< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الثامن:
النقض الثاني في كلام السيد الخوئي (ره):ذكرنا فيما تقدم وجه القول بتنجيز العلم الإجمالي في هذه الصورة وهي ما إذا توسط الاضطرار بين التكليف وبين العلم به، وذكرنا الوجه الذي ذكره السيد الخوئي (ره) في المصباح، وقلنا بأن السيد الخوئي ذكر بأنه هنا شبهة وفي الواقع أشار إلى شبهتين أو إشكالين أو دليلين للقول بالتنجيز، ولكن كأنه دمج بينهما هذا الدمج يعني لم يكن صحيحاً كما الآن سنوضح.


هو في بادئ الأمر قال ما لفظه: وها هنا شبهة وهي أن التكليف الواقعي وإن لم يكن مانعاً من جريان الأصل إلا أنه بعد العلم به تترتب آثاره من حين حدوثه لا من حين العلم به كما هو الحال في العلم التفصيلي فإنه لو علمنا بأن الماء الذي اغتسلنا به للجنابة قبل أسبوع مثلا كان نجساً يجب ترتيب آثار نجاسة الماء المذكور من حين نجاسته لا من حين العلم بها، ثم بعد كلام قال: ففي المقام أيضا لا مناص من ترتيب آثار التكليف من حين حدوثه لا من حين انكشافه، وحينئذ لما كان حدوث التكليف قبل الاضطرار فلا بد من اعتبار وجوده قبله ولو كان منكشفا بعده، وعليه: فبعد طرو الاضطرار نشك في سقوط هذا التكليف الثابت قبل الاضطرار لأجل الاضطرار، لأنه لو كان في الطرف المضطر إليه فقد سقط بالاضطرار ولو كان في الطرف الآخر كان باقياً لا محالة، ما تعرض له المفروض أن يكون دليل مستقل ثم لما قال فيرجع إلى استصحاب بقاء التكليف أو قاعدة الاشتغال على خلاف بيننا وبين المحقق النائيني خصوصا التعبير بالاستصحاب، هنا المفروض يشير إلى الدليل الآخر الذي ذكرناه سابقاً، فالدليل الذي ذكرناه سابقا وهو دليل القول بالتنجيز، يقول بأنه عندي علم إجمالي بحدوث التكليف إما في ضمن الطرف الأول الذي اضطر إليه فيما بعد أو في ضمن الطرف الثاني الذي لم يضطر إليه إلى الآن فإن كان في الطرف الأول فقد زال بالاضطرار وإن كان في الثاني لا زال باقي استصحب بقاء هذا التكليف، هذا ما ذكرناه سابقاً.

الآن القسم الأول من الشبهة يفترض أن تشير إلى دليل آخر للقول بالتنجيز، حاصله يتوقف على بيان هذه المقدمة القصيرة.وهي: أن العلم الإجمالي بالنسبة إلى التنجيز وبالنسبة إلى استحقاق العقوبة لم يؤخذ على نحو الموضوعية والصفتية بل هو أُخذ بنحو الكاشفية والطريقية، بمعنى أنه كاشف عن التكليف كاشف عن المتعلق، لما كان كاشفا عن وجود التكليف هنا استحق المكلف العقوبة لو ترك يعني تنجز العلم الإجمالي، فإذاً هذه النقطة تؤخذ بعين الاعتبار وهي أن العلم الإجمالي لم يؤخذ بنحو الصفتية والموضوعية وإنما أُخذ بنحو الكاشفية.

إذا اتضحت هذه نقول في المقام: في أول الصبح وقعت النجاسة في أحد الإناءين وفي الظهر اضطر إلى ارتكاب أحد الإناءين بخصوصه وفي العصر علم بوجود نجاسة في أحد الإناءين، هذا العلم طبقاً للمقدمة المذكورة لم يؤخذ بنحو الصفتية في التنجيز حتى نقول الآن لم يوجد حين ما قبل الاضطرار في الوقت الأول لم يوجد علم والعلم مأخوذ بنحو الصفتية فانتفى، لا نقول هكذا، بل نقول هذا العلم الذي وُجد في العصر كاشف عن وجود النجاسة قبل الاضطرار يعني كاشف عن وجود التكليف قبل الاضطرار وبما أنه كاشف عن التكليف قبل الاضطرار فينبغي أن تترتب آثار المنكشف من حين حدوثه لا من حين العلم به، مثل العلم التفصيلي مثلما مثل السيد الخوئي (ره)، لو اغتسل بالماء النجس قبل أسبوع لم يكن يعلم بأنه نجس وبعد أسبوع انكشف له وعلم أن الماء الذي اغتسل به نجس، هنا يرتب آثار النجاسة من قبل أسبوع فنقول أعد الغسل والأمور التي لاقاها برطوبة تتنجس، فهنا رتبنا الآثار ليس من حين العلم وإنما رتبناها من حين حدوث التكليف، العلم الإجمالي بهذا النحو، لما انكشف أحد الإناءين نجس قبل الاضطرار يعني الآن علم بأن التكليف بالاجتناب عن أحدهما موجود من الصبح في المثال، الصبح وقعت النجاسة لم يعلم بها حين عدم العلم هو معذور عدم العلم فقط يكون معذراً ولكن لما انكشف الآن نقول ترتب الآثار من حين الانكشاف يعني من حين الحدوث من الصبح تبني على أن هذا أحد الإناءين نجس، إذا بنينا على أن أحد الإناءين نجس من الصبح قبل الاضطرار الآن نقول: قبل الاضطرار عندي علم بالتكليف قطعي بعد حصول الاضطرار لا أعلم إن كان النجس هو في الفرد المضطر إليه فقد انتفى وهذا الفرد الموجود لا شيء فيه وإن كان النجس في الفرد الموجود فلا زال الحكم بوجوب الاجتناب موجود، الآن تردد الحكم عندي هذا التردد معناه أنه عندي علم بالتكليف وهذا العلم بالتكليف يقتضي الفراغ اليقيني، الآن لا ندخل في الاستصحاب حتى نفرق بين أمس واليوم وهذه الشبهة ناظرة إلى هذه الجهة الشبهة الأولى يعني، أن عندنا علم بالتكليف وإن كان علماً إجماليا والآن نحتاج إلى إفراغ الذمة عن هذا التكليف لأنه نشك هل فرغت الذمة أو لم تفرغ؟ يجب الاجتناب عن أحدهما إن كان أحدهما هو الفرد المضطر إليه فانتهى لأجل الاضطرار انتفى الحكم، الثاني لا شيء فيه، وإن كان النجس في هذا الفرد الموجود فلا زال باقي، فإذاً عندي علم يقيني بالتكليف يحتاج إلى فراغ يقيني عن هذا التكليف، هنا الشبهة لا ربط لها إذاً بالاستصحاب ولا نحتاج أن نقول عندي علم بحدوث التكليف وهذا التكليف مردد بين الفرد القصير والفرد الطويل فأستصحب بقاء نفس التكليف، لا، الكلام من جهة أخرى أصلا الكلام من جهة الاشتغال لا من جهة الاستصحاب، عندي علم بالتكليف الاشتغال يقتضي الفراغ اليقيني بالحكم العقلي، فإذاً ما نحن فيه ليس شكاً في التكليف وإنما هو شك في سقوط التكليف بعد ثبوت التكليف، إذا كان كذلك هو مورد للاشتغال، عندنا كبرى وهي متى ما كان الشك في السقوط لا في ثبوت التكليف فهو مجرى للاشتغال، وما نحن فيه من هذا الباب، شك في سقوط التكليف لا شك في ثبوت التكليف فعليه: يكون مجرى للاشتغال، هذا حاصل الدليل.

في كلمات السيد الخوئي لم يتعرض له لأنه ذهب للاستصحاب، وإن كان فيه إشارة إلى أنه على خلاف بيننا وبين النائيني فيرجع إلى استصحاب بقاء التكليف أو قاعدة الاشتغال على خلاف بيننا وبين المحقق النائيني ولكن نقول أساساً جهة الاستدلال مغايرة، لا من جهة أنه مورد اشتغال أو استصحاب، أساساً جهة الاستدلال مختلفة فلهذا نلاحظ أن المحقق النائيني (قده) أراد أن يجيب عن نفس الاستدلال ببيان هذه النقطة التي قلنا هي كبرى أنه شك في السقوط لا في الثبوت.
جواب المحقق النائيني (قده): المحقق النائيني أراد أن يعكس الأمر حتى يجيب على هذا الإشكال يقول إن الشك هنا شك في ثبوت التكليف لا شك في سقوط التكليف، بيان ذلك: يقول عندي علم بحدوث التكليف ولكن الآن فعلاً إن كان هذا التكليف في الفرد المضطر إليه فنقطع بانتفائه فعلاً لا يوجد عندي أي تكليف لأنه يجوز ارتكاب هذا الإناء المضطر إليه وإن كان نجساً تفصيليا قطعياً، فبالنسبة إلى الفرد المضطر إليه يكون نعلم بعدم التكليف فيه وبالنسبة إلى الفرد الموجود غير المضطر إليه نشك في ثبوت التكليف فيه، هل أصلاً هو ثبت فيه التكليف وهو نجس أو لا؟ نشك فيه، فإذاً دار الأمر بين فردين أحدهما نقطع بزوال التكليف عنه أو بانتفاء التكليف عنه، والثاني نشك في ثبوت التكليف له، فالنتيجة: أن ما نحن فيه صار من الشك في التكليف وليس من الشك في سقوط التكليف بعد ثبوته، وهذا يكون حتى في مثل المثال الذي ذكرناه في الأمس ولكن بهذه الصياغة: يعلم بصدور حدث منه، هل هذا الحدث أصغر أو أكبر؟ بعد الوضوء نلاحظ الفردين الآن ولا نلاحظ الجامع الكلي، بعد الوضوء يعلم إن كان الحدث هو الأصغر فقد زال قطعاً وإن كان الحدث هو الأكبر فهو يشك في ثبوته أساساً يشك هل أصلاً صدر منه أم لم يصدر منه؟ هنا إذا لاحظنا الفردين لا يمكن أن نقول بأن المورد مورد اشتغال بل نقول المورد مورد براءة لأن الشك هنا شك في أصل التكليف وليس شكاً في سقوط التكليف، على هذا الأساس نلاحظ أن المحقق النائيني (قده) التفت إلى جهة الإشكال وأجاب عنها بهذا الجواب.
جواب الشيخ الوحيد (حفظه الله):ولكن هذا الجواب أورد عليه الشيخ الوحيد (حفظه الله) يقول بأن هذا الجواب غير تام وهذا الجواب يتم لو لاحظنا الحالة الفعلية الآن بعد الاضطرار بعد حصول العلم يعني في العصر في مثالنا الآن لاحظ نفسه يقول بالنسبة إلى الفرد المضطر إليه زال قطعاً لو كان هو النجس، وبالنسبة إلى الفرد الموجود أشك في ثبوت التكليف له مع ملاحظة الحالة الفعلية هذا صحيح، ولكن المستشكل يقول نلاحظ من حين حدوث التكليف بما ذكره في نفس الإشكال في نفس الاستدلال، أن العلم الإجمالي كاشف عن ثبوت التكليف وليس مأخوذا بنو الصفتية، هذا العلم الإجمالي الذي هو كاشف دوره فقط الكشف أما نفس العلم لا مدخلية له في التكليف ولا في الحكم كما هو الرأي الصحيح عندنا أن الحكم ليس مرتبطاً بالعلم، يعني نقول هذا حكم إذا علمت به، لا، الرأي المعروف عند العدلية والإمامية أن العلم لا ربط له بأصل الحكم دوره فقط دور الكاشفية، يقول إن الحكم موجود ولا يربط التكليف به، إذاً التكليف يثبت بثبوت موضوعه، متى ما تنجس يجب الاجتناب عنه علمت به أو لم أعلم به، الحكم متقرر، هذا العلم الإجمالي كشف عن ثبوت التكليف من الصبح الآن لما ثبت التكليف من الصبح صار عندي يقين بالتكليف وشك في الفراغ منه، إن كان في الفرد المضطر إليه زال، وإن كان في الفرد غير المضطر إليه فلا زال موجوداً، هذا شك في الفراغ بعد العلم بالتكليف فينطبق عليه كبرى إذا كان الشك في الفراغ بعد التكليف يعني الشك في السقوط لا في حدوث التكليف وثبوت التكليف هذا مورد لقاعدة الاشتغال، فجواب المحقق النائيني أيضا لا يفيد في الجواب.إذاً هذا الوجه فعلاً يكون على قوته، هنا نقطة أخيرة: المحقق النائيني أجاب بجواب آخر عن نفس الإشكال.
الجواب الثاني للمحقق النائيني (قده):يقول: بأنه ذكرنا مراراً بأن العلم الإجمالي إنما يكون منجزاً إذا تعارضت الأصول في أطرافه وسقطت كما هو مبنى الاقتضاء، الذي هو مبنى المحقق النائيني أن العلم الإجمالي لا يتنجز إلا إذا لم تجرِ الأصول في الأطراف، أما إذا جرت الأصول في الأطراف لا يتنجز العلم الإجمالي، وهنا تجري الأصول لأنه بالنسبة إلى الفرد المضطر إليه الآن فعلاً لا يمكن جريان الأصل فيه، فرد مضطر إليه يجوز شربه وجريان البراءة لا معنى له وجريان الطهارة لا معنى له، أي أصل مرخص لا معنى له ولا ثمرة له أصلاً والأصل لا يجري إلا إذا كانت له ثمرة، وبالنسبة إلى الفرد غير المضطر إليه وإن احتمل فيه التكليف ولكن نشك في التكليف وعدمه نجري البراءة عن التكليف أو نجري أصالة الطهارة عن النجاسة فيه، فأحد الطرفين يجري فيه الأصل بلا معارض ولما جرى الأصل فيه بلا معارض لا يتنجز العلم الإجمالي لأنه يتنجز بعد سقوط الأصول والفرض أن الأصل في أحد الطرفين جارٍ بلا معارض.

هذا الجواب الثاني على حسب ما ذكرنا من جواب الشيخ الوحيد على الجواب الأول يتضح الإشكال فيه، وذلك أن المستدل فعلاً لا يريد أن يتمسك بالعلم الإجمالي حتى تقول العلم الإجمالي لا يكون منجزا إلا إذا جرت الأصول في الأطراف وسقطت، المستدل يريد أن يستدل بقاعدة الاشتغال والعلم الإجمالي ما هو إلا كاشف عن ثبوت التكليف فقط دوره الكاشفية لا نريد أن نتمسك به فعلاً حتى نقول تجري الأصول أو لا تجري، نقول العلم الإجمالي كشف عن وجود تكليف سابق على الاضطرار الآن فعلاً هل لا زال ذمتي مشغولة بهذا التكليف أو لا؟ إن كان في الفرد المضطر ذمتي فارغة وإن لم يكن في المضطر إليه ذمتي ما زالت مشغولة أتمسك بقاعدة الاشتغال والتمسك بقاعدة الاشتغال يختلف عن التمسك بالعلم الإجمالي، فعليه: كلا جوابي المحقق النائيني غير ناهضين لرفع الدليل.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo