< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

في الدرس السابق اشتباهاً قلنا اننا بنينا على عدم ثبوت الترجيح الا بشيئين موافقة الكتاب ومخالفة العامة ولذا قلنا بأنه لا حاجة لاستئناف بحث حول وجود طولية بين المرجحات المذكورة في المقبولة لأنه لم يثبت الا هذين المرجحين وقد تقدم الحديث عن الطولية بينهما، ولكن الصحيح أننا بنينا سابقاً على ثبوت الترجيح بالشهرة ولم نرض بما ذكره السيد الخوئي والسيد الأستاذ (قدهما) من أن الاخبار الدالة على الترجيح بالشهرة هي من باب تمييز الحجة عن اللاحجة

وبناءً على هذا لا بد أن نتكلم عن الترتيب بين هذه المرجحات الثلاثة، فهل يستفاد من المقبولة الترتيب والطولية بين هذه المرجحات، او أن هذه المرجحات في عرض واحد فاذا قلنا بأن الشهرة متقدمة على الترجيح بموافقة الكتاب فالخبر المشهور وإن كان مخالفاً للكتاب يقدم على الخبر غير المشهور وإن كان موافقاً للكتاب وأما إذا لم نقل بالترتيب والطولية بينهما وأنهما في عرض واحد فحينئذ يقع التزاحم بينهما

والبحث في الكلام يقع في موضعين

الموضع الأول: البحث حول الطولية والترتيب بين موافقة الكتاب ومخالفة العامة، باعتبار أن الملاحظ في المقبولة أنها عطفت الترجيح بمخالفة العامة على مخالفة الكتاب بالواو (ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة) وهذا يثير شبهة أن المرجح هو اجتماع الامرين وتقدم الكلام عنه وانتهينا الى أن كلاً منهما مرجح مستقل، وأما الحديث عن الطولية بينهما فهناك شواهد ثلاثة لإثبات ذلك:

الشاهد الأول: رواية الراوندي فهي صريحة في وجود ترتيب بين هذين المرجحين

الشاهد الثاني: أن الملاحظ في المقبولة أن السائل قد استعرض جميع صور المسألة وسأل الامام (عليه السلام) عن حكمها الا صورة كون أحد المرجحين في أحد الخبرين والمرجح الاخر في الاخر كما لو كان أحد الخبرين موافقاً للكتاب والمعارض له مخالف للعامة، مع أنه بصدد استعراض جميع صور المسألة والسؤال عن حكمها، ومعنى هذا أنه فهم حكم هذه الصورة من كلام الامام (عليه السلام) وهذا يتوقف على القول بالطولية بينهما، فعليه يكون حكم هذه الصورة واضحاً دون ما اذا قلنا بالعرضية بينهما فمعه لا يمكن فهم حكم هذه الصورة

الشاهد الثالث: ما ذكره السيد الشهيد (قده) من أن عطف مخالفة العامة على موافقة الكتاب بالواو زائد، فكأنه ذكر الترجيح ب(ما وافق الكتاب) وأما مخالفة العامة فهي زيادة جيء بها للتمهيد للحكم المذكور بعدها من الترجيح بمخالفة العامة، والامر الذي ينبه عليه هذا العطف هو أن الخبر الموافق للكتاب عادة يكون مخالفًا للعامة لان احكامهم عادة مخالفة للكتاب، وهذه العادة تنشأ من الأساليب التي يعتمدونها في الاستنباط والأشخاص الذين يعتمدون عليهم في نقل الاخبار، فعادة ما يختارونه يكون مخالفا للكتاب فكأنه رجح بموافقة الكتاب وعندما فرض السائل التساوي بين الخبرين من هذه الجهة قال الامام (عليه السلام) خذ بما خالف العامة

فاذا حملنا عطف مخالفة العامة على موافقة الكتاب على الزيادة فحينئذ تكون الرواية بحسب تسلسها ذكرت ثلاث مرجحات: الشهرة ثم موافقة الكتاب ثم مخالفة العامة

ويثبت بهذا أن عطف مخالفة العامة على موافقة الكتاب لا يمنع من الالتزام بالترتيب والطولية بين هذين المرجحين إذا دلت المقبولة على الترتيب والطولية بين المرجحات

الموضع الثاني: البحث حول استفادة الترتيب بين كل المرجحات من المقبولة إذا قلنا بالترجيح بها

ولا اشكال في وجود ترتيب ذكري بينها في المقبولة، وقد يقال بأن استفادة الترتيب والطولية بين المرجحات يكون له وجه إذا افترضنا أن الامام (عليه السلام) ذكر هذه المرجحات ابتداءً بالترتيب المذكور في الرواية، وأما إذا فرضنا أن الترتيب قد فهم من خلال مجموع الأسئلة التي طرحت على الامام (عليه السلام) وأجوبتها فلا وجه لذلك، فلو فرضنا بأن هذه المرجحات في عرض واحد في الواقع فيجوز للإمام أن يذكر أحدها حينما يسأل عن الحديثين المتعارضين وهذا لا يعني الترتيب والطولية بينها، وهذا نظير سؤال الامام عن من افطر متعمداً في شهر رمضان فيجيب اعتق رقبة فاذا قال لم اجد فيقول له صم شهرين متتابعين فاذا قال لم استطع يقول له اطعم ستين مسكيناً، فلا يستفاد الترتيب من هذه الاجوبة بل المستفاد منها التخيير، وما نحن فيه من هذا القبيل

وقد يقال بأن الذي يمكن استفادته أن المرجح المذكور ثانياً في المقبولة ليس متقدماً على المرجح المذكور أولاً، الا أن هذا لا يعني أن المذكور أولاً متقدم على المذكور ثانياً بل يحتمل أن يكونا في عرض واحد أيضاً، وإنما نستبعد احتمال أن يكون الثاني متقدم على الأول لأنه لو كان كذلك فتقديم ذكر الأول يحتاج الى تقييد بما إذا لم يكن ما ذكر ثانياً موجوداً، فلو كان الترجيح بالشهرة متقدم واقعاً على الترجيح بالصفات لكان ذكر الترجيح بالصفات أولاً مقيداً لباً بعدم وجود الشهرة في أحد الخبرين

وذكر في الكفاية بأن المقبولة لا دلالة فيها على الترتيب والطولية لأننا إن بنينا على التعدي الى غير المرجحات المنصوصة -كما ذهب الشيخ الانصاري الى التعدي الى غيرها مما يكون مقرباً للواقع- فعدم الترتيب يكون واضحاً لأننا نلغي المرجحات المذكورة بعناوينها الخاصة ونذهب الى انها إنما تكون مرجحة لأنها توجب الاقربية الى الواقع، فاذا وجد مرجح في هذا ومرجح في ذاك فلا بد ان ننظر ايهما اقرب الى الواقع فيقدم واذا لم نعلم بالاقرب -كما هو الأكثر- فلا نعمل بكلا المرجحين ونرجع الى اخبار التخيير، واما اذا لم نقل بالتعدي فالترتيب لا بد أن يستفاد من المقبولة باعتبار ذكر المرجحات فيها بالترتيب، ولكن استفادة ذلك من المقبولة مشكل باعتبار أن هناك روايات كثيرة تتعرض الى مرجح واحد ومقتضى اطلاقها عدم اعتبار الترتيب بين المرجحات، فالترتيب في المقبولة ينافي اطلاق هذه الروايات، فلا بد من حمل المقبولة على أنها في مقام بيان أن هذا مرجح وذاك مرجح فقط، لا في مقام بيان أن هناك ترتيب وطولية بينها وانها تتعرض الى مسألة التزاحم بين المرجحات وتحلها بأن هذا يقدم على ذاك

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo