< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان/ تزاحم الموجبات 

فروع تزاحم الموجبات:
(مسألة 272): لو اجتمع سببان لموت شخص، كما إذا وضع أحدٌ حجراً مثلاً في غير ملكه وحفر الآخر بئراً فيه فعثر ثالث بالحجر وسقط في البئر فمات، فالأشهر أنّ الضمان على من سبقت جنايته ، وفيه إشكال، فالأظهر أنّ الضمان على كليهما (1)، نعم، إذا كان أحدهما متعدّياً، كما إذا حفر بئراً في غير ملكه والآخر لم يكن متعدّياً، كما إذا وضع حجراً في ملكه فمات العاثر بسقوطه في البئر، فالضمان على المتعدّي(2)

    1. كان الكلام في ما اذا اجتمع سببان متساويان في التعدي ولكنهما مختلفان من حيث التقديم والتاخير في الجناية بان كان احدهما اسبق جناية من الآخر،

وذهب الاكثر الى ان الضمان يثبت على من سبقت جنايته والقول الثاني هو التساوي في الضمان بالاشتراك

والاحتمال الثالث ان الضمان يكون على ذي السبب القوي ومثلوا له بما اذا كان السكين الموضوع في البئر المحفورة حاداً قاطعاً فهو السبب القوي ويثبت على واضع السكين الضمان

استدل على القول الاول بالاستصحاب وبينا ما فيه واستدل عليه بدليل اخر حاصله ان السقوط في البئر في المثال المطروح (احدهما حفر بئراً في ملك الغير ووضع اخر حجراً في غير ملكه فجاء شخص فعثر بالحجر وسقط في البئر)

ان السقوط في البئر حصل بسبب العثور بالحجر فيكون الضمان على واضع الحجر لان السقوط المؤدي الى التلف حصل بفعله لا بسبب الحافر فيكون مثل حافر البئر ومن دفع آخر فيه فالضمان على الدافع

والحاصل ان حفر البئر انما يوجب الضمان عندما يسقط فيه الشخص بسبب الحفر لا بسبب اخر والمفروض في محل الكلام انه لم يسقط فيه بسبب الحفر وانما بسبب العثور بالحجر بحيث يقال ان العثور بالحجر ادى الى السقوط ولا يقال ان حفر البئر ادى الى السقوط وان كان لولا حفر البئر لما حصل التلف

فالذي ادى الى السقوط هو العثور بالحجر فيكون هو السبب في السقوط ويكون حفر البئر بمنزلة الشرط

واما الاحتمال الثاني وهو التساوي في الضمان فمستنده ما اشار اليه المحقق في الشرايع من ان التلف لا يستند الى احد السببين دون الاخر بل نسبته اليهما على حد سواء لانه لولا كل واحد منهما لما حصل التلف والمفروض ان كلاً منهما متعدي فيتساويان في نسبة التلف اليهما فلا وجه لترجيح السابق جناية على الاخر وكل منهما مؤثر فيشتركان في الضمان

ويرد عليه ما ذكر في الوجه الثاني الذي استدل به على الاحتمال الاول لترجيح من سبقت جنايه في الضمان على الاخر، وهو ان التلف حصل بفعل واضع الحجر فالعثور بالحجر هو الذي ادى الى السقوط في البئر والتلف ولا نقول بان حفر البئر ادى الى السقوط في البئر والتلف وان كان لولاه لما حصل التلف، فان هذا يقال في كل شرط، والسبب هو العثور بالحجر

فهذا الوجه اذا تم يكون جواباً للاحتمال الثاني القائل بالتساوي فنسبة التلف الى واضع الحجر تكون صحيحة وحافر البئر حقق شرط تأثير العثور بالحجر في التلف

واما الاحتمال الاخير، فواضح ان كون السكين حاداً وقاطعاً لا يوجب صيرورة وضع السكين في البئر اقوى في السببية من حفر البئر في المثال الآخر، باعتبار ان حفر البئر هو السبب في السقوط ونصب السكين يكون بمنزلة الشرط حتى لو كان قاطعاً

وتبين من هذا الكلام ان اقرب الاحتمالات هو الاحتمال الاول الذي ذهب اليه الاكثر، استناداً الى الدليل الثاني فهو لا يخلو من وجه

2- بناء على القاعدة السابقة -على الاحتمال الاول- يكون الضمان على واضع الحجر لانه اسبق جناية،

لكنهم قالوا انه هنا يكون الضمان على المتعدي فيكون الضمان في المثال على حافر البئر

وكون الضمان على حافر البئر قد يستشكل فيه بناء على ما تقدم من ان الضمان يكون على من سبقت جنايته اذا اجتمع السببان وهو في المثال واضع الحجر، وهكذا على رأي السيد الماتن القائل بالتساوي في الضمان

وجوابه واضح عندهم وهو أن الضمان على حافر البئر لانه المتعدي وقد دلت النصوص على ضمان المتعدي،

والمقصود النصوص المتقدمة الدالة على ان من حفر بئراً في غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيه

وهنا ملاحظتان على هذا الاستدلال:

الاولى: إن هذه النصوص تختص بما اذا كان المتعدي هو حافر البئر كما في المثال الذي ذكره السيد الماتن ولكن الكلام لا يختص بهذا كما لو كان المتعدي هو واضع الحجر دون حافر البئر، فلا يمكن الاستدلال على ضمان واضع الحجر بهذه الروايات فانه لم يحفر بئراً في ملك غيره بل وضع حجراً في ملك غيره

ويمكن تجاوز هذه الملاحظة بالغاء خصوصية حفر البئر في ملكه او في ملك غيره بأن نفهم من هذه النصوص ان الضمان وعدمه يدور مدار التعدي وعدمه فكل من يتعدى يكون ضامناً لكل ضرر يحصل بسبب ما فعله عدواناً

والثانية: ما ذكرناه من اننا نفهم من هذه النصوص انها تريد اثبات ضمان ما يسقط في البئر بسبب الحفر لا ما يسقط في البئر بسبب آخر سواء كان السبب الآخر هو دفع دافع او هو العثور بالحجر، فهي ظاهرة في حكم من حفر بئرا في ملك غيره فسقط فيه شخص فمات

ولا تشمل ما اذا كان الموجب للسقوط ليس هو حفر البئر كما لو دفعه دافع

وفي محل الكلام حصل السقوط بسبب آخر وهو العثور بالحجر من دون فرق بين ان يكون واضع الحجر متعدياً او لا

والصحيح في المقام أن نقول إن ضمان المتعدي في صورة كون المتعدي هو واضع الحجر، والحافر ليس متعدياً واضح بناء على ما تقدم -وهو الصحيح- من ضمان من سبقت جنايته منهما، مضافاً الى انه لا يوجد احتمال أن يكون الضمان على حافر البئر فقد حفر بئراً في ملكه

واما اذا كان المتعدي هو حافر البئر فالضمان على حافر البئر بالرغم من ان الذي سبقت جنايته هو واضع الحجر

والصحيح ان نستدل على ضمان حافر البئر بما اشرنا اليه من انه لا احتمال لضمان واضع الحجر فانه تصرف في ملكه وهو لا يستتبع الضمان حتماً فيختص الضمان بالمعتدي

بل يمكن تعميم ذلك لكل الامثلة عندما يكون احد السببين متعدي دون الآخر فلا يحتمل أن يكون الضمان على غير المتعدي فقد تصرف في ملكه فلا احتمال لأن يكون ضامناً مع افتراض عدم التغرير فيختص الضمان بالمتعدي

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo