< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أسباب حصول التعارض بين الأدلة

من جملة أسباب التعارض النسخ وهو وان كان على الراي المعروف يرجع الى التخصيص في الازمان باعتبار ان الناسخ يكشف عن انتهاء امد الحكم المنسوخ وعن كونه محدود بزمان معين وان كان المنسوخ بحسب الظاهر مطلق بحسب الزمان وبناءً على تفسير النسخ بهذا المعنى يدخل في باب التخصيص بلحاظ عمود الزمان فهو تخصيص ازماني، فالدليل الناسخ يخصص الدليل المنسوخ الظاهر في كون الحكم فيه ثابتا بلحاظ جميع الأزمنة بفترة زمنية معينة،

ولكن بالرغم من تفسير النسخ بهذا المعنى الا انه يستوجب حصول حالة التعارض بين الأحاديث عند من لا يعلم بالنسخ فمثلا إذا ورد حرمة لحم الخيل في رواية وفي أخرى حلية لحمها فغير العالم بالنسخ يتصور وجود تعارض بينهما الا ان واقع الحكم بالحرمة كان مؤقتا ولفترة محدودة وحين انتهت هذه الفترة ارتفع الحكم بالتحريم

نعم هناك كلام في شمول النسخ للأحاديث الصادرة من الائمة (عليهم السلام) لان المعروف بينهم اختصاص النسخ بالأحاديث النبوية لانتهاء عصر التشريع بانتهاء حياته (صلى الله عليه واله) واما باقي الائمة (عليهم السلام) فهم ينقلون عن الله ورسوله (صلى الله عليه واله)، ولكن يمكن التأمل بذلك باعتبار ان النسخ بالمعنى المطروح لا يستلزم التشريع وانما هو بيان لمحدودية الحكم السابق من حيث الزمان، فيمكن فرض شمول النسخ بهذا المعنى للأحاديث الصادرة عنهم (عليهم السلام)

نعم المعنى الاخر للنسخ الذي يستلزم البداء والجهل وهو عبارة عن رفع الحكم بعد تشريعه ووضعه يستلزم التشريع لان رفع الحكم تشريع فاذا قلنا بان فترة التشريع تنتهي بوفاة النبي (صلى الله عليه واله) فلا يمكن ان يكون النسخ شاملا لأحاديث الائمة (عليهم السلام) بعده

ومن جملة الأسباب مسالة التقية ولا اشكال في انها قد مورست من قبل الائمة (عليهم السلام) بشكل واضح باعتبار الظروف التي مروا بها (عليهم السلام) ولم تكن من الظلمة والحكام المستبدين فقط ولا من فقهاء المذاهب الأخرى فحسب بل هي اعم من ذلك فهناك تقية من باقي المسلمين فكان الائمة (عليهم السلام) يحاولون ان لا يبينوا حكما مخالفا للجو العام عند المسلمين وهذا الجو العام ناشيء من ارتكازاتهم التي ليس من الضروري ان تكون على طبق الموازين ويبدو ان الداعي الى ذلك هو حرص الائمة (عليهم السلام) على ان لا يظهروا هم وشيعتهم بمظهر الشذوذ بحيث يكون المسلمون في وادي وهم وشيعتهم في وادي، ولعل الروايات التي تامر بمتابعة الحاكم منهم في مسالة هلال شهر رمضان وهلال ذي الحجة مع الشك بالمخالفة بل مع القطع بها كما يقول به بعضهم، نعم يلزم من هذا التنازل عن بعض الاحكام الواقعية ولكن يبدو ان المصلحة هنا اهم من ادراك المصالح الواقعية

ويدخل في هذا الباب ما سموه بالتقية المداراتية كما في صلاة الشيعة جماعة في المسجد الحرام

بل يبدو ان التقية امتدت الى الشيعة انفسهم فنجد الامام يتقي من الشيعة عندما يكونوا متأثرين بالمخالفين وبالجو العام الموجود بين المسلمين؛ لان الانسان عندما يكون متأثرا بالجو العام ومعتقدا به فقد يكون بيان الحكم الواقعي له له تأثير سلبي عليه وقد يؤدي الى رجوعه عن عقيدته او التشكيك بها، وثبت في بعض الموارد تأثير الجو العام على كبار الرواة من اصحابنا نتيجة لكونه أساسا من العامة او ان صديقه او استاذه منهم فتأثر به والامام (عليه السلام) لا يبين له بعض الاحكام التي قد تؤدي الى تشكيكه وتزلزل عقيدته وهناك بعض الروايات التي قد تجعل من هذا الباب، منها قوله (عليه السلام) ((فانبذ اليه نبذا فان قبله فزده وان انكر فدعه)) أي لا تبين له كل الاحكام لانه لو انكر بعض الاحكام فالاستمرار في تبيين الاحكام والحال هذه يؤدي الى عكس النتيجة، فلسنا مأمورين ببيان كل ما نعتقده الى الناس بل نحن مأمورون بعدم الإذاعة والكتمان فينبغي ان يراعى هذا الجانب في كل عملية تبليغ وكل عملية يراد بها نشر راي وفكرة، وهذا يفسر لنا ثبوت التقية في المسائل الفرعية وعدم اختصاصها بالجانب العقائدي الخلافي، ولذلك يحرص الائمة على عدم بيان خلاف الاحكام الفرعية المرتكزة في اذهان عموم المسلمين او يسكتون، فالأمام (عليه السلام) حينما تسلم الخلافة كان يقول لو أتيح لي الامر لفعلت جملة من الأشياء منها تغير مكان مقام إبراهيم فقد كان ملاصقا للكعبة ومنعت من صلاة التراويح، فلم يمنع منها والحال انه يرى عدم مشروعيتها

وتوجد مبالغة في تأثير التقية في حصول التعارض بين الأدلة فقد ذهب صاحب الحدائق الى ان معظم الاختلاف الموجود في الاحاديث ناشيء منها، ولكن يبدو ان الامر ليس كما ذكره؛ فان الأحاديث التي تصدر عن الائمة (عليهم السلام) تقية مميزة ومعروفة عند خواص الشيعة اعني تلامذة الائمة والرواة ان لم نقل عند عامتهم؛ ولذا نجد في كثير من الاخبار عندما ينقل السائل جواب الامام للشيعة يقولوا له اتقاك او يقال له اعطاك من جراب النورة لبيان ان الحكم صادر تقية ولم يكن لبيان الحكم الواقعي، فاذا كانت الاخبار الصادرة من الائمة تقية مميزة في أوساط الخواص فمن الصعب ان نقول انهم سيدونون هذه الاحاديث في كتبهم التي وضعوها لبيان الاحكام الواقعية ولكي يرجع اليها الغير لأخذ الحكم الواقعي، فلا اقل انهم لو نقلوا هكذا خبر ان يشيروا الى انه صادر تقية، وهذا لا ينفي ان تكون بعض الاحاديث الصادرة تقية قد دونت ولو بشكل جزئي ولكنها لا تشكل ظاهرة بحيث تشمل كل حديثين متعارضين، فعندما نرجع الى الكافي نجد انه ينقل احاديث مخالفة للتقية في موضوع العقائد كالتي تذكر منزلة اهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم، والاحاديث التي يذكرها في سورة القدر قد يستنكرها حتى بعض الشيعة ومع ذلك ذكرها في كتابه فهي صادرة عنهم (عليهم السلام) فلو كانت التقية مؤثرة فان تأثيرها في هذه الاحاديث أولى من تأثيرها في الاحاديث الفرعية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo