< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الثامن:
المقام الثاني: ما لو اضطر إلى غير المعين من أطراف العلم الإجمالي.

الكلام كان فيما إذا اضطر المكلف إلى ارتكاب أحد أطراف الشبهة المحصورة، وقلنا بأن البحث يقع في مقامين:

المقام الأول: هو أن يضطر إلى ارتكاب أحدهما المعين، وقلنا بأن فيه ثلاث صور.

الصورة الأولى: أن يكون الاضطرار بعد التكليف وبعد العلم بالتكليف، وهنا العلم الإجمالي على تنجيزه والاضطرار إنما رفع التكليف في خصوص الفرد المضطر إليه فقط.

الصورة الثانية: أن يكون الاضطرار قبل التكليف وقبل العلم به، وهنا لا يتنجز العلم الإجمالي.

الصورة الثالثة: أن يتوسط الاضطرار بين التكليف وبين العلم به، وهنا قلنا إن الصحيح عدم تنجز العلم الإجمالي.

هذه الصور الثلاث في المقام الأول وقد تقدم الكلام فيها مفصلاً، والكلام الآن يقع في المقام الثاني.

 

المقام الثاني:

وهو أن يضطر المكلف إلى أحدهما غير المعين كأن يعلم إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين المائين مثلاً ويضطر إلى شرب أحدهما لرفع عطشه، فرفعُ عطشِهِ يتحقق بأي واحد منهما فإن كل واحد منهما حاملٌ للغرض ووافٍ بالغرض، فهو يضطر إلى أحدهما غير المعين.

هنا ما هو الحكم؟ هل يتنجز العلم الإجمالي في الطرف الآخر أو لا يتنجز؟ حسب ما تقدم عندنا سابقاً بأن للعلم الإجمالي أثرين، الأثر الأول: وجوب الموافقة القطعية بأن يأتي بكلا الطرفين إذا كانت الشبهة وجوبية، لو فرضنا مثلاً علم إجمالاً بأحد الإناءين أحدهما مضاف والآخر مطلق ولا يوجد غيرهما فهنا تجب الموافقة القطعية، فنقول يجب عليك الوضوء من هذا والوضوء من ذاك، وبالنسبة إلى الشبهة التحريمية تتحقق الموافقة القطعية بترك كليهما فإذا علم بنجاسة أحدهما أو حرمة أحدهما فهنا يترك كلا الإناءين أو كلا الأمرين حتى يحقق الموافقة القطعية، والأثر الثاني: هو حرمة المخالفة القطعية، ففي المثال الأول حرمة المخالفة القطعية الوجوبية مثلاً تتحقق بترك كليهما يعني لا يتوضأ من هذا الإناء ولا من ذاك الإناء بل ينتقل إلى التيمم، نقول هنا صارت مخالفة قطعية وتحرم المخالفة القطعية، وفي الشبهة التحريمية أن يرتكب كليهما أيضا تتحقق منه المخالفة القطعية، هذا تقدم الكلام فيه.

بالنسبة إلى الأثر الأول: لا إشكال هنا برفعه بالاضطرار، يعني إذا اضطر إلى أحدهما غير المعين هنا لا تجب الموافقة القطعية لأنه يجوز له أن يرتكب في الشبهة التحريمية أحدهما غير المعين، فإذاً وجوب الموافقة القطعية غير مطلوب قطعاً لأن الاضطرار رفع هذا الأثر، إنما الكلام في الأثر الثاني وهو حرمة المخالفة القطعية، العلم الإجمالي يقتضي حرمة المخالفة القطعية، ثم أنه يقتضي حرمة المخالفة القطعية، إذا اضطر إلى أحدهما هنا يجوز ارتكاب أحدهما بلا إشكال لأجل الاضطرار، هل يجوز له أن يرتكب الثاني أو لا يجوز له أن يرتكب الثاني؟ إذا ارتكب الثاني يعني تتحقق المخالفة القطعية، هل يجوز له أو لا يجوز؟ هنا قولان في المسألة.

القول الأول: قول المحقق صاحب الكفاية (قده) بعدم تنجيز العلم الإجمالي في المقام مطلقاً في الصور الثلاث المتقدمة.

القول الثاني: رأي الشيخ الأنصاري (قده) وتبعه على ذلك أيضاً المحقق النائيني (قده)، وهو تنجيز العلم الإجمالي في المقام بترك الطرف الآخر، يعني الطرف المضطر إليه يجوز ارتكابه أما بالنسبة إلى الطرف الآخر فيجب تركه.

طبعاً هنا لم يفرقوا في المسألة بين الصور الثلاث، يعني تقدم الاضطرار على التكليف والعلم الإجمالي أو توسط أو تأخر على التكليف والعلم الإجمالي، في جميع الصور الثلاث يأتي هذان القولان.

أما بالنسبة إلى القول الأول: وهو قول صاحب الكفاية (قده) من عدم التنجيز مطلقاً، فيقول في وجه ذلك: إن الاضطرار يستلزم الترخيص في أحد الطرفين تخييراً، كما قلنا بالنسبة لأحد الطرفين هذا مرخص فيه لا إشكال فيه، إذا استلزم الترخيص في أحدهما تخييراً هذا الترخيص يتنافى مع العلم بحرمة أحدهما، أو بتعبير آخر نقول: لا يجامع التكليف الفعلي على كل تقدير، نفس الترخيص في أحدهما تخييراً لا يجتمع مع أن أحدهما حرام، وذلك لاحتمال انطباق الحرام الواقعي على ما يختاره المكلف لأنه مخير فيحتمل انطباق الحرام الواقعي على ما اختاره، وبالنسبة إلى الآخر يكون أصالة البراءة فيه بلا إشكال، فعليه: لا يتنجز في الآخر، أحدهما مرخص فيه قطعاً، هذا الترخيص يمكن أن ينطبق الحرام الواقعي على ما اختاره، الآخر يجري فيه الأصل النافي بلا إشكال فعليه: يقول لا يتنجز هذا العلم الإجمالي بعد الاضطرار إلى أحدهما.

يمكن طبعاً أن نصيغ كلامه بهذا الترتيب: أن كلامه يبتني على مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن الاضطرار يرفع التكليف كما هو معلوم، المكلف مخير لرفع اضطراره بارتكاب أي إناء منهما، هذا أيضا مسلَّم.

والمقدمة الثانية: أن العلم الإجمالي إنما ينجز معلومه -أي التكليف- إذا كان فعلياً على كل تقدير أما إذا لم يكن فعلياً على كل تقدير فلا ينجز، بالنسبة إلى الفرد المضطر إليه لو صار هو المعلوم بالإجمال هذا لم يكن التكليف فيه فعلياً على كل تقدير فهذا التكليف على تقدير أن يكون الحرام في الفرد الآخر الذي لم يختره يكون حراماً وعلى فرض أن يكون التكليف في الفرد الذي اختاره لا يكون غير المختار حراماً، فلا يكون إذاً العلم الإجمالي منجزا على كل تقدير، أن يكون العلم الإجمالي منجزا لمعلومه على كل تقدير وهذا إنما ينجزه على تقدير أنه شرب الحلال الواقعي فالحرام يكون منجزاً على فرض أن الذي اختاره هو الحرام فالعلم الإجمالي لا يكون منجزاً.

فعليه: إذا ضمننا هاتين المقدمتين نقول بعدم تنجيز العلم الإجمالي وجريان الأصل النافي في الطرف الآخر بلا إشكال، هذا حاصل ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قده).

أورد عليه إشكال في المصباح ولعله أيضاً يظهر من بعض عبارات المحقق النائيني، حاصل الإشكال:

أن هذا إنما يتم لو كان الترخيص واقعياً أما إذا كان الترخيص ظاهرياً فلا منافاة بينه وبين المعلوم بالإجمال أو بين العلم بالحرمة.

توضيح ذلك: إذا قلنا أعلم بحرمة أحد الإناءين واقعاً والحرمة واقعية هنا، ثم قلت أنت مرخص واقعاً في شرب أي أحد من الإناءين، الحرمة الواقعية الموجودة مع الترخيص الواقعي بينهما مضادة فهما متضادان، حرام واقعاً مرخص حرام واقعاً غير مرخص فيه، وإذا قلت مرخص يجوز لك أن تشرب هذا ويجوز أن تشرب هذا واقعاً فكان هذا الحرام مرخص فيه، فإذاً بين الحرمة الواقعية والترخيص الواقعي توجد منافاة، عليه: يأتي كلام صاحب الكفاية يقول: بما أن الاضطرار أوجب الترخيص فالترخيص لا يجتمع مع الحرمة فإذا لا يجتمع مع الحرمة لاعتبار أنه يمكن انطباق الحرام الواقعي على ما اختاره فبالنسبة إلى الآخر يمكن جريان الأصل فيه، أما إذا قلنا بأن الترخيص هنا ترخيص ظاهري وليس واقعياً هنا لا منافاة، الترخيص الظاهري كيف يكون؟ العلم الإجمالي تعلق بالجامع علمتُ إجمالاً بوجود النجاسة في أحد الإناءين هنا يعني علمت بحرمة أحد الإناءين، المتعلق للحرمة هو الجامع هذا الجامع لم يضطر إليه نفس الجامع لم يضطر إليه هو اضطر إلى الفرد، هذا الفرد لا أعلم بحرمته وذاك الفرد أيضا لا أعلم بحرمته، فما اضطر إليه ليس بحرام وهو الفرد يعني لا أعلم بالحرمة، والمرخص فيه أيضاً الجامع أنت مرخص لك في شرب أحدهما، هنا لا تقع المنافاة، صار الترخيص الواقعي لعنوان أحدهما والحرام هو أحدهما في الخارج، المرخص فيه في الواقع في تطبيق الجامع على الفرد، أنت تريد أن تطبق هذا الجامع على هذا الفرد أو تريد تطبق هذا الجامع على الفرد الثاني هذا مرخص، هذا الترخيص في التطبيق ترخيص ظاهري وليس ترخيصاً واقعياً، فيكون مثله مثل الحكم الظاهري فيما يُذكر في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، هناك عويصة موجودة: أنه كيف نجمع بين الحكم الواقعي والترخيص الظاهري بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري، من جهة تقول بأنه أعلم بوجود حرام مثلاً أو أعلم بوجود تكليف إلزامي مثلاً، ومن جهة تجري أصالة البراءة، عندما أشك في حرمة التتن وفي حليته تقول: ابنِ على البراءة وهي يعني حكم ظاهري بالحلية أو ابنِ على أن كل شيء لك حلال فحكم ظاهري بالحلية، كيف نجمع لو كان في الواقع التتن حرام، هنا اجتمع الحرام الواقعي مع الترخيص، فكيف قالوا إنه الحكم الظاهري لا يتنافى مع الحكم الوقعي؟ الحكم الواقعي رُتب على هذا الموضوع في حد ذاته، هذا الموضوع بما هو موضوع حرامٌ، الحكم الظاهري هذا الموضوع بما أنه مشكوك الحرمة والحلية الشارع يقول احكم عليه بالحلية ظاهراً، فهذا في مقام وهذا في مقام آخر لا يوجد بينما منافاة، هنا من هذا القبيل، هنا عندي علم إجمالي بحرمة أحدهما الشارع عندما قال: مرخص لك، هذا الترخيص ليس ترخيصاً واقعياً حتى تقول يمكن أن يصادف الحرام الواقعي فيصير ترخيص في الواقع، وإنما أنت الآن لا تعلم بأيهما الحرام من غيره وأنت مضطر لك الخيار أن تطبق على هذا أو على هذا، أنت مرخص في أحدهما تطبق الترخيص على هذا أو تطبق الترخيص على هذا، هذا الترخيص حكم ظاهري وليس حكما واقعياً، وبما أنه حكم ظاهري لا منافاة بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري، فإحدى المقدمات التي اعتمدها المحقق صاحب الكفاية وهي أن الترخيص لا يجتمع مع الحرمة هذا الترخيص إذا كان واقعياً، فإذا ثبت لنا أنه ترخيص ظاهري فلا منافاة، إذا كان لا منافاة لا يكمل دليل المحقق صاحب الكفاية، هذا حاصل ما أفيد، ولكن هنا كلام للشيخ الوحيد (حفظه الله) في الترخيص الموجود هنا، هل هو ترخيص واقعي أو ظاهري أو تخييري أو تعييني، إن شاء الله يأتي الكلام فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo