< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال.

انحلال العلم الإجمالي:المقام الثالث:وهو في انحلال العلم الإجمالي بالأصل العملي المثبت للتكليف، لا يخفى أن العلم الإجمالي في هذا المقام لا ينحل انحلالا حقيقيا وهذا واضح مما تقدم فهو لا يتحقق لوجود العلم الإجمالي بالوجدان كما تقدم وسيتضح، فالكلام يكون في الانحلال الحكمي، هل ينحل العلم الإجمالي انحلالا حقيقيا أم لا؟نقول: بالنسبة إلى القول بالاقتضاء لا إشكال في تحقق الانحلال الحكمي سواء كان المعلوم بالإجمال ذا علامة وخصوصية أو لم يكن ذا علامة وذا خصوصية على كلا التقديرين ينحل العلم الإجمالي حكما، مثال الأول وهو الخصوصية: كما لو علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين بالدم وكان أحدهما المعين مسبوق النجاسة، كنت أعلم سابقا أن الإناء (أ) كان نجسا والآن هل طهر بعد ذلك أو لا؟ أشك، ومقتضى هذا اليقين والشك هو استصحاب بقاء النجاسة، الآن وقعت قطرة الدم في أحد الإناءين ربما تكون في الإناء الذي كان مسبوقا بالنجاسة وربما في الإناء الثاني، في مثل هذا الفرض قام الأصل العملي على التكليف يعني الاستصحاب، استصحبنا النجاسة، والاستصحاب مقدم على قاعدة الطهارة فعليه: أصالة الطهارة لا تجري في الإناء المعين المسبوق النجاسة وتجري في الطرف الآخر في الإناء الآخر بلا معارض، بالتالي ينحل العلم الإجمالي لأن أحد الطرفين لا يجري فيه أصالة الطهارة لوجود المانع وهو الاستصحاب والطرف الآخر تجري فيه أصالة الطهارة بلا مانع فينحل العلم الإجمالي.

أيضا في الصورة الثانية والمثال الثاني نفس الكلام، علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين بدون أن أعلم هل هي دم أو بول أو شيء آخر، والإناء المعين كان مسبوق النجاسة كنت أعلم سابقا بنجاسته، هنا استصحاب النجاسة يأتي في هذا الطرف فلا دور لقاعدة الطهارة يعني لا تجري قاعدة الطهارة فيه فالطرف الثاني تجري فيه أصالة الطهارة بلا إشكال فينحل العلم الإجمالي، إذاً على كلا التقديرين إذا قام الأصل العملي منجزا على ثبوت التكليف يعني أثبت التكليف ينحل العلم الإجمالي بجريان الأصل العملي الآخر.

طبعا يشترط في الانحلال معاصرة العلم الإجمالي من حيث المعلوم يعني المعلوم بالإجمال يكون معاصرا للأصل العملي وإذا كان كذلك ينحل العلم الإجمالي يعني في المثال المذكور نتصور أنه حينما علمت إجمالا بوقوع النجاسة في أحدهما في هذا الوقت أن أعلم بأن هذا الإناء المعين مسبوق النجاسة يعني الأصل يجري فيه حينما حصل عندي علم الأصل يجري في الطرف المعين، هنا ينحل العلم الإجمالي بلا كلام والأمر فيه واضح باعتبار تقدم الاستصحاب على أصالة الطهارة والاستصحاب موجود حين العلم الإجمالي فلهذا ينحل بجريان الأصل في الطرف الآخر، أما لو فرضنا تأخر الأصل على العلم الإجمالي تأخر تنجيزه على حدوث العلم الإجمالي فهل هنا ينحل أو لا ينحل؟ مثلا علمت يوم الخميس بوقوع النجاسة في أحد الإناءين ما كان عندي ذاك الوقت علم بأن هذا الإناء المعين كان نجسا أو كنت غافلا عنه، في يوم الجمعة علمت بأن هذا الإناء المعين كان نجسا قبل يوم الخميس من يوم الأربعاء كان نجسا، الآن صار عندي متعلق علمي الثاني هو يوم الأربعاء كان فيه هذا الإناء المعين نجسا يعني قبل وقوع النجاسة في أحدهما، هنا هل نقول بجريان الأصل الاستصحاب في هذا الإناء المعين وينحل العلم الإجمالي أو هنا الأصل لا يجري؟ فالعلم الإجمالي يكون منجزا.السيد الصدر رحمه الله والشيخ الفياض حفظه الله، قالوا هنا بعدم الانحلال في هذه الصورة والوجه في ذلك: في الفترة ما بين يوم الخميس إلى الجمعة من حين علمي الإجمالي إلى حين قيام الأصل في هذه الفترة الأصلان أصالة الطهارة يتعارضان في الطرفين، علمت إجمالا يوم الخميس بوقوع النجاسة في أحدهما وقبل يوم الجمعة الآن تقول أصالة الطهارة في هذا الإناء يعارضها أصالة الطهارة في الإناء الثاني فيتنجز العلم، لما علمت بأن أحدهما المعين كان مسبوق النجاسة هذا لم يؤثر في الانحلال وإنما بواسطته صار عندنا فردان للعلم الإجمالي فرد طويل وفرد قصير، والعلم الإجمالي يمكن أن يقوم على أحد أمرين أما الطويل أو القصير ولا ينحل إذا انتهت مدة القصير.

بيان ذلك: الآن في يوم الخميس وقعت نجاسة في أحد الإناءين صار عندي علم إجمالي قلنا أيضا الأصلان يتعارضان ويوم الجمعة علمت بأن الإناء (أ) كان مسبوقا بالنجاسة قبل وقوع النجاسة الأخرى فيه يعني قبل يوم الخميس الآن صار عندي هذا الفرد وهو الإناء (أ) فرد قصير إلى يوم الجمعة تجري فيه أصالة الطهارة وما بعد يوم الجمعة يجري فيه الاستصحاب وترتفع أصالة الطهارة، الفرد الثاني تجري فيه أصالة الطهارة بدون أمد لم يحدد بيوم الجمعة، إذاً علمت إجمالا نجاسة إما هذا الفرد القصير أو هذا الفرد الطويل وكون أحد الفردين قصيرا والآخر طويلا لا يضر في تنجز العلم الإجمالي يعني الأصلان يتعارضان، الأصل الطهارة هنا مع الأصل الطهارة هناك يتعارضان، يعني أصالة الطهارة من الخميس إلى الجمعة يتعارض مع أصالة الطهارة من الخميس إلى ما بعد، فعليه: يقولان يتنجز العلم الإجمالي باعتبار تعارض الأصول وتساقطها في الفترة التي قبل حصول التنجيز في الأصل، هكذا قالا.

وبعبارة مختصرة قالا: بأن العلم الإجمالي كان منجزا والأصول المؤمنة في الطرف الآخر معارضة بالأصول المؤمنة في مورد الأصل قبل تنجيزه قبل ثبوته، هذا حاصل ما أفاداه.

ولكن هذا الكلام لا يمكن قبوله على إطلاقه، ففي الصورة الأولى التي صورناها مثلا علمنا يوم الجمعة بأن الإناء المعين (أ) كان نجسا يوم الأربعاء، هنا المستصحب النجاسة من يوم الأربعاء وليس المستصحب النجاسة من يوم الجمعة فمن يوم الأربعاء نقول إنه انكشف لي الآن يوم الجمعة وصار عندي علم بأن الإناء المعين كان نجسا يوم الأربعاء، فالآن المستصحب نجاسة الإناء المعين وهو (أ) من يوم الأربعاء فحين حصول العلم الإجمالي يوم الخميس كان الأصل قائما أن لم أعلم به ولكن الأصل كان قائما على نجاسة أحد الإناءين المعين، لما كان قائما هنا لا مورد لأصالة الطهارة في مورده أصالة الطهارة في مورد المستصحب لا مورد لها حتى تعارض أصالة الطهارة في الإناء الآخر، نعم لو فرضنا فرضا أنه لما الآن وُجد الاستصحاب في أحد الإناءين ولكن لا أعلم بأنه قبل يوم الأربعاء هذا الكلام يأتي، أما إذا علمت بأنه مسبق فكلامهما غير تام.

والحاصل: أن الحكم الظاهري الإلزامي إذا كان موضوعه ثابتا فهو من الأول ولم يتوقف ثبوته على علمي به على وصوله وصل لي يوم الجمعة ولكن ثبوته من يوم الأربعاء. فما أفاداه غير تام ولا يمكن قبوله.

هنا كلام أيضا للسيد المحقق الروحاني (قده): في إشكاله النقضي الذي وجهه للمحقق النائيني دون أن يقول ذلك، من قال بالانحلال على طريقة المحقق النائيني وهو جريان الأصل في أحدهما دون الآخر وهذا يوجب الانحلال هنا أورد إشكال نقضي.قال: هذا الانحلال المراد به في مرحلة البقاء لمانع منع وهو جريان الأصل في الطرف الآخر بلا معارض، عليه النقض بعدة أمور.ينبغي أن نقول بجريان الأصل في كل مورد يسقط الأصل الثاني في بعض الأطراف بقاءً، في كل مورد في مرحلة الحدوث يقع التعارض ولكن في مرحلة البقاء يسقط أحد الأصول بقاءً وفي هذه الموارد ينبغي أن نقول بالانحلال مع أنه لا تقولون بالانحلال، مثلا موارد الاضطرار بعد حصول العلم يعني علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين أو حرمة أحد الإناءين ثم بعد ذلك اضطررت إلى شرب أحدهما اضطرارا، هنا هذا المورد الذي اضطررت لشرب أحدهما المعين حتى يكون واضحا، هذا المورد الذي اضطررت له لا يجري فيه الأصل والأصل الثاني يجري بلا محذور فينحل العلم الإجمالي على كلامكم، أو مثلا في موارد خروج أحد الأطراف عن محل الابتلاء بعد حصول العلم، علمت بنجاسة أحد الإناءين الآن حدوثا تقول ينبغي تركهما، أحد الإناءين الآن تقول خرج عن محل ابتلائي أخذ أحدهما للسلطان فخرج عن محل ابتلائي، الآن بقاءً لا أجري أصالة الطهارة في ذلك الإناء الخارج عن محل ابتلائي بل عدم الثمرة فيه وجريان الأصل لا بد أن يكون فيه ثمرة فعدم الثمرة فيه، إذاً المفروض فيه أن أجري أصالة الطهارة في هذا الإناء الموجود عندي بلا محذور ولا معارض، أو ما لو علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين ثم تلف أحدهما انصب أحدهما ولم يبق إلا الآخر، هنا أصالة الطهارة في الفائت التالف لا محل له فنجري أصالة الطهارة في الإناء الثاني وفي جميع هذه الأمور لا يقول القائل بالانحلال لا يقول بالانحلال هنا هو ولا غيره وهذه مباحث سيأتي الكلام فيها إن شاء الله.فالحاصل: يقول ينبغي إذا قلتم بالانحلال بعد جريان الأصل أو لأجل جريان الأصل في أحد الأطراف بلا معارض أن تقولوا بالانحلال في هذه الموارد مع عدم قولكم بالانحلال فيها، إذاً لا يصح أصل الانحلال.

نقول: هذا الكلام خلط بين رجوع الشك في التكليف وبين رجوع الشك في الامتثال كما نبهنا سابقا على هذه النكتة، محل كلامنا في الانحلال إذا رجع الشك إلى الشك في التكليف في نفسه، علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين، هذا الإناء المعين كان مسبوق النجاسة تجري فيه أصالة النجاسة ولا تجري فيه أصالة الطهارة، الإناء الثاني لما شككت في طهارته ونجاسته شككت في أصل التكليف بدون رجوعه إلى الامتثال، أساسا أنا كُلفت أو لم أُكلف في مثل هذه الموارد قلنا بالانحلال، والموارد التي استشهد بها كلها ترجع إلى الامتثال، علمت إجمالا بنجاسة أو حرمة أحد الإناءين الآن حدوثا تنجز العلم والأصول تتعارض فيه وتتساقط ولما اضطررت إلى هذا بعينه جريان أصالة الطهارة أو الإباحة في الثاني يرجع إلى الامتثال هل يتحقق مني الامتثال مع ارتكابه أو لا؟ كان العم الإجمالي منجز ونجز علي التكليف الآن في مرحلة الامتثال ينبغي تركهما معا لأحقق الامتثال، أحدهما اضطررت إليه أو خرج عن محل ابتلائي أو تلف هذا لا يؤثر الآن في تحقق التكليف، في مرحلة الامتثال حينما اضطررت لهذا هل لو ارتكبت الآخر امتثل أو لو صادف الآخر هو النجس ارتكبت للنجس نقول هذا كله في مرحلة الامتثال، فإذاً النقض لا يصلح أن يكون نقضا لأنه لا بد في النقض من تساوي الموضوع بينما الموضوع مختلف فما نحن فيه إذا كان الشك راجعا للتكليف في نفسه والأمثلة الشك ولو رجع للتكليف من باب الشك في الامتثال وليس لأجل الشك في التليف فلهذا نقول بأن هذا النقض غير صحيح.

والنتيجة: هي ما أفدناها أولاً بأن العلم الإجمالي ينحل في المقام بجريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض، لأن الأصل الذي يجري فيه الاستصحاب لا يجري فيه الأصل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo