< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الحادي عشر:تذييل: الرد على صاحب الكفاية (قده):

قلنا الكلام في تذييل يتضمن أمرين، الأمر الأول أفاده أساساً الشيخ وأضاف إليه صاحب الكفاية وحاصل هذا التذييل: يقول إنه لو لاقى الثوب مثلاً أحد الإناءين المائين ثم بعد الملاقاة خرج الملاقى عن محل الابتلاء، الشيخ كان تعبيره (فُقِد) ولكن الآن نمشي على ما قاله صاحب الكفاية فالملاقى خرج عن محل الابتلاء بعد خروجه عن محل الابتلاء علمنا إجمالاً بنجاسة أحد المائين الملاقى وطرف آخر، هنا لا شك على ضوء ما ذكروا سابقاً من أن الخارج عن محل الابتلاء لا يجري فيه الأصل هنا لا يجري الأصل في الملاقى ولكن الملاقي له يقوم مقامه فيجري الأصل في الملاقي فيكون عندنا علم إجمالي بنجاسة إما الملاقي أو الطرف الآخر، مقتضى القاعدة المتقدمة طبعاً على القول بالاقتضاء أن الأصلين يتعارضان ثم يتنجز العلم الإجمالي ويجب ترك الملاقي والطرف الآخر، بعد تنجز العلم الإجمالي عاد الملاقى إلى محل الابتلاء والآن صار محل ابتلاء، فهل نجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض أو ماذا؟ صاحب الكفاية قلنا يجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض، حين خروجه عن محل الابتلاء في حد نفسه لا يجري الأصل في الخارج عن محل الابتلاء فلهذا قام الملاقي مقامه والآن لما عاد لمحل الابتلاء لم يوجد هناك علم، يعني العلم الإجمالي منجز والأصل بالنسبة إلى الطرف الآخر تنجز، الآن لا نقول إما نجاسة الملاقى أو الطرف الآخر ويجري الأصل في كل منهما ويتعارضان لأن الطرف الآخر تنجز وانتهى وسقط فيه الأصل، فلهذا يقول الملاقى مثل الملاقي في المسألة الأولى التي ذكرناها، يعني نشك في نجاسته وطهارته نستصحب أو نجري أصالة الطهارة بلا معارض، هذا حاصل ما أفاده صاحب الكفاية.

المحقق العراقي والسيد الخوئي (ره) عندهما مناقشة لهذا.

حاصل المناقشة: أن عدم جريان الأصل في الخارج عن محل الابتلاء إنما هو لعدم الأثر المترتب عليه يعني إذا كان المورد خارج عن محل ابتلائي الآن أجريت فيه أصالة الطهارة أو لم أجرِ فيه أصالة الطهارة ما الفائدة؟ هو خارج عن محل الابتلاء، فلا أثر عملي يترتب على جريان الأصل في الخارج عن محل الابتلاء لهذا لا يجري الأصل، هكذا المقرر عندهم، ولكن إذا وُجد أثر عملي فعلي للخارج عن محل الابتلاء لا مانع من جريان الأصل فيه، مثلاً عندهم مثالان لذلك: المثال الأول: عندنا ثوب متنجس غُسل بإناء كنت أقطع بطهارته أو غافل عن طهارته ونجاسته وبعد الغسل للثوب فُقد هذا الماء وانعدم صب في الأرض مثلاً، بعد ذلك التفتت وشككت هل إن هذا الماء الذي غسلت فيه الثوب كان طاهراً أو نجساً؟ أشك، إذا كان طاهر الثوب الآن تطهر لأنني غسلته بالماء الطاهر وإذا لا فهو باقي على نجاسته، هنا نجري أصالة استصحاب طهارة الماء ويترتب عليه طهارة الثوب الملاقي مع أن الماء قد فُقد وانعدم ومع ذلك نجري فيه الأصل، لأن له أثر حتى ولو كان فعلاً هو معدوم ولكن له أثر وهو الحكم بطهارة ملاقيه، هذا هو الأثر، فنجري الأصل فيه استصحاب الطهارة وإن لم يكن فعلاً موجود.

مثال آخر: لو غُسل الثوب بماء نجس غفلةً ثم التفت إلى أن هذا الماء كان نجساً ولكن يُحتمل أنه اتصل بكرٍ ويُحتمل وقع فيه المطر فتطهر احتمال موجود والآن هو مفقود غُسل الثوب فيه والآن هو مفقود ولكن نحتمل أنه كان نجساً ونحتمل أنه طُهّر، هنا مع أنه مفقود نستصحب بقاءه على النجاسة يعني نستصحب نجاسته ليترتب عليه الحكم بنجاسة ملاقيه وهو هذا الثوب مع أنه غير موجود.

إذاً المدار في جريان الأصل وعدم جريانه ليس على أنه مفقود أو أنه غير مفقود أو أنه خارج عن محل الابتلاء في حد نفسه وإنما لأنه لا ثمرة له ولا أثر له لا يوجد أثر فعلي له يترتب عليه لهذا لا نجريه، هذه القاعدة.

ما نحن فيه يوجد أثر فبما أنه يوجد أثر حتى لو كان خارجاً عن محل الابتلاء نجري فيه الأصل، الأثر هو الحكم بطهارة ملاقيه، فرض المسألة أن هذا الثوب لاقى هذا الماء (أ) ثم خرج عن محل الابتلاء الإناء (أ) بعد خروجه عن محل الابتلاء علمت إجمالاً بنجاسة أحدهما هل هو (أ) أو (ب) لا أعلم لكن (أ) خارج عن محل الابتلاء، هنا خروجه عن محل الابتلاء ليس بلا أثر، الحكم جريان أصالة الطهارة فيه يترتب عليه طهارة ملاقيه فبما أن له أثر إذاً يجري ولكن الذي يمنع من جريانه هو العلم الإجمالي بين نجاسته أو نجاسة الطرف الآخر، فإذاً وهو خارج عن محل الابتلاء نجري أصالة الطهارة في الخارج عن محل الابتلاء ويتعارض مع أصالة الطهارة في الطرف الآخر ويسقطان، يبقى الملاقي على حسب ما قُرر سابقاً، هل العلم الإجمالي قبل الملاقاة أو بعد الملاقاة؟ الفرض هنا بعد الملاقاة وبما أنه بعد الملاقاة علمت إجمالاً بنجاسة أحد هذين بعد الملاقاة فهنا يدخل في ضمن دائرة أطراف العلم الإجمالي، فالاجتناب عنه لأنه داخل في ضمن الأطراف، هذا حاصل ما أفاده المحقق العراقي والسيد الخوئي.

هنا إشكال للمحقق السيد الروحاني (قده) في المنتقى: طبعاً ذكر هذا الإشكال ليس في كلام الآخوند يعني الصورة التي ذكرها صورة ما ذكره الشيخ وما ذكر رجوع الخارج عن محل الابتلاء مرة ثانية، ولكن نفس الإشكال يصلح أن يكون إشكالاً على السيد الخوئي والمحقق العراقي.

حاصل الإشكال: يقول: بأن جريان الأصول أو عدم جريان الأصول في موارد وأطراف العلم الإجمالي إنما هو لعدم الوقوع في المخالفة الواقعية لعدم الوقوع في المعصية الواقعية يعني تأتي في الأحكام الإلزامية، إذا أجريت الأصل المؤمّن عن هذا الطرف والأصل المؤمّن في الطرف الثاني هنا يجوز لي ارتكاب كليهما، يعني خالفت العلم الإجمالي الموجود يعني خالفت التكليف الإلزامي لهذا لا يجري الأصل فبالنسبة إلى الأحكام التكليفية الإلزامية الأمر فيه واضح عدم جريان الأصل لهذا السبب، في الأحكام الوضعية مثل مثالنا في النجاسة والطهارة جريان أصالة الطهارة في هذا الإناء في حد نفسه لا محذور فيه أيضاً جريان أصالة الطهارة في الإناء الثاني في حد نفسه لا محذور فيه ولكن الحكم بطهارة كلٍ منهما يستلزم جواز استعمالهما معاً هنا يخالف الحكم الإلزامي، إذا شرب من هذا الإناء ومن هذا الإناء خالف العلم الإجمالي بوجود النجاسة في أحدهما لهذا يجب الاجتناب.

هذا هو السر في عدم جريان الأصول في الأطراف، وبالنسبة إلى الخارج عن محل الابتلاء هذا الأمر لا يأتي الآن علمت إجمالاً بنجاسة الإناء (أ) الذي هو خارج عن محل الابتلاء أو الإناء (ب) الذي هو داخل في محل الابتلاء، هل يلزم من جريان الأصول في الأطراف مخالفة الحكم الإلزامي قطعاً؟ نقول: لا، لأنه إن كانت النجاسة الواقعية واقعة في الإناء (أ) الذي هو خارج عن محل الابتلاء فلا مجال لارتكابه أو المفقود لا مجال لارتكابه، فلهذا لا أخالف الحكم الإلزامي وبالنسبة إلى الإناء (ب) الذي هو في محل الابتلاء لا أعلم بتنجسه حتى إذا شربت منه خالفت الحكم الإلزامي، إذاً السبب في عدم جريان الأصول هي المخالفة للحكم الإلزامي وهذه القاعدة لا تنطبق على الخارج عن محل الابتلاء، إذا كان أحد الطرفين خارج عن محل الابتلاء هنا لا تنطبق هذه القاعدة إذا لا تنطبق فأساساً جريان الأصل في الخارج عن محل الابتلاء لا معنى له السيد الخوئي مع المحقق العراقي بحسب ما ذكرناه أنهما يصوران جريان الأصل في الخارج عن محل الابتلاء ويكون معارضاً إلى الأصل في الطرف الآخر، هو على هذا الترتيب الآن البيان الذي ذكرناه أساساً لا يجري الأصل في الخارج عن محل الابتلاء لأن قاعدة المحذور في جريان الأصل أساساً غير موجودة في الخارج عن محل الابتلاء، فإذاً ليس عندنا فعلاً إلا الملاقي مع الطرف الآخر، فإذاً عندنا علم إجمالي بنجاسة إما الملاقي وإما الطرف الآخر والخارج عن محل الابتلاء أو المفقود أساساً خارج عن الدائرة فعليه: يتنجز العلم الإجمالي في البين ويجب الاجتناب عن الملاقي.

لا بأس بذكر عبارته لعل فيها شيء، يقول: (إن معارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي ناشئة على ما تقدم من استلزام إجرائها في الطرفين الترخيص في المعصية وإجراء أحدهما ترجيح بلا مرجح) وهذا ذكرناه سابقاً وأنه عندي علم إجمالي بنجاسة أحدهما إذا حكمت بأصالة الطهارة في الإثنين يترتب على ذلك جواز شربهما معاً يستلزم المخالفة القطعية، أجري الأصل في هذا دون ذاك ترجيح بلا مرجح لهذا يتنجز العلم الإجمالي، فهذه قاعدة نضعها في اليد (ولا يخفى أن هذا المحذور يرتبط بالعلم الإجمالي بالحكم التكليفي الإلزامي) الأحكام التكليفية واضح وبالنسبة إلى الأحكام الوضعية لا تدخل في هذه الدائرة إلا عن طريق (أما العلم الإجمالي بحكم وضعي مردد بين الطرفين فلا يصادم إجراء الأصل النافي لذلك الحكم الوضعي في كلا الطرفين إذا ليس فيه ترخيص في معصية) يعني لو حكمنا على طهارة هذا في نفسه وعلى طهارة هذا في نفسه لا توجد معصية (ولكن المعصية في المترتب وعليه فنقول: مع العلم الإجمالي بنجاسة أحد الشيئين لا مانع من جريان أصالة الطهارة في كليهما في حد نفسه وإنما المانع من جهة ما يترتب على جريان أصالة الطهارة فيهما من مخالفة التكليف المعلوم المترتب على النجاسة لأن أصل الطهارة يترتب عليه الترخيص في استعمال الطاهر ، وهو ينافي العلم بالمنع في أحدهم.وعلى هذا ، ففيما نحن فيه يعلم بنجاسة أحد الإناءين المفقود أو الموجود ، لكن هذا العلم ليس علما بتكليف إلزاميّ مردد بين الطرفين ، إذ النجاسة على تقدير كونها في الطرف المفقود لا يترتب عليها وجوب الاجتناب لخروجه عن محل الابتلاء المانع من ثبوت التكليف. وعليه، فلا معارضة بين أصالة الطهارة في المفقود ـ على تقدير جريانها، وأصالة الطهارة في الموجود، لأن العلم بالنجاسة بنفسه لا يمنع من إجراء أصالة الطهارة ما لم يكن علماً بتكليف إلزامي. فليس لدينا حينئذ علم منجز سوى العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر الموجود، لأنه علم بتكليف إلزاميّ مردد بين الطرفين، فيمنع من جريان كلا الأصلين في طرفيه)[1]

إذاً على هذا الإشكال يكون واضحاً على ما أفاده السيد الخوئي وعلى ما أفاده المحقق العراقي.

لكن هنا يأتي سؤال، وهو أنه بالنسبة إلى الأمثلة التي ذكرناها ما ذا يقول فيها السيد الروحاني (قده)؟ يعني الآن غسلنا الثوب بهذا الإناء غفلةً أنه طاهر أو نجس، ثم شككنا أنه طاهر أو نجس نستصحب الطهارة كان عندنا علم سابق بالطهارة فنستصحب الطهارة، هل هنا نحكم بطهارة الثوب أو لا؟ مقتضى كلامه يقول بأنه لا نحكم بطهارة الثوب، أولاً غسلنا الثوب بهذا الماء المشكوك الطهارة والنجاسة، الثوب نجس أساساً طهرناه بهذا الماء ثم فُقد الماء أو تلف الآن شككنا هل أن الماء كان طاهراً أو نجس؟ ولكن عندنا علم سابق بأنه كان طاهراً إذا حكمنا بطهارته يترتب علليه الحكم بطهارة الثوب وإذا لا يجري فيه الأصل بالنسبة إلى الماء لا يجري فيه الأصل لأنه غير موجود فعلاً وبالنسبة للثوب كان نجساً وثم طُهر بماء لا يجري فيه أصالة الطهارة هنا المفروض نستصحب نجاسة الثوب لكن لا أعتقد أنه يلتزم بذلك.

أيضاً بالنسبة إلى المثال الثاني: غسل الثوب الطاهر بماءٍ نجس ثم فُقد الماء، بعد الغسل والفقدان التفت إلى أن هذا الماء كان نجساً هل طُهر أو لا؟ في حد نفسه المفروض نستصحب النجاسة ويترتب عليه نجاسة الثوب، إذا قلنا بأن الماء ليس بنجس يعني لا يجري فيه استصحاب النجاسة وبالنسبة للثوب كان طاهراً نشك في تنجسه لما لاقى هذا الماء نستصحب الطهارة في الثوب، هنا لا أعتقد أنه يلتزم بذلك والسبب في هذا أنه عنده كلام في مورد بعد ذلك كأنه فرَّق بين جريان أصالة الطهارة وبين جريان استصحاب الطهارة، الاستصحاب ناظر إلى ما قبله وما بعده في اليقين، أصالة الطهارة غير ناظرة إلى ما قبلها وما بعدها، فلهذا يقول: بالنسبة إلى الاستصحاب يمكن جريانه ولكن بالنسبة إلى أصالة الطهارة لا يمكن، ولعله نوضح ذلك فيما بعد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo