< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الثامن، المقام الثاني:
دليل القول بالتنجيز:

من خلال ما تقدم في مناقشة القول بعدم التنجيز سواء في استدلال صاحب الكفاية (قده) أو استدلال المحقق الأصفهاني (قده) يتضح الوجه للقول بالتنجيز.

وحاصل الكلام فيه: أن الاضطرار تعلق بالجامع ولم يتعلق بالفرد وهذا هو سر الفرق بين ما نحن فيه وبين المقام الأول، هنا عندما تعلق الاضطرار بالجامع فهو يعلم بحرمة أحد الإناءين أو يعلم بنجاسة أحد الإناءين ولكن هو اضطر إلى الجامع، إذاً هو لم يضطر إلى خصوص الحرام لأن الحرام ليس هو الجامع وإنما الجامع هو مع الخصوصية، هذا الفرد هو الحرام هذا الفرد هو النجس، هو لم يضطر إلى هذا الفرد وإنما اضطر إلى الجامع، وبما أنه اضطر إلى الجامع فما اضطُر إليه ليس هو الحرام، فعليه نقول: العلم الإجمالي عندما تعلق بأحدهما له أثران كما سبق وقلنا ذلك، الأثر الأول هو وجوب الموافقة القطعية، والأثر الثاني هو حرمة المخالفة القطعية، الآن لما اضطر إلى الجامع يعني أحد الأثرين لا يمكن تطبيقه لا قدرة عنده على تطبيقه، يعني وجوب الموافقة القطعية هو غير قادر عليها لأنه مضطر إلى شرب أحدهما وبما أنه مضطر إلى شرب أحدهما إذاً هو غير قادر على تنفيذ الأثر الأول وهو وجوب الموافقة القطعية الذي يتم بترك كلا الإناءين، فعليه نقول: نرفع اليد عن وجوب الموافقة القطعية، وبالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية يبقى على ما هو عليه، كان العلم الإجمالي يمنع من المخالفة القطعية الآن يبقى على ما هو عليه لأنه مقدور، الموافقة القطعية رفعنا اليد عنها لأنها غير مقدورة، أما المخالفة القطعية فهي مقدورة فلهذا نقول العلم الإجمالي يبقى على ما هو عليه في التنجيز ولا مانع من تنجيزه، وهذا أشبه ما يكون بما لو فرضنا اضطر إلى شرب أحدهما ويعلم تفصيلاً بحرمة أحدهما، هل هنا نقول: بما أنه حصل اضطرار لغير المعين إذاً العلم الإجمالي لا يتنجز؟ يعني الآن يعلم بحرمة أحد الإناءين أو يعلم بحرمة أحد اللحمين بالتخصيص هذا حرام، وهو مضطر لأحدهما بحيث اضطراره يرتفع بارتكاب هذا المحرم ويرتفع أيضا بالآخر، هل يُتوهم أن يقال في مثل هذا المثال أنه يجوز له أن يأكل هذا المحرم المعلوم تفصيلاً أو يشرب هذا الإناء المحرم؟ لا، فهو لم يضطر إلى المحرم بل اضطر إلى الجامع، صحيح أن الجامع يمكن أن ينطبق على هذا ويمكن أن ينطبق على هذا، ولكن بما أن هذا بخصوصه حرام نقول: الاضطرار لم يُلزمه بارتكابه فبالنسبة إلى الطرف الآخر يجب عليه أو يجوز له رفع اضطراره هو هذا يبقى على حرمته، وهنا هذا من هذا القبيل، هو اضطر إلى شرب أحدهما والمحرم هو أيضاً الخارجي ولكن ال يعلمه بعينه، فنقول: ما يرفع اضطراره هو شرب أحدهما فقط والباقي يبقى على ما كان عليه.

فإذاً الرأي الصحيح: هو القول بالتنجيز في المقام بخلاف المقام الأول فهناك تختلف باختلاف الصور، وهنا على جميع الصور الكلام واحد، يعني سواء كان الاضطرار قبل أو بعد أو متوسط، فالكلام واحد وهو أنه لم يضطر للحرام بنفسه، فهذه هي جهة الفارق، الحرمة في المقام الأول ترتفع باعتبار أنه اضطر إلى المعين، هذا المعين مضطر إليه، هذا لو صادف الواقع ارتفعت الحرمة، وبالنسبة إلى الآخر شك بدوي نشك في حدوث التكليف فيه فنجري البراءة، طبعاً على حسب الصور يعني في صورتين لا في الصورة الثالثة.

هذا تمام الكلام في التنبيه الثامن، طبعاً هناك بعض الأبحاث المرتبطة به ولكن لا نحتاج إلى أكثر من هذا فالمهم منه قد ذكرناه.

التنبيه التاسع:

ما أثاره الشيخ (قده) من أنه يشترط أن تكون جميع أطراف الشبهة محلاً للابتلاء، لو كان أحد أطراف الشبهة خارج عن ابتلاء المكلف فهنا الأصل يجري في الموجود محل الابتلاء بلا معارض، يمثلون له بأنه لو علمت إجمالاً بنجاسة هذا الإناء الموجود عندي أو الموجود عند السلطان مثلاً، ذاك الإناء خارج عن محل ابتلائي قطعاً فلست ممن يذهب هناك ولا عندي علاقات معه إلى آخره، فهذا خارج عن محل ابتلائي، بالنسبة للإناء الموجود تحت يدي أشك في طهارته ونجاسته فأجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض.

فالشيخ ذكر شيئاً وهو أن تكون الأطراف داخلة في محل الابتلاء، طبعاً هو لم يعنون هذا بعنوانه الخاص ولكن في ضمن التنبيه الثالث اعتبر هذا المعنى من جملة الصغريات، يعني هو قال في التنبيه الثالث: أن وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين إنما هو مع تنجيز التكليف بالحرام الواقعي على كل تقدير بأن يكون كلٌ منهما بحيث لو فُرض القطع بكونه الحرام كان التكليف بالاجتناب منجزاً، فلو لم يكن كذلك بأن لم يكلَف به أصلاً، مثلاً كما لو علم بوقوع قطرة من البول في أحد إناءين أحدهما بول أو متنجس بالبول أو كثير لا ينفعل بالنجاسة .... إلى أن قال: كان التكليف في بعضها غير منجز، يعني إذا وقعت قطرة بول في أحد الإناءين هذا الإناء بول وهذا ماء، فهنا على فرض وقوعه في البول غير منجز وعلى أن يقع في الثاني منجز وهكذا، يقول: أو أحد ثوبين أحدهما نجس بتمامه لم يجب الاجتناب عن الآخر لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقي هذه القطرة، إذ لو كان ملاقيها هو الإناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب أصلاً، فالشك في التكليف بالاجتناب عن الآخر شك في أصل التكليف لا المكلف به، ثم مثّل أمثلة من جملتها ما لو كان التكليف في أحدهما معلوماً لكن لا على وجه التنجيز بل معلق على تمكن المكلف منه، فإنما ما لا يتمكن المكلف من ارتكابه لا يُكلَّف منجزا بالاجتناب عنه كما لو علم بوقوع النجاسة في أحد شيئين لا يتمكن المكلف من ارتكاب واحد معين منهما فلا يجب الاجتناب عن الآخر لأن الشك في أصل تنجز التكليف لا في المكلف به، ثم قال: وكذا لو كان ارتكاب الواحد المعين ممكن عقلاً لكن المكلف أجنبي عنه وغير مبتلٍ به بحسب حاله كما إذا تردد النجس بين إناءه وإناء آخر لا دخل للمكلف فيه أصلاً، فإن التكليف بالاجتناب عن هذا الإناء الآخر المتمكن عقلا غير منجز عرفاً ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام أو الثوب الذي ليس من شأن المكلف الابتلاء به، نعم يحسن الأمر بالاجتناب عنه مقيداً، هذه الجهة دخل في هذا البحث، فنلاحظ أن الكبرى التي أسسها الشيخ وتقدم أيضاً الإشارة إليها، هو أنه لا بد أن يكون التكليف منجز على كل تقدير، فلو كان على تقدير منجز وعلى تقدير غير منجز العلم الإجمالي لا يتنجز، من جملة الموارد ما كان خارجا عن محل الابتلاء وهذا لا يكون التكليف منجزا على كل تقدير بل على تقدير أن يكون التكليف في الإناء الذي تحت ابتلائي فهنا يتنجز، وعلى تقدير أن يكون في الإناء الذي يكون خارجا عن ابتلائي لا يكون منجزاً.

ولهذا الملاك في دعوى الشيخ: أنه لا يحسن التكليف به يعني الآن لا يحسن أن أخاطب أترك الإناء الموجود عند الملك ولا تستعمله وأنا تارك له من الأساس وليس في ذهن أحد أن أتصرف فيه، فالنهي لا يكون حسناً، فالعمدة هي هذه النقطة أنه لا يحسن التكليف أساساً، لهذا نقول بالنسبة إلى الإناء الموجود تحت الابتلاء يمكن أن تجري فيه الأصول المرخصة بلا معارض، وهذا طبعاً من جملة الموارد التي قد يكون أيضا غير المقدورة، يعني إذا علمت إجمالاً بنجاسة شيء غير مقدور بالنسبة أو بحرمة شيء غير مقدور بالنسبة لي، نفترض الآن مثلاً حرمة هذه الآنية الموجودة عندي أو الآنية التي سقطت في قعر البحر وأنا غير قادر على تحصيلها، التكليف بشكل عام أُخذ فيه شرط القدرة فلا بد إذاً أن يكون مقدوراً، إذا دار الأمر بين المقدور وغير المقدور هنا بالنسبة إلى غير المقدور غير مكلف به أساساً وبالنسبة إلى المقدور أشك فيه شكاً بدوياً.

فالنقطة التي يريد أن يثبتها الشيخ (قده) أن الشك يكون في المقام من قبيل الشك في التكليف وليس من قبيل الشك في المكلف به، متى ما جعلنا الشك في التكليف لا المكلف به هنا تجري فيه أصالة البراءة وهذه كلها موارد ومصاديق له.

صحيح أن المتأخرين جعلوا كأنه عنوان مستقل، ألا يكون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء ولكن كله صغريات لكبرى هل هناك تنجيز للتكليف تقدير أو لا يوجد على كل تقدير؟

السيد الخوئي (ره) هنا كأنه بيّن عبارة أخرى لدليل الشيخ لا بأس بذكرها، يقول: الغرض من جعل التكليف التحريمي إحداث المانع للمكلف عن فعله، أساساً الشارع يُوجد في الأوامر الداعي للفعل وفي النواهي يُوجد الزاجر عن الفعل، إذاً الغرض من النهي إحداث الزاجر في نفس المكلف عن الفعل وإحداث المانع للمكلف عن فعله، فلو فُرض عدم كونه في معرض الابتلاء وعدم الداعي له إلى فعله كان تركه مستنداً إلى عدم المقتضي، لا نحتاج إلى إحداث مانع، فهنا عدم المقتضي ليس محل ابتلاء، كان تركه مستندا إلى عدم المقتضي فإحداث المانع له لغو محض، فلو كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء كان التكليف بالنسبة إليه منتفياً يقيناً وفي الطرف الآخر مشكوك الحدوث.

فالنقطة هذه هي أن نجعل الطرف الموجود عندنا مشكوك التكليف شك في حدوث التكليف فيه ويكون مجرى للبراءة، وللحديث تتمة إن شاء الله.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo