< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:
تتمة ما هو المختار في المبحث:

تقدم الكلام عندنا في رفع الاستهجان بالنسبة إلى توجه التكاليف إلى غير المبتلى به فعلاً، وكان ذلك عن طريق القول بأن الأوامر الشرعية هي بنحو القضايا الحقيقية فهي تكون قوانين عامة مع وجود القانون العام شموله للفرد النادر لا يعد مستهجناً، نعم اختصاصه بالفرد النادر يكون مستهجناً.

الآن نضيف إلى ذلك بأنه لو قلنا بتوجه التكاليف بنحو التكليف الشخصي الفردي، هل يمكن أيضاً أن نرفع الاستهجان أم لا؟ نقول يمكن أن نرفع الاستهجان وذلك عن طريق معرفة حقيقة التكليف، ما هو التكليف الحقيقي؟ إذا قلنا بأن التكليف الحقيقي -سواء كان أمراً أو كان نهياً- هو ما يمكن أن يكون داعياً للمكلف للفعل أو للترك، نفس التكليف الحقيقي هو ما يمكن أن يكون داعياً، يعني عندما يصدر من المولى هذا يمكن أن يكون داعياً للمكلف، إذا قلنا بهذا المعنى للتكليف فنراه محفوظاً في عدة صور فيُحفظ فيما إذا كان هناك داعٍ نفسي إلى الفعل عند المكلف نفسه وجود هذا الداعي إلى الفعل ينحفظ في هذا الأمر أنه يمكن أن يكون داعياً حتى لو كان هناك داعٍ نفسي للمكلف إلى الفعل، أيضاً ينحفظ فيما إذا لم يكن هناك داعٍ إلى الفعل يعني مثلاً العاصي ليس عنده داعٍ إلى الفعل بل عنده داعٍ إلى الترك، أيضاً هنا ينحفظ هذا الأمر يمكن أن يكون داعياً ينحفظ فيه، أيضاً ينحفظ فيما إذا لم يكن هناك داعٍ أصلاً، مثل مواردنا الخارج عن محل الابتلاء، لم يكن له داعٍ للفعل، أيضاً هنا يصح أن الأمر يمكن أن يكون داعياً إلى الفعل أو إلى الترك.

إذاً إذا فسّرنا التكليف الحقيقي بهذا التفسير كما يذكره غير واحد أن التكليف الحقيقي هو ما يمكن أن يكون داعياً للمكلف، إذا قلنا بذلك هنا نقول يمكن توجه الخطاب حتى للفرد الخارج عن محل الابتلاء بلا استهجان لأنه يرتبط بحقيقة التكليف، وذلك عندما نقول يمكن أن يكون داعياً هذا الإمكان لا يخلو إما أن يكون إمكاناً ذاتياً يعني هو بحد نفسه ممكن بغض النظر عن وقوعه في الخارج وعدم وقوعه، وإما أن يكون إمكاناً وقوعياً يعني ما يمكن أن يقع في الخارج، لا يخلو الإمكان المقصود منه في المقام من هذين الأمرين، الإمكان الذاتي والإمكان الوقوعي، وكلٌ منهما يجتمع مع الامتناع بالغير ولا يجتمع مع الامتناع بالذات، تقول ممكن ذاتاً ممتنع ذاتاً هذا غير ممكن، تقول ممكن وقوعاً ممتنع ذاتاً غير ممكن، ولكن ممكن ذاتاً أو ممكن وقوعاً ومع ممتنع بغيره، امتنع بغيره لا محذور في الاجتماع، يعني نقول هو ممكن ذاتاً أو وقوعاً ولكن فعلاً هو ممتنع بغيره لا لنفسه، يمكن اجتماع ذلك، يمتنع بوجود سبب لعلة للفعل مثلاً يعني المطلوب الترك مثلاً أو الترك ممكن مثلاً ولكن فعلاً توجد علة للفعل ولكن هذه العلة لا يستحيل عدمها إذا كان يستحيل عدمها هنا رجع إلى الامتناع الذاتي، أما إذا هذا الفعل رجع إلى علة هذه العلة لا يستحيل عدمها ويمكن عدمها فهنا إذا ارتفعت العلة يرتفع المعلول، فنقول هذا المعلول الممتنع ممتنع بغيره لا بذاته، إذا كان ممتنعاً بغيره يجتمع مع الممكن ذاتاً أو مع الممكن وقوعاً لا محذور فيه.

النتيجة: نقول أُخذ في حقيقة التكليف ما يمكن أن يكون داعياً هذا الإمكان إما ذاتي وإما وقوعي هذا الإمكان الذاتي أو الوقوعي لا يتنافى بل يجتمع مع الممتنع بغيره لا الممتنع بذاته.

هنا في مثل هذه الصور الثلاث التي ذكرناها هناك داعٍ إلى الفعل أو هناك داعٍ إلى الترك أو هناك عدم داعٍ إلى الفعل، هذه الصور كلها إذا حصلت أو إذا لم تحصل بغيرها لا بذاتها وبما أنه بغيرها يمكن أن تجتمع مع الإمكان الذاتي أو الوقوعي، فعليه إذا فسرنا التكليف وحقيقة التكليف بهذا التفسير نقول لا يوجد أيضاً استهجان حتى في الفرد الشخصي، نعم لو فسرنا التكليف الحقيقي وقلنا -سواء كان بعثياً أو زجرياً- جعل ما يدعو إلى الفعل أو إلى الترك بالفعل يعني أُخذت فيه أن تكون الداعوية فعلية، إذا أخذنا فيه نعم الكلام يتم ويستحيل إذا كان هناك داعٍ أن نوجد فيه داعٍ، أو إذا داعٍ إلى الترك أن نوجد داعٍ إلى الترك، إذا أخذنا التكليف الحقيقي، جعل ما يدعو إلى الفعل أو ما يدعو إلى الترك بالفعل، إذا أخذنا هذه بالفعلية نعم، ولكن الصحيح ولعل الأكثر على أن ما يمكن أن يكون داعياً ينحل الإشكال أيضاً.

بعد هذا يأتي الكلام في بعض الأمور المترتبة على ذلك، من جملتها هذا الفرع الذي في الواقع يرجع إلى فرعين:

فرع: وهو أن الدخول في محل الابتلاء هل يعتبر في التكليف أو لا يعتبر في التكليف؟ الآن النتيجة التي خرجنا عنها، الشيخ الأنصاري يرى بأن الدخول في محل الابتلاء داخل في التكليف ولهذا يشترط عدم الخروج عن محل الابتلاء في التحريمية والآخوند أضاف الوجوبية والسيد الخوئي وأيدناه أنه لا نشترط ذلك أي أن يكون الفعل داخلاً في محل الابتلاء أو حتى نشترط في التنجيز أنه يشترط عدم خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء قلنا لا يشترط، الآن إذا شككنا هل نشترط أو لا نشترط؟ يعني هل يعتبر الدخول في محل الابتلاء شرطاً في التكليف أو لا يعتبر؟ هذا فرع.

الفرع الآخر: أنه إذا شككنا بعد تسليم الشرط يعني اشترطنا أن يدخل الفعل في محل الابتلاء نشك بعد ذلك من جهة الشبهة المفهومية، هل هذا الفرد داخل في محل الابتلاء أو غير داخل؟ عندنا إذاً فرعان، الفرع في أصل الاشتراط هل يعتبر الدخول في محل الابتلاء شرطاً في التكليف أو لا؟ الشك في مثل هذا يرجع عادة إلى عدم وجود الدليل ونشك في وجود الدليل وعدم وجوده، فلهذا نشك، والفرع الثاني فرضنا وُجد الدليل ولكن هذا الدليل من حيث الشبهة المفهومية اختلف ضيقاً وسعةً، من باب المثال للتوضيح في الشبهة المفهومية، يقول مثلاً أكرم الفقراء ثم يأتي المخصص يقول لا تكرم الفقير الفاسق، ثم شككنا أن زيد فاسق حتى لا يجب إكرامه أو ليس بفاسق حتى يجب إكرامه؟ الشك هنا لا من جهة عدم المعرفة بأنه ارتكب ذنب أو لم يرتكب وإنما من جهة أننا نشك في سعة دائرة الفسق هل الفاسق يشمل مرتكب الكبيرة والصغيرة أو في خصوص مرتكب الكبيرة، زيد نعلم بأنه مرتكب للصغيرة قطعاً ولكن نشك هل هو داخل في المخصص او داخل تحت العام لأنه إن كان المراد من الفاسق في الخاص هو الشاب المرتكب للصغيرة فهذا فاسق فيخرج من تحت العام وإذا كان الفاسق منحصر في خصوص مرتكب الكبيرة فهنا نقول بأن زيد ليس بفاسق ويدخل تحت العام أكرم الفقراء، هذا الشك من ناحية الشك في الشبهة المفهومية، نفس الكلام ينطبق على ما نحن فيه، تارة نشك من جهة عدم وجود دليل واضح على اشتراط الدخول في محل الابتلاء في التكليف فلهذا نشك، وتارة قام الدليل نفترض الاستهجان تام، قام الدليل على الاشتراط ولكن نشك هذا الفرد المعين هل هو داخل تحت الابتلاء او ليس داخلاً؟ لأن المفهوم هل هو واسع يشمل هذا أو لا يشمل؟ يعني الآن مثلاً قلنا بأن المراد من محل الابتلاء ما يكون فعلاً هو غير داخل تحت سيطرتي وإن كان ممكن عقلاً أن أفعله وعادة أيضا ممكن، يُفهم من البعض من خلال أمثلتهم أن الداخل او الخارج من تحت الابتلاء حتى الموارد التي هي واقعة تحت القدرة فعلاً ولكن لا أفعلها، يعني واقع تحت القدرة أن لا يخرج الإنسان عارياً ولكن هو لا يبتلي به ولا يخرج عاريا حتى تنهاه فيعتبر هذا خارج عن محل الابتلاء، إذا شككنا في فرد هل هو داخل في محل الابتلاء أو خارج؟ فهنا ما هو الأصل الجاري، الشيخ الأنصاري (قده) والمحقق النائيني (قده) ذهبا إلى التمسك بالإطلاق في المقام يقولون عندنا إطلاق التكليف الدال على التنجيز، هذا الإطلاق شككنا في خروج بعض الأفراد عنه، لما شككنا في خروج بعض الأطراف عنه هنا نتمسك بالإطلاق ولا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل بالبراءة، عبارة الشيخ للتوضيح هكذا: وأما إذا شك في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات فمرجع المسألة إلى أن المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق في بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه كما هو شأن أغلب المفاهيم العرفية، هل يجوز التمسك به أو لا؟ والأقوى الجواز فيصير الأصل في المسألة وجوب الاجتناب إلا ما علم عدم تنجز التكليف بأحد المشتبهين على تقدير العلم بكونه الحرام، يعني هذا المورد الأخير يصير واضحاً، إذا علمنا بعدم تنجز التكليف بأحد المشتبهين مثلاً في حالة الاضطرار إليه علمنا بعدم تنجز التكليف هنا لا نتمسك بالإطلاق، وكلامنا في غير هذا المورد، الآن فقط نشك خارج عن محل الابتلاء أو غير حارج عن محل الابتلاء هنا يكون نتمسك بالمطلق ولا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل، ما يهمنا أن الوجه في المقام هو التمسك بالإطلاق وهو الذي بنى عليه الشيخ ثم تأمل فيه، والمحقق النائيني أيضا بنى على ذلك في المقام، كأنه الأمر يرجع إلى أن التخصيص يدور أمره بين الأقل والأكثر مثل مثالنا الذي ذكرناه، الآن الفاسق إذا كان منحصراً في خصوص مرتكب الكبيرة هذا الأقل وإذا يشمل مرتكب الصغيرة يكون الأكثر، فخصص العام ولكن دار أمر المخصص بين الأقل أو الأكثر والقدر المتيقن تخصيص الأقل والأكثر مشكوك فيه نتمسك بالإطلاق أو بالعام إن وجد.

المحقق صاحب الكفاية (قده) ذهب هنا إلى التمسك بالبراءة وحاصل ما أفاده أن التمسك بالإطلاق إنما يكون بعد إمكان الإطلاق ثبوتاً بحيث يكون الإطلاق إثباتاً كاشفاً عن الإطلاق الثبوتي، فإذاً من أول الأمر ككبرى هي هذه أن التمسك بالإطلاق يتوقف على إمكان الإطلاق ثبوتاً والإطلاق في مقام الإثبات يكون كاشفاً عن الإطلاق الثبوتي، إذا تم ذلك نتمسك بالإطلاق وإذا لم يتم لا يمكن التمسك بالإطلاق ونرجع للأصل، فيما نحن فيه يقول لا يمكن الإطلاق الثبوتي لأن الفرض أن التكليف مخصص بمخصص عقلي نفس التكليف أُخذ فيه أن تكون الأفراد داخلة في محل الابتلاء وأن لا تخرج عن محل الابتلاء، هذا القيد أن يكون داخلا في محل الابتلاء قيد عقلي إذا كان عقلياً نحن هنا نشك في أصل الإطلاق ثبوتاً هل يمكن الإطلاق وشموله لمورد الذي يمكن خروجه الذي نشك من حيث سعة دائرة المفهوم وضيقه فنشك في خروج الفرد وعدم خروجهن هذا الإطلاق المفروض أن يكون ثبوتي وهو غير تام بما أن التكليف والتنجيز مقيد بقيد عقلي إذاً نحن لا نحرز شمول التنجيز إلى أكثر من هذا المقدار وأكثر من المتيقن لا نحرز الشمول إذاً الإطلاق في حد نفسه غير ممكن ثبوتاً وعليه الإطلاق الإثباتي لا يكشف عنه فالنتيجة عندما نفقد الدليل والأصل اللفظي نرجع إلى الأصل العملي فنجري أصالة البراءة، هذا حاصل كلامه، وللحديث تتمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo