< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

34/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول العملية/ الاحتياط/ الاحتياط العقلي
 الآية الأخيرة التي استُدل بها على وجوب الاحتياط: هي قوله تعالى:(فأنْ تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله، والرسول). [1] ، بتقريب أنّ الأمر بالرد إلى الله(سبحانه وتعالى)، وإلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كناية عن الأمر بالتوقّف، وعدم الإقدام والاقتحام، نظير(قف عند الشبهة)، فتدلّ الآية حينئذٍ على وجوب التوقّف، وعدم جواز الاقتحام، وأنّ الآية أمرت بالرد إلى الله(سبحانه وتعالى)، وإلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي هو بمعنى التوقّف.
 يُلاحظ على الاستدلال:
 أولاً: أنّ موضوع الآية الشريفة هو المنازعة والمخاصمة، ولم يُفرَض في موضوع الآية الشريفة الشكّ وعدم العلم بالحكم الشرعي الذي هو محل كلامنا، حيث أننّا نتكلّم عن وجوب الاحتياط عند الشك في الحكم الشرعي، هذه الآية لم تأمر بالتوقف ــــــ على تقدير تسليم ما ذُكر في الاستدلال ــــــ عند الشكّ في الحكم الشرعي، وإنّما أمرت بالرد عند المنازعة والمخاصمة، فلا يثبت بها حينئذٍ وجوب التوقف، لو دلّت على وجوب التوقّف في محل الكلام، محل الكلام غير الموضوع الذي أُخذ في الآية الشريفة، فالموضوع المأخوذ في الآية هو المنازعة والخصومة، بينما في محل الكلام لا توجد منازعة وخصومة، وإنّما يوجد شكّ في التكليف الشرعي، فأين هذا من هذا ؟! وجوب التوقّف عند المنازعة والمخاصمة لا يدلّ على وجوب التوقّف عند الشكّ في الحكم الشرعي وعدم العلم به.
 ثانياً: يحتمل أنْ يكون المراد بالأمر بالردّ إلى الله(سبحانه وتعالى)، وإلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس هو التوقّف كما قيل في الاستدلال، وإنّما يكون المراد به هو تحكيم رأي الشارع المقدّس في موضوع الآية، (فردّوه إلى الله) يعني خذوا الحكم من الله(سبحانه وتعالى)، ومن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فتكون في مقام الإرشاد إلى أنّ الأحكام الشرعية ــــــ على تقدير أنْ تكون الآية ناظرة إلى محل الكلام ــــــ يجب أخذها من مصادرها الحقيقية التي هي عبارة عن الله(سبحانه وتعالى)، والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لا بمعنى التوقّف حتّى يُستدَل بها على وجوب التوقّف عند الشكّ في الحكم الشرعي.
 هذا هو تمام الكلام في الآيات الشريفة التي استُدلّ بها على وجوب الاحتياط، وتبيّن أنّ لا شيء يتمّ منها في محل الكلام.
 وأمّا السُنّة، فقد أستدلّ علماؤنا الأخباريون(رضوان الله عليهم)بمجموعة كبيرة جدّاً من الروايات والأخبار، قسم من هذه المجموعة واضحة الضعف من حيث الدلالة، يعني دلالتها ليست تامّة بشكلٍ واضح؛ ولذلك لعلّه لم يتعرّض علماؤنا(رضوان الله عليهم) لهذا القسم، وإنّما ركّزوا كلامهم ومناقشتهم لطوائف من الأخبار يأتي التعرّض لها إنْ شاء الله تعالى، حيث ركّزوا كلامهم على أخبار التثليث، وأخبار التوقّف عند الشبهة، والأخبار الآمرة بالاحتياط عند الشكّ في التكليف، لكن الأخبار الأخرى المتفرّقة التي قلنا بأنّ دلالتها ليست ناهضة، أهملت من قِبل العلماء ولم تُذكر، ولعلّ الأخباريون ذكروها واستدّلوا بها على مدّعاهم من وجوب الاحتياط.
 القسم الأوّل من الروايات: نحن نذكر نماذج من هذا القسم من الأخبار المُستدَل بها على وجوب الاحتياط للإشارة إلى أنّه أين تكون المناقشة فيها:
 الرواية الأولى: ما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) من قوله لكميل بن زياد(أخوك دينك، فاحتط لدينك بما شئت). [2]
 الملاحظة على الاستدلال بهذه الرواية: صحيح أنّ الرواية أمرت بالاحتياط، لكن أمرت بالاحتياط وقيّدته بما شئت، فالرواية معلّقة على مشيئة المكلّف، بمعنى أنّ مقدار الاحتياط المأمور به موكول إلى مشيئة المكلّف، وهذا يشكّل قرينة على أنّ الأمر في الرواية ليس للإلزام، لا نريد أنْ نقول لاستحالة ذلك، أو غير معقولية أنْ يُعلّق الأمر الوجوبي على مشيئة المكلّف، وإنْ كان هذا أيضاً يمكن تصوّره، وإنّما المناسبة العرفية تقتضي أنْ لا يكون الأمر للوجوب، الأمر الإلزامي، أو الوجوبي لا يُترَك الأمر في أصل فعله، أو مقدار فعله عندما يكون واجباً، لا يُترك إلى مشيئة المكلّف، في أصل الفعل عندما يكون واجباً لا معنى لترك أصل الفعل إلى مشيئة المكلّف؛ للمنافاة الواضحة بينهما، لا معنى لأنْ يكون الفعل واجباً لكنّه متروك إلى مشيئة المكلّف، إنْ شاء فعل، وإنْ شاء لم يفعل، فيكون إيكال الأمر في أصل الفعل إلى مشيئة المكلّف قرينة على عدم الوجوب، ونفس الكلام يقال في إيكال المقدار الواجب إلى المكلّف، كما في هذه الرواية لم يوكل أصل الاحتياط إلى المكلّف، هنا أيضاً نفس الكلام يمكن أنْ يقال فيها، عندما يكون هناك مقدار واجب ولازم من الاحتياط، هذا لا يناسب إيكال تعيين المقدار إلى مشيئة المكلّف من حيث الزيادة والنقيصة. وبعبارةٍ أكثر وضوحاً: أنّ وجوب مقدارٍ معيّنٍ من الاحتياط على تقدير أنْ يكون المقدار المعيّن من الاحتياط الواجب هو الزيادة، فالنقيصة تخرج عن حدّ الوجوب، فلا تكون واجبة، وإذا كان المقدار الواجب هو النقيصة، فالزيادة تخرج عن الوجوب، بينما ظاهر الرواية هو أنّ إيكال تعيين المقدار إلى المكلّف معناه أنّ المكلّف مخيّر في أيّ مقدار يأتي به، وكل مقدار يأتي به يكون هو الواجب وهو المطلوب بناءً على الوجوب، أنّ أيّ مقدار يختاره المكلف يكون هو الواجب، ويكون قد جاء بالواجب، فإذا اختار النقيصة فقد جاء بالواجب، وإذا اختار الزيادة فقد جاء بالواجب، وهذا غير معقول؛ لأنّه عندما يكون الواجب هو الزيادة، فالنقيصة تخرج عن حدّ الوجوب، وهكذا العكس، فإذن: لا مجال للجمع بين وجوب مقدارٍ معيّنٍ، وبين التخيير بما شئت، التخيير بما شئت حتّى في المقدار لا ينسجم مع افتراض الالزام؛ بل لابدّ من افتراض الرجحان، يعني الاستحباب وأمثاله، أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت، كل احتياط تفترضه هو أمر حسن وراجح كما هو الحال بالنسبة إلى الاحسان إلى الأخ؛ ولذا مُثّل الدين بالأخ، كما أنّ الإحسان إلى الأخ بأي مرتبةٍ يأتي بها الإنسان هو أمر راجح ومستحسن، كذلك الاحتياط في الدين أيضاً يكون أمراً راجحاً ومستحسناً؛ لأنّ الاحتياط يعني الرعاية، يعني الاهتمام والتحفّظ، هذا بأي مقدارٍ أنت تأتي به، فلسانك لسان الاستحباب والرجحان، لا لسان الوجوب والإلزام.
 الرواية الثانية: الرواية المعروفة المرسلة عن النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال:(من اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه). [3] لو سلّمنا أنّ هذه الرواية واردة في محل الكلام، يعني ناظرة إلى الشبهات الحكمية، غاية ما نفهم منها هو أنّ اتقاء الشبهة هو استبراء للدين، لكن هذه وحده لا يكفي لإثبات وجوب الاحتياط ووجوب التقوى ما لم نضم إلى هذه الصغرى كبرى مفادها أنّ الاستبراء إلى الدين واجب، فيكون قياساً مؤلفاً من صغرى وكبرى أنّ اتقاء الشبهة هو استبراء للدين، والاستبراء للدين يكون واجباً، إذن: يجب اتقاء الشبهة واجتنابها، وهو المطلوب. فلابدّ من تأليف هذا القياس حتّى يكون منتجاً ومثمراً، بينما الرواية ليس فيها دلالة على هذه الكبرى، ولا تقول أنّ الاستبراء للدين واجب، وإنّما هي تقول أنّ من اتقى الشبهات استبرأ لدينه، لكن هل الاستبراء للدين واجب في جميع المجالات، أو لا ؟ هذا لا يثبت بالرواية، ولعلّه لا يثبت أيضاً بأدلّة أخرى. إذن: الرواية لا تصلح أنْ يُستدَل بها على وجوب الاجتناب والاحتياط في الشبهات.
 الرواية الثالثة: مرفوعة أبي شعيب المرويّة في الخصال، قال:(أورع الناس من وقف عند الشبهة). [4] والكلام فيها نفس الكلام في الرواية السابقة، لكن ما الدليل على وجوب الأورعيّة ؟ وما الدليل على أنّه يجب على الإنسان أنْ يكون أورع الناس، حتّى تدل على أنّه يجب أنْ يقف عند الشبهة ؟ الرواية ليس فيها دلالة على ذلك، غاية الأمر هو أنّها تقول أنّ أورع الناس هو من وقف عند الشبهة، وهذا صحيح، لكن الرواية لا يثبت بها وجوب الأورعية حتّى يثبت بضمّ هذه الكبرى إلى الصغرى المستفادة من الرواية وجوب الوقوف عند الشبهة.
 الرواية الرابعة: مرسلة الطبرسي أرسلها في تفسيره الصغير:(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). [5] الشبهة تريبك، دعها إلى ما لا يريبك، بالنتيجة لا تقدم على عملٍ فيه ريب، والإقدام على الشبهة هو إقدام على عملٍ فيه ريب.
 ويناقش في هذه الرواية: بأنّه غير معلوم أنّها ناظرة إلى محل الكلام؛ وذلك لأنّه لم يؤخذ الشكّ في الحكم في موضوعها حتّى تكون ناظرة إلى محل الكلام، وإنّما المأخوذ فيها هو عنوان(الريب)، ومن قال أنّ الريب المقصود في المقام هو الريب المضاف إلى التكليف حتّى تكون ناظرة إلى محل الكلام، يعني دع التكليف الذي يريبك وتشكّ فيه، حتّى يُستدل بها على وجوب الاحتياط والتوقّف في محل الكلام، الشكّ في التكليف لم يؤخذ بشكلٍ واضحٍ في موضوع هذه الرواية، وإنّما المأخوذ هو الريب، ولا دليل على إضافة الريب في الرواية إلى الحكم الشرعي، حتّى يقال أننّا مأمورون بترك الأحكام الشرعية التي فيها ريب وشكّ وشبهة، وعدم الإقدام عليها، فيستدَلّ بها على وجوب الاحتياط، بينما هذا لم يؤخذ في الرواية، ولعلّ الريب مضاف إلى شيءٍ آخر، ولعلّها في مقام تقرير قضية ومطلبٍ آخر لا علاقة لها بمحل الكلام، وهي أنّ الأعمال التي يقوم بها الإنسان إذا دار أمرها بين عملٍ فيه ريب، وبين عملٍ لا ريب فيه، إرشاد إلى أنّه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، اقدم على أعمالٍ ليس فيها شبهة وريب وتردّد، وليست ناظرة إلى الشكّ في الحكم الشرعي الذي هو محل الكلام في الشبهات الحكمية، وتريد أنْ تأمر بالتوقف وعدم الإقدام، ناظرة إلى قضية عامّة، أنّ الإنسان عندما يؤمر من باب النصيحة ومن باب التعليم بأنْ لا تقدم على الأمور المريبة، دعها إلى الأمور التي ليس فيها ريب، فتكون الرواية أجنبية عن محل الكلام.
 هناك روايات أخرى من هذا القبيل لا داعي لذكرها، فنكتفي بهذا المقدار
 القسم الثاني من الروايات: المُستدل بها على وجوب الاحتياط، والتي تعرّض لها علماؤنا، وركّزوا الكلام عليها، وبيّنوا كيفيّة الاستدلال بها، والمناقشات الواردة عليها، وقسّموا هذا القسم من الروايات المستدل بها إلى ثلاثة طوائف من الأخبار:
 الطائفة الأولى: الطائفة الآمرة بالتوقّف عند الشبهات، الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وأمثالها.
 الطائفة الثانية: الأخبار الآمرة بالاحتياط في الشبهات، لسانها ليس لسان الوقوف عند الشبهة، وإنّما لسانها لسان الأمر بالاحتياط(فعليكم بالاحتياط) كما في بعض الروايات الآتية، أو(فعليك بالحائطة لدينك)، وأمثالها كما سيأتي.
 الطائفة الثالثة: أخبار التثليث المعروفة(حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك).
 نتكلّم أولاً عن الطائفة الأولى التي هي الأخبار الآمرة بالتوقف: هذه الأخبار كلّها وردت بلسان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وهذا اللّسان وارد في عدّة رواياتٍ إدّعي أنّها مستفيضة؛ بل قيل أنّها متواترة، لكن الظاهر أنّه من الصعب جدّاً إثبات التواتر، ولا يبُعد أنّها مستفيضة، ولعلّه بعجالة عثرنا على ستّ روايات، لكنّ لعلّ هناك روايات أخرى. هناك أربع روايات مرويّة في الباب الثاني عشر من أبواب صفات القاضي، وهي الحديث 2، و13، و15، و57، كل هذه الروايات ورد فيها هذا العنوان(الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة). [6] وفي الباب التاسع هناك حديثان، الحديث الأوّل من الباب التاسع من نفس الأبواب، والحديث الخامس والثلاثون، أيضاً ورد فيها هذا التعبير، وبقطع النظر عن التواتر والاستفاضة لا إشكال في وجود ما هو صحيح سنداً من هذه الأخبار، كالحديث الأخير، فأنّه صحيح سنداً بلا إشكال. إذن: هذا اللّسان ثابت بحسب الموازين المعتبرة في إثبات الروايات.
 تقريب الاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار على وجوب الاحتياط: يكون بدعوى أنّ هذه الأخبار ظاهرة في وجوب التوقّف عند الشبهة. نعم، هي لم تأمر بالتوقّف بشكلٍ صريح(قف عند الشبهة) لكنّها ظاهرة في وجوب التوقّف عند الشبهة، غاية الأمر أنّها بيّنت ذلك بلسان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، ممّا يُفهم منها أنّها تريد أنْ تقول أنّ اقتحام الشبهة فيه هلكة، وفي معرض الهلكة، وأنّ وقوفك عند الشبهة أحسن من أنْ تقع في الهلكة عند اقتحامك لها، فالوقوف ليس فيه هلكة، والاقتحام فيه احتمال الهلكة، يعني الإنسان يُعرّض نفسه إلى الهلكة، فيُفهم منها وجوب التوقّف، لكن بُيّن بلسان أنّ هذا خير من هذا، ليس خيراً بمعنى أفعل التفضيل؛ بل هنا مجرّدة عن أفعل التفضيل، وإنّما هذا يكون هو المعيّن وهو الوقوف عند الشبهة لئلا تقع في الهلكة. هذا الاستدلال بهذه الرواية ويستفاد منها وجوب الوقوف عند الشبهة، وهذا هو مقصود الأخباريين، أنْ يثبتوا أنّ الشبهات لابدّ من التوقّف فيها، وعدم الاقتحام كما يقول الأصوليين
 هناك عدّة مناقشات في الاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار، واهتمّ بها علماؤنا(رضوان الله عليهم):
 المناقشة الأولى: مناقشة معروفة مستفادة من كلمات الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) [7] وذكرها من تأخّر عنه، وخصوصاً السيد الخوئي(قدّس سرّه) [8] ، ذُكرت في كلا تقريريه(الدراسات والمصباح) كمناقشة مستقلّة، لكن أساسها هو الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) في الرسائل. حاصل هذه المناقشة هو: أنّ الوارد في هذه الأخبار هو عنوان (الشبهة). يُدّعى أنّ الشبهة ظاهرة في الأمر الذي يكون ملتبساً ومشتبهاً بقولٍ مطلق من جميع الجهات، يعني الأمر الذي يكون ملتبساً واقعاً وظاهراً. بعبارةٍ أخرى: ما لا يُعرف حكمه الواقعي، ولا حكمه الظاهري؛ عندئذٍ يكون هذا ملتبساً، وشبهة. هذا هو موضوع الروايات، أي ما يكون ملتبساً بلحاظ الحكم الواقعي والحكم الظاهري، وتدلّ على وجوب التوقّف في شبهةٍ من هذا القبيل. وأمّا إذا كان الشيء ملتبساً بلحاظ حكمه الواقعي وليس كذلك بلحاظ حكمه الظاهري، هذا يخرج عن موضوع الروايات، ولا تدلّ الروايات على وجوب التوقّف فيه؛ لأنّه ليس شبهةً، وما يُعلم حكمه الظاهري كما يُعلم حكمه الواقعي، كما لو علمنا حكمه واقعاً، فإذا علمنا بحكم الشيء ظاهراً خرج عن كونه شبهة، إنّما يبقى شبهة إذا قلنا أنّ الشبهة تختص بما لا يُعلم حكمه الواقعي، لكن إذا عممّناه إلى ما لا يُعلم حكمه الواقعي، وما لا يُعلم حكمه الظاهري، فإذا علمنا حكم شيء ظاهراً، فأنّه يخرج عن كونه شبهة، ويخرج عن الروايات ولا يمكن الاستدلال بالروايات على وجوب التوقّف فيه. وبناءً على هذا لا يصح الاستدلال في محل الكلام بالروايات في محل الكلام؛ لأنّه في محل الكلام، أي في الشبهات الحكمية البدوية بعد الفحص، في هذه الشبهات قامت الأدلّة على الترخيص في الارتكاب، وهي أدلّة البراءة المتقدّمة، فأثبتت فيه حكماً ظاهرياً مفاده البراءة، فتكون هذه الشبهة محل الكلام ممّا يُعلم حكمه الظاهري، فإذا علمنا حكمه الظاهري باعتبار أدلّة البراءة؛ حينئذٍ لا يكون مشمولاً لهذه الروايات الآمرة بالتوقّف؛ لأنّه بقيام الأدلّة على البراءة فيه، وعلى الترخيص فيه يخرج عن كونه شبهة؛ لأنّه عُلم حكمه الظاهري عن طريق تلك الأخبار، وإذا خرج عن كونه شبهة، يعني خرج عن موضوع هذه الروايات، فكيف يُستدَل بهذه الروايات والأخبار على وجوب التوقّف فيه ؟!
 


[1] نساء/سوره4، آیه59
[2] وسائل الشيعة(آل البيت)، الحر العاملي، ج 27، ص 167.
[3] وسائل الشيعة(آل البيت)، الحر العاملي، ج 27، ص 173.
[4] الخصال، الشيخ الصدوق، ص 16.
[5] تفسير جوامع الجامع، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 63.
[6] وسائل الشيعة(آل البيت)، الحر العاملي، ج 27، ص 155. و ص 158. و ص 159. و ص 171.
[7] فرائد الأصول، الشيخ الأنصاري، ج 2، ص 71.
[8] دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الشاهرودي، ج 3، ص 277. و مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للبهسودي، ج 2، ص 299.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo