< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:
بقية الوجوه في المبحث:

اتضح مما سبق عدة أمور:

الأمر الأول: أن المراد من الخروج عن محل الابتلاء في النواهي هو خروج الفعل عن محل الابتلاء، أي أن أحد الطرفين خارج عن محل الابتلاء فعلاً لا يمكن أن أعمله لكن لا لأجل عدم القدرة العقلية ولا عدم القدرة العادية بل لعدم القدرة العرفية فيكون الفعل خارجا عن محل الابتلاء، والمقصود من الخروج عن محل الابتلاء في جانب النهي هو الفعل وفي جانب الأمر المقصود منه هو الترك، يعني أن لا يكون تركه خارجا عن محل الابتلاء، فإذا كان المكلف فاعلاً للشيء في نفسه بمقتضى نفسه هنا الترك يكون خارجا عن محل الابتلاء، فإذاً اعتبار أن لا يكون خارجا عن محل الابتلاء مقصودنا في النواهي هو الفعل فإن الفعل لا يكون خارجا عن محل الابتلاء، وفي الأوامر الترك لا يكون خارجا عن محل الابتلاء وذلك بمقتضى المقابلة بين الأمر والنهي، الأمر يطلب منه الفعل فيشترط أن لا يكون الترك خارجا عن محل الابتلاء، والنواهي المطلوب منها الترك فيشترط أن لا يكون العفل خارجا عن محل الابتلاء، كما أوضحنا ذلك وذكرنا أيضا ما أفاده المحقق النائيني والعراقي.

الأمر الثاني: أن دعوى الشيخ على حسب ما عرفناه هو اشتراط أن لا يكون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء ولكن يظهر من أمثلته أن كلامه في خصوص الشبهة التحريمية يعني في خصوص النواهي يشترط أن لا يكون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء، والملاك في ذلك هو أن تعلق الخطاب بالفعل الذي يكون المكلف تاركاً له بنفسه هذا التعلق للخطاب يكون مستهجنا فيكون قبيحا والقبيح لا يمكن صدوره من المولى.

الأمر الثالث: أن صاحب الكفاية (قده) يقول بأن الملاك المذكور في النواهي هو بعينه يأتي في الأوامر فإذا اشترطنا أن لا يخرج عن محل الابتلاء في النواهي أيضا نشترط ذلك في الأوامر، لأن المناط واحد، يقول في النواهي يستهجن النهي عن الفعل الذي هو تارك له بنفسه، أيضاً بالنسبة إلى الأوامر إذا هو بنفسه غير تارك هو فاعل له هنا يستهجن أن تقول له افعل، في الأوامر التي هو بنفسه الإنسان السوي الطبيعي المبالي لا يكشف عورته لا تقول له أستر عورتك هو بنفسه ساتر لها، هذا أمر مستهجن، فيوسع الدائرة ويقول نشترط في منجزية العلم الإجمالي عدم الخروج للأطراف عن محل الابتلاء في الأوامر والنواهي.

الأمر الرابع: هو ما أفاده المحقق النائيني (قده) وهو تأييد لكلام الشيخ (قده) وحصر البحث في خصوص التحريمية وإشكال على المحقق صاحب الكفاية، وحاصله: يقول: فرق بين الأوامر والنواهي، فالأوامر بما أن المطلوب فيها هو الفعل الوجودي عندما يوجب المولى فالمطلوب هو الفعل الوجودي وهو يستند إلى إرادة واختيار من المكلف نفسه حتى لو كان هو فاعلاً له ولكن فعله بما أنه ملتفت غير غافل ناشئ عن إرادة واختيار، فلهذا يحسن أن يؤمر به حتى لو كان هو فاعلاً له، أما بالنسبة إلى النواهي فالمطلوب فيها هو عدم الفعل والترك والترك يستند إلى عدم الإرادة فالترك في نفسه هو أمر عدمي ويستند إلى أمر عدمي، فإذا كان معدوما يستهجن النهي عنه، فلهذا يقول هناك فرق بين الأوامر والنواهي فلهذا يحصر البحث في خصوص النواهي، يعني يشترط أن لا يخرج عن محل الابتلاء في خصوص النواهي ولا يشمل مثل الأوامر، هذه الأمور اتضحت مما سبق.

تحقيق السيد الخوئي (قده):

يقول: بأننا لو بنينا على أن التكليف بما هو حاصل عادةً، إذا كان التكليف يعتبر لغو وإن كان واقعاً تحت القدرة والاختيار يعني الشيء الذي هو فعلا حاصل وهو مقدور الفعل ومقدور الترك، فيمكن أن يفعل ويمكن أن لا يفعل، إذا كان التكليف بهذا الذي هو حاصل يعتبر لغواً فما أفاده صاحب الكفاية هو الصحيح، لأن اللغوية ستكون من الجانبين يعني في جانب النهي وفي جانب الأمر لأن العمدة صار ما هو حاصل فعلاً تعلق التكليف به لغو، في الأوامر الفعل حاصل فعلاً، قلنا ستر العورة حاصل فعلا وتعلق التكليف به إذا عُد لغوا نقول أيضا نشترط أن لا يخرج عن محل الابتلاء، في النواهي أيضا إذا هو بنفسه تارك وبما أنه محقق تارك ومحقق للامتثال بحد نفسه أيضا تعلق التكليف به يكون لغواً، إذاً المدار على هذه النقطة، إذا عُد أن تعلق التكليف بما هو حاصل بالفعل ولو كان مقدور الفعل والترك إذا كان تعلق التكليف به يُعد لغواً فنعمم في الشبهة الوجوبية والشبة التحريمية ويكون كلام صاحب الكفاية هو الصحيح، وأما إذا قلنا بنينا على أن التكليف بما هو حاصل لا يعد لغوا حتى لو كان حاصلا لا يعد لغوا، وإذا قلنا إنه لا يعد لغوا نقول أيضا في الشبهة الوجوبية وفي الشبهة التحريمية لا يعد لغوا ولا نشترط في منجزية العلم الإجمالي أن لا يكون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء لأن التكليف لا يعد لغوا، الترك حاصل فتعلق التكليف به لا يعد لغواً، فالمدار إذاً على البناء هل نعتبر أنه يعد لغوا أو لا؟

طبعاً في الجانب الثاني إذا لم يعد لغوا نقول يعني لا نزيد على القدرة، يعني نشترط في صحة تعلق التكليف أن يكون مقدوراً فقط بلا حاجة أن نشترط شيء آخر أن يكون خارجا عن محل الابتلاء، هذه نقطة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، الأول نبني على أنه بما أنه حاصل ومقدور الفعل والترك تعلق التكليف به ليس لغوا نعمم، إذا بنينا على أن الشيء الحاصل بما أنه مقدور تعلق التكليف به لا يعد لغوا هنا لا نشترط هذا الشرط في الشبهتين، هذا البناء من حيث التصور ومن حيث الثبوت.

لكن أيهما الصحيح إثباتاً؟ يقول: الصحيح هو الثاني وهو أنه لا يعد لغواً، للفرق بين ما عند العرف وما عند الشرع، تارة نحن نلاحظ ما عند العرف ونتكلم على أساس ما عند العرف وتارة نلاحظ ما عند الشرع ونتكلم على أساس ما عند الشرع، عند العرف نعم إن الشيء إذا هو حاصل يستهجن أن يأمر به، إذا يريد تحصيله وهو بالفعل حاصل أن يقول له افعل هذا مستهجن عند العرف، والشيء إذا كان متروكا نقول له اترك لا تفعل أيضا مستهجن عند العرف، فإذا لاحظنا ما عند العرف نقول: نعم إن تعلق الأمر بما هو حاصل مستهجن وتعلق النهي بما هو متروك أيضا مستهجن فمن باب تحصيل الحاصل، أو بعبارة أخرى نقول أن غرض العرف هو تحقيق وتحصيل هذا الشيء مثلاً أن يأتي بالدواء لوالده أو الماء لسيده فإذا هو الدواء موجود عنده وتقول إيت بالدواء نقول هذا مستهجن لأن الغرض هو تحصيل هذا الفعل في نفسه أو عدم حصول هذا الفعل وترك هذا الفعل في نفسه، أما عند الشارع فليس الغرض مجرد الفعل أو ليس الغرض مجرد الترك في النواهي وإنما غرض الشارع أن يصل المكلف إلى حد الكمال، الشارع عندما أمر أو نهى ليس غرضه فقط أن يحصل هذا الفعل في الخارج أو أن يترك هذا الفعل في الخارج وإنما غرضه أن يصل المكلف إلى حد الكمال ووصوله إلى حد الكمال يحتاج إلى استناد هذا الفعل إلى المولى يعني يأتي به امتثالا لأمر المولى ويتركه امتثالا لأمر المولى، إذا أخذنا هذه الجهة بعين الاعتبار نعرف أنه حتى لو كان الفعل حاصلاً لا يستهجن الأمر به لأن هذا الفعل مثلا هو أنه يحفظ نفسه بنفسه ولكن عندما يحفظ نفسه امتثالا لأمر الله تعالى يحصّل على الثواب وعلى الكمال ويترك كشف عورته امتثالا لأمر الله تعالى هنا يحصل على الثواب، عندما يترك شرب الخمر ويترك الزنا ويترك كل الأمور المحرمة حتى لو هو تارك لها بنفسه لو خلي ونفسه عندما يتركها مستندا في ذلك إلى النهي المولوي يحصل على الثواب والكمال، فإذاً غرض المولى يختلف وإذا كان يختلف لا نقول بما هو حاصل وبما هو مقدور عليه يستهجن تعلق التكليف به، أو بما هو متروك ومقدور على تركه يستهجن تعلق النهي به هذا الأمر لا يأتي نعم يأتي عند العرف فقط، وهذا المعنى لا يفرق فيه بين الأمور التعبدية وبين الأمور التوصلية من هذه الجهة لا فرق، الأمور التعبدية يأتي بها بقصد امتثالها فتكون صحيحة ويحصل الثواب عليها، والأمور التوصلية يأتي بها بقصد امتثال الأمر فيحصل على الثواب وإن كان يصح لو لم يأتِ بها بدون قصد التقرب، لأن هذا الأمر يبتني على مصلحتها الواقعية، بمعنى أن الفرق يكون بين التعبدي والتوصلي في التعبدي هذا الفعل لا تتم مصلحته الواقعية إلا إذا أتى به بقصد التقرب والامتثال الصلاة فيها مصلحة واقعية لكن هذه المصلحة الواقعية لا تحصل إلا إذا أتى بها بقصد التقرب، فلهذا نشترط في صحتها قصد التقرب، وفي الأمور التوصلية حصول المصلحة الواقعية لا يتوقف على قصد التقرب وإنما المصلحة تحصل بحصولها والمصلحة هي تطهير الثوب ويحصل تطهير الثوب فتحصل المصلحة بغسله بدون قصد التقرب، المصلحة دفن الميت وهي تحصل حتى لو لم يقصد التقرب ولكن الثواب وحصول الكمال يتوقف على قصد التقرب، نحن الآن هنا لا نريد أن نفرق بين التعبدي والتوصلي لأن ما نحن فيه كلاهما مشتركان، التعبدي والتوصلي من حيث الوصول إلى الكمال وحصول الثواب كلاهما يحتاجان إلى قصد التقرب والامتثال.

فعليه: نقول في المقام هكذا: حاصل ما أفاده أن المدار على ما عند الشرع والغرض عند الشارع ليس حصول الفعل في نفسه حتى يكون الأمر به مستهجناً إذا كان حاصلاً والنهي به مستهجناً إذا كان متروكاً بل الغرض يتعلق بحصول الفعل بداعي أمره وبداعي الامتثال، إذا كان بداعي الأمر هنا وجود الأمر لا يعد مستهجنا والنتيجة من ذلك أنه لا يشترط في منجزية العلم الإجمالي أن يكون بعض أطرافه خارجاً عن محل الابتلاء على هذا التقريب.

يأتي شيء آخر ربما يقال: هل يمكن أن يجتمع الداعي النفسي للفعل مع الداعي المولوي أو الداعي النفسي للترك مع الداعي المولوي، تقول يأتي به بقصد التقرب بداعي الأمر، وهو كما قلنا عنده داعٍ نفساني للفعل يعني هو بنفسه يحفظ نفسه ولا يحتاج إلى أمر الشارع فعنده داع نفسي للحفظ، هل هنا يجتمع الداعي النفسي مع الداعي المولوي الإلهي أو لا؟

يقول هنا عندنا أربعة احتمالات ملخصها:

1- تارة أن يكون الداعي للفعل هو الداعي الإلهي والداعي النفساني تابع له هنا تصح العبادة بلا إشكال لأن الداعي للفعل هو الداعي الإلهي أساساً والداعي النفساني يتبعه هنا تكون العبادة صحيحة ولا إشكال فيها.

2- وتارة بالعكس الداعي الأساسي هو الداعي النفسي والداعي الإلهي المولوي تابع له هنا العبادة لا تصح لأنه الداعي له أساساً هو داعي نفساني فقط يعني الداعي للصوم مثلا هو أن الصوم فيه شفاء له وصحي له هو هذا الداعي والتقرب يقول بما أنه أنا صائم أصوم قربة لله، فيجعل الداعي الإلهي تابع، هنا لا تصح العبادة.

3- وتارة يشترك الداعي الإلهي والداعي النفسي على أن يكون كل منهما جزء العلة وليس أحدهما علة تامة، هنا أيضا لا تصح العبادة، لأن الداعي مشترك على أن يكون جزء علته الداعي النفساني وجزء علته الداعي الإلهي هنا العبادة لا تصح، وهذا يشير إليه في الصوم مثلاً مضمون الحديث أنا خير شريك إذا صام لغيري أعطيه لغيري، من هذا الباب.

4- وتارة أن يكونا مشتركين الداعي الإلهي والداعي النفسي ولكن لا على نحو أن يكون كل منهما جزء علة بل لو خلي ونفسه كل واحد يكون علة تامة، فعنده علة تامة لحفظ نفسه وعنده علة تامة لامتثال الأمر المولوي، هنا وأن كان في الواقع اشتركا، لأن المعلول لا يمكن أن يصدر من علتين مستقلتين ولكن اشتركا في تحقيقه ولكن في الواقع هذا تام الاقتضاء مستقل وهذا أيضا مستقل الاقتضاء مستقل هنا تصح العبادة، فإذاً صحة العبادة تقترن على نفس دواعي النفسية للمكلف هل الداعي مستقل أو غير مستقل هذه الصور الأربع.

نتيجة كلام السيد (ره): أنه لا نشترط في منجزية العلم الإجمالي أن يكون أحد الأطراف خارجاً عن محل الابتلاء فقط نشترط أن يكون مقدوراً، إذا كان مقدوراً يتنجز وإذا لم يكن مقدوراً لا يتنجز، وكثير من الأمثلة التي ذُكرت للخروج عن محل الابتلاء هي غير مقدورة بالقدرة العادية فعدم لتنجيز لا لخروجها عن محل الابتلاء وإنما لعدم القدرة عليها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo