< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان

فروع التسبيب:

(مسألة 268): لو شهر سلاحه في وجه إنسان، ففرّ وألقى‌َ نفسه في بئر أو من شاهق اختياراً فمات، فلا ضمان عليه و أمّا إذا كان بغير اختيار، كما إذا كان أعمى أو بصيراً لا يعلم به، فقيل: إنّه يضمن، ولكنّه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد عدم الضمان(1) [1] ، وكذلك الحال إذا اضطرّه إلى مضيق فافترسه سبع اتّفاقاً أو ما شاكل ذلك

قلنا بان الضمان بالتسبيب له موارد كثيرة دلت النصوص على الضمان فيها وذكرناها

وننبه ان النصوص دلت على ضمان المكره (بالكسر) وهو سبب كما اذا قال اقطع يد زيد والا قتلتك وهذا في غير الاكراه على القتل واما في موارد الاكراه على القتل فالضمان على المباشر لا على السبب وقد دلت النصوص على ذلك كما في الباب 13 من ابواب القصاص في النفس من الوسائل

وقلنا هناك موارد كثيرة اذا فرضنا انه ثبت الضمان فيها بنص خاص او باجماع يلتزم به فاذا امكن ادخالها في الموارد السابقة فبها والا تكون عناوين مستقلة تقتضي الضمان

اما المورد الاول وهو الروايات الواردة في من حفر بئراً في غير ملكه وهي روايات كثيرة صريحة في ذلك وهذه الروايات لها ظهور في ثبوت الضمان على السبب في حالة عدم وجود مباشر غير المتضرر اي اذا كان المباشر هو المتضرر لا عندما يكون المباشر شخصاً آخر غير المتضرر كما في ما لو دفع شخصاً آخر فوقع في البئر فمات

نعم هي تدل على ضمان السبب في حالة التعدي اذا لم يكن هناك مباشر غير المتضرر كما لو حفر بئراً في الطريق العام وجاء شخص فسقط فيه فمات

ففي صحيحة زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : قلت له : رجل حفر بئرا في غير ملكه فمر عليها رجل فوقع فيها ، فقال : (عليه الضمان لان كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان)[2] فموردها التعدي ولم يفرض وجود مباشر غير المتضرر

ورواية ابي الصباح الكناني ، قال : قال أبو عبدالله (عليه‌السلام):(من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن)[3] فليس فيها دلالة على ضمان السبب في فرض كون المباشر للاتلاف غير المتضرر

ورواية سماعة ، قال : سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه ، فقال : ( أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان ، وأما ما حفر في الطريق ، أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه)[4] فلا تصرح بالضمان في حالة وجود مباشر غير المتضرر

ورواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : (لو أن رجلا حفر بئرا في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شيء ولا ضمان ، ولكن ليغطها)[5]

ورواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : سألته عن الشيء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال : (كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه)[6]

و معتبرة السكوني السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : (من أخرج ميزابا ، أو كنيفا ، أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابة ، أو حفر شيئا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن)[7] وليس فيها دلالة على ضمان السبب في حالة وجود مباشر غير المتضرر

والشيء المؤكد في هذه الروايات هو ضمان السبب في حالة عدم وجود مباشر غير المتضرر

والظاهر انه يمكن ان نتعدى من هذه الروايات الى ما يشبهها من الموارد بعد وضوح انه لا خصوصية لما ذكر في هذه الروايات من البئر والطريق والحفر والدابة وامثالها ولذا عمم في معتبرة السكوني،

وما يستفاد من مجموعها هو ان هناك ميزانان للضمان بالتسبيب

الميزان الاول: اذا صح اسناد الاتلاف الى السبب وهذا لا يقيد بأن يكون متعدياً كما اذا حفر بئراً في ممر داره وغطاها ودعا شخصاً الى منزله فوقع فيها فهذا ليس متعدياً في حفر البئر لكن الاتلاف ينسب اليه

وكما اذا دخل دار قوم باذنهم فعقره كلبهم فهنا يصح إسناد التلف الى القوم لأنهم دعوه وهم يعلمون ان لهم كلباً عقوراً

وهذا المورد يمكن تعميمه الى كل الحالات التي يصح فيها اسناد الاتلاف الى السبب

وصحة اسناد الاتلاف الى السبب تكون اوضح عندما لا يكون مباشر غير المتضرر

الميزان الثاني: التعدي كما في مثال حفر البئر في الطريق او في ملك الغير وهنا ايضاً لا نشترط صحة اسناد الاتلاف اليه كما دلت الروايات على ذلك بشرط ان لا يكون هناك مباشر آخر

واما الحالات الاخرى فاذا امكن ادراجها في أحد هذين الميزانين فبها كما هو حال معظمها، ولكن هناك حالات يصعب ادراجها في أحد هذين الميزانين مثل شهادة الزور والاكراه والغرور وهذه حالات خاصة والتعدي عنها لا يخلو من صعوبة

اذا تبين هذا نقول الظاهر ان ما ذهب اليه جماعة من الفقهاء من الضمان في محل الكلام هو الصحيح خلافاً للسيد الماتن ونستند في ذلك الى دليلين:

الاول: تطبيق الميزان الاول للضمان بالتسبيب وهو صحة اسناد الاتلاف اليه ولذا عبر الفقهاء بانه سبب ملجأ بمعنى ان المتضرر لا اختيار له فهو سقط بالبئر بغير اختياره نتيجة الرعب الذي دخل عليه لان الاخر شهر سيفه

ولو فرض انه كان قاصدا قتله او ان ما صنعه مما يقتل مثله لثبت عليه القصاص لكن المفروض في مسألتنا انه غير قاصد لقتله وأن ما فعله ليس مما يقتل مثله فيدخل في شبه العمد وقد دلت الادلة على انه يكون ضامناً

الدليل الثاني: لعله يمكن الاستدلال بصحيحة يعقوب بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : (كانت امرأة تؤتى فبلغ ذلك عمر فبعث إليها فروعها وأمر أن يجاء بها إليه ، ففزعت المرأة فأخذها الطلق فذهبت إلى بعض الدور فولدت غلاما فاستهل الغلام ثم مات فدخل عليه من روعة المرأة ومن موت الغلام ( ما شاء الله ) ، فقال له بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ما عليك من هذا شيء؟ وقال بعضهم : وما هذا؟ قال : سلوا أبا الحسن (عليه‌السلام) ، فقال لهم أبوالحسن (عليه‌السلام) : لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم ، ولئن كنتم برأيكم قلتم لقد أخطأتم ، ثم قال : عليك دية الصبي) [8] فضمنه دية الصبي لانه فعل فعلا روع المراة وادى الى موت الصبي مع انه سبب ولم يكن ما حصل باختيار المراة وهذا شبيه بما نحن فيه

ملاحظة قال في ذيل المسألة (وكذلك الحال إذا اضطرّه إلى مضيق فافترسه سبع اتّفاقاً أو ما شاكل ذلك)

بينما الصحيح ان عليه الضمان، واما التقييد باتفاقا فانه على راينا لا بد من التقييد به لانه لولاه لثبت القصاص لان العمل يكون مما يقتل مثله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo