< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال.

انحلال العلم الإجمالي:إشكالات وردود:ذكرنا فيما سبق تقريب المحقق العراقي (قده) في بيان الانحلال الحكمي، وقال ما ملخصه: إن العلم الإجمالي لا يكون منجزا إلا إذا كان منجزا على كل تقدير أما لو كان منجزا على تقدير دون تقدير فيمكن جريان الأصل بلا محذور، بهذا التقريب: إذا قام العلم الإجمالي على نجاسة أحد الإناءين هنا العلم الإجمالي يكون منجزا على كل تقدير يعني سواء صادف متعلقه المعلوم بالإجمال هذا الإناء أو صادف الإناء الثاني فهو منجز، أما إذا علمنا تفصيلا بنجاسة أحد الإناءين معيناً فهنا العلم الإجمالي على تقدير أن يكون متعلقه هو مطابق المعلوم بالتفصيل هنا لا يكون منجزا لأن المعلوم بالتفصيل هذا الإناء منجز بالعلم بالتفصيلي والمنجز لا يتنجز، فإذاً العلم الإجمالي هنا ليس منجزا على كل تقدير فعليه يمكن جريان الأصل في الطرف الآخر بلا محذور، هذا التقريب وقع موقع الإشكال.

الإشكال الأول: ما أورده السيد الصدر (قده) أورد في الواقع إشكالين، الإشكال الأول: يقول بأن هذا التقريب يبتني على مقدمتين وكلتاهما غير صحيحتين.

المقدمة الأولى: أن العلم الإجمالي لا بد أن يكون صالحا لتنجيز معلومه على كل تقدير.

المقدمة الثانية: أن المتنجز لا يتنجز.

كلتا هاتين المقدمتين يقول غير صحيحتين، أما المقدمة الأولى: فهذا لا يتوافق مع القول بعلية العلم الإجمالي للمنجزية إنما يتوافق مع القول بالاقتضاء، يعني عندما نقول بالعلية معنى ذلك تنجيز الواقع بالعلم الإجمالي ابتداءً مجرد أن قام العلم الإجمالي تنجز الواقع بلا حاجة إلى جريان الأصول وتعارضها وتساقطها، وإنما بمجرد أن يقوم العلم الإجمالي هنا يتنجز لأنه علة تامة، وأن تنجز كل طرف من أطراف العلم الإجمالي وعدم جريان قبح العقاب بلا بيان فيه إنما هو لوجود احتمال التكليف المنجز بواسطة العلم، فإذاً هذه المقدمة مع ما اختاره المحقق العراقي من علية العلم الإجمالي للتنجيز.أما المقدمة الثانية وهي أن المتنجز لا يتنجز ثانية، فيقول بأن هذا المنهج من الاستدلال الذي هو الآن في المسائل الأصولية والفقهية التي ترتبط بالأمور الاعتبارية، قياسها على الأمور التكوينية والآثار التكوينية الطبيعية غير صحيح، بمعنى أن عندنا في الأمور الطبيعية الموجود لا يوجد ثانية قيس التنجز عليه أن المتنجز لا يتنجز مرة ثانية هذا القياس غير صحيح يعني هذه مسألة واقعية أما ما نحن فيه فهي أمور اعتبارية سواء في المسائل الأصول أو الفقهية فهي ترتبط بأحكام اعتبارية وهي لا تقاس على الأمور الواقعية التكوينية، فأساس هذا المنهج في الاستدلال غير صحيح، فإشكاله على كلتا المقدمتين.

الإشكال الثاني: يقول السيد الصدر (قده) أي مانع من أن يكون حال العلم الإجمالي والعلم التفصيلي كحال اجتماع سببين كل منهما تام في نفسه وعلى مسبب واحد، مثلاً في الأمور أيضا الطبيعية نلاحظ أنه ربما يوجد سبب مستقل في الـاثير ولكن ربما يجتمع معه سبب آخر ويكون كلا السببين سببا واحدا في تحقق المسبب لا مانع من ذلك، الآن مثلا النار سبب مستقل لحدوث الحرارة يمكن هذه النار توجد الحرارة ونار أخرى أيضا مستقلة توجب الحرارة فلو جعلتا معا كلتاهما أثرتا في الحرارة الموجودة في الماء، فمن باب اجتماع سببين على مسبب واحد بحيث يكون كل واحد من السببين جزء للعلة، هنا ما هو المانع منه؟ نقول: العلم الإجمالي اجتمع مع العلم التفصيلي فصارا سببين لمسبب واحد وهو التنجيز فما المانع حتى تقول المتنجز لا يتنجز، هذا حاصل الإشكال الثاني.

وقبل المناقشة فيما أفاده نذكر أيضا إشكال أورده المحقق السيد الروحاني (قده) في المنتقى يرتبط بالإشكال الثاني للسيد الصدر.

حاصل ما قاله: دعوى أن المتنجز لا يتنجز هذه دعوى صحيحة ويفترق عن السيد الصدر في هذه الجهة، طبعا إشكال السيد الصدر الثاني تنزلي يعني لو رفعنا اليد عن الإشكال الأول يأتي الإشكال الثاني، فهنا نقول إن نفس قاعدة المتنجز لا يتنجز هي صحيحة بمعنى أن المنجز حال كونه منجزا وبصفة كونه متنجزا لا معنى لتنجزه ثانية لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل، هو متنجز فعلا حال وصفه بأنه متنجز تقول تنجز مرة ثانية، هذا من قبيل تحصيل الحاصل، فهذه القاعدة صحيحة فيسلم بالقاعدة، ولكن يقول بنحو ما ذكره السيد الصدر في الإشكال الثاني وهو أن نقول باشتراك السببين على مسبب واحد، يعني اشتراك المنجز اللاحق مع المنجز السابق بقاءً لا حدوثاً، المنجز الأول نجّز ناحية الحدوث الآن وُجد المنجز الثاني ولما وُجد المنجز الثاني اشترك مع المنجز الأول في تحقق التنجز بقاءً يعني في ثبوت التنجز بقاءً، المعلول يحتاج إلى العلة حدوثا وبقاءً، فمن حيث الحدوث المنجز السابق أوجد التنجيز لوحده مستقلا المنجز اللاحق اشترك مع المنجز السابق في بقاء التنجيز وليس في حدوثه، فهما مشتركان بقاءً وإن كان أحدهما مستقلا بالتنجز حدوثا وهذا لا مانع منه، ولهذا يقول بأنه يكون منجزان في عرض واحد وليسا في طول من ناحية البقاء ولهذا يقول بأنه لم يتخيل أحد عدم منجزية العلمين الاجماليين إذا اشتركا في طرف واحد، مثلا علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين إما (أ) أو (ب) وعلمت علما ثانيا إجماليا بنجاسة إما (ب) أو (ج) هنا اشترك العلمان في (ب) هل نقول هنا بعدم اشتراك العلمين الإجماليين في تنجيز (ب) لا أحد يتخيل العدم، لا أحد يقول بأن العلم الإجمالي في (أ) و (ب) يتنجز والعلم الإجمالي بين (ب) و (ج) لا يتنجز.

فإذاً حاصل الكلام هو اشتراك العلم الإجمالي والعلم التفصيلي في المقام في بقاء التنجز ولا محذور في ذلك فإذاً إشكال السيد الروحاني على المقدمة الثانية وهي أن المتنجز لا يتنجز بعد تسليم صحتها ولكن نقول بقاءً لا مانع من الاشتراك، هذا ما أفاده العلمان.الكلام فيما أفاده العلمان (قدس سرهما) يقتضي التحقيق في معنى التنجيز وهل هذا يتم على كلامهم أو لا يتم؟

نقول: بأنه ربما يقاس التنجيز على الأمور التكوينية والآثار الطبيعية فيقال بإمكان اجتماع سببين كما صورناه، النار مع الحرارة يمكن أن أجعل نار مستقلة تحت الموقد فهي باستقلالها تستوجب الحرارة ويمكن أن أجعل الثانية أيضا ويمكن أن أجعلهما معاً فيسببان معاً الحرارة ويمكن أن أجعل إحداهما أولاً ثم الثانية ثانياً فتشترك الثانية مع الأولى في بقاء الحرارة، فالحرارة معلول وهي تحتاج إلى العلة حدوثا وبقاء، فحدوث الحرارة من علة واحدة ولما جعلنا ناراً ثانية في الموقد صارت علة لبقاء الحرارة فبقاء الحرارة أيضا معلول يحتاج إلى العلة والعلة هي كلتا النارين، هذا في الأمور الطبيعية واضح، ويمكن تصوره كما صوره السيد الصدر والسيد الروحاني في الإشكال الثاني أنه لا مانع من اجتماع سببين على مسبب واحد اشتراك سببين في مسبب واحد حدوثا أو حدوثا وبقاء كما ذكر السيد الروحاني، هذا الكلام صحيح ولكن التنجيز ليس من هذا القبيل فهو ليس من قبيل العلل والمعلولات التكوينية لا بنحو ما أفاده السيد الصدر بأن المنهج غير صحيح، نقول الدعوى تامة أن المتنجز لا يتنجز، ولكن البيان بهذا النحو: نقول التنجيز معناه هو وصول التكليف إلى المكلف بحيث يستحق المكلف العقاب لو خالف، لما قام الدليل عنده ووصله الدليل الآن صار التكليف منجزا عليه، لو خالف هذا التكليف وصادف أن الدليل وافق الواقع نقول يستحق العقوبة هذا معنى التنجيز، وهذا المعنى لا يقبل التعدد ولا التكرر بعد أن علمت تفصيلا بأن هذا الإناء نجس بنجاسة الدم مثلا هذا الإناء بعينه نجس الآن أنا كمكلف تنجز في حقي يعني لا يجوز شربه ويحرم شرب هذا الإناء لو علمت بحرمته، يعني لو خالفت أستحق العقاب على المخالفة، لما سقطت قطرة دم أخرى في هذا الإناء هل أضافت شيئا جديدا؟ لم تضف شيئا جديدا بالنسبة للتنجيز، الآن كان يستحق العقوبة بمرتبة والآن هل يستحق العقوبة بمرتبة أخرى بعد أن وقعت قطرة أخرى؟ نقول: لا، فمعنى المتنجز لا يتنجز هو أن التنجيز معناه وصول التكليف للمكلف ومخالفته تقتضي استحقاق العقوبة، واقتضاء استحقاق العقوبة في نفسه أمر غير قابل للتكرر والتعدد، فإذا لم يكن كذلك نقول المتنجز لا يتنجز، هذه جهة.

إذاً عرفنا أن المقدمة الثانية تامة وأن المتنجز لا يتنجز، وما أفاده السيد الصدر غير صحيح، وما أفاداه السيد الصدر والسيد الروحاني من أنه يمكن اشتراكهما، نقول بهذا النحو الذي ذكرناه لا يمكن اشتراكهما حتى بقاءً، صحيح لو أنه في أول الأمر قام العلمان نقول أنهما اشتركا في التنجيز ولم يرجح أحدهما على الآخر ولكن الفرض أنه وجد عندي علم إجمالي ووجد عندي علم تفصيلي أحدهما سابق على الآخر في التنجيز، في المسألة الآن العلم التفصيلي هو المنجز فالعلم الإجمالي لا يشترك معه في بثاء التنجيز، لأن نفس التنجيز أمر لا يقبل التعدد وإذا وجد يوجد إلى الأبد، يعني بمجرد أن قام المنجز الآن يستحق المكلف العقوبة على المخالفة إلى التالي، لما وجد المنجز الثاني لا نقول اشترك معه بقاء كما أنه لم يشترك معه حدوثا لم يشترك معه بقاءً.إذاً السر في معرفة معنى التنجيز إذا عرفناه نعرف أنه أمر لا يقبل التعدد ولا يقبل الاشتراك بقاءً، فما نحن فيه بالبيان الذي ذكرناه يتضح أن ما أفاداه من اشتراك العلم الإجمالي والعلم التفصيلي في التنجيز غير تام.وأيضا ما أفاده السيد الصدر من مقايسة التنجيز على الآثار الوضعية هو صحيح من جانب لا ينبغي أن تقاس الأمور الاعتبارية على الأمور التكوينية، ولكنه غير صحيح من جانب آخر يعني في خصوص التنجيز كمعنى هو يحمل هذا المعنى أنه إذا تنجز فتنجيزه ثانية تحصيل للحاصل وهو محال، لا من باب أنه مثله مثل الاثار التكوينية.فإذاً ما أفاده المحقق العراقي وفي المقدمة الثانية يكون تاماً الكلام في المقدمة الأولى، وهي لا تناسب العلية، عندما تقول العلم الإجمالي علة للتنجيز فبمجرد قيامه هنا يتحقق التنجيز بغض النظر عن جريان الأصول حتى تقول إنه منجز على كل تقدير أو غير منجز على كل تقدير، ما المانع من التنجيز على كل تقدير إذا كان علة، فالإشكال عليه من هذه الجهة. ولكن هناك تقريب آخر لكلام المحقق العراقي يأتي الكلام فيه إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo