< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الحادي عشر:جواب السيد الخوئي (قده):

كان الكلام في المسألة الأولى من ملاقي أحد أطراف الشبهة وقلنا المسألة الأولى: ما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين ثم علم بالملاقاة حصلت الملاقاة بعد العلم الإجمالي وعلم بها، هل هنا العلم الإجمالي يتنجز في الملاقي أو لا؟ أو هل يجب الاجتناب عن الملاقي أو لا يجب الاجتناب؟

تقدم الكلام وذكرنا أيضاً من جملة الأوجه أن الوجه الثاني للتنجيز أو لوجوب الاجتناب: هو أنه يوجد عندنا علم إجمالي جديد بين الملاقي وبين الطرف الآخر يعني علمت إجمالاً بنجاسة (أ) أو (ب) ثم بعد هذا العلم الإجمالي حصلت الملاقاة بين (ج) و (أ) وعلمت بها، صار عندي الآن علم إجمالي جديد بين (ج) وبين (ب) أعلم بالوجدان أن أحدهما نجس، هذا يتنجز.

أجاب الشيخ الأنصاري كما ذكرنا بأن العلم الإجمالي هنا لا يكون منجزاً وذلك لأنه عندنا أصل سببي وأصل مسببي، أصالة الطهارة في الإناء (أ) أصل سببي وأصالة الطهارة في الإناء (ج) الملاقي أصل مسببي، ومع وجود الأصل السببي لا يجري الأصل المسببي، فعليه: في المرحلة الأولى الأصل في (أ) يتعارض مع الأصل في (ب) فيسقطان، ويسلم الأصل في (ج) عن المعارض.

وقلنا بأنه هنا ترد عليه الشبهة المعروفة بالشبهة الحيدرية، وهي أن أصالة الطهارة في الملاقي هذا أصل مسببي ولكن عندنا أصل مسببي آخر في (أ) وفي (ب) وهو أصالة الحلية، عندما سقطت أصالة الطهارة في (أ) و (ب) وجدت أصالة الحل في (أ) و (ب)، الآن صار عندي علم إجمالي بين إما نجاسة الملاقي وهو (ج) أو حرمة (ب)، هذان في عرض واحد، أصالة الطهارة في (ج) الملاقي مع أصالة الحل في (ب) هنا في عرض واحد يتعارضان فيسقطان، نعم إذا سقطا يمكن أن نجري أصالة الحل في (ج) الملاقي هذا ممكن ولكن من ناحية الطهارة يتنجز العلم ويسقطان، هذا تقدم الكلام فيه.

السيد الخوئي (ره) أجاب بجواب آخر بحيث لا ترد عليه الشبهة الحيدرية:

حاصل الجواب: قال بأن كما تقدم عندنا سابقاً أن تنجيز العلم الإجمالي يرجع إلى الترجيح بلا مرجح بطلان الترجيح بلا مرجح.

بيان ذلك: إذا علمت بنجاسة أحد الإناءين هنا أصالة الطهارة في (أ) تتعارض مع أصالة الطهارة في (ب) بمعنى لو أجريناهما معاً لصارت مخالفة قطعية واقعية، ولو أجرينا أصالة الطهارة في (أ) دون (ب) هنا يكون ترجيح بلا مرجح، على هذا نقول: تتساقط الأصول ويتنجز العلم الإجمالي، هذه هي القاعدة على القول بالاقتضاء، لما نريد أن نطبق هذه القاعدة على المقام هل تنطبق أو لا؟ نقول أُخذ في تنجيز العلم الإجمالي أن لا يكون التكليف في أحد الأطراف منجزاً بتكليف أو بتنجيز آخر قبل هذا العلم الإجمالي، إذا صار منجزاً هنا الأصل في الطرف الثاني يجري بلا معارض.

ذكر لتوضيح ذلك عدة أمثلة: من جملتها لو علمنا بوقوع النجاسة في أحد الإناءين وكان أحد الإناءين بخصوصه المعين محكوماً بالنجاسة لأجل الاستصحاب قبل أن تقع قطرة الدم في أحد الإناءين كان هذا الإناء (أ) كان نجساً ونشك في حصول الطهارة، مقتضى القاعدة فيه نستصحب النجاسة، الآن سقطت قطرة الدم في أحدهما إما (أ) أو (ب) هنا علمنا إجمالاً بسقوط قطرة الدم في أحدهما ولكن هذا العلم الإجمالي ليس بمنجز لأن قطرة الدم إن وقعت في الإناء (أ) فهو محكوم عليه باستصحاب النجاسة قبل وقوعها فلا يكون هناك تكليف جديد، إذا وقعت في الإناء (ب) نعم تكون منجسة ويحدث عندنا تكليف جديد، فهذا العلم الإجمالي ليس علماً بالتكليف على كل تقدير، على تقدير أن النجاسة وقعت في الإناء (أ) المحكوم بالنجاسة سابقاً بالاستصحاب لا يكون هناك تكليف، وعلى تقدير أنه وقعت في (ب) يكون هناك تكليفاً، فإذاً هذا التكليف ليس تكليفاً فعلياً على كل تقدير، فلهذا العلم الإجمالي لا ينجز في المقام، هذا مثال.

مثال ثاني: ما لو كان مجرد الشك في التكليف كافياً للتنجيز في بعض المقامات، مثلاً: في الليل علم إجمالاً إما أنه ترك صلاة العصر لم يأتِ بها وإما ترك صلاة العشاء ولم يأتِ بها، يعلم إجمالاً بترك إحداهما، بالنسبة إلى صلاة العشاء مجرد الشك في الإتيان بها كافي للحكم بلزوم الإتيان بها لأنه في الوقت وذمته مشغولة بصلاة العشاء ولم يخرج وقتها فالآن لا نحتاج أن نجري أصالة عدم الإتيان بها، مجرد الشك نحكم بلزوم الإتيان بها، وبالنسبة إلى صلاة العصر فنحتاج إلى جريان الأصل ولكن هذا الأصل غير معارض لأنه هنا الأصل في صلاة العشاء قلنا لا يجري في نفسه ولا نحتاج أن نجري أصالة عدم الإتيان بصلاة العشاء حتى نقول هذا الأصل يعارض أصالة عدم الإتيان بصلاة العصر، مجرد الشك في صلاة العشاء يجب الإتيان بها، هذا هو المقرر، إذاً الأصل لا نحتاج إليه، بمعنى آخر الأصل لا يجري في نفسه، وفي صلاة العصر يجري الأصل بلا معارض، والأصل ليس هو أصالة عدم الإتيان وإنما الأصل هو قاعدة الحيلولة لأنه شك بعد خروج الوقت أنه صلى العصر أو لم يصلِ العصر؟ إذا شك بعد خروج الوقت يبني على الإتيان لأجل قاعدة الحيلولة، أو نريد أن نجري أصل نقول: الآن هل يجب عليه القضاء أو لا القضاء بأمر جديد؟ هنا الآن شك بعد دخول الليل هل ترك صلاة العصر أو لم يترك صلاة العصر؟ يعني هل يجب عليه قضاء صلاة العصر أو لا يجب عليه قضاء صلاة العصر؟ هنا أصالة براءة الذمة من وجوب القضاء.

النتيجة: أن العلم الإجمالي لم يكن منجزاً للتكليف لأنه على تقدير يكون منجزاً وعلى تقدير لا يكون منجزاً، أو بعبارة أخرى: الأصل في أحد الطرفين لا يجري في نفسه فيجري الأصل في الآخر بلا معارض.

مثال ثالث: قال: لو علمنا إجمالاً بنجاسة أحد المائعين ثم علمنا بوقوع نجاسة في أحد هذين الطرفين أو طرف ثالث، في الأول علمت إجمالاً بنجاسة إما (أ) أو (ب) ثم وقعت نجاسة علم جديد هذه النجاسة إما في (أ) أو (ب) أو (ج) هنا طرف ثالث موجود، نقول: بالنسبة إلى الطرفين الأولين (أ) و(ب) العلم الإجمالي موجود علم إجمالي بنجاستهما هذا العلم الإجمالي منجز، يجب ترك كليهما، الآن حدث علم إجمالي جديد بوقوع النجاسة إما في (أ) أو (ب) أو في (ج)، بالنسبة إلى (أ) و(ب) الآن لا نجري الأصل لأن الأصل جاري وتعارض الأصلان فيه وتحقق التنجيز، وبالنسبة إلى الطرف الثالث (ج) هو مشكوك فيه وبنحو الشك البدوي نعتبره، عليه: هنا نجري فيه الأصل بلا معارض.

هذه الأمثلة يريد منها القول بأن تنجيز العلم الإجمالي المبني على الترجيح بلا مرجح بطلان الترجيح بلا مرجح، أُخذ فيه أن لا يكون أحد الطرفين التكليف فيه منجزاً من السابق، لأنه لو كان منجزاً من السابق الأصل في الطرف الآخر لا يعتبر ترجيحاً بلا مرجح، ما نحن فيه من هذا القبيل، ما نحن فيه الآن أولاً علمت إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين (أ) أو (ب) هذا علم إجمالي سابق مقتضاه هو التنجيز قبل الملاقاة، الآن صارت الملاقاة وأُضيف طرف ثالث وهو الملاقي للإناء (أ)، أنت تقول: وُجد علم إجمالي جديد بين نجاسة إما (ج) الملاقي أو نجاسة الطرف الآخر وهو (ب)، هذا العلم الإجمالي الجديد لا يكون منجزاً لأن هذا العلم الإجمالي الجديد وُجد بعد تنجيز العلم الإجمالي الأول يعني العلم الإجمالي بين (أ) و (ب) منجز وسقطت الأصول فيه والآن لا يعود، يبقى الإناء الموجود وهو الإناء (ج) الملاقي تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض، لماذا أساساً؟ لأنه كما قلنا بأن جريان الأصل في أحد الطرفين المرتبطين بالعلم الإجمالي يكون ترجيح بلا مرجح وهو باطل، هنا لا يكون ترجيحاً بلا مرجح، هنا الإناء الطرف الآخر سقط عن الأصل وانتهى الذي هو طرف للعلم الإجمالي الثاني، أما بالنسبة إلى الإناء الملاقي فنشك فيه شكاً بدوياً في طهارته وعدم طهارته فنجري أصالة الطهارة، فإذاً ينحل العلم الإجمالي، الوجه الثاني للقول بوجوب الاجتناب عن الملاقي يبتني على العلم الإجمالي نقول العلم الإجمالي هنا منحل، ويرتفع الإشكال.

نعم، هذا الكلام لا يكون على إطلاقه وإنما بحسب الموارد، إذا كان في أحد الأطراف يوجد أصل مسببي ولا معارض له هذا الكلام لا يأتي يعني العلم الإجمالي لا يتنجز، مثلاً: علمت بنجاسة إما الماء أو الثوب، أصالة الطهارة في الماء تتعارض مع أصالة الطهارة في الثوب هذا لا إشكال فيه، الماء ينفرد بأصل آخر وهو أصالة الحلية لأن الماء مما يُشرب فأشك هل يجوز شربه أو لا يجوز شربه؟ أجري فيه أصالة الحلية، الثوب ليس مما يُشرب فلا تجري فيه أصالة الحلية في نفسه لا تجري، عليه: إذا اتضحت هذه الجهة إذا فرضنا أن اليد لاقت الثوب برطوبةٍ الآن هنا بالنسبة إلى الماء يوجد أصل سببي وأصل مسببي أصالة الطهارة وأصال الحلية، بالنسبة إلى الثوب لا توجد فيه إلا أصال واحدة وهي أصالة الطهارة، سقطت أصالة الطهارة في الثوب مع أصالة الطهارة في الماء، الآن وُجدت أصالة الحلية في الماء وأصالة الطهارة في اليد الملاقية للثوب هنا يتعارضان، عندي علم إجمالي إما بنجاسة اليد أو بحرمة الماء، هذا العلم موجود بالوجدان، إما نجاسة اليد إذا كان في الواقع الثوب نجساً فتنجست اليد، أو حلية الماء إذا كان الماء حلالاً فهذا نجس، إذا كان الماء مغصوباً فهذا طاهر، فعندي علم إجمالي إما بنجاسة اليد أو بحلية الماء، هذا العلم الإجمالي منجز يعني لا يوجد أصل في أحد الطرفين يجري بلا مرجح، جريان أصالة الحلية في الماء بعينه لوحده ترجيح بلا مرجح، وجريان أصالة الطهارة في اليد لوحده أيضاً ترجيح بلا مرجح، ففي مثل هذه الصورة يتنجز العلم، فإذاً لا يتنجز العلم على حسب ما ذكر السيد الخوئي (ره) في غير مثل هذه الصورة، إذا لم ينفرد أحدهما بأصل مسببي لا معارض له، أما إذا انفرد فلا يأتي الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo