< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان/ تزاحم الموجبات

 

فروع تزاحم الموجبات:

(مسألة 271): لو حفر بئراً في ملكه وغطّاها ودعا غيره فسقط فيها، فإن كانت البئر في معرض السقوط كما لو كانت في ممرّ الدار وكان قاصداً للقتل أو كان السقوط فيها ممّا يقتل غالباً ثبت القود، وإلّا فعليه الدية و إن لم تكن في معرض السقوط واتّفق سقوطه فيها لم يضمن (1)

    1. واضح ان السيد الماتن يفصل بين ما اذا كان موضع البئر في معرض سقوط الداخل كما اذا كان في ممر الدار فحكم بضمان الحافر الدية مع عدم قصد القتل وعدم كون السقوط في البئر مما يقتل غالبا والا ثبت القصاص

وبين ما اذا لم تكن البئر في معرض سقوط الداخل في الدار كما لو حفر بئراً في جانب الدار، وانما اتفق السقوط فحكم بعدم الضمان

وهذا الكلام صريح تقريباً في ان الموجب للضمان في الفرض الاول هو كون البئر في معرض السقوط، واما كونه قد غطاها ودعا غيره للدخول في الدار فهذا لا اثر له بالضمان بدليل انه في الشق الثاني حكم بعدم الضمان بمجرد افتراض ان البئر ليست في معرض السقوط مع ان مقسم المسألة انه حفر بئراً وغطاها ودعا غيره، والمقسم موجود في كلا الشقين: كون البئر في معرض السقوط وكونه ليس في معرض السقوط

ولكن يظهر من الفقهاء الذين تعرضوا لهذه المسألة ان الموجب للضمان هو تغطيته للبئر ودعوته الغير الى الدخول في الدار من دون اخباره بالحال -كما هو المفروض- من دون فرق بين ان يكون البئر في معرض السقوط او لا، فالموجب للضمان هو انه غطى البئر التي حفرها ودعا غيره من دون اخباره بالحال

قال المحقق في الشرايع (ولو حفر في ملك نفسه بئرا وسترها ودعا غيره فالاقرب الضمان) ومثله في القواعد وغيرهما ايضاً، وهذه العبارة تشمل ما اذا كانت البئر في معرض السقوط او لا وما اذا كانت في جانب الدار او لا فظاهر كلامهم الالتزام بالضمان حتى اذا لم تكن البئر في معرض السقوط بل لم يرد في كلماتهم عبارة انه في معرض السقوط ولذا عللوا الحكم بأن المباشرة يضعف اثرها مع الغرور فإن دعوته للآخر من دون اخباره تغرير، فالموجب للضمان بنظرهم هو مسألة التغرير المتحقق بستر البئر وعدم اخباره بذلك

وتظهر ثمرة الخلاف بين الفقهاء والسيد الماتن في ما لو حفر البئر في جانب الدار وغطاها ودعا غيره فعلى رأي السيد الماتن لا ضمان عليه، بينما يثبت الضمان على رأي الفقهاء فإن كلامهم اعم من كون البئر في معرض السقوط وعدم كونها كذلك، ومن هنا لا بد من بحث هذا الفرع وهو ما لو لم تكن البئر في معرض السقوط كما لو حفر البئر في جانب الدار وغطاها ودعا غيره فسقط فيها

فإن ثبت بالدليل أن الحافر يكون ضامناً يكون كلام الفقهاء صحيحاً، وإن لم يثبت الضمان صح ما ذهب اليه الماتن وهو يكشف ان الموجب للضمان ليس هو كونه قد غطاها ودعا غيره بل الموجب هو ما ذكره السيد الماتن من كون البئر في معرض السقوط

ويوجد في هذا الفرع رأيان:

الاول: الضمان وهو مختار المحقق في الشرايع والعلامة في القواعد وولده في الايضاح والشهيد الثاني في المسالك بل ادعى انه هو المشهور

الثاني: عدم الضمان وهو مختار السيد الماتن ومختار صاحب مفتاح الكرامة واحتمله في الايضاح مطلقاً وفي كشف اللثام في صورة ما اذا لم يغره عمداً

واستدل للضمان بثلاثة وجوه

الاول: ما نقلناه عن المحقق من ان المباشرة يسقط اثرها مع الغرور والمراد الغرور المتحقق بعدم الاخبار عمداً او سهواً مع تغطيته للبئر ودعوته الغير للدخول

الوجه الثاني: استدلوا بما دل على أن من دخل دار قوم باذنهم وعقره كلبهم ثبت الضمان عليهم

معتبرة السكوني، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم ، قال : لا ضمان عليهم ، وإن دخل بإذنهم ضمنوا)) [1] والاستدلال يكون بدعوى انها تدل بالفحوى على الضمان في محل الكلام فهي تدل على ضمانهم لما يحدث للداخل من ضرر بمجرد اذنهم بالدخول مما يعني ان الاذن بالدخول هو الموجب للضمان، وفي محل الكلام هو دعاه للدخول الى الدار وكان قد حفر بئراً وسترها ولم يخبر الداخل بالحال فضمانه يكون من باب اولى

الوجه الثالث: ما تقدم من قولهم (عليهم السلام) ((لا يبطل دم امريء مسلم))

واما عدم الضمان فاستدل له بالاصل مع افتراض عدم التعدي كما هو المفروض في محل الكلام لأن المفروض انه حفر في داره، وباطلاق ما دل على عدم ضمان من حفر بئراً في ملكه، والروايات هي

موثقة سماعة ، قال : سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه ، فقال : ((أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان ، وأما ما حفر في الطريق ، أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه))[2] وهي شاملة لمحل الكلام باطلاقها لانه حفر في ملكه في محل الكلام

وصحيحة زرارة (بطريق الكليني)، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((لو أن رجلا حفر بئرا في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شيء ولا ضمان ، ولكن ليغطها))[3] وهي مطلقة شاملة لمحل الكلام والمقصود من قوله (ليغطها) ان يحكم غطائها بحيث لا يقع فيها الرجل لو وضع رجله عليها

والذي يبدو ان احسن الوجوه التي استدل بها على الضمان هو الوجه الثاني

اما الوجه الثالث (لا يبطل دم امريء مسلم) فقد طرحنا احتمال ان تثبت القاعدة في صورة وجود قاتل لا يمكن اخذ الدية منه اما لعدم التمكن منه او لعدم معرفته او لسبب اخر

واما في مثل محل الكلام فلا نعلم هل هناك قاتل او لا؛ لاحتمال انه ليس على الحافر شيء، مضافاً الى انه لا يثبت بها المطلوب لانها لا تثبت الدية على الحافر بل هي تثبت وجود الدية ويحتمل كما ورد في بعض النصوص ان تكون الدية على بيت المال، وهذا لوحده لا يثبت المطلوب في محل الكلام لان المدعى ان تكون الدية على الحافر

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo