحو الكلي المجموعي إما يتنجز وإما ألا يتنجز، هنا يأتي إشكال صاحب الكفاية، وإذا قلنا بالتبعيض لا يأتي إشكال صاحب الكفاية لأن الأقل يتنجز على كل حال.هذا المعنى يمكن أن نجعله كمتمم لكلام السيد الخوئي ويمكن أن نجعله وجه آخر لرفع إشكال صاحب الكفاية عن الشيخ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo