< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال.

تتمة التنبيه الرابع:انحلال العلم الإجمالي:تقدم الكلام عندنا في تحرير محل النزاع بالنسبة إلى انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي، وذكرنا أن محل النزاع الذي يفترض هو صورة واحدة وهو ما إذا لم تكن علة وجود وحدوث العلم الإجمالي لم تكن ذا صبغة أو خصوصية معينة أو لم تكن ذات علامة.

مثلا علمت بنجاسة أحد الإناءين بدون أن تتعنون النجاسة بعنوان كنجاسة الدم أو نجاسة البول مثلا، فعلمت نجاسة أحد الإناءين الاحتمالان متساويان في الإناء الأول وفي الإناء الثاني وأحتمل نجاسة الآخر، وفي صورة كنا مع عدم احتمال النجاسة هنا ينحل قطعا، يعني إذا علمت بنجاسة أحد الإناءين بشرط لا بالنسبة إلى الإناء الآخر هنا إذا علمت تفصيلا أن الإناء (أ) نجس انحل العلم الإجمالي قطعا، والكلام هنا مع احتمال نجاسة الآخر هنا هل ينحل العلم الإجمالي أو لا ينحل؟

طبعا إذا رجعنا إلى الكلمات السابقة نلاحظ وجود خلط بين الصور لم تتميز الصورة محل البحث من غيرها وبالترتيب الذي قلناه يتميز محل البحث تماما.

عليه نقول: وقع الكلام بينهم في الانحلال وعدمه، وذُكرت للانحلال عدة وجوه:

الوجه الأول: قياس ما نحن فيه على دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ويمكن أن يصاغ بأنه ما نحن فيه ينطبق عليه كبرى دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ففيهما أعلم بفوت يوم من الصوم وأحتمل هل فاتني أكثر من يوم أو لا؟ هل ما فاتني يوم أو يومان، وهذا من الأقل والأكثر الاستقلاليين، هناك سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى، قالوا: بالنسبة إلى الأقل عندي علم تفصيلي بالفوت وبالنسبة إلى الأكثر عندي شك بدوي فتجري فيه البراءة بلا إشكال، فالعلم هنا ينحل، علمي بأنه فاتني مقدار من الصوم أما يوم أو يومان هذا العلم الإجمالي ينحل، ما نحن فيه من هذا القبيل، علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين ثم علمت تفصيلا بأن الإناء(أ) نجس، الآن انقلب العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي، فعلمت تفصيلا بنجاسة الإناء(أ) وشككت شكا بدويا في نجاسة الإناء(ب) فهنا تجري فيه البراءة بلا إشكال فينحل العلم الإجمالي.

هذا الوجه أشار إليه المحقق العراقي وإن كان بعنوان (ربما يتوهم)، وأيضا بيّنه السيد الشهيد الصدر، وأوردوا عليه بإيرادات تنحل إلى ثلاثة إيرادات.

الإيراد الأول: هو أنه هناك فرق بين ما نحن فيه وبين دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين هناك لا يوجد عندي إلا علم واحد بينما ما نحن فيه يوجد عندنا علمان، هناك في بادئ الأمر أعلم بفوت يوم وبالنسبة إلى اليوم الثاني أشك، ليس عندي علم إجمالي وعلم تفصيلي، أما ما نحن فيه عندنا علمان علم إجمالي بنجاسة أحد الإناءين وعلم تفصيلي بأن الإناء (أ) نجس، فيهنا وجد عندي علمان، هل انحل أو لم ينحل؟ فهناك فارق بين ما نحن فيه وبين تلك المسألة.

الإيراد الثاني: الانحلال في تلك المسألة من باب السالبة بانتفاء الموضوع، لأنه لا يوجد عندي علم إجمالي أساسا، لا يوجد إلا علم واحد وهو علم تفصيلي بفوت يوم واحد، أما ما نحن فيه فعندي علم إجمالي ووجد علم تفصيلي هل ينحل أو لا ينحل؟ فانحلاله ليس من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

الإيراد الثالث: في تلك المسألة لو شك في الأقل يزول العلم رأساً، هنا لو شك في الأقل يبقى العلم بمعنى أنه هناك لو شككت هل فاتني أساسا يوم من الصيام أو لم يفتني؟ هنا يزول العلم وصار عندي شك بدوي، هنا الأقل عندما يرتفع العلم التفصيلي في الإناء لو فرضنا شككت الإناء (أ) هل هو نجس أو لا؟ هنا لا يرتفع العلم والعلم الإجمالي لازال موجود وهو نجاسة أحد الإناءين حتى لو زال علمي التفصيلي بنجاسة (أ).

هذا ما ذكره السيد الصدر وبعض هذه الأمور ذكرها المحقق العراقي، لكن هذه الإشكالات ليست إشكالات على أصل المطلب لم ترفع الإستدلال غايته أنها بينت أن هناك فرقا بين ما نحن فيه وبين مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين، إذا قلنا بأن ما نحن فيه صغرى لتلك الكبرى يرد الإشكال أنه هذه ليست صغرى، أما لو عبرنا بالتعبير الأول الذي عبّرنا به، وهو قياس ما نحن فيه على مسألة الدوران بين الأقل والأكثر تكون هذه الإشكالات بأنه قياس مع الفارق ولكن ما هو الرافع للإشكال على الإستدلال؟ فالاستدلال يبقى، فالمستدل يقول: إن ما نحن فيه صار عندي علم تفصيلي بنجاسة الإناء (أ) وشك بدوي بنجاسة الإناء (ب) هذا معنى انحلال العلم الإجمالي، من هذه الجهة توجد مشابهة بين ما نحن فيه وبين مسألة الدوران، ليس بمعنى كونه صغرى له، بل فقط توجد مشابهة.هذا المعنى لم يجيبوا عنه في هذه الإشكالات الثلاثة، الذي يجري في هذه الصورة ربما يتضح بعد ذكر بقية الأوجه.

الوجه الثاني: وهو المنسوب إلى المحقق النائيني والسيد الخوئي، من أن العلم الإجمالي له ركنان، الركن الأول تعلق العلم بالجامع كما ذكرنا سابقا، والركن الثاني تعدد احتمال الانطباق بحسب تعدد الأطراف، دار الأمر بين طرفين علمت بنجاسة أحد هذين الإناءين الآن وجد عندي احتمالان للنجاسة، احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على الإناء (أ) واحتمال ثاني على الإناء (ب)، إذا كان بين ثلاثة يصير عندي احتمال ثالث وهكذا، فالركن الثاني هو تعدد الاحتمالات للانطباق، انطباق الجامع على حسب تعدد الأطراف، في المقام لما علمت تفصيلا بنجاسة الإناء (أ) انهدم الركن الثاني يعني الآن لا يوجد عندي تعدد احتمالات الانطباق، عندي الآن هذا الإناء (أ) نجس، هناك احتمال (أ) نجس واحتمال نجاسة (ب)، أما الآن بعد قيام العلم التفصيلي لا يوجد عندي تعدد في احتمالات الانطباق، فينهدم الركن الثاني للعلم الإجمالي فتنهدم منجزيته يعني انحل العلم الإجمالي، هنا يمكن أن يورد عليه، ولكن قبل الإيرادات يمكن أن نقول للجواب عنها: بأن تعدد احتمالات الانطباق ليس من أركان العلم الإجمالي بمعنى أنه من لوازم العلم المتعلق بالجامع هو تعدد احتمال الانطباق ولكن الذي نحتاج إليه هو على حسب ما ذكرناه سابقا هو عدم تعدي العلم من الجامع إلى الفرد، هذا التعدي يحتاج إلى أن نعلم ونحرز انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل بحيث يكون هو ذاك كما ذكرنا في بعض الصور السابقة التي قلنا هي خارجة عن محل البحث أنه علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين بقطرة دم ثم علمت بأن القطرة وقعت في الإناء (أ) هنا ينهد الركن لأنه العلم سرى من الجامع إلى الفرد، أما أن تقول تعدد احتمال الانطباق هذا ليس من أركان العلم وإنما هو من اللوازم.

ولهذا من هذه الجهة الشيخ الفياض أورد على هذا الوجه بإيراد آخر: حاصله أن هذان الركنان المذكوران هل هما متلازمان أم مستقلان؟ إذا كانا متلازمين فإذا انهد الثاني انهد الأول لوجود التلازم ولكن في الواقع يرجعان إلى ركن واحد وهو تعلق العلم بالجامع ولازمه تعدد احتمالات الانطباق وهذا الركن الواحد موجود وهو العلم بالجامع، ولم يقل المستدل أنه انهد الركن الأول بل قال انهد الركن الثاني، وإذا كانا مستقلين فانهداد الركن الثاني لا يستلزم انهداد الركن الأول، فانهد الركن الثاني ولم ينهد الأول، فعليه المفروض أن نقول بالملازمة، هذا تقريبا ملخص ما أفاده.

هنا عندنا تعليقان على كلامه: وهو أنه عندنا أركان للعلم الإجمالي وتارة نقول عندنا أركان منجزية العلم الإجمالي، أركان العلم الإجمالي ترجع إلى واحد كما قال، يعني العلم الإجمالي هو أن يتعلق العلم بالجامع وما نحتاج إلى أكثر من هذا ولازمه أن تتعدد احتمالات الانطباق، وإذا انهد اللازم انهد الملزوم، والركن الواحد موجود، وإذا كانا استقلاليين هذا لا يؤثر في انهداد الآخر.

ونحن نقول: إنه هذا الكلام إذا لاحظت أركان العلم الإجمالي وأرجعتها إلى ركن واحد، لكن كلامنا ليس في أركان العلم الإجمالي وإن كان ظاهر عبارة المحقق النائيني والسيد الخوئي المنقولة هذا، بل كلامنا في أركان منجزية العلم الإجمالي وهي إذا انهد ركن تنهد المنجزية ولا ينهد العلم، إذاً عندنا علم إجمالي بالجامع هذا ركن، عندنا عدم سراية العلم من المعلوم بالإجمال إلى المعلوم بالتفصيل وهذا ركن للمنجزية وليس ركنا للعلم، هذا الركن الذي هو للمنجزية هل لازال موجود أو سقط؟ إذا قلنا بانهداده تنهد منجزية العلم الإجمالي حتى لو كان العلم الإجمالي بالجامع لازال موجود فمنجزيته تحتاج إلى شيء آخر، إذا قلنا انهد العلم انهدت المنجزية وإذا لم ينهد لم تنهد المنجزية.

فما أفاده لا يفيدنا في المناقشة والذي يفيدنا في المناقشة أن نقول بأن ما ذكرتموه هو يرجع إلى الركن الأول لأركان منجزية العلم الإجمالي والركن الثاني لم يتعرض له ولازال موجود، عندي علم بالجامع وعندي أيضا عدم تعدي العلم من الجامع إلى الفرد هنا لا ينحل إلا إذا أثبتنا أن المعلوم بالتفصيل هو نفس المعلوم بالإجمال حتى نقول سرى إليه وإلا لا ينحل، فيكون إشكال على ما أفاده السيد الخوئي والمحقق النائيني.ولكن ربما يكون مقصودهم هو ما أفاده السيد الخوئي في الوجه الثالث الآتي.

الوجه الثالث: الذي أفاده السيد الخوئي، هو أن العلم الإجمالي دائما متقوم بقضية منفصلة مانعة الخلو مثلاً إذا علمت بنجاسة أحد الإناءين الآن ماذا صار عندي؟ يصدق إما هذا الإناء نجس وإما هذا الإناء نجس، هنا قضية منفصلة مانعة خلو، لا يخلو الأمر إما نجاسة هذا أو نجاسة هذا، يمكن أن يجتمعا معا ويكونان كلاهما نجسا، العمدة في العلم الإجمالي هو قضية منفصلة مانعة خلو، إما هذا نجس وإما هذا نجس تصدق هذه القضية، وإذا انقلبت القضية إلى قضيتين حمليتين هنا انهد العلم الإجمالي.

في المقام عندي علم تفصيلي بنجاسة الإناء (أ) وشك بدوي بنجاسة الإناء (ب) فإذا صار عندنا قضيتان حمليتان وهما نجاسة الإناء (أ) والإناء (ب) مشكوك الطهارة والنجاسة، شك ساري هنا سرى إلى العلم، بما أنه صارت عندنا قضيتان حمليتان إحداهما متيقنة وهي نجاسة الإناء (أ) والأخرى مشكوكة وهي نجاسة الإناء (ب) بنحو الشكل الساري، هنا يقول لا محالة ينحل العلم الإجمالي، لأن ركن العلم الإجمالي انهد وهو يتقوم بالقضية المنفصلة والآن لا توجد هذه القضية المنفصلة فينحل العلم الإجمالي وتنحل منجزيته.والسر في ذلك أن تنجيز العلم الإجمالي ليس أمرا تعبديا من الشارع بل تنجيزه بحكم العقل بسبب كاشفيته بما أنه يكشف عن المعلوم يتنجز، هذه الكاشفية مثلها مثل العلم التفصيلي ولكن الكاشفية تختلف وهي قد زالت في العلم الإجمالي عندما قام علم تفصيلي بنجاسة أحدهما، ولما زالت هذه الكاشفية زالت منجزية العلم الإجمالي فمنجزيته ناشئة من كاشفيته وكاشفيته قد زالت فتزول المنجزية تبعا له لأنه عندنا كما قلنا شك ساري إلى العلم أساسا هذا نجس أو ليس بنجس أي الثاني، فلا نستطيع أن نقطع بأنه طرف للعلم الإجمالي بل نحتمل أنه نجس.

هذا البيان هو الصحيح في انهداد العلم الإجمالي ولعل الأمر الثاني الذي ذكرناه يرجع إلى هذا الثالث، ومن هذا أيضا نعرف أن قياس ما نحن فيه على دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين من هذا الباب، يعني الآن لم عندي علم إما بنجاسة أو بنجاسة هذا، وإنما عندي علم تفصيلي بنجاسة الإناء (أ) وعندي شك بدوي سار إلى العلم بنجاسة الإناء (ب) فيتحقق الانحلال وهذا الوجه متين في هذا المورد وبهذا ينحل العلم الإجمالي انحلالا حقيقيا.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo