< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:
مناقشة ما أفاده السيد الخوئي (قده):

تلخص مما تقدم أن الأقوال في منجزية العلم الإجمالي إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء ثلاثة:

القول الأول: وهو الذي يظهر من كلام الشيخ (قده) وصرّح به المحقق النائيني (قده) وهو عدم منجزية العلم الإجمالي في خصوص الشبهة التحريمية ومعنى ذلك أنه يشترط لأجل تنجيز العلم الإجمالي أن لا يكون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء.

القول الثاني: لصاحب الكفاية (قده) وهو عدم التنجيز في كلتا الشبهتين التحريمية والوجوبية ومعنى ذلك أنه يشترط لتنجيز العلم الإجمالي في الشبهتين أن لا يخرج أحد الأطراف عن محل الابتلاء.

القول الثالث: ما أفاده السيد الخوئي (ره) وهو التنجيز مطلقاً ومعنى ذلك عدم اشتراط أن لا يخرج أحد الأطراف عن محل الابتلاء.

وتقدم الكلام في هذه الأقوال.

ونقول بأن ما أفاده السيد الخوئي (قده) من التقريب لهذا القول بحسب ما ذكرناه سابقاً، يرد عليه عدة أمور ومحل نظر من جهات:

الجهة الأولى: أنه سلم الاستهجان عند العرف وفرّق بين العرف وعند الشارع، بمعنى أنه قال بأن دليل عدم المنجزية هو استهجان الأمر أو استهجان النهي المتوجه إلى الخارج عن محل الابتلاء، إذا شيء هو مأتي به على كل حال يستهجن الأمر به وإذا كان الشيء متروكا يستهجن النهي عنه، هنا السيد الخوئي قال: هذا بالنسبة إلى الأوامر العرفية صحيح أما الأوامر الشرعية فليس بصحيح لأن الشارع يريد إيصال المكلف إلى الكمال بامتثال الأمر أو بامتثال النهي.

نقول: هذا القبول بالاستهجان عند العرف لا عند الشرع هذا غير قابل للقبول وذلك: أن ما أفاده صحيح في الأوامر الجزئية أو الشخصية يعني عرفاً إذا شخص هو في حد نفسه لا يرتكب الفعل الفلاني يعني لا يخرج عارياً أمام الناس فالعرف يستهجن أن تقول له لا تخرج عارياً لأنه هو لا يخرج عارياً فنهيه عن ذلك هذا مستهجن عرفاً، هذا إذا كان أمر أو نهي لخصوص هذا الفرد للشخص نفسه أو الأمر الشخصي هذا مقبول عرفاً يعني عرفاً يعتبر مثل هذا مستهجن، أما لو كان الأمر عاماً يعني يشمله ويشمل غيره هنا لا يعد مستهجناً، يعني كمثل القانون فمثلا يصدر قانون بأنه لا تقطع الإشارة الحمراء، هذا الخطاب يشمل من يملك سيارة فعلاً والمعدم الذي لا يملك سيارة فعلاً وغير قادر على تملك السيارة، هذا الخطاب بعمومه وشموله يعني إثباته بنحو القانون لا يعد مستهجناً عندما نقول يشمل الجميع، لو خاطبت هذا الفقير المعدم الذي ليس عنده سيارة ولا يأمل ذلك أقول له أنت لا تقطع الإشارة الحمراء، هذا يعد مستهجناً، أما بنحو القانون لا يعد مستهجناً، فبالنسبة للأوامر والنواهي العرفية لا نسلم الاستهجان إلا إذا كانت بنحو الأوامر والنواهي الشخصية، أما إذا كانت بنحو الأوامر القانونية فلا، والأحكام الشرعية كما هو معروف هي بنحو القضية الحقيقية كما نفس السيد (ره) يرى ذلك ويقول أيضاً بأن الأحكام الشرعية بنحو القضية الحقيقية ومرجعها إلى قضية شرطية يعني بشرط تحقق الموضوع، يعني إذا قال يجب الحج على المستطيع هنا قضية حقيقية يعني متى ما استطاع المكلف يجب عليه الحج، أو نرجعها إلى هذا إن استطعت يجب عليك الحج، فيرجع القضايا الحقيقية إلى قضايا شرطية، يجب الحج على المستطيع يعني إن استطعت وجب عليك الحج، هذه الأوامر الشرعية ليست بنحو الأوامر الفردية والشخصية وإنما هي أوامر بنحو القوانين يعني أمور عامة قضايا حقيقية فلا نتصور فيها الاستهجان.

فإذاً التفريق بين الأمر الشرعي والأمر العرفي نحن نسلم الاستهجان ولكن السيد الخوئي يريد أن يرفع الاستهجان أنه في الأوامر الشرعية نحتاج إلى تكميل النفس عند المكلف وتحقق هذا الكمال منه بالإتيان بالفعل منتسباً إلى الله بترك الفعل أيضاً منتسباً إلى الله، هذا الكلام قلنا غير تام.

الجهة الثانية في كلام السيد (قده):

نقول إن ما أفاده من غرض الشارع أيضاً هذا يختص بخصوص الأوامر ولا يأتي في النواهي، هو قال: وهذا هو الصحيح إذ ليس الغرض من الأوامر والنواهي الشرعية مجرد تحقق الفعل والترك خارجا كما في الأوامر والنواهي العرفية، ثم قال: وحينئذ كان الأمر بشيء حاصل بنفسه عادة لغوا، وهذا بخلاف الأوامر والنواهي الشرعية فإن الغرض منها ليس مجرد تحقق الفعل والترك خارجا بل الغرض صدور الفعل استناداً إلى أمر المولى وكون الترك مستندا إلى نهيه ليحصل لهم بذلك الكمال النفساني، هذا المعنى إذا تم فهو يتم في خصوص صدور الأفعال يعني خصوص الأوامر.

بيان ذلك: في الأوامر كما ذكرنا أيضا ونقلنا الكلام عن المحقق النائيني (قده) أن الأفعال أمور اختيارية تتوقف على القصد والاختيار فحتى لو الفعل هو مما لا يتركه وإنما يقوم به ويأتي به فهو يأتي به عن اختيار، فنتصور فيه أنه يأتي به مستنداً إلى الله سبحانه وتعالى، يعني مستندا إلى الأمر الشرعي ليصل إلى الكمال، أما بالنسبة إلى النواهي فعندنا قسم من الأمور التي لا يمكن صدورها من المكلف يعني هو لا يمكن بحسب طبعه وليس عقلاً، بحسب طبعه الإنسان لا تصدر منه هذه الأمور، الإنسان بحسب طبعه لا يأكل القذارات بحسب طبعه، هنا بما أنه لا يأكلها تقول إن النهي أو الترك ترك أكل الخبث النجاسة المعروفة، تركها امتثالاً للنهي المولوي حتى يتحقق الكمال، نقول هذا غير متصور لأنه في الأساس هو لا يوجد عنده ميل إلى فعل هذا أساساً، في حد نفسه وفي ذاته الإنسان السوي لا يقبل بأي حال من الأحوال على أكل القذارة المعينة، هنا بما أنه لا يقبل عليها هذا النهي لا يُوجد في نفسه رادعاً عنه حتى يكون الاتيان به امتثالاً لهذا النهي، صحيح عندنا محرمات حتى لو الإنسان لا يقبل عليها بحسب طبعه كونه في بيئة معينة أو ما إلى ذلك، لكن بعض المحرمات ربما تحصل الرغبة إلى فعلها هنا الترك يكون لأجل النهي الشرعي واضح، ولكن هناك أمور أساساً لا يقبل عليها الإنسان وإذا كان لا يقبل عليها فلا تتحقق هذه النسبة، يعني الترك استنادا إلى النهي الشرعي، فما تقوله في خصوص الأوامر صحيح وفي بعض النواهي صحيح ولكن فيما هم الآن يطرحونه يعني خارج عن محل الابتلاء بتعبيرهم يعني الإنسان بطبعه لا يميل إليه ولا يرغب فيه بأي حال هنا لا يتحقق الترك استنادا للنهي الشرعي وإنما يكون الترك استنادا إلى الطبع النفسي فهذه الجهة غير تامة في كلام السيد (ره).

الجهة الثالثة: ذكر السيد في الأخير شواهد لصحة قوله، يقول: ويشهد بذلك وقوع الأمر في الشريعة المقدسة بأشياء تكون حاصلة بنفسها عادةً كحفظ النفس والإنفاق على الأولاد والزوجة وكذا وقوع النهي عن أشياء متروكة بنفسها كالزنا بالأمهات وأكل القاذورات ونحو ذلك مما هو كثير جداً، يقول هذا الواقع في الشريعة أنها أمور من طبعها يأتي بها المكلف مثل النفس ومع ذلك يؤمر به، أو من طبعه أنه لا يأتي بها ومع ذلك يُنهى من قبل الشارع عنها، هذا يستفاد أن خروجه عن محل الابتلاء لا يخرجه عن كونه متعلقاً للأمر والنهي، هذه الجهة نقول: يرد عليها بيان معرفة ما هو المراد من الخروج عن محل الابتلاء، الخروج عن محل الابتلاء على حسب ما يُفهم من كلام السيد الخوئي (ره) وربما أيضاً يُفهم من بعض الأمثلة عند غيره، صوِّر أنه هو الذي يتركه فعلاً ولا يميل إليه فعلاً بحيث أنه تارك له فعلاً أو هو فاعلٌ له فعلاً في الأوامر، حفظ النفس بالفعل هو فاعل له يعتبر خارج عن محل الابتلاء، يعني ليس من ابتلائه أن لا يحفظ نفسه، أيضاً ليس من ابتلائه أن يزني بأمه أو أمن يأكل القاذورات، فهذه النواهي مع أنه ليس من ابتلائه مع ذلك وُجد أمر ووجد نهي، هكذا فُسّر، ولكن الصحيح أن لا نفسر الخروج عن محل الابتلاء بهذا التفسير بل نقول: الخروج يعني هذا التفسير كأنه جعل هكذا أنه ما التزم به خارجاً ولو عن دواعي نفسية أو اجتماعية أو بيئية بحيث يشمل هذا العرض العريض الذي أفاده، يشمل مثلاً خروج شخصية من الشخصيات حافياً هذا أيضاً ليس محل ابتلائه، شخصية من الشخصيات المهمة الكبيرة بدون ظرف معين هو يخرج هكذا في الطريق للسوق حافياً، هذا خارج عن محل ابتلائه بحسب كلامكم هذا يشمله أنه خارج عن محل ابتلائه، أو خروج شخصية مهمة من الشخصيات للخارج بلباس داخلي هذا خارج عن محل ابتلائه حسب كلامهم، وهكذا أمور، نقول: المراد من الخروج عن محل الابتلاء ليس هذا الذي يشمل حتى مثل هذه الموارد، نقول: الخروج عن محل الابتلاء هو أن الفعل لا يتحقق من المكلف فعلاً عادةً لعدم ابتلائه به وليس أنه الآن محل ابتلائه وهو قادر هذا الشخصية أن يخرج مثلاً وأن لا يخرج ولكن لا يصدر منه لموانع اجتماعية، نقول: لا، المقصود هو عدم تحقق هذا الفعل من المكلف فعلاً لخروجه عن محل الابتلاء لا أنه واقع في ابتلائه يعني بمعنى أنه قادر على فعله، بل خرج عن محل ابتلائه يعني الآن فعلا غير قادر عليه لكن ليس بالقدرة العقلية أو العادية بالتفسير الأول، بل عدم القدرة عليه عرفاً، مثلما هم يمثلون الإناء إذا كان موجوداً في الصين يقولون خارج عن محل الابتلاء يعني الآن لا يمكن أن يتحقق الفعل يعني شرب هذا الإناء لأنه الآن تحت السيطرة وهو لا يريد أو لا لأنه الآن ليس تحت السيطرة؟ ليس تحت السيطرة الآن هو لا يقدر عليه، فالمقصود من الوقوع في محل الابتلاء مثل هذا النحو، عليه: جميع الأمثلة التي ذكرها هذه خارجة عن محل البحث، يعني حفظ النفس والإنفاق على الأولاد مما يلتزم به المكلف لا نقول أنه هذا الفعل غير ممكن التحقق منه فعلاً لخروجه عن محل الابتلاء، لا بل نقول هو قادر على تحقق عدم حفظ النفس وقادر على تحقق عدم الإنفاق ولكن هو يلتزم بالإنفاق لأمر ديني أو بيئي أو اجتماعي أو أي آخر، أو مثلاً أكل القاذورات هو عقلاً وعادةً قادر ولكن الآن فعلاً لا يصدر منه لكن لحالات خاصة نفسية ترتبط بالنفس البشرية، هذه لا تسمى خارج عن محل الابتلاء، فإذاً ما نريد أن نؤكد عليه أنما يكون واقعاً تحت الابتلاء هو الفعل مقدور عقلاً وعادةً ولكن لا يتحقق منه فعلاً لأنه ليس تحت سيطرته وليس تحت قدرته العرفية، هذا هو المعنى، فعليه: هذه الأمور لا تصلح أن تكون شواهد.

النتيجة: أن ما أفاده السيد الخوئي (ره) لا يخلو من هذه الأنظار الثلاثة ولكن مع ذلك نقول إن ما ذهب إليه السيد الخوئي من حيث النتيجة هو الصحيح ولكن ليس لأجل ما أفاده وإنما لبيان آخر إن شاء الله يأتي الكلام فيه. والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo