< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:كلام المحقق الآخوند (قده) في المقام:

اتضح مما سبق قوة ما أفاده الشيخ (قده) من التمسك بالإطلاق، سواء كان على التوجيه الأول الذي أورد عليه الإشكال وقد دفعنا الإشكال عنه، أو على التوجيه الثاني الذي أفاده السيد الروحاني (قده)، فعلى كلا التقديرين يكون ما أفاده الشيخ تاماً، ولا بأس بالإشارة أيضاً إلى أن ما أفاده السيد الروحاني (قده) متين غايته قلنا إنه هل يمكن استفادته من كلام الشيخ أو لا؟ ولكن في حد نفسه هو متين.

يبقى عندنا الآن كلام المحقق صاحب الكفاية (قده) فهو بمثابة أن يكون إشكالاً على ما أفاده الشيخ، وحاصله:

يقول: بأن التمسك بالإطلاق في مقام الإثبات فرع إمكان الإطلاق ثبوتاً، فإذا أمكن الإطلاق ثبوتاً يمكن التمسك بالإطلاق إثباتاً ويكون الإطلاق إثباتا ًكاشفاً عنه، وإذا كان الإطلاق ثبوتاً غير ممكن فالإطلاق في مقام الإثبات لا يكون كاشفاً عنه، وهذه قاعدة في كل الإطلاقات، عليه: نحن هنا بعد تسليم أن أدلة التكليف مقيدة بأن تكون الأطراف داخلة تحت الابتلاء وليست خارجة عن تحت الابتلاء، وهذا التقييد تقييد عقلي بالمعنى الأعم يعني في مقابل اللفظي، وهذا التقييد تقييد عقلي فهنا التكليف بالنسبة إلى ما هو خارج عن محل الابتلاء لا يكون ممكناً، فعليه: الإطلاق بحيث يشمل ثبوتاً ما يكون خارجاً عن محل الابتلاء لا يكون ممكناً، يعني هنا نحتمل أن يكون خارجاً عن محل الابتلاء والتكليف فيه غير ممكن، فالإطلاق بالنسبة إليه ثبوتاً غير ممكن، إذا لم يمكن ثبوتاً أيضاً الإطلاق في مقام الإثبات لا يكون كاشفاً عنه، فعليه: ليس لنا الرجوع إلا للأصل ولا نرجع إلى التمسك بالإطلاق، والأصل في المقام هو أن نجري البراءة، هذا حاصل ما أفاده.

طبعاً هذا الكلام بظاهره وقع موقع الإشكال عند الأعلام، وحاصل ما يمكن أن يوجه عليه: بأنه على حسب ما تقدم عند الأصوليين في حجية الظن أن بناء العقلاء على حجية الظواهر ما لم تقم قرينة عقلية أو غيرها على خلافه، متى ما كان اللفظ ظاهراً في شيء ولم توجد قرينة على خلافه يتمسك بهذا الظهور هذا هو المسلّم عندهم، مجرد احتمال وجود القرينة لا يكفي في عدم التمسك بالظواهر، يعني نتمسك بالظواهر حتى مع الاحتمال، واحتمال استحالة هذا الظهور أيضاً لا يعد قرينة عندهم، مثلاً عندما يقول المولى: خذ بخبر الثقة هنا بنحو الإطلاق، عندما نحتمل استحالة ذلك بحسب الأوجه التي ذُكرت للاستحالة كما هو مذكور عندهم في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، أنه يلزم منه تحليل الحرام أو تحريم الحلال، يحتمل أن يكون خبر الثقة غير موافق للواقع فيلزم تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو يلزم الوقوع في المفسدة أو يلزم فوات المصلحة هذه الأوجه التي ذُكرت لاستحالة حجية خبر الثقة، أو حجية الظنون بشكل عام، هنا احتمال الاستحالة موجود، فهل يا ترى نقول عندما يقول المولى خذ واعمل بخبر الثقة، نقول يحتل استحالة ذلك فلا نأخذ به؟ العقلاء لا يبنون على ذلك بل يبنون على الأخذ حتى مع وجود احتمال هذه الاستحالة ولو ترك أحدهم العمل بخبر الثقة واحتج بأنه أحتمل بأن يكون مستحيلاً، لم يقبل منه عند العقلاء والعقلاء يلومونه على ذلك، إذاً القاعدة العامة هو أنه إذا وجد إطلاق وظهور في شيء ما لم تقم قرينة قطعية على خلافه يعني القطعية ليست صفة للقرينة وإنما القطع بوجود القرينة، ما لم نقطع بوجود القرينة نتمسك بالظهور ولا تصل النوبة إلى عدمه، إذا وجدت نعم وإذا لم توجد فلا، مجلاد احتمال القرينة غير كافي ومجرد احتمال الاستحالة غير كافي، إذاً ما أفاده الشيخ الآخوند (قده) غير صحيح، نقول في المقام عندنا إطلاق في مقام الإثبات وهذا الإطلاق الموجود في مقام الإثبات يكشف عن الإطلاق في مقام الثبوت، ما لم توجد قرينة على خلافه والفرض أنه لا نحرز وجود القرينة على خلافه فمع عدم وجود القرينة على خلافه نتمسك بالإطلاق، فيرجع كلام الشيخ (قده) تاماً لا إشكال فيه.

لو كانت الشبهة مصداقية:

هذا كله فيما إذا كانت الشبهة مفهومية على حسب ما صوّرناه سابقاً، يبقى الكلام فيما لو كانت الشبهة مصداقية، هل هنا أيضاً نتمسك بالإطلاق أو يكون الرجوع إلى الأصل، الشبهة المصداقية في المقام تصويرها هكذا:

أعلم بنجاسة إناء زيدٍ ولكن أشك هل إناء زيدٍ هو هذا الإناء الذي تحت ابتلائنا أو إناء زيدٍ هو الخارج عن محل ابتلائنا ففي بلد بعيد خارج عن محل الابتلاء؟ هنا الشبهة ليست مفهومية كما تقدم وإنما الشبهة مصداقية، أنا أعلم بأن هذا الإناء داخل تحت الابتلاء ليس عندي شك في ذلك، وأعلم أن الإناء الثاني خارج عن محل الابتلاء وليس عندي شك في ذلك، وأعلم بنجاسة إناء زيدٍ منهما ولكن لا أعلم هل إناء زيد هو هذا الموجود تحت الابتلاء أو إناء زيد هو الموجود خارج عن محل الابتلاء؟ هنا في الشبهة المصداقية هل نتمسك بالإطلاق أو تصل النوبة إلى الأصل؟

هنا ينبغي رجوع البحث إلى التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبياً، التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لفظياً فتقريباً المتأخرون على عدم جوازه شبه إجماع أو إجماع قطعي وينسب للسيد اليزدي شيء لم يثبت، تقريباً عندهم إجماع على عدم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لفظياً، أما إذا كان المخصص لبياً فهنا محل خلاف بينهم، ما نحن فيه المخصص لبي، عندنا أدلة التكليف مطلقة وعندنا بدليل تحصيل الحاصل أو الاستهجان على حسب الخلاف الذي تقدم، اشترطنا أن تكون الأطراف داخلة في محل الابتلاء وعدم خروجها عن محل الابتلاء، هذا القيد قيد لبي وليس قيداً لفظياً، فإذاً المخصص الموجود في المقام مخصص لبي، إذا كان المخصص لبياً فهنا أقوال في المسألة:

الشيخ الأنصاري (قده) قال إذا كان المخصص لبياً يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقاً في مقابل التفصيل الذي سنذكره عن صاحب الكفاية، عليه: على هذا المبنى نتمسك بالإطلاق في المقام ولا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

المحقق صاحب الكفاية (قده) قال بالتفصيل، يقول: المخصص اللبي على نحوين، النحو الأول: مخصص لبي من الظهور بمكان مثل الدليل العقلي الضروري، هذا النوع من المخصص اللبي يكون كالمخصص المتصل اللفظي أنه مقترن بالكلام وواضح عند كل أحد بحيث يمكن للمتكلم في مقام البيان أن يعتمد عليه لارتكازه ومعروفيته في الأذهان، في مثل هذا المورد يقول: لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لأن المخصص لبي بهذا الظهور فالعام لم ينعقد ظهوره فيما عدا المخصص، يعني العام لم ينعقد ظهوره في العموم، عندما يقول أكرم العلماء مثلاً وعندما يقول أكرم جيراني مثلاً هنا نقول ظاهر في العموم مع اقترانه بالقرينة المتصلة المحفوفة بالكلام التي هي من الظهور كالمخصص اللفظي هنا لم ينعقد الظهور في العموم وإنما انعقد الظهور فيما عدا الخاص، بما أنه انعقد الظهور فيما عدا الخاص لم يكن هذا العموم حجة في الجميع حتى نشك هل خصص أو لم يخصص؟ هو حجة فيما عدا الخاص، هل هذا المشكوك داخل في الخاص أو داخل تحت العموم؟ لا نعلم، فلا نحرز انطباق العموم عليه بما هو حجة، فلا نتمسك به، هذا النحو الأول.

النحو الثاني: أن يكون المخصص اللبي ليس بتلك المثابة يعني ليس من حيث الوضوح مما يمكن أن يعتمد عليه المتكلم في مقام البيان بل يحتاج إذا كان يريد أن يقيد يحتاج إلى بيان وإلى توضيح من نفس المتكلم، هذا النوع من المخصص اللبي لا يكون مؤثراً على ظهور العام، يعني العام ينعقد ظهوره في العموم يعني هذا النحو ليس بمثابة المخصص المتصل، فإذا لم يكن بمثابة المخصص المتصل يعني انعقد العموم في العام، إذا انعقد العموم في العام نشك هل هذا المورد أُخرج أو لم يُخرَج نشك فيبقى تحت العموم، إذاً يمكن أن نتمسك بالإطلاق في المقام، على رأي المحقق صاحب الكفاية (قده) هنا دعواه الذي يمكن أن يستفاد منها ولو من غيره على أن هذا النوع من المخصص اللبي في المقام من الظهور بمكان بحيث يعتمد عليه المتكلم في مقام البيان، يعني من النحو الأول، إذا كان من النحو الأول لا يمكن التمسك بالإطلاق في المقام فنرجع إلى الأصل العملي.

المحقق النائيني (قده) أتى أيضاً بتفصيل آخر، حاصل تفصيله، يقول: هذا المخصص مطلقاً سواء كان لبياً أو كان لفظياً من هذه الجهة لا يؤثر، يقول هذا المخصص إذا كان كاشفاً عن تقييد المراد الواقعي للمتكلم يعني كان كاشفاً عن تقييد الموضوع واقعاً، هنا لا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس النكتة التي ذكرناها في القسم الأول للآخوند يعني لم ينعقد الظهور في العموم لأن هذا يكشف عن التقييد الواقعي للموضوع من أساس فالموضوع مقيد من أساسه، إذا كان مقيدا من أساسه لا نحرز انطباق الموضوع المقيد على هذا الفرد المشكوك، فلهذا لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في هذا المورد، أما إذا لم يكن كاشفاً عن تقييد الموضوع في الواقع، مثلاً كاشف عن الملاك لم يكن كاشفاً عن تقييد الموضوع، هنا إذا كان كاشفاً عن الملاك يمكن التمسك بالعموم، مثلاً عندنا في الزيارة لعن الله بني فلان قاطبة، هنا عموم عندنا دليل يقول: بالنسبة إلى المؤمن منهم خارج عن تحت هذا العموم، الآن في الفرد المشكوك هل يمكن أن نتمسك بالعام أو لا؟ يقول: نعم، بمعنى أنه نفترض أن هذا اللعن نحن عرفنا ملاكه وملاك هذا اللعن هو كفرهم، لم نحرز تقييد الموضوع ولكن نحرز الملاك فنقول الملاك هو كفرهم أو غير كونهم مؤمنين مثلاً، هذا هو الملاك، عندما نحرز الملاك بدون أن نحرز تقييد الموضوع فبالنسبة إلى الفرد المشكوك هو داخل تحت الموضوع سابقاً داخل تحت بني فلان سابقاً، ولما كان داخلاً فنتمسك بالعموم في هذا الفرد وهو يكشف لنا عن الملاك، هذا الدليل اللفظي كشف عن وجود الملاك في هذا الفرد المشكوك.

فالحاصل: يقول: إن المخصص لفظياً كان أو لبياً، إذا كان يكشف عن تقييد الموضوع هنا لا نتمسك بالعموم وإذا لا يكشف عن تقييد الموضوع فيمكن التمسك بالعموم، عليه: أيضاً لما نريد أن نطبق على المقام هنا بما أنه هذا التقييد بمثابة من الوضوح عند القائلين به بحيث يكشف عن تقييد الموضوع، أساساً التكليف مقيد بعدم خروجه عن تحت الابتلاء، عليه: لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

النتيجة: أن هذا البحث يندرج تحت المباني المختلفة في ذلك البحث. والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo