< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/02/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان/ تزاحم الموجبات

فروع تزاحم الموجبات:

(مسألة 274): لو قال لآخر: ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة من الغرق والخطر، وكانت هناك قرينة على المجّانيّة وعدم ضمان الآمر، فألقاه المأمور، فلا ضمان على الآمر (2)، ولو أمر به وقال: وعليّ ضمانه، ضمن إذا كان الإلقاء لدفع الخوف ونحوه من الدواعي العقلائية (3)، وأمّا إذا لم يكن ذلك‌ و مع هذا قال: ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه، فالمشهور على أنّه لا ضمان عليه (4)، بل ادّعي الإجماع عليه، وفيه إشكال، والأقرب هو الضمان

1_ قلنا بان هنا صورتان:

الصورة الاولى: اذا فرض وجود غرض عقلائي من امره بإتلاف المال كما لو امره بإلقاء المال لاجل الخوف من الغرق

الصورة الثانية: اذا لم يكن غرض عقلائي كما لو قال اجرح نفسك وعلي الضمان

وخص بعض الفقهاء الغرض العقلائي بالخوف من الغرق ولعله لمناسبة المثال والا فلا خصوصية لذلك فالخوف من الغرق مجرد مثال لمطلق الغرض العقلائي، ولذا فالكلام يجري في مثال آخر كما لو قال له اعتق عبدك وعلي ثمنه ففيه غرض عقلائي

والكلام في الصورة الاولى وقلنا بأن ظاهرهم الاتفاق على ضمان الآمر في هذه الصورة وذكرنا دليلاً وهو الاستدلال بما دل على لزوم الوفاء بالعقود وقلنا بانها اما ان يراد بها العهود كما ورد في رواية عبد الله بن سنان التي رواها في الوسائل (مرسلة عن تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه‌السلام) عن قول الله عزّ وجلّ ﴿يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود﴾[1] قال : العهود) [2] ، (ولا نعلم طريق العياشي الى عبد الله بن سنان

لكنها موجودة بسند معتبر في تفسير علي بن ابراهيم القمي عن ابيه عن النضر بن سويد عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله (عليه السلام) قوله ﴿اوفوا بالعقود﴾ (قال بالعهود))[3] ففسر العقود بالعهود وبناء على هذا يمكن ان تكون شاملة لمحل الكلام لان العهد يعني الوعد على الاتيان بشيء عند حصول شيء آخر ويمكن تطبيق هذا في محل الكلام بأن يقال ان الآمر يعاهد المأمور بالضمان اذا اتلف ماله

واما اذا كان موضوع الحكم بوجوب الوفاء هو العقود وواحدها عقد فما يفهم من كلامهم ان العقد هو ربط شيء بشيء، مأخوذ من عقدة الحبل ولكن هذا ربط خارجي، وقد يكون الربط اعتباري كما هو الحاصل في المعاملات فان البيع هو ربط التزام البائع بدفع المثمن بالتزام المشتري بدفع الثمن، وهذا يمكن تطبيقه في المقام بأن يقال بان المامور يربط التزامه باتلاف المال بالتزام الآمر بدفع قيمة المال التالف

الدليل الثاني: الاستدلال بقاعدة الغرور لأن الآمر غره والمغرور يرجع على من غره بمعنى انه يأخذ منه المال الذي امره باتلافه

وقاعدة الغرور فيها كلام فالظاهر ان الروايات التي تصرح بالقاعدة غير تامة سنداً

الدليل الثالث: التمسك بالسيرة العقلائية بأن يقال ان السيرة انعقدت على ضمان من امر غيره باتلاف ماله لا مجاناً

الدليل الرابع: الاجماع، وتقدم دعوى اجماع الامة على الضمان في هذه الحالة وكأنه امر مسلم بين الفقهاء ولا خلاف فيه وذكر الشهيد في المسالك كفى به دليلاً في المسألة

    1. الصورة الثانية: اذا لم يكن غرض عقلائي من قبيل ما لو قال له احرق متاعك وانا ضامن او اجرح نفسك وانا ضامن

وفي هذه الصورة ذهب المشهور الى عدم الضمان وذكر الشيخ في المبسوط[4] انه لا خلاف فيه وهكذا غيره وفهم منه الشهيد[5] الاجماع ولذا نسب اليه الاجماع

وبالرغم من هذا تردد المحقق في الشرايع وان كان قال اقربه عدم الضمان كما عليه المشهور

وذكر الشهيد في المسالك وجه التردد من عدم الفائدة والاجماع المدعى وكون الضمان على خلاف الاصل، ومن عموم الامر بالوفاء بالعقود وهو عام الا ما خصه الدليل ولا مخصص هنا [6]

اقول: لا بد ان يضاف الى وجه الضمان وجه آخر ذكره السيد الخوئي وهو السيرة العقلائية لأنه يرى عدم اختصاصها بالصورة الاولى بل حتى اذا لم يكن غرض عقلائي

من هنا يبدو ان المهم للاستدلال على الضمان في الصورة الثانية هو الاستدلال بالاية الشريفة ﴿اوفوا بالعقود﴾ والسيرة العقلائية اما السيرة العقلائية فيلاحظ على الاستدلال بها في محل الكلام.

اولاً: بانه ليس واضح وجود سيرة منعقدة عند العقلاء على ضمان من أمر غيره باتلاف ماله سفهاً فيعتبرونه نوع من السفه ويلومون المأمور لو نفذ هذا الامر

وثانياً: قلة الابتلاء بهذه المسألة فهي ليست عامة الابتلاء فمن النادر أن يأمر غيره باتلاف ماله لا لغرض عقلائي وهذه الندرة تمنع من انعقاد سيرة عقلائية بحيث نستكشف منها الامضاء الشرعي فانه انما يوجد عندما تكون سيرة عامة ويسكت عنها الشارع فيستكشف من سكوته وعدم ردعه الامضاء

واما لو كانت السيرة نادرة الوقوع لأن الابتلاء بالمسألة نادر فلا يمكن ان نستكشف منها الامضاء الشرعي فلعل الشارع ردع عنها ولم يصل الينا الردع

ثالثاً: هناك صعوبة في استكشاف الامضاء الشرعي من هذه السيرة حتى اذا افترضنا انها موجودة عند العقلاء وانها ليست نادرة فإن جمع غفير من العلماء المتقدمين ذهبوا الى عدم الضمان بل ادعي اتفاقهم على عدم الضمان ولا بد ان لا يكون اتفاقهم اعتباطاً وهذا الاتفاق اذا لم يكن يكشف عن الردع عن هذه السيرة وعدم امضائها فلا أقل من انه يكون مانعاً من استكشاف امضائها

وبعبارة اخرى يقوى احتمال الردع عنها فمن الصعوبة بمكان احراز الامضاء وقد يقال بان هذه الملاحظات هل تسري الى الاستدلال بالسيرة العقلائية في الصورة الاولى؟ ويبدو انه يمكن ان يقال بانها لا تمنع من الاستدلال بالسيرة على صورة ما لو كان غرض عقلائيلأن الملاحظة الثالثة ليست كموجود فان الفقهاء اتفقوا على الضمان هناك، وكذلك الملاحظة الثانية فانه وان كان توجد قلة لكنها ليست بدرجة القلة في الصورة الثانية فالندرة ليست واضحة فلعله يفرق بينهما من هذه الجهة واما الملاحظة الاولى ففي الصورة الاولى لا يبعد وجود سيرة من هذا القبيل ولعله لو نقلنا الاستدلال من السيرة الى الارتكاز العقلائي فانه يساعد على الضمان في الصورة الاولى والارتكازات العقلائية اذا كانت تعرض اغراض الشارع للخطر فسكوت الشارع عنها وعدم ردعه عنها امضاء لها ومن هنا يمكن التفريق بين الصورة الاولى والثانية بمعنى انه يمكن الاستدلال على الضمان بالسيرة العقلائية في الصورة الاولى دون الثانية

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo