< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه السابع:مناقشة دليل الإجماع في حكم الشبهة غير المحصورة:تعرضنا فيما سبق إلى أهم الوجوه في تحديد الشبهة غير المحصورة وتبين لنا أنها جميعها لا يخلو من إشكال، يبقى عندنا وجه تعرض له المحقق الهمداني صاحب مصباح الفقيه في كتابه لعله هو الأقرب والأرجح من بين الوجوه، كأنه هو اعتمد في الأساس على التفسير اللغوي لكلمة المحصورة وغير المحصورة، وحاصله: أن الشبهة غير المحصورة في نفس معناها أنه أفرادها لا تُحصر لنا، كل ما حُددت الأطراف صارت محصورة سواء كثر العدد أو قل العدد، فالشبهة المحصورة مثلا بين آنيتين هي محصورة وبين مائة هي محصورة وبين ألف هي محصورة، والشبهة غير المحصورة بحيث نحتمل أن المعلوم بالإجمال ينطبق على ما عدا ما نراه، بمعنى أنه لو فرضنا علمت إجمالا بوجود الحرام في ضمن قطيع غنم وهذا القطيع كثير ولكن هذه الكثرة التي أمامنا محصورة حتى لو كان بلغ ما بلغ عشرة آلاف مثلاً محصورة ولكن نحتمل أن المعلوم بالإجمال الشاة الحرام في ضمن هذا القطيع ليست في ضمن الذي نراه الآن ربما هي متأخرة وربما هي متقدمة وربما هي لم تخرج معهم للرعي فنحتمل إذاً انطباق المعلوم بالإجمال على فرد آخر من جملته ولكن نحتمل، مثال آخر: لو علمت إجمالاً بأن مال أحد التجار الموجودين في البلد الكبيرة حرام أحتمل أن يكون ماله الموجود الآن هنا وأحتمل أنه موجود في الخارج يعني لا أحصر الحرام في خصوص الدائرة الموجودة في البلد بل أحتمل أن هذا المال الحرام الذي من ماله خارج البلد ليس هو عنده تحت يده في البلد، هذا معنى غير المحصور هذا المعنى يتناسب مع المعنى اللغوي، كلمة محصور حتى لو كان العدد كثيرا يقال له محصور وكلمة غير محصور مع أخذ قيد الكثرة ولكن لكثرته نحتمل أن ينطبق المعلوم بالإجمال على غير هذه الأفراد التي نحن نراها كثيرة هذا نسميه غير المحصور، هذا المعنى يلازمه أن تخرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فعندما نقول بأن الشبهة غير المحصورة ل يتنجز فيها العلم هنا لا لأجل الكثرة وإنما لخروج بعض أفرادها عن حل الابتلاء، لو كانت كثيرة وكلها داخلة تحت محل الابتلاء ربما نقول العلم الإجمالي منجز ولكن هذا المعنى للشبهة غير المحصورة يلازمه خروج بعض الأفراد عن محل الابتلاء لهذا لا يتنجز، هذا المعنى لتحديد الشبهة في حد نفسه ليس ببعيد وهو يتناسب مع كلمة المحصور وغير المحصور، ولكن التنجيز وعدم التنجيز ليس راجعا لكثرة الأطراف يعني على حسب ما ذكرناه في أول المطلب أن كلامنا للتفرقة بين المحصور وغير المحصور يعني العلم الإجمالي المنجز في الشبهة المحصورة هل ينجز في الشبهة غير المحصورة لكونها غير محصورة لكون أفرادها كثيرة لا لخروج بعض أفرادها عن محل الابتلاء ولا للزوم العسر والحرج ولا للاضطرار إلى بعض الأفراد بل في نفسها لأنها كثيرة هل العلم الإجمالي لا يتنجز أو لا؟ هذا محل البحث.وهذا محل البحث ربما ينطبق على هذا التفسير ولكن نقول إنه سبب عدم التنجيز ليست الكثرة، نعم الكثرة ربما أوجبت هذا المعنى أنه نحتمل الانطباق على مورد غير موجود عندنا الآن فيكون خارجا عن محل الابتلاء، على كل حال لعل هذا كتحديد للموضوع هذا الوجه هو الأوجه، وكيفما كان أنه تحديد الموضوع الأمر فيه سهل والأعلام خاضوا فيه كثيرا ونحن مع الاختصار تعرضنا له كثيرا ولكن الأمر فيه سهل لا حاجة له أصلاً، تحديد الموضوع في الشبهة غير المحصورة لا حاجة له، لأنه لم يقع هذا العنوان الشبهة غير المحصورة في موضوع من مواضيع الأدلة، يعني الأدلة لم تذكر الشبهة غير المحصورة حكمها كذا فهو لم يقع موضوعا لحكم لا لموضوع شرعي ولا لموضوع عقلي، يعني الموضوع الشرعي لم يوجد عندنا دليل جُعلت فيه الشبهة غير المحصورة موضوع ورُتب عليه حكم والموضوع العقلي هنا المتصور هو حكم العقل بتنجيز العلم لكن أي علم؟ العلم إذا تعلق بتكليف فعلي هنا يكون هذا العلم منجز إذا تعلق بتكليف فعلي، هذا موضوعه لا يرتبط بالشبهة غير المحصورة يعني لو أردنا أن نطبق هذا وقلنا إذا علمت إجمالا بتكليف فعلي في ضمن هذه الشبهات وفي ضمن هذه المحتملات يتنجز حتى لو كانت الشبهة غير محصورة إلا بطرو أحد العناوين الأخرى كالاضطرار، فالمهم البحث في تحديد موضوع الشبهة غير المحصورة ليس بتلك الأهمية.المقام الثاني في حكم الشبهة غير المحصورة: فالمهم هو البحث في الجهة الثانية والمقام الثاني وهو حكم الشبهة غير المحصورة، بالنسبة إلى هذا المقام أدعي الإجماع على عدم تنجيز العلم الإجمالي يعني على الترخيص فيه وهذا ما نقله الشيخ الأنصاري (قده) عن غير واحد ولا بأس بذكر عبارة الشيخ، يقول: المقام الثاني في الشبهة غير المحصورة والمعروف فيها عدم وجوب الاجتناب ويدل عليه وجوه، الأول: الإجماع الظاهر المصرح به في الروض وعن جامع المقاصد وادعاه صريحا المحقق البهبهاني في فوائده وزاد عليه نفي الريب فيه وأن مدار المسلمين في الأعصار والأمصار عليه وتبعه في دعوى الإجماع غير واحد ممن تأخر عنه وزاد بعضهم دعوى الضرورة عليه في الجملة وبالجملة فنقل الإجماع مستفيض وهو كافٍ في المسألة. فإذاً الدليل الأول لإثبات حكم عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة دعوى الإجماع بل أكثر من دعوى الإجماع كما عن البهبهاني أن مدار المسلمين عليه، وغيره قال بدعوى الضرورة عليه في الجملة. هذا الإجماع طبعاً وقع عند المتأخرين محل بحث كما هو معلوم في النقاشات في الإجماع بشكل عام.

وهو أنه أولاً: يناقش من حيث الصغرى وهو أن هذه المسألة تعتبر من المسائل المستحدثة يعني لم يُتطرق إليها عند علمائنا المتقدمين فمع كونها من المسائل المستحدثة كيف حصلنا الإجماع عند المتقدمين عليها، هذا أولاً من حيث الصغرى.

ومن حيث الكبرى: أن هذا الإجماع مدركي، عندهم كلام كما تقدم الكلام في بحث الإجماع على أن الإجماع تارة يكون كاشفاً عن رأي المعصوم أو عن دليل معتبر لم يصل إلينا ولكن بحيث لو وصل إلينا لكان معتبرا عندنا، إذا كان الإجماع بهذه المثابة فيكون حجة، ولكن هذا النحو من الإجماع لا يكاد يحصل ولو حصل في مسائل بسيطة يذكر الشيخ الوحيد (حفظه الله) يعني عند ذكر شروطه للإجماع أنها لم تتحقق إلا في خمسة موارد أو ثمانية موارد في الفقه كله.

القسم الثاني: الإجماع الذي لا يكشف عن رأي المعصوم أو عن دليل معتبر، يعني نقول إنه مدركي يستند في ذلك إلى مدرك مطروح عندهم أو يحتمل المدركية، هذا النحو من الإجماع لا يكون كاشفا عن رأي المعصوم أو عن دليل معتبر لأن المجمعين استندوا إلى المدرك الموجود، وهذه المسألة كما سيأتي ونلاحظ أن هناك عدة أوجه استند فيها القائل بعدم التنجيز عليها، وجوه عقلية ووجوه شرعية مع وجود هذه الوجوه لا نستطيع أن نقول بأن هذا الإجماع كاشف عن رأي المعصوم أو كاشف عن دليل معتبر غير ما عندنا، بل هم استندوا إلى هذه الأوجه مع كون الإجماع مدركي لا يكون حجة فهذا الإجماع ملغي حتى لو فرضنا أنه تحقق الإجماع في الخارج لكن ربما واحد اعتمد على الرواية التي سيأتي الكلام عنها وربما واحد اعتمد على معنى الشبهة غير المحصورة كما سياتي في كلام المحقق النائيني وهكذا عنده أوجه خمسة تُذكر لعله كل واحد اعتمد على دليل وهذه الأدلة إذا ناقشناها فلا يفيدنا الإجماع شيئا، هذا الوجه إذاً منتفي.

الوجه الثاني لعدم منجزية العلم الإجمالي: هو هذه الرواية رواية محمد بن سنان عن أبي الجارود قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنه يُجعل فيه الميتة، فقال: أمن أجل مكان واحد يُجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟ إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل، والله إني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان) [1]

هنا استدل بهذه الرواية على عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة في الترخيص، من هذه الجملة (أمن أجل مكان واحد يُجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين) يعني العلم الإجمالي موجود وهو أن بعضهم يضع الميتة في هذا الجبن الإمام عليه السلام يقول: هذه الشبهة غير محصورة في مكان واحد وضعت فيه لا يحرم جميع ما في الأرض، فهذه الرواية استفادوا منها الترخيص إذا كانت الشبهة غير محصورة.ولكن نوقشت هذه الرواية: أولاً: بأنها ضعيفة، السيد الخوئي ناقشها بأنها ضعيفة باعتبار أن الراوي فيها محمد بن سنان وهو لم تثبت وثاقته فلهذا اعتبرها ضعيفة، طبعا محمد بن سنان الكلام فيه طويل لا نريد أن ندخل فيه لأنه يأخذ منا حيزا كبيرا، وإن كان بالإمكان في النتيجة أن نقول بوثاقته وباعتبار رواياته ولا أقل لا تترك روايته يعني من خلال الأوجه التي يمكن أن تقام أو تناقش لا أقل أنه لا يمكن ترك روايته بتعبير الشيخ الوحيد في موارد أخر في مثل سهل بن زياد يعبر أنه الرواية قوية نحتاط فيها بالاحتياط الوجوبي، وهذه من هذا القبيل، يعني الأوجه إذا لاحظناها إذا لم نقل بالوثاقة لا يمكن أن نتركها لا أقل يحتاط الفقيه فيها بالاحتياط الوجوبي، والبحث المهم في الدلالة.أما الدلالة: السيد الخوئي قال: هذه الرواية لم تتعرض للمحصور وغير المحصور بل هي واردة فيما لو علم بوجود المحرم ودار أمره بين ما يكون داخلا في محل الابتلاء وما يكون خارجا عن محل الابتلاء، في مثل هذا الفرض لا يتنجز العلم فرخص في الارتكاب لا لأنها غير محصورة بل لأنه ما في جميع الأرضين ليس محل ابتلاء للمكلف، فإذاً قطعا قسم خارج عن تحت الابتلاء لهذا الإمام عليه السلام قال بعدم التنجيز، فعدم التنجيز ليس لكونه شبهة غير محصورة بل لخروجه عن محل الابتلاء.هذا المعنى واضح في صدر الكلام ولكن في الذيل (والله إني لأعترض السوق فأشتري منها اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان) هنا لا نحتمل أنه خرج عن محل الابتلاء إذا هذا سوق واحد ويدخل فيه، بالطبيعة أن نقول إن ما بالسوق داخل تحت الابتلاء، فما ذكره السيد الخوئي يناسب ما في الصدر أما ما في الذيل فلا يتناسب معه، وما في الذيل إما أن نقول شبهة غير محصورة أو أن نقول بأن سوق المسلمين هنا لها دور، يعني الآن يعترض السوق هذه سوق المسلمين وهي لا تؤثر لكن يبقى أيضا إشكال أن سوق المسلمين إنما تنفذ إذا لم يكن هناك علم تفصيلي أو إجمالي، أما لو علمت إجمالا بوجود الحرام في ضمن السوق هل أيضا نجري قاعدة سوق المسلمين أو لا؟ يظهر من البعض إجراؤها، ولكن مع وجود العلم الإجمالي يشكل، فيبقى أنه هذه العبارة الأخيرة غير واضحة تماما باعتبار أنه ربما تظهر أنه إن كانت شبهة غير محصورة فكلها داخلة تحت الابتلاء أو يمكن أن تكون شبهة محصورة أصلا، يعني بما أنه الإمام عليه السلام يدخل هذه السوق والسوق في ذلك الوقت مقدارها قليل فتكون محصورة وكل شيء في السوق داخل في محل الابتلاء، إذا كانت شبهة محصورة كيف لا يتنجز العلم؟ إذاً هذا الذيل لا يخلو من إشكال.فالحاصل: نقول هذه الرواية فيها عدة احتمالات، الاحتمال الذي استشهد به من استدل والاحتمال الذي ذكرناه عن السيد الخوئي والاحتمال في أنها تتعرض لقاعدة سوق المسلمين، ويحتمل أيضا أن نقول تكون ظاهرة فيما إذا عُلم بوجود الحرام في مكان هذا يقول (أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة) هذا الذي جعل فيه الميتة هو في مكان، وإذا كان في مكان فالأمكنة الأخرى أيضا نتركها؟ فكأنه في هذا المكان علمت هذا المكان اتركه، أما الأماكن الأخرى فلا ربط لها به، فإذاً الرواية لا تخلو من احتمالات ثلاثة أو أربعة فلا تكون ظاهرة في المدعى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo