< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان

فروع تزاحم الموجبات:

(مسألة 270): إذا كان أحد شخصين مباشراً للقتل والآخر سبباً له ضمن المباشر، كما إذا حفر بئراً في غير ملكه ودفع الآخر ثالثاً إليها فسقط فيها فمات (1)، فالضمان على الدافع إذا كان عالماً، وأمّا إذا كان جاهلاً فالمشهور أنّ الضمان على الحافر، وفيه إشكال، ولا يبعد كون الضمان على كليهما و إذا أمسك أحدهما شخصاً وذبحه الآخر فالقاتل هو الذابح كما تقدّم، وإذا وضع حجراً مثلاً في كفّة المنجنيق وجذبه الآخر فأصاب شخصاً فمات أو جرح فالضمان على الجاذب دون الواضع [1]

كان الكلام في ما اذا اجتمع السبب والمباشر كما في مسألة حفر البئر فالسبب هو الحافر والمباشر هو الدافع الذي دفع شخصاً فوقع فيها فمات

وقلنا بأن تقديم المباشر في هذه الحالة لا اشكال فيه في الجملة

ومن هنا جاء التفصيل بين صورة علم الدافع بالحال وبين جهله فالمتيقن من ضمان المباشر هو في صورة علمه وانما الكلام وقع فيما اذا كان جاهلاً بذلك، والاحتمالات ثلاثة:

الاول: أن يكون الضمان على المباشر فلا فرق بين علمه بالحال وبين جهله به

الثاني: أن يكون الضمان على السبب فلا يكون الضمان على المباشر لجهله بالحال

الثالث: انهما يضمنان معاً

اما الاحتمال الاول فيستدل له بما اشير اليه في بعض الكلمات بعموم ما دل على تقديم المباشر على السبب اذا اجتمعا

واجابوا عنه بأنه لا يوجد عموم من هذا القبيل لأن هذا لم يرد في نص حتى نتمسك باطلاقه او عمومه في محل الكلام وإنما هو اتفاق واجماع

ولا اتفاق في محل الكلام اي في صورة الجهل، بل الظاهر أن الاتفاق على العكس فإن الاصحاب ذهبوا الى ضمان السبب

او يستدل بمسألة صحة الاسناد اي صحة إسناد القتل الى المباشر دون السبب

واجيب عنه بأنه لا ينفع في تقديم المباشر في محل الكلام فهو ينفع في صورة علم المباشر دون جهله لأن جهل الدافع يوجب ضعف المباشرة في مقابل الحافر فحينئذ لا وجه للقول بصحة الاسناد الى المباشر دون السبب

فالدليل على الاحتمال الاول غير تام

وأما الاحتمال الثاني وهو المنسوب الى الاصحاب وذكر في الجواهر انه لا يجد فيه خلافاً، وعلل تارة بأن السبب اقوى من المباشر، وعلل في كلمات بعض آخر كما في مفتاح الكرامة بأن المباشر يضعف مع الجهل والمباشر انما يتقدم على السبب عندما يكون اقوى من السبب او مساوي له

وهذا في الحقيقة يرجع الى دعوى أن جهل المباشر بالحال يوجب ضعف المباشر من حيث تاثيره في القتل بل يوجب اقوائية السبب منه فالضمان يكون على السبب فحيث انه اقوى في التأثير فكأن القتل يسند اليه

وهذا الدليل يلاحظ عليه اننا لا ننكر أن جهل الدافع يوجب ضعف المباشرة وهذه قضية وجدانية بمعنى أن تاثير الدافع ودخالة الدفع في تحقق القتل في حالة العلم اوضح من دخالته في تحققه في حالة الجهل ولذا فان اللوم والعقاب يختلف فالظاهر ان مسألة أن جهل المباشر توجب ضعف المباشر صحيحة

ولكن مسألة أن جهل الدافع توجب اقوائية السبب غير واضحة باعتبار أن دخالة السبب في تحقق القتل ليست ازيد من دخالة المباشر حتى في حالة الجهل التي هي محل الكلام فأقوائية السبب في المقام غير واضحة لأنه إنما يكون اقوى عندما تكون دخالته في تحقق القتل ازيد من دخالة المباشر وليس ذلك واضحاً حتى في صورة الجهل بالحال

فاذا صح اسناد القتل الى السبب وترتب عليه الضمان كما يقول المشهور فلا بد أن يصح اسناده الى المباشر ايضا لما ذكرناه من أن دخالة السبب ليس ازيد من دخالة المباشر، وسياتي ان الصحيح انه لا يصح اسناد القتل الى السبب

واما الاحتمال الثالث الذي اختاره السيد الماتن فقد استدل عليه بأن الدافع يكون ضامناً باستناد القتل اليه وهذا يتبعه الضمان بحسب الادلة واما مسألة جهله بالحال فهو لا يمنع من صحة الاسناد كما لو فرضنا انه دفعه في حفرة طبيعية جاهلاً بها فسقط فمات فلا اشكال في انه يكون ضامناً ويسند القتل اليه

واما الحافر فالدليل على ضمانه عموم ما دل على ضمان الحافر والمقصود هو الروايات المتقدمة

والذي يمكن أن يقال بأن ظاهر هذا الكلام انه لا يرى صحة اسناد القتل الى السبب اذ لو كان الاسناد يصح بالنسبة الى السبب لكان هو الدليل على الضمان بالنسبة اليه ولا حاجة الى التفصيل الذي ذكره فقد استدل على ضمان المباشر بصحة الاسناد بينما استدل بالعمومات في السبب خصوصاً انه صرح في مناسبة سابقة ان الضمان يدور مدار صحة الاسناد

وما ذكره هو الصحيح بمعنى ان القتل لا يصح اسناده الى السبب فلا يقال للحافر انه قتله ولو تنزلنا وسلمنا صحة اسناد القتل الى السبب في حالة جهله لازمه ان نلتزم بصحة اسناده اليه في صورة علم الدافع ايضاً باعتبار ان علم الدافع وجهله بالحال ليس له تاثير في دخالة السبب في تحقق القتل فان دخالة السبب في تحقق القتل هي بدرجة واحدة ولا تتاثر بعلم الحافر وجهله بينما هذا خلاف ما اتفقوا عليه من أنه في حالة علم الدافع على ضمان المباشر دون السبب

وما يظهر من كلامه هو الصحيح وهو انه لا يصح اسناد القتل الى السبب ولذا هو استدل على ضمان السبب بالعمومات

فهو استدل باطلاق ما دل على ضمان الحافر وهذا يختص بهذا المثال ونحن نتحدث عن مطلق اجتماع السبب والمباشر كما في مثال من امسك شخصا وجاء اخر فقتله فالتمسك لاثبات ضمان السبب في حال جهل المباشر باطلاق ما دل على ضمان الحافر تمسك بقضية جزئية ومثال خاص

فعندما يجتمع الحافر والدافع فالروايات تدل على ضمان الحافر وتعرضنا لها في غير مناسبة وقلنا بان الظاهر ان هذه الروايات واردة في غير محل الكلام

فنحن نتكلم عن اجتماع سبب ومباشر والمباشر غير المتضرر

وهذه الادلة لا تشمل هذه الصورة لانها مختصة بصورة ما اذا لم يكن دافع فهي تثبت الضمان على الحافر في حالة عدم وجود دافع، نعم هي تثبت ذلك في صورة التعدي كما قلنا بان احد موجبات الضمان هو التعدي بقطع النظر عن صحة الانتساب فاذا حفر بئراً في غير ملكه وجاء شخص وسقط فيها فالحافر يكون ضامناً واين هذا من محل الكلام فالروايات ليس فيها دلالة على الضمان في محل الكلام

قد يكون السيد الماتن يشير الى بعض الروايات التي قد يدعى ان فيها اطلاق كما في قوله ((من اضر بطريق المسلمين فهو ضامن)) فلو حفر بئراً في طريق المسلمين فهو ضامن سواء كان اضر بطريق المسلمين بان جاء شخص فسقط فيه او ان شخصان دفع احدهما الاخر فسقط في البئر

والانصاف ان هذا الاطلاق غير موجود في هذه الروايات بل هي ناظرة الى صورة عدم وجود الدافع


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo