< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الثامن:
مناقشة دليل الشيخ الوحيد (حفظه الله):

تقدم الكلام فيما اختاره الشيخ الوحيد (حفظه الله) من جريان البراءة فيما إذا اضطر المكلف لأحدهما المعين وعلم بعد الاضطرار، يعني أولاً صار تكليف ثم اضطرار ثم علم، توسط الاضطرار بين الطرفين، وذلك بإشكالين أوردهما وذكرناهما على الاستصحاب وإشكال على قاعدة الاشتغال، وملخصه: أن استصحاب الكلي لا يجري لأنه إنما يجري في الجامع الحقيقي الواقعي وأما في الجامع الإنتزاعي فلا يجري، ثانياً: بأن الغرض من جريان الاستصحاب هو أن نقول بلزوم الاحتياط في الفرد الموجود، يعني نجري استصحاب بقاء التكليف لأجل أن يمتثل هذا التكليف نقول له: يجب عليك الاحتياط بترك الفرد الموجود لأن الفرد المضطر إليه ارتفع يقينا فيجب عليك الاحتياط بترك الطرف الموجود، لزوم الاحتياط هنا وإن كان في مقام التكليف ولكنه حكم عقلي تعليقي يعني معلق على عدم ترخيص الشارع، فإذا رخّص الشارع ينتفي موضوعه وهنا تجري أصالة البراءة في الطرف الموجود لأنه بلا معارض فينتفي موضوع لزوم الاحتياط والحكم العقلي فعليه لا ثمرة لهذا الاستصحاب لأن الثمرة هي حكم عقلي تنجيزي يرتفع بارتفاع موضوعه، هذا الإشكال الثاني أيضا يرد على قاعدة الاشتغال، الاشتغال اليقيني بالتكليف الموجود قبل الاضطرار يقتضي الفراغ اليقيني يعني يجب الاحتياط بترك الفرد الموجود، وهذا أيضا معلق على عدم ترخيص الشارع فإذا رخص الشارع لا تجري قاعدة الاشتغال، هذا الحكم العقلي لا يجري، وهنا تجري البراءة، فعليه وُجد المرخص ولما وجد المرخص ارتفع موضوع قاعدة الاشتغال، هذا ملخص ما ذكرناه سابقاً.

الجواب على ما أفاده الشيخ الوحيد:

بالنسبة إلى الإشكال الأول نقول نسلم به، أن الاستصحاب لا يجري في هذا الجامع الإنتزاعي لأجل عدم وجود أثر يخصه، الجامع الإنتزاعي أحدهما ليس شيئا آخر غير هذا الفرد وهذا الفرد، فعندنا أثر للفرد وليس عندنا أثر يترتب على الجامع بخلاف مثل الحدث، الحدث الذي هو جامع حقيقي واقعي له أثر مشترك بين الطرفين، يعني الآن الحدث الأصغر له حدث يخصه وهو وجوب الوضوء والحدث الأكبر له أثر يخصه وهو وجوب الغسل، وعندنا أثر مشترك لكلي الحدث سواء كان أصغر أو أكبر وهو حرمة مس كتابة القرآن الكريم، هذا الأثر سواء الموجود الأول أو الموجود الثاني هذا الأثر يترتب، إذاً هذا أثر لنفس الكلي فنستصحب الكلي ليترتب عليه هذا الأثر، في المقام لما تقول انتزاعي يعني هو هذا الفرد الخارجي (أ) أو الفرد الخارجي (ب) هذا له أثر وهذا له أثر، لا يوجد عندي أثر مشترك بينهما أجري الكلي بغض النظر عن الأفراد لأرتب ذلك الأثر، فعليه: استصحاب الجامع الإنتزاعي لا أثر له وبما أنه لا أثر له لا يجري الاستصحاب فيه.

ويمكن أن نقول بعبارة أخرى: أن الجامع الإنتزاعي ليس حكما شرعيا ولا موضوع لحكم شرعي ولا يترتب عليه أثر شرعي فلا معنى لاستصحابه، فإذاً الإشكال الأول نقر به بهذا البيان الذي ذكرناه.

أما الإشكال الثاني: وهو جريان البراءة في الفرد فنقول: إن هذا يرد عليه نفس ما أورده الشيخ الوحيد على السيد الخوئي والمحقق النائيني، بمعنى أنه لاحظ الحالة الفعلية بعد الاضطرار ولما لاحظ الحالة الفعلية بعد الاضطرار نقول الآن: إن كان التكليف موجوداً في الفرد المضطر إليه فقد انتفى يقيناً وأما بالنسبة إلى الفرد الموجود فنشك في حدوث التكليف فيه فلهذا يكون شك في التكليف وإذا كان شكاً في التكليف يكون مجرى للبراءة، ولكن أنت قلت في الإشكال على السيد الخوئي والمحقق النائيني أنه ينبغي أن نلاحظ الحالة قبل الاضطرار وهي نعلم بوجود تكليف قطعاً في مثالنا السابق أنه في الصبح وُجد تكليف بينهما يعني وقعت النجاسة في أحد الإناءين فوجد التكليف ثم لما اضطر إلى أحدهما نقول: إن كانت النجاسة وقعت في هذا الفرد المضطر إليه فقد ارتفع التكليف يقيناً وإن كان وقعت في الطرف الموجود عندنا فعلاً غير المضطر إليه فلا زال التكليف باقياً فعندنا إشتغال يقيني فيأتي الحكم العقلي بلزوم الفراغ اليقيني، أنت لم تلاحظ هذه الجهة فأجريت البراءة فإذاً نفس الإشكال المتقدم على كلام العلمين يأتي بعينه في المقام، فعليه: لا يوجد مرخص إذا لاحظنا الحالة السابقة على الاضطرار لا يوجد مرخص شرعي في هذا الطرف الموجود حتى ينتفي موضوع الاستصحاب أو حتى ينتفي موضوع الاشتغال يعني ينتفي موضوع الحكم العقلي بلزوم الاحتياط وبالتالي ينتفي الاشتغال وأيضا ينتفي موضوع قاعدة الاشتغال، لا، بل الموضوع على ما هو عليه باقٍ على قوته، فما أورده الشيخ الوحيد على العلمين بنفسه يجري ويأتي في حقه، فلا يرد ما ذكره.

نعم، يمكننا أن نرفع قاعدة الاشتغال ببيان آخر لا بالبيان الذي ذكره الشيخ الوحيد، وحاصله: نقول بأن قاعدة الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني هذه قاعدة مسلمة لا إشكال فيها عند الأصوليين حتى الأخباريين لا إشكال عندهم فيها، لكن الاشتغال اليقيني ما هو؟ ما ذكره الشيخ الوحيد اعتبر أن الاشتغال اليقيني يتحقق بوجود التكليف واقعاً، ما دام التكليف واقع هنا تحقق الاشتغال اليقيني علم به المكلف أو لم يعلم به، لأن العلم لا مدخلية له في الحكم كما هو رأي الشيعة الإمامية أعزهم الله، الحكم لا ربط له بالتكليف العلم له لا ربط له بالتكليف العلم فقط في التنجيز أما في نفس ثبوت التكليف فالتكليف يتحقق بتحقق موضوعه في الخارج مع وجود إنشاء سابق، الذي نقوله: إن الاشتغال لا بد أن يكون اشتغال بتكليف منجز، لما تقول الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني الاشتغال لا بد أن يكون بتكليف منجز أما إذا لم يكن التكليف منجزا لا تتحقق قاعدة الاشتغال أساساً، أنت تقول الاشتغال اليقيني يعني عندك يقين بالاشتغال هذا اليقين بالاشتغال لا بد أن يكون منجزا بحيث نقول أن هذا يساوق التنجيز أساساً، الاشتغال اليقيني يساوق التنجيز ومع عدم وجود العلم لا يتحقق الاشتغال اليقيني، يعني لا يترتب على وجود الحكم الواقعي في نفسه أي أثر لو لم أعلم به لا يدفعني نحو العمل ولا أعاقب على تركه إن كان واجبا أو على فعله إن كان محرماً، هو موجود لا نقول إنه ليس موجود ولكن بما أنه غير منجز لا تأتي القاعدة، وهذا لا يعني أننا نقول بارتباط التكليف بالعلم بل تلك مسألة أخرى، المسألة المبحوثة عندهم هناك هي أن الحكم هل هو تكليف هل هو مشروط بالعلم به أو لا؟ نقول لا، لأنه يلزم منه الدور، فهو ليس مشروطا بالعلم به التكليف يرتبط بموضوعه إذا تحقق الموضوع صار التكليف فعلياً، هل يتنجز أو لا؟ نقول يرتبط بالعلم إذا علمت به يتنجز إذا لم أعلم به لا يتنجز.

إذاً حاصل ما نريد أن نقوله: هو أن التكليف المنجز هو الذي يحكم العقل بلابدية الفراغ منه أما التكليف غير المنجز لا يحكم العقل بلابدية الفراغ منه عليه: نطبق هذا الكلام على المقام، نقول: التكليف وُجد قبل الاضطرار وقبل الاضطرار لم أعلم به وبما أني لم أعلم به إذاً هو غير منجز، بعد أن حصل الاضطرار علمت به وقت العلم الآن لا أعلم بأن التكليف موجود في حقي أو غير موجود؟ أشك فيه فإذاً نلاحظ جهتين: ما قبل الاضطرار لا يوجد علم فلا يوجد تنجيز وما بعد الاضطرار وجد العلم لكن لم يوجد تنجيز يعني لم يوجد تكليف منجز وبما أنه لم يوجد تكليف منجز أشك في ثبوت الحكم وبما أني أشك في ثبوت الحكم هنا أقول تجري قاعدة البراءة ولا تجري قاعدة الاشتغال لأنه لا يأتي الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني بل تأتي الشك في ثبوت في حدوث الحكم والشك في ثبوت الحكم مجرى للبراءة، فعليه: بهذا نقول إنه لا تجري قاعدة الاشتغال فيكون مجرى للبراءة فالنتيجة هو البراءة.

يبقى هنا إشكال: وهو أنه لو الآن وقعت النجاسة في أحد الإناءين كما مثلنا في الصبح بدون أن أعلم ثم توضأت بأحد الإناءين صليت الظهر به وبعد الظهر اضطررت إلى شرب أحدهما وفي الليل علمت بأن أحدهما نجس هنا هل نلتزم بإعادة الوضوء والصلاة أو نقول أنت شككت بالتكليف وأجريت البراءة وانتهى؟ إذا قلت نجري الاشتغال يعود الإشكال كيف تلتزم بارتفاع قاعدة الاشتغال، إذا تقول بجريان البراءة لماذا تقول به؟ يعني هل تلتزم أن صلاتك صحيحة ولا يجب عليك الوضوء ولا الصلاة، فهذا ربما يكون إشكال نقضي على القول بجريان البراءة في المقام.

ولكن نجيب عن هذا الإشكال: بأنه على حسب ما ذكرناه في التمهيد للدخول في المبحث، قلنا بأن الاضطرار المبحوث عنه في المقام هو الذي يوجب رفع جميع الآثار، أما الذي يوجب رفع أثر دون أثر هذا ليس هو محل البحث، الآن المكلف لما اضطر إلى شرب أحد الإناءين، الإناء النجس يترتب عليه أثران: الأثر الأول عدم جواز شربه والأثر الثاني عدم صحة الوضوء منه، هذان هما الأثران، لما اضطر إلى أحدهما اضطر إلى الشرب اضطر إلى خصوص أثر واحد وهو الشرب أما بالنسبة إلى الوضوء فلم يضطر إليه لا معنى للاضطرار إليه، نقول إذا لم تتمكن من الوضوء انتقل إلى التيمم، فأنت غير مضطر إلى الوضوء منه، فإذاً هذا الاضطرار لم يرفع الحكم الآخر، فالنتيجة: نقول بأنه لما توضأ من إناء لم يحكم عليه بالطهارة ويشترط طهارة ماء الوضوء فلهذا نقول له تجب عليك الإعادة للوضوء والصلاة.

وبعبارة أخرى نقول: الاضطرار الموجود في المقام اضطرار إلى الحكم التكليفي ولم يحصل اضطرار إلى الحكم الوضعي يعني لا نتعقل اضطرار إلى صحة الوضوء أو عدم صحته، اضطر إلى الصحة لا معنى له، فعليه هذا الإشكال لا يأتي.

فنتيجة الكلام إلى هنا نقول: بأن في المقام إذا علمتُ بعد الاضطرار وبعد التكليف علمتُ بوجود التكليف هنا مجرى للبراءة ولا يتنجز العلم وعدم تنجزه لعدم تمامية أركانه، أما قبل الاضطرار فلعدم وجود العلم أساساً منجزية العلم والعلم غير موجود هذا قبل الاضطرار فالركن الأول مفقود، بعد الاضطرار حصل العلم يُفقد الركن الثالث وهو أن يكون كلٌ من الطرفين مع غض النظر عن العلم الإجمالي مشمولاً لأدلة الأصول المرخصة، هنا أحد الطرفين وهو المضطر إليه غير مشمول للدليل المرخص قطعاً لأنه يجوز شربه وارتكابه بلا إشكال حتى لو كانت الحرمة فيه تفصيلاً، فإذاً هنا الأصل لا يجري أساساً في الآخر يجري بلا معارض، فإذاً أحد أركان منجزية العلم الإجمالي هو أن يكون كلٌ من الطرفين مشمولاً للأدلة المرخصة وأحد الطرفين هنا غير مشمول للأدلة المرخصة، على القول بالاقتضاء، أيضا على القول بالعلية نفس الكلام فعلى هذا القول أن يكون العلم الإجمالي قابلاً لتنجيز متعلقه على كل حال، هنا قابل للتنجيز على حال دون حال وعلى تقدير دون تقدير، على تقدير أن تكون النجاسة في الفرد المضطر إليه هذا العلم الإجمالي غير قابل للتنجيز متعلقه، على تقدير أن النجاسة في الإناء الآخر العلم الإجمالي قابل لتنجيز متعلقه فالعلم هنا ليس منجزاً على كل تقدير، فإذاً على القول بالعلية وعلى القول بالاقتضاء نقول هنا بعدم التنجيز. والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo