< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:
كلمات الأعلام في هذا المبحث:

تقدم الكلام عندنا في اشتراط أن لا يكون أحد الأطراف خارجاً عن محل الابتلاء، وقلنا بأن هناك ثلاثة أقوال:

القول الأول المنسوب للشيخ الأنصاري واختاره المحقق النائيني وهو انحصار هذا الشرط في خصوص الشبهة التحريمية في خصوص النواهي، ففيها نشترط أن لا يكون أحد الطرفين خارجا عن محل الابتلاء حتى يتنجز العلم الإجمالي وتقدم الوجه فيه.

القول الثاني ما أفاده المحقق صاحب الكفاية وهو التعميم إلى الشبهة التحريمية والوجوبية يقول بأن الملاك المذكور في الشبهة التحريمية هو بعينه يأتي في الشبهة الوجوبية فالملاك كان هو أن الخارج عن محل الابتلاء يكون المكلف تاركاً له بطبعه وبنفسه لعدم القدرة عليه وبتعبيرنا كان القدرة العرفية وبعض الأصوليين يعبر بالقدرة العادية ولكن فيه تأمل، فهو تارك له وإذا كان المكلف تاركاً له فالنهي عنه يكون مستهجناً وإذا كان مستهجناً يقبح من المولى أن يفعل المستهجن بل نقول يستحيل على المولى الحكيم أن يصدر منه هذا الأمر المستهجن، هذا هو الملاك، أو نقول بأن الملاك هو أن الترك لعدم وجود المقتضي له فالنهي من قبل الشارع يكون لإيجاد الزاجر والرادع والمانع فمع عدم وجود المقتضي لا تصل النوبة إلى وجود المانع بل في عبارة صاحب الكفاية يقول هذا من باب تحصيل الحاصل، الترك حاصل فالنهي عنه طلب لتحصيل الحاصل وهذا أيضاً باطل، يقول هذا الملاك نفسه يأتي في الشبهة الوجوبية، إذا كان في الشبهة الوجوبية الترك هو غير واقع في محل الابتلاء - هنا نقول الترك لاحظوا وسنؤكد على ذلك فيما بعد- في الشبهة التحريمية نقول الفعل غير واقع تحت الابتلاء فيكون تركه بنفسه هنا في الشبهة الوجوبية نقول الترك غير واقع تحت الابتلاء يعني المكلف يأتي بهذا الفعل بنفسه ولا يكون تاركاً له، نفترض من قبيل مثلاً حفظ النفس الإنسان بطبعه هو يقوم بحفظ نفسه مثل التاجر الذي يذهب لتجارته هو بطبعه يذهب لا يكون تاركاً، مثلاً الأب الشفيق على ولده إذا كان مريضاً إعطاءه الدواء هو بطبعه لا يتركه الأب وهكذا كنظائر وأمثال، فنقول في الشبهة الوجوبية نشترط أن يكون الترك مما يقع تحت الابتلاء حتى يصح الأمر نقول افعله، أما إذا كان الترك غير واقع تحت الابتلاء وهو فاعل له دائما كما قلنا في حفظ النفس، هنا الأمر به يكون مستهجناً كما أن هناك النهي عن الفعل يكون مستهجناً، لأنه هو بالواقع فاعل فيكون من باب تحصيل الحاصل، فعليه: نفس الملاك الذي يُذكر في الشبهة التحريمية هو بعينه يأتي في الشبهة الوجوبية.

فعليه نقول: إذا كان أحد الطرفين غير واقع محل الابتلاء من حيث الترك الطرف الثاني تجري فيه البراءة بلا معارض فالعلم الإجمالي لا يتنجز، فالنتيجة أن المحقق صاحب الكفاية (قده) يقول نشترط في تنجيز العلم الإجمالي في النواهي والأوامر في الشبهة الوجوبية والتحريمية أن لا يكون أحد الأطراف خارجاً عن محل الابتلاء، وخروجه عن محل الابتلاء بالنسبة إلى النواهي يعني فعله خارج عن محل الابتلاء لا يقدم عليه وبالنسبة إلى الأوامر تركه خارج عن محل الابتلاء فأيضاً البراءة تجري في الطرف الثاني بلا معارض، هذا حاصل ما أفاده المحقق صاحب الكفاية.

المحقق النائيني (قده) أورد على صاحب الكفاية لأنه نسب للشيخ أن هذا الشرط في خصوص الشبهة التحريمية وأكد على ذلك فأشكل على صاحب الكفاية في هذا التعميم، وإشكاله بينه ببيانين متغايرين: البيان الأول مذكور في الفوائد والبيان الثاني موجود في أجود التقريرات.

أما البيان الأول: وهو المذكور في الفوائد، حاصله: أن الأمر بالفعل الخارج عن محل الابتلاء لا محذور فيه إذ قد تكون فيه مصلحة ملزمة تستدعي الأمر به وتحصيل مقدماته البعيدة الشاقة لأن الفرض أنه مقدور عليه أن القدرة العقلية حاصلة، نلاحظ في هذا البيان يقول أن نفس الفعل إذا كان خارجاً عن محل الابتلاء ربما تكون هناك مصلحة متعلقة بهذا الفعل موجودة في هذا الفعل، ولوجود هذه المصلحة المولى يأمر بتحصيل هذا الفعل فيأمر بفعله ولو كان يستلزم ذلك طي مقدمات شاقة، من باب المثال لو فرضنا أن هذا المتعلق الإناء أو شيء موجود في بلد خارج بعيدة عنه فهو خارج عن محل الابتلاء ولكن هذا الشيء فيه مصلحة ملزمة تقتضي أن يأمر به المولى لتحصيله حتى ولو فرضنا هناك مقدمات شاقة لأن المحذور فقط في ما إذا يفقد القدرة العقلية غير قادر عقلاً أما الفرض أنه قادر عقلاً فلا محذور في أن يأمر به، هذا حاصل ما أفاده في الفوائد.

أما البيان الثاني: وهو المذكور في أجود التقريرات، فبيانه يختلف جداً يقول إن متعلق التكليف الوجوبي هو الفعل، أمر بالصلاة أو الصوم متعلق التكليف الوجوبي هو الفعل ولا يكون بالنسبة لغير الغافل إلا عن إرادة واختيار، الغافل قد يفعل الفعل بلا إرادة ولا اختيار، ولكن بالنسبة إلى الملتفت لا يصدر منه هذا الفعل إلا عن إرادة واختيار، هذا بالنسبة إلى الفعل الوجوبي، بالنسبة إلى الفعل الحرام الترك هو يحتاج إلى إرادة في الفعل لكن في تركه لا يحتاج إلى إرادة فعدم الفعل لا يحتاج إلى إرادة بل يحتاج إلى عدم إرادة حتى لا يفعله هو لا يريد فعله فهنا يحتاج إلى عدم إرادة فهذا أمر عدمي، ففي الأمر الوجوبي بما أنه فعل وجودي يحتاج إلى إرادة واختيار في فعله وبالنسبة إلى الترك لا يحتاج إلى إرادة في فعله وإنما يحتاج إلى عدم إرادة، على ذلك: يقول فرق بين الشبهة الوجوبية والشبهة التحريمية، في الشبهة التحريمية إذا كان هو تاركاً له بنفسه وفي نفسه وفي طبعه وبحسب القدرة العرفية والعادة هو تارك له، تعلق النهي به يكون قبيحاً مستهجناً لأنه لا يحتاج إلى إرادة ولا اختيار فقط يحتاج ترك وهو تارك، والنهي هو حتى توجد عدم الإرادة وهي موجودة، وقد نقول تحصيل حاصل، وفي الفعل الوجوبي فهو يحتاج إلى إرادة في فعله ويحتاج إلى اختيار، فيتعلق به الأمر حتى نحقق نقول تحدث هذه الإرادة في نفسك فصار فرق بين الأمر الوجودي الذي في الوجوبي وبين الأمر التحريمي يختلف هذا عن ذاك، فكلام صاحب الكفاية أن المناط واحد غير تام، بل هو يختلف هناك يحتاج إلى إرادة واختيار للفعل فيحسن الأمر وهنا لا يحتاج إلى إرادة وإنما عدم إرادة فلا يحتاج إلى إحداث نهي حتى يحقق عدم الإرادة، هذا حاصل كلامه.

الآن نلاحظ أن بيان المحقق النائيني في الفوائد خارج عن محل البحث، أصلاً لا ربط له بمحل الموضوع، الموضوع ما هو؟ الموضوع قلنا بالنسبة إلى التحريم أن يخرج أحد الأطراف عن محل الابتلاء معناه ما هو؟ معناه أن فعله ليس داخلاً في محل الابتلاء، في التحريم فعله ليس داخلاً في محل الابتلاء، فنقول بما أن فعله غير داخل في محل الابتلاء وهو تارك لا معنى لأن تنهى عنه، وبالنسبة إلى الوجوب لما نقول هذا خارج عن محل الابتلاء لا نقول إن فعله خارج عن محل الابتلاء بل نقول تركه خارج عن محل الابتلاء إذا هو لا يترك، الإنسان المكلف بطبعه لا يترك حفظ نفسه فالترك هنا خارج عن محل الابتلاء، الفعل حاصل، هنا لا يتعلق به أمر بالفعل، هذا محل الكلام.

البيان الأول يقول إذا كان الفعل يحتاج في تحصيله إلى مشقة لا بأس بأن يتعلق به الأمر يعني إذا كان في الفعل مصلحة ملزمة وهذه المصلحة تتوقف على مقدمات فيها مشقة ولو كانت كبيرة فلا محذور في أن يأمر به، كلامنا في الوجوب ليس خارجاً عن محل الابتلاء من حيث الفعل حتى تقول إذا كان خارج عن محل الابتلاء وفيه مصلحة يأمر المولى بتحصيله، هذا خارج عن محل بحثنا، يعني الآن فرضنا أن هذا الإناء موجود في الصين فعله فيه مصلحة المحقق النائيني يقول بما أن فعله فيه مصلحة إذاً لا محذور أن يأمر المولى بتحصيله وإن كان في ذلك مشقة ما لم تصل إلى عدم القدرة العقلية، كلامنا ليس هنا بل كلامنا أن الفعل حاصل لا أن الفعل يريد تحصيله بل الفعل حاصل حفظ النفس حاصل، هل يأمر به؟ هنا كلامنا، وليس أن في الصين يوجد إناء فيه مصلحة نأمر بتحصيله هذا خارج عن محل بحثنا، فإذاً ما أفاده في الفوائد خارج عن محل بحثنا، ولهذا نلاحظ نفس المقرِّر الكاظمي (ره) أشار إلى هذا في الهامش، لا بأس في ذكر عبارته، يقول: أولاً يذكر عبارة المحقق النائيني: وإنما زيد هذا القيد في خصوص النواهي ولم يعتبر في الأوامر التمكن العادي من الفعل مضافاً إلى التمكن العقلي لأن الأمر بالفعل إنما يكون لأجل اشتمال الفعل على مصلحة لازمة الاستيفاء في عالم التشريع ولا يقبح من المولى التكليف بإيجاد ما اشتمل على المصلحة بأي وجه أمكن ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العادية مع التمكن العقلي من تحصيلها ، إذا كان شيء فيه مصلحة ملزمة حتى ولو كان فيه مشقة لا بأس أن يأمر به المولى، وهذه العبارة للنائيني، وبعدما أنهى الكلام علق الكاظمي (قده) قال: لا يخفى أن مقتضى التقابل بين الأمر والنهي هو أن يعتبر في صحة الأمر القدرة العادية على الترك لا على الفعل ولا يبعد اعتبار ذلك في صحة الأمر، يعني الآن مقابلة بين الأمر والنهي، لما في الأوامر نقول هذا خارج عن محل الابتلاء نقصد أن فعله ابتلاء فأنت تارك لفعله لأن فعله خارج عن محل الابتلاء، في المقابل لما نأتي إلى الأمر نقول هذا خارج عن محل الابتلاء يعني فعله صار مثل النواهي وإنما الترك خارج عن محل الابتلاء وإذا كان الترك خارجاً عن محل الابتلاء هنا يأتي الكلام، أما نفس الفعل خارج عن الابتلاء فلا، وما فرضه في المتن هو أن العفل خارج عن محل الابتلاء، فقال لا بأس بالأمر به إذا كان يشتمل على مصلحة ملزمة، نقول: لا، بل مثلما قال المعلق: لا يخفى أن مقتضى التقابل بين الأمر والنهي هو أن يعتبر في صحة الأمر القدرة العادية على الترك لا على الفعل، ولا يبعد اعتبار ذلك في صحة الأمر، في صحة الأمر أيضاً نشترط يعني تأييد لكلام صاحب الكفاية، إذا كان هذا المكلف فاعلاً للشيء وغير تارك له والترك ليس واقعاً خارج عن محل الابتلاء يقول الأمر به مستهجن.

أما لما نلاحظ عبارة الأجود فهي متوافقة مع محل البحث، يقول: قلت: المطلوب في التكاليف الإيجابية حيث إنه الإيجاد الاختياري فمع عدم القدرة على الترك عقلاً فلا محالة لا يكون هناك بعث وإيجاب لفرض كون العفل ضرورياً وخارجاً عن الاختيار، وهذا خارج عن محل كلامنا، وأما مع القدرة عليه –هذا محل كلامنا- يعني على الترك عقلا فالفعل مطلقاً إذا لم يكن صادراً عن الغفلة ونحوها فلا محالة يصدر بالاختيار والإرادة ولو مع عدم القدرة على الترك عادةً، أنا فاعل ولا أترك عادة لكن فعلي ناشئ عن إرادة وعن اختيار، ومعه لكون الفعل ناشئ عن إرادة واختيار يحسن التكليف به وجعل الداعي إليه وإين ذلك من التكليف من التكليف التحريمي المطلوب فيه استمرار العدم؟ فلا بد من وقوع الترك عن إرادة واختيار وهو لا يكون إلا مع القدرة على العفل عقلاً وعادةً ومع انتفائها يكون الترك حاصلاً بنفسه فلا معنى لطلبه، فإذاً هنا فرّق بين التحريمية والوجوبية، في التحريمية قلنا إنه هو لا يحتاج إلا إلى عدم إرادة وبما أنه تارك خارج عن محل الابتلاء يعني تارك له لم يأتي به هذا أمر عدمي -عدم الإتيان به - وعدم الإتيان به يستند إلى عدم الإرادة، وأيضاً أمر عدمي فلا حاجة إلى أن توجد هذا الأمر العدمي، تقول نوجد الرادع في عدم الإرادة وعدم الفعل، في الوجوب هناك فعل حتى لو كنت لا تترك ولكن هو فعل وهو يتوقف على إرادة واختيار فلا بأس بتعلق الأمر به فيكون فرق بين الشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية ويكون ما في الأجود هو الأجود مما في الفوائد.

ولهذا لا يرد إشكال المحقق العراقي (قده) على المحقق النائيني، لأن إشكاله يبتني على ما في الفوائد فيقول أيضاً: ومما ذكرنا ظهر أن المناط في استهجان توجيه الخطاب هو ببعد وصول المكلف إلى العمل بمثابة يعد كونه أجنبيا عنه عرفا وغير قادر عليه عادة لا أن المناط فيه هو متروكية العمل قهرا كما يظهر من الشيخ (قده) وعليه فلا فرق في الاستهجان بين كون الخطاب أمرا أو نهيا فإنه كما أن العرف لا يحَسِّنون توجيه الخطاب التحريمي إلى من يرونه أجنبياً عن العمل وغير قادر عليه بحسب العادة كذلك لا يحَسِّنون توجيه الخطاب الإيجاب أيضاً في الفرض المزبور ولذا ترى استهجان الخطاب الإيجاب على وجه التنجيز إلى سوقي فقير بتزويج بنات الملوك، غير معلق بفرض الابتلاء، فقير في السوق تقول له لا تتزوج بنت الملك، يقول هذا مستهجن، نلاحظ هنا وقع في نفس ما وقع فيه المحقق النائيني، هذا فعل الآن ليس الكلام فيه هذا فعل هو تارك له، تقول الخطاب له مستهجن ونحن نقول فعل فاعل له هل يكون مستهجناً أو لا؟ فكلام المحقق العراقي ينصب على نفس ما ذكره الشيخ النائيني وأشكل عليه لأنه يريد أن يقول هذا مستهجن، وأنت تقول ليس مستهجن ونحن نقول ما ذكرته مستهجن وخارج عن محل البحث وبحثنا في أمر آخر ليس فيه هذا الأمر، هو تارك بالفعل فاعل بالفعل هل يحسن أو لا يحسن؟ هنا الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo