< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:
المختار في المبحث:

لازال الكلام في أخذ قيد أن لا يكون أحد أطراف الشبهة خارجاً عن محل الابتلاء، وذكرنا فيما سبق الأقوال والأدلة عليها.

ونقول: الصحيح هو التنجيز كما ذهب إليه السيد الخوئي (ره) ولكن بطريق آخر غير ما أفاده، وهذا الطريق يبتني لتوضيحه على ذكر أمور بعضها تقدمت ولا بأس بإعادتها والتأكيد عليها:

الأمر الأول: أن التكليف يشترط فيه القدرة، هذا الاشتراط محل اتفاق بينهم ولكن اختلفوا في أن هل شرط القدرة مأخوذ من طريق العقل أو بنفس الخطاب؟ هذا بحث آخر، المهم شرط القدرة في التكليف لا إشكال فيه، القدرة المتصورة على ثلاثة أقسام:

القدرة العقلية: يعني أن يكون قادراً عقلاً وفي قباله الامتناع العقلي يعني ممتنع صدوره عقلاً، هذا الشرط وهو القدرة العقلية هو شرط بلا إشكال.

القدرة العادية: وهي في المصطلح عندهم يقولون هي ما يقابل الامتناع العادي، يعني ما يمتنع صدوره عادةً من هذا، أو يمكن أيضاً أن نقول ما يمتنع صدوره عقلاً بحسب العادة الفعلية، بمعنى الطيران في السماء بالنسبة إلى الإنسان مثلاً هو ممتنع عادة وليس ممتنع عقلاً، هنا يسمون عدم القدرة عليه عدم القدرة العادية عليه، ولكن في هذا الظرف الفعلي الآن لما نلاحظ الإنسان فعلاً نقول يمنع عقلاً طيرانه وليس مقصودهم الامتناع العقلي مثل اجتماع النقيضين، إذاً القسم الثاني القدرة العادية ويقابلها الممتنع عادةً ولا يمكن صدوره عادة من المكلف، هذه القدرة أيضاً شرط في التكليف بلا إشكال عنده بل ربما يفهم من بعض عبائر بعضهم كبعض عبائر الآخوند أن هذه ترجع إلى الأول يعني القدرة العادية ترجع إلى القدرة العقلية والامتناع العادي يرجع إلى القدرة العقلية، على كل حال رجعت أو لم ترجع فهي مأخوذة شرطاً بلا إشكال.

القدرة الثالثة: قد يطلق عليها أيضاً في بعض العبارات بالقدرة العادية ولكن عند التدقيق لا يصدق عليها القدرة العادية بالمعنى المصطلح، يعني إذا أردنا أن نمشي على المصطلح بنحو الدقة لا يصلح أن نعبر عنها بالقدرة العادية وما يقابلها بالامتناع العادي، عبرنا عنها بالقدرة العرفية، يعني أن صدور الفعل من المكلف ليس ممتنعاً عقلاً ولا ممتنعاً عادةً ولكن الآن فعلاً لم يقع هذا الفعل تحت قدرته وتحت سيطرته وتحت يده فيمتنع صدوره عرفاً، فالقدرة هنا عرفية، بعضهم عبر يمتنع عادة ولكن هذا التعبير مسامحي.

البحث هنا ينبغي أن يكون في هذه النقطة: كلمات الشيخ الأنصاري (ره) واضحة في أن بحثنا ليس في الممتنع عقلاً ولا في الممتنع عادةً، يخرج هذين القسمين عن محل البحث، إذاً بحثنا في أمر زائد، هل أُخذ شرط عدم الخروج عن محل الابتلاء هل أخذ شرطا في التكليف أيضا كما أخذت القدرة العقلية والعادية أو لا؟ الذي عبرنا عنه بالقدرة العرفية، فإذاً الآن عرفنا محل بحثنا هو هذه الجهة، هل أخذت القدرة العرفية شرطا كما أخذت القدرتان العقلية والعادية أو لا؟

أو بعبارة أخرى: هل أخذ شرط عدم خروجه عن محل الابتلاء شرطا في التكليف زائدا على القدرة العقلية والقدرة العادية أو لا؟ هذه مقدمة أولى.

الأمر الثاني: ما هو المراد من الخروج عن محل الابتلاء؟ هل المراد أن الفعل لا يتحقق من المكلف بحسب وضعه الفعلي ووضعه الاجتماعي أو البيئي أو النفسي أو ما شاكل ذلك أو لا؟ إذا وسعنا الدائرة إلى هذا يعني إذا قلنا المقصود من الخروج عن محل الابتلاء هو فعلاً خارج عن محل الابتلاء بحسب هذه الأمور فتدخل الأمثلة التي ذكرها السيد الخوئي (ره) سابقا وأشكلنا عليها، يعني حفظ النفس أو الإنفاق على الأولاد أو جلب الدواء من الوالد الشفيق إلى ولده من نواحي الأوامر، وفي نواحي النواهي أيضاً عندنا مثلاً نهي الزنا بالأمهات وعندنا مثلاً عدم أكل القذارة وهذه الأمور هناك صارف نفسي عنها أساساً ولا يوجد أي داعي أو دافع عند المكلف بالنسبة لها، فإذا قلنا محل الابتلاء الذي هو مانع من التكليف هو بحسب وضعه الفعلي الشامل لهذه الأمور فيشمل بعض الأمور التي لا ينبغي أن يشك في وجود التكليف فيها، مثلاً خروج شخصية كبيرة دينية لها وجاهتها ووضعها خارج المنزل باللباس الداخلي هذا لا ينقدح في نفسه فضلاً عن أن نقول خروجه عارياً ولكن مع ذلك يوجد نهي بما أنه يخالف المروءة نقول لا تخرج كذلك أو إذا عارياً أيضاً لا يجوز الخروج عارياً وهذا يكون أيضاً في الإنسان العادي السوي صاحب المروءة لا يخرج عارياً ولكن مع ذلك يتوجه إليه النهي بأن لا يخرج عارياً مع أنه ليس محل ابتلائه بهذا المعنى.

والمعنى لمحل الابتلاء نقول هكذا: هو كون الشيء خارجاً عن ابتلائه بمعنى أن الفعل غير الداخل تحت ابتلائه بحسب وضعه الفعلي يعني غير واقع تحت سيطرته ويده يعني فعلاً هو لو أراد أن يفعل يقدر ولكن هو ليس تحت يده حتى يتوجه نحوه كما هو المثال المعروف عندهم لو دار الأمر بين نجاسة الإناء الموجود عندي أو الإناء الموجود عند السلطان أو الموجود في الصين، هذا مقدور عقلاً وعادة ولكن الآن فعلاً لو أردت أن أفعل هو ليس واقعاً تحت يدي هذا نسميه خارج عن محل الابتلاء، هنا طبعاً لا يشمل مثل ما مثَّل بعضهم أن الآنية في بيت الجيران أيضاً خارج عن تحت ابتلائي نقول: لا، بطبيعة الحال التزاور بين الجيران واللقاء بينهم يمكن أن يقع تحت السيطرة وتحت اليد، فهذا أيضاً لا يدخل وإنما يدخل مثل الأمثلة الأصلية التي ذكروها، بين ما عنده وما تحت السلطان أو في البلاد البعيدة جداً عنه، فالمقصود إذاً من محل الابتلاء هو هذا، كون الشيء خارج عن ابتلائه غير واقع تحت يده بهذا المصطلح يعني غير قادر عليه عرفاً، لا نقول عادة ولا عقلاً.

الأمر الثالث: قالوا بأن الغرض الأقصى من التكليف هو تحقق الداعوية والزاجرية بحيث يكون للتكليف تأثير في الداعوية في الأمر والزاجرية في النواهي وإلا لم يكن محققاً للباعثية والداعوية لكان لغواً، هذا ما قاله بعض الأصوليين، أيضا قالوا بأن الوجه في امتناع التكليف في مورد الخروج عن محل الابتلاء هو الاستهجان العرفي المسبَب عن لغويته وعدم الأثر له فنلاحظ بالنسبة إلى المستند للقول بعدم التنجيز ذكروا هذين الأمرين، الأمر الأول هو هذا أن الغرض الأقصى من التكليف هو الداعوية بنحو الفعل أو الزاجرية عن الفعل وإذا لم يكن فيه ذلك يكون لغواً، وأيضاً ذكروا بأن عدم توجه التكليف للخارج عن محل الابتلاء هو استهجان الدعوة إليه أو استهجان الزاجرية عنه وهذا الاستهجان يرجع إلى اللغوية وهو مستهجن لأنه لغوُ، إذا الشخص خارج عن محل ابتلائه ولا يفعله لا تقل له لا تفعل هذا الشيء كما هم مثلوا ببعض الأمثلة مثلاً يخاطب الفقير السوقي بأن لا تتزوج من بنات الملوك هذا النهي يكون مستهجناً لأنه خارج عن محل ابتلائه لأنه لغو لا تأثير فيه، إذاً نقطة البحث عندهم هي هذا الاستهجان والذي يرجع إلى اللغوية وأنه لغوٌ.

إذا اتضحت هذه الأمور الأربعة بما فيها دليل القوم، واتضحت عندنا ما هي القدرة المسلم أخذها، القدرة العرفية قلنا غير مأخوذة شرطا لأنه تشمل بعض الموارد التي لا ينبغي أن يقال فيها بعدم التكليف يعني يوجد تكليف بلا إشكال ولو أخذت لامتنع التكليف فيها كما مثلنا بخروج المرء عاريا، إذاً القدرة المأخوذة بالنسبة للعقلية والعادية مسلم، وبالنسبة للعرفية غير مسلم، وعرفنا أيضا جهة الاستدلال.

نقول: جهة استدلال القوم يبتني على الاستهجان وعلى اللغوية، وهذا المعنى إنما يتم إذا تم في خصوص النواهي والأوامر الشخصية المتوجهة لهذا الشخص بعينه لهذا الفرد بعينه، يعني مثل المثال الذي مثّلنا به وهو لعله تمثيل المحقق العراقي، نخاطب هذا الفقير السوقي الذي لا يملك من أمره شيء بأن لا تتزوج من بنات الملوك، هذا نقول مستحيل، نخاطب الشخص نقول له لا تأكل العذرة كخطاب له نقول هذا مستهجن لأنه لا يوجد عنده أي داعي نفساني فالخطاب بهذا النحو يكون لغواً، أما إذا كان الخطاب بنحو العموم وبنحو القانون كما يقال لا استهجان فيه لا عند العرف ولا عند الشرع بخلاف ما يقول السيد الخوئي (ره) كما مثلنا يوضع قانون للمنع من قطع الإشارة الحمراء بالنسبة إلى السائق هذا قانون عام يشمل أي واحد غير مستثنى نفس القانون لا يوجد فيه استثناء تقول هل تقول هذا القانون بعمومه يشمل الفقير المعدم الذي لا يملك سيارة ولا يرجو ملك سيارة؟ نقول نعم يشمله، هل العرف يرى ذلك مستهجناً؟ نقول لا لأنه بنحو القانون لا يعد أي استهجان فيه، الأحكام الشرعية هي بتعبير أحكام قانونية وبتعبير آخر أحكام وضعت بنحو القضايا الحقيقية لا بنحو القضايا الخارجية، بنحو القضايا الحقيقية يعني متى ما تحقق هذا الموضوع يأتي هذا الحكم، يجب الحج على المستطيع يعني متى ما تحقق المستطيع في الخارج يأتي الحكم بوجوب الحج، أو بتعبير السيد الخوئي والمحقق النائيني أيضاً أن الأحكام الشرعية الموضوعية الموضوعة بنحو القضايا الحقيقية ترجع في لبّها إلى قضايا شرطية، فإذا قال يجب الحج على المستطيع كأنه قال: إن استطعت وجب عليك الحج، هذا التعبير – إن استطعت وجب عليك الحج وبحو القضايا الحقيقية- يشمل الجميع فلا يكون فيه أي استهجان، نقول: يجب حفظ النفس للجميع بعضهم هو يحفظ نفسه يشمله وبعضهم يتهور في شؤونه ولا يبالي أيضاً يشمله.

يجب الإنفاق على الولد بعضهم هو منفق وبداعي عاطفي ونفسي لا يحتاج أن نقول له وبعضهم لا يبالي يمكن أن لا ينفق فيشمل، فلهذا الخطاب العام الشامل للفرد النادر لا يعد مستهجناً وهذا يذكرونه يعني ليس أمراً بدعاً، يذكرون أن شمول الخطاب العام للفرد النادر ليس مستهجناً ولكن حصر الأمر في الفرد النادر مستهجن وفرق بينهما، إذا كان خطاب عام ويقصد به فرد نادر هذا ليس مستهجناً أما شموله للفرد النادر لا يعد مستهجناً، فعليه: نقول: بأن شمول الدليل إلى الخارج عن محل الابتلاء لا يعد مستهجناً، فنقول: إذا دارت الشبهة بين المحرم وغير المحرم فالعلم الإجمالي منجز ويجب تركهما، تقول هذا الفرد داخل تحت ابتلائي وذاك خارج عن محل ابتلائي لا محذور فيه.

النتيجة والحاصل: أننا إذا أردنا أن نطبق أركان العلم الإجمالي على ما نحن فيه نلاحظ أن الأركان مجتمعة، عند علم إجمالي بالتكليف الفعلي هذا موجود هذا الركن الأول، الركن الثاني عدم السراية من الجامع إلى الفرد واضح والركن الثالث دليل الأصل هل يشمل الطرفين في حد نفسه أو لا يشمل؟ نقول يشمل، في حد نفسه مع غض النظر عن العلم الإجمالي نقول: هذا الطرف تجري فيه أصالة الطهارة وذاك الطرف في حد نفسه أيضاً تجري فيه أصالة الطهارة، إذاً الدليل بإطلاقه دليل الأصل المرخص يشمل فإذا كان يشمل كلا الطرفين لولا العلم الإجمالي فيتعارضان ويسقطان ويتنجز العلم الإجمالي، فالنتيجة أمن أركان العلم الإجمالي تامة والتكليف يكون منجزاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo