< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

40/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاشتغال/ منجزية العلم الإجمالي.

إشكال المحقق العراقي (قده) في المقام.

كان كلامنا في شمول أدلة الأصول لبعض أطراف العلم الإجمالي وقلنا بعدم الشمول.

وهنا إشكال للمحقق العراقي (قده) حاصله: أنكم إذا لم تقولوا بالعلية التامة لمنجزية العلم الإجمالي فينبغي أن تقولوا بالتخيير بمعنى أنه يجوز الترخيص في أحد الأطراف بشرط ترك الطرف الآخر، هو كإشكال نقضي أورده عليهم وهو لا يتبنىاه باعتبار هو يرى العلية التامة في التنجيز، وذُكر فيما بعد كاحتمال مطروح وأُجيب عنه وصار محلا للبحث.

حاصل ذلك الوجه: هو أنه قد يكون عندنا دليل فيه جهتان إطلاق من جهة الأفراد أو عموم من جهة الأفراد وإطلاق من جهة الأحوال، هنا لو قام دليل آخر على رفع اليد عنه ولم نعلم أن رفع اليد عن أصل الدليل أو عن إطلاقه هنا يُقتصر في الرفع عن الإطلاق.

بيان ذلك: لو ورد عندنا أكرم العالم أو أكرم كل عالم، أكرم العالم فيه إطلاق من جهتين من جهة الأفراد يعني زيد وعمرو وبكر ومن ينطبق عليه أنه عالم، والأوضح أكرم كل عالم فيه عموم من جهة الأفراد زيد وبكر وإلى آخره، وفيه إطلاق من جهة الأحوال فيقول مثلا أكرم العالم سواء كان هاشميا أو غير هاشمي كان عادلا أو غير عادل أكرمت معه غيره أو لم تكرم معه غيره، هذه إطلاقات من جهة الأحوال، الدليل يستوعبها كلها، هنا في مثل هذا الفرض إذا قام دليل آخر من الخارج ويقول مثلا لا تكرم زيدا وعمروا أخرج فردين من العلماء ولكن تردد الأمر عندنا هل هو أخرج زيدا كفرد أخرجه من الجهة الأولى أو أخرجه من جهة الإطلاق يعني لا تكرم زيدا مع عمرو إذا أكرمت زيدا لا تكرم عمروا لو قلنا هذه حالة من الحالات، هنا لو شككنا هل هو أخرج هذين من أصل الدليل أو أخرجهما من إطلاق الدليل، في مثل هذا الفرد نقتصر في الإخراج على القدر المتيقن والقدر المتيقن أن نرفع اليد عن الإطلاق لا عن أصل الدليل.

يعني إذا أكرمت عمروا لا تكرم زيدا وإذا أكرمت زيدا لا تكرم عمروا لكن أنت مخير بين أن تكرم زيدا أو تكرم عمروا أنت مخير في ذلك، ولكن الشرط الموجود والتقييد الموجود أن لا تكرمهما معاً، أما تكرم أحدهما دون الآخر فلا، هذا هو القدر المتيقن.

في مثل هذا الفرض قالوا: إذا دار الأمر بين الإخراج عن أصل الدليل أو عن إطلاق الدليل يُقتصر فيه على القدر المتيقن وهو رفع اليد عن الإطلاق والمحافظة على أصل الدليل.

هذا المعنى يطبقه المحقق العراقي على المقام، عندنا دليل وهو دليل الترخيص وهو يشمل كل فرد فيشمل كلا فردي طرف العلم الإجمالي أو كلا طرفي العلم الإجمالي، هذا الطرف أنا علمت بنجاسة أحد الإناءين وشككت في الآخر أو علمت بطهارة الآخر دليل الطهارة دليل المرخص يقول بالنسبة إلى هذا الفرد كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس بالنسبة إلى الفرد الثاني أيضا كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس، فالدليل في الأصل أصل الدليل يشمل كلا الفردين قام الدليل الخارجي عندنا وهو امتناع الترخيص في كلا الطرفين بحسب ما تقدم عندنا من الدليل الثبوتي أن الشارع لا يسوغ للمكلف أن يجري أصالة الطهارة في الفردين معا بحيث تكون النتيجة أنه يجوز لك ارتكاب النجس الواقعي قام الدليل على امتناع ذلك، الآن نشك بمقتضى الدليل الثاني هل نرفع اليد عن أصل الدليل، أصل الدليل المرخص لا يأتي في طرفي العلم الإجمالي البتة، أو نرفع اليد عن إطلاقه نقول لا تجرِ الأصل في أحد الطرفين مع جريانه في الطرف الآخر ولكن لك أن تجريه بشرط ترك الطرف الآخر، لما دار الأمر بين هذين نطبق القاعدة المتقدمة دار الأمر بين أن نرفع اليد عن أصل الدليل أو نرفع اليد عن إطلاق الدليل مقتضى القاعدة نقتصر على القدر المتيقن فنرفع اليد عن إطلاق الدليل ومعنى رفع اليد عن إطلاق الدليل هو تقييده يعني تجري أصالة الطهارة في أحدهما بشرط ترك الآخر فالنتيجة عليه أنت مخير عقلا بين أن تجري أصالة الطهارة في الأناء الأول أو تجريها في الطرف الآخر والنتيجة هو التخيير يعني النتيجة هو تقييد الإطلاق.

فعليه: يقول المحقق العراقي (قده) إذا لم تقولوا بالعلية علية التنجيز للعلم الإجمالي يفترض أن تقولوا بجواز ارتكاب أحدهما بشرط ترك الآخر ولا تقولوا بترك الإثنين، هذا حاصل ما ذكره.

طبعا هذا الكلام وقع عند الأصوليين محل بحث طويل نقتصر على بيان المهم.

المحقق النائيني كما نقل السيد الخوئي (ره) أجاب عن هذا الإشكال، «أجاب بأن التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل الملكة والعدم وعليه إذا امتنع الإطلاق امتنع التقييد كما أنه إذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق وهنا الإطلاق ممتنع والإطلاق مفاده أن تجري أصالة الطهارة في الإناءين هذا ممتنع ثبوتا كما تقدم سابقا وبما أنه ممتنع الإطلاق ثبوتا إذا يمتنع التقييد ثبوتا، فلا يصح أن تقول اجر أصالة الطهارة في أحدهما بشرط مقيدا بترك الآخر»، هذا حاصل ما أفاده.

السيد الخوئي (ره) أورد على المحقق النائيني إيراد مبنائي، بمعنى أنه «سلمنا أن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة، التقييد ملكة والإطلاق عدم، ولكن لا نسلم كما يقول كررنا ذلك مرارا أنه إذا امتنع الإطلاق امتنع التقييد أو إذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق، بل نقول إذا امتنع أحدهما تعين الآخر، إذا امتنع الإطلاق تعين التقييد إذا امتنع التقييد تعين الإطلاق وذلك لأن الإهمال في مرحلة الثبوت غير معقول، يعني الحاكم عندما يريد أن يضع الحكم على الموضوع يمتنع ان يكون هناك إهمال في حقه، إما أن يكون أراد هذا الحكم على الموضوع المطلق أو أراده على الموضوع المقيد».

بيان هذه الجهة: الآن الشارع يريد أن يقول أكرم العالم هو في واقعه أو المحتملات الثبوتية إما أن يكون العالم مهمل أو يكون مطلقا يشمل الهاشمي وغيره أو مقيد بالهاشمي، المهمل في مقام البيان في مرحلة الإثبات ممكن أن يأتي بقضية مهملة ممكن ولكن في مرحلة الثبوت لا يتعقل الإهمال بمعنى: في مرحلة الثبوت الحكم إنما وُضع على الموضوع لغرض، الواضع والحاكم هو الحكيم المطلق بل مطلق الحكيم يأتي في حقه هذا الكلام يريد أن يقول أكرم العالم هو الغرض الموجود عنده هل الغرض أن تكرم مطلق العالم هاشميا أو غيره أو الغرض يتعلق بخصوص الهاشمي، لا يخلو الحال عنده غرض على أساسه يضع الحكم للموضوع فهل الغرض الموجود في داخله في حد ذاته هل الغرض متعلق بمطلق العالم أو الغرض متعلق بخصوص الهاشمي لا يخلو الأمر، فلهذا يقول ثبوتا لا نتعقل الإهمال والإهمال غير صحيح، إذاً في الواقع أنا عندما أقول أكرم العالم والحاكم عندما يقول أكرم العالم إما أن يتعلق غرضي بمطلق العالم فيكون العالم بنحو مطلق أو يتعلق غرضي بخصوص الهاشمي فيكون في الواقع مقيد أكرم خصوص العالم الهاشمي.

إذا اتضحت هذه الجهة نعود إلى كلام السيد الخوئي، يقول إن الإهمال غير معقول فإذا لم يكن معقولا فإما إطلاق أو تقييد فإذا امتنع الإطلاق تعين التقييد وإذا امتنع التقييد تعين الإطلاق، فإذاً قول المحقق النائيني بأنه امتنع الإطلاق فيمتنع التقييد غير صحيح، امتنع الإطلاق يتعين التقييد، تقول المقابلة بينهما مقابلة العدم والملكة وعدم الملكة تأتي في مورد يمكن فيه المكلة المورد الذي لا تمكن فيه الملكة لا معنى لجريان العدم فيه، يعني كما يقال في المنطق لا تقول للجدار أعمى لأنه غير قابل للبصر حتى يقال عنه أعمى، فإذاً العدم في المورد الذي تأتي فيه الملكة، هنا أيضا الإطلاق والتقييد التقييد ملكة والإطلاق عدم فلا يمكن الإطلاق في مورد لا يمكن فيه التقييد، يقول يمكن مثلا بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى يمتنع عليه الفقر ولكن يتعين في حقه الغنى مع أن المقابلة بين الفقر والغنى مقابلة الملكة والعدم، أيضا العلم والجهل المقابلة بينهما مقابلة الملكة والعدم ويستحيل على الله تعالى الجهل ويتعين العلم، بالنسبة إلى الممكن يستحيل عليه الغنى المطلق أو الذاتي ولكن يتعين في حقه الفقر، إذا عندنا مقابلة بين ملكة وعدم ومع ذلك تستحيل الملكة يتعين العدم ويستحيل العدم تتعين الملكة، فكلام المحقق النائيني غير تام لرفع الإجابة هذا ما أفاده السيد الخوئي.

هذا الكلام تام بحسب المبنى أن التقابل بين الإطلاق والتقييد ما هو؟ هناك مباني مختلفة، فلهذا لا نريد الآن أن ندخل في البحث.

الكلام نقول يمكن الجواب عن المحقق النائيني حتى بناءً لا مبناءً، يعني سلمنا أن التقابل تقابل الملكة والعدم وسلمنا أيضا أذا امتنعت الملكة يمتنع العدم، لكن نقول لا تنطبق هذه القاعدة على المقام لأن هنا في المقام لم يمتنع الإطلاق في ذاته الدليل مطلق، دليل الترخيص بإطلاقه يمكن أن يشمل هذا الفرد في نفسه ويمكن أن يشمل الفرد الآخر في نفسه ولكن الامتناع من الاجتماع لا من الإطلاق، مقتضى الاجتماع هو تحقق الامتناع بمعنى أنه عندما نريد أن نجري الأصل في هذا الطرف وفي ذاك الطرف وُجد عندنا المانع الثبوتي الترخيص في مخالفة الحكم الواصل أو في مخالفة الواقع هذا الامتناع لم ينشأ من نفس الإطلاق ممتنع نفس الإطلاق في ذاته يعني نفس الدليل في ذاته يمكن أن يكون مطلقا لا مانع من ذلك، إذاً الامتناع نشأ من الاجتماع اجتماع الإطلاقين، هذا الامتناع غير داخل في البحث يفترض، يعني غير داخل في القضية نقول إذا امتنع الإطلاق امتنع التقييد هذه القضية غير تامة في المورد لأنه هنا لم يمتنع الإطلاق في نفسه فعليه: نسلم بالمبنى ولكن البناء غير تام، هذا أولاً.

ثانياً: نقول بأنه القاعدة التي ذكرها المحقق النائيني كما يُذكر في محله بحث التعبدي والتوصلي هناك شرح الكلام، هو أن التقييد ملكة والإطلاق عدم ملكة إذا امتنعت الملكة امتنع العدم الشيء الذي لا يقال في حقه أنه مبصر لا يقال في حقه أنه غير مبصر الشيء الذي لا يمكن في حقه أن يكون عالما لا يمكن أن يقال عنه جاهلا فالمدار على الملكة إذا امتنعت الملكة امتنع العدم، هنا التقييد ملكة والإطلاق عدم التقييد غير ممتنع في المقام، أنت قلت امتنع الإطلاق فامتنع التقييد امتنع الإطلاق من جهة الاجتماع، بينما الصحيح في القاعدة المؤَسسة إذا امتنع التقييد وهو الملكة امتنع العدم وهو الإطلاق، هذا المعنى لا يمكن تطبيقه هنا لا تقول أنه يمتنع التقييد لو من أول الأمر قال اجر الأصل المرخص في أحد الطرفين بشرط ترك الآخر، غير ممتنع إذا لم يمتنع التقييد لم يمتنع الإطلاق.

فإذاً كلام المحقق النائيني (قده) إما منتقض مبناً أو مبناً وبناءً. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo