< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الثامن، المقام الثاني:
دليل عدم التنجيز للمحقق الأصفهاني (قده):

الدليل الثاني للقائلين بعدم تنجيز العلم الإجمالي فيما إذا اضطر إلى غير المعين، هو ما أفاده المحقق الأصفهاني (قده).

وحاصل كلامه: يقول بأن العلم الإجمالي مما يكون منجزا فيما إذا كان مقتضياً لاستحقاق العقوبة على كل تقدير، يعني يؤثر في المؤاخذة على كل تقدير، أما إذا كان يقتضي استحقاق العقوبة على تقدير دون تقدير فهنا لا يتنجز العلم الإجمالي، والمقام من قبيل أنه لا يؤثر في العقوبة على كل تقدير وإنما يؤثر في العقوبة على تقدير دون تقدير.

توضيح ذلك: عندما علم المكلف إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين أو حرمته واضطر إلى شرب أحدهما فهنا عندنا احتمالان عندما يختار أحد الإناءين الاحتمال الأول أن ما اختاره هو الموافق للحرام الواقعي والموجود هو الحلال والاحتمال الثاني أن ما اختاره هو الحلال الواقعي والموجود هو الحرام الواقعي، على التقدير الأول ما اختاره هو الموافق للحرام الواقعي، هنا هذا الذي اختاره لا يستحق عليه العقوبة يعني لا يقتضي العقوبة لأنه مضطر إليه حسب الفرض، اضطر إلى الشرب ورُخص له وهو بغير علمه اختار هذا الفرد الذي صادف الحارم الواقعي، هذا الحرام الواقعي بالنسبة له جائز ولا أحد يقول حراماً، بالنسبة إلى الإناء الثاني لو شربه لا موجب للعقوبة، لأن الإناء الثاني على الفرض أنه هو الحلال، فإذاً على هذا الفرض الأول والاحتمال الأول العلم الإجمالي لم يقتضِ استحقاق العقوبة على هذا التقدير، استحقاق العقوبة على فعل محرم، المحرم الذي ارتكبه كان مضطرا إليه يعني هو جائز بالنسبة له فلا يستحق عليه العقوبة، بالنسبة إلى الإناء الثاني أيضا هو حلال حسب الفرض في الواقع شربه لا يوجب أيضا العقوبة، فإذاً العلم الإجمالي على هذا التقدير لا يقتضي استحقاق العقوبة، فإذاً المخالفة القطعية على هذا التقدير لا توجب العقوبة، نعم على التقدير الثاني لو صادف أن المضطر إليه هو الحلال وشرب الحلال والباقي هو الحرام شرب الحرام هنا يقتضي العقوبة، أما على التقدير الأول فلا، فإذاً لاحظنا أن العلم الإجمالي في المقام يقتضي استحقاق العقوبة على تقدير دون تقدير والعلم الإجمالي الذي يكون منجزاً لا بد أن يقتضي استحقاق العقوبة على جميع التقادير، فعليه هنا العلم الإجمالي لا يؤثر وتجري البراءة في الطرف الآخر يعني الأصل المؤمن في الطرف الآخر بلا إشكال، فلا يتنجز العلم الإجمالي، هذا حاصل ما أفاده.

جواب الشيخ الوحيد (حفظه الله):

أجاب عن كلام المحقق الأصفهاني (قده) بما حاصله: يقول بأن حل الإشكال يتوقف على التحقيق في موضوع حكم العقل بالتنجيز، متى يحكم العقل بالتنجيز؟ أو ما هو موضوع حكم العقل بالتنجيز؟ هل موضوعه كما قال يعني يدور مدار اقتضائه استحقاق العقوبة على جميع التقادير؟ أو لا موضوعه هو فعلية التكليف على جميع التقادير؟ إذا كان موضوع استحقاق العقاب وموضوع حكم العقل بالتنجيز هو اقتضائه استحقاق العقاب يتم إشكال المحقق الأصفهاني ودليله يكون تاماً، أما إذا كان يدور مدار فعلية الحكم على كل تقدير فهنا لا يأتي إشكال المحقق الأصفهاني، فإذاً الذي ينبغي هو تحقيق هذه الجهة، فعليه يقول: بأن الأحكام الإلهية لها مرتبتان، المرتبة الأولى: هي مرتبة الجعل -وهذا أوضحناه سابقاً أيضاً- جعل الحكم على الموضوع المفروض الوجود، والموضوع المفروض الوجود يعني على وجود المكلف فعلاً الشرائط تامة وعدم الموانع، ولكن كلها في هذه المرتبة مفروضة فقط، جعل الحكم على الموضوع المفروض الوجود في هذه الأمور الثلاثة التي ذكرناها، المرتبة الثانية: هي مرتبة الفعلية، وهي فعلية الموضوع في الأمور الثلاثة يعني أن يكون المكلف فعلاً موجود، أن تكون الشرائط تامة وأن لا يكون هناك مانع يمنع من هذه الشرائط أو هذا المقتضي، المهم أن يكون الذي كان مفروض الوجود الآن فعلاً وُجِد، إذا تم هذا الموضوع هنا نقول وصل الحكم إلى مرتبة الفعلية وإذا وصل عندنا أيضا مسلكان، متى يكون التكليف فعلياً هل فقط بهذا النحو أو لا؟ المسلك الأول وهو المسلك المعروف وهو أن الفعلية تتحقق بتحقق هذه الأمور الثلاثة التي ذكرناها فقط، يعني المكلف موجود والشرائط تامة وعدم الموانع، إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة صار الحكم فعلياً، على مبنى المحقق الأصفهاني أضاف العلم به حتى يكون فعلياً، يعني المكلف موجود الشرائط تامة الموانع مفقودة والمكلف يعلم بالحكم الإنشائي، يعلم بأن الحكم أنشئ على هذا الموضوع، هنا تكون الفعلية في نظره، قبل العلم لا تكون فعلية، ثم إن العلم الذي له مدخلية في فعلية الحكم أعم من العلم التفصيلي ومن العلم الإجمالي، إذا وُجد العلم التفصيلي تحققت مرتبة الفعلية، وإذا وُجد العلم الإجمالي أيضا تحققت مرتبة الفعلية، العلم التفصيلي واضح أما العلم الإجمالي بأنه لو لم نقل بشمول العلم للعلم الإجمالي للزم أن لا يكون العلم الإجمالي منجزاً أبداً، متى ما وجد علم إجمالي لم يصل الحكم إلى مرتبة الفعلية، فعليه: لا يمكن أن يلتزم المحقق الأصفهاني أن العلم الإجمالي ليس منجزاً في جميع موارده، فإذاً العلم المأخوذ في مرتبة الفعلية أعم من العلم التفصيلي ومن العلم الإجمالي.

طبعاً الرأي المعروف والمنصور عندهم هو أن العلم له دخل في مرتبة التنجز تنجيز الحكم وليس في مرتبة الفعلية يعني يصل الحكم إلى مرتبة الفعلية باجتماع الأمور الثلاثة التي ذكرناها فإذا علم به المكلف هنا يكون هذا العلم منَجِّزاً والتكليف منَجَّزاً وإلا فلا، المهم الآن حسب الفرض هناك -إذا عرفنا هذه الجهات- ما نحن فيه التكليف أنشئ على هذا الموضوع والموضوع متحقق المكلف متحقق والشرائط متحققة والموانع مفقودة والعلم موجود على رأيه فالحكم العقلي بتنجيزه موجود ماعدا مانع واحد متصور وهو الاضطرار، نقول الموضوع حتى يكون فعلياً الشرائط تامة وعدم الموانع، هنا المانع المتصور هو الاضطرار، والاضطرار هنا لم يتعلق بالحرام نفسه وإنما تعلق بالجامع، اضطر إلى شرب أحدهما ولم يضطر على شرب النجس نفسه هذا النجس أو هذا الحرام حتى يمنع من التكليف، فإذاً هذا الاضطرار بما أنه تعلق بالجامع لا يصلح أن يكون مانعاً عن الفعلية فالفعلية تكون تامة، لو كان الاضطرار متعلق بالفرد نقول لم يصل الحكم إلى مرتبة الفعلية يعني لو اضطر إلى شرب هذا بخصوصه وهو النجس، نقول هذا النجس لم يصل إلى مرتبة الفعلية ولكن الفرد لم يكن كذلك في المقام، عليه نقول: بما أنه لم يضطر إلا إلى الجامع ولم يضطر إلى الفرد فالحكم وصل إلى مرتبة الفعلية على جميع المسالك على مسلك المشهور وعلى مسلك المحقق الأصفهاني نفسه، إذا وصل إلى هذه المرتبة فالحكم من ناحية الشارع تام ليس فيه أي شيء، الجعل تحقق والمجعول تحقق الحكم تام من جهة الشارع، يبقى الآن حكم العقل، العقل له بالنسبة إلى العلم الإجمالي له أثران وهو لزوم الموافقة القطعية للمعلوم بالإجمال وحرمة المخالفة القطعية، بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية الحكم العقلي موضوعه واضح عنده يعني العقل لا يوجد عنده تشكيك، حدود موضوعه واضحة الموضوع العقل يحكم بالتنجز إلا إذا فقد المكلف القدرة يعني يأخذ فقط قيد القدرة، قيد القدرة مأخوذ عند حكم العقل، هنا الآن بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية المكلف لا قدرة عنده على الامتثال لأنه مضطر إلى أحدهما فلا تجب عليه عقلاً الموافقة القطعية، بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية هو قادر على عدم المخالفة القطعية فالحكم العقلي قلنا غير مقيد إلا بقيد القدرة وبما أنه قادر على عدم المخالفة القطعية فالعلم الإجمالي يكون منجزاً.

من هذا الكلام كله نعرف: أن تنجيز العلم الإجمالي يدور مدار فعلية التكليف وليس مدار اقتضائه استحقاق العقوبة على التكليف، على هذه المقدمات التي ذكرناها عرفنا أن الحكم العقلي بتنجيز العلم الإجمالي يدور مدار فعلية التكليف على كل تقدير والفعلية موجودة على كل تقدير لأن الفعلية تتحقق بالمكلف والشرائط والموانع وأضاف المحقق الأصفهاني العلم وكلها موجودة وبما أنها كلها موجودة فهنا القعل يحكم بتنجيز العلم الإجمالي، عليه: يتضح بطلان الدليل لأن المحقق الأصفهاني أخذ في دليل عدم التنجيز هو كون التنجيز يدور مدار استحقاق القوبة أو اقتضاء العلم لاستحقاق العقوبة على كل تقدير وهنا ليس كذلك، نقول له: لا، تنجيز العلم الإجمالي يدور مدار فعلية التكليف على كل تقدير وهي متحققة هنا ولا مانع إلا الاضطرار والاضطرار لم يتعلق بالفرد بل تعلق بالجامع فالعقل يحكم بالتنجيز فيلزم ترك الطرف الموجود.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo