< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان

فروع التسبيب: (مسألة 255): لو أجّج ناراً في ملكه فسرت إلى ملك غيره اتّفاقاً، لم يضمن (1)، إلّا إذا كانت في معرض السراية، كما لو كانت كثيرة أو كانت الريح عاصفة، فإنّه يضمن، ولو أجّجها في ملك غيره بدون إذنه ضمن ما يتلف بسببها من الأموال والأنفس(2)، ولو كان قاصداً إتلاف النفس أو كان التأجيج ممّا يترتّب عليه ذلك عادةً وإن لم يكن المقصود إتلافها ولم يكن الشخص التالف متمكّناً من الفرار والتخلّص ثبت عليه القود

ذكر السيد الماتن بانه اذا اجج ناراً في ملك غيره من دون اذن المالك يضمن ما يتلف بسببها من الاموال والانفس، وقلنا ان ضمان المال واضح انه في ماله، وانما الكلام في ما اذا كان التلف للانفس فهل يكون الضمان في ماله او انه يكون على العاقلة وقلنا ان المعروف ان الضمان في ماله ولكن ذهب الشيخ ابن ادريس والعلامة ان الضمان على العاقلة وذكرنا لعل السر في ذهابهما الى ذلك هو ان الضابط للخطأ شبه العمد غير متحقق في المقام لأنه يعتبر فيه تعمد الفعل بالنسبة الى المجني عليه وهو غير متحقق في المقام، بل هو اشبه ما يكون بالخطأ المحض لأنه قصد فعل شيء ووقع الفعل بشيء آخر

وقلنا ان مسألتنا من قبيل مسألة (من حفر بئرا في ملك غيره) بلا فرق بينهما والنصوص الورادة فيها ظاهرها ان الحافر يضمن في ماله مع انه لم يقصد ايقاع فعل بالنسبة الى المجني عليه، ونفس الكلام في مسألة الناخسة والمنخوسة وقلنا اذا أمكن توجيه مسألة الناخسة والمنخوسة باعتبار ان قصد نخس المركوبة والعلاقة بين الراكبة والمركوبة قد يقال بأن هذا فيه قصد الفعل بالنسبة الى الراكبة، ولكن هذا التوجيه لا يأتي بالنسبة الى مسألة من حفر بئراً او مسألة من أجج ناراً في ملك الغير إذ لا علاقة بين الجاني وبين المجني عليه فلم يقصد تحقق فعل بالنسبة الى المجني عليه

ومن هنا قد يقال بأن الامر يدور بين ان نرفع اليد عن هذه الضابطة للخطأ شبه العمد او ان نلتزم بها ونرفع اليد عنها في الموراد التي يقوم النص على خلافها فقط، ومن الصعب جداً ان نرفع اليد عن اعتبار قصد الفعل بالنسبة الى المجني عليه في ضابطة الخطأ شبه العمد

ومن هنا يتعين الثاني وهو أن نلتزم بالضابطة في كل الموارد الا اذا وجد نص يدل على خلافها والنص موجود في مسألة من حفر بئراً في ملك الغير حيث دلت النصوص أن الضمان في ماله، واما في مسألة من أجج ناراً فلا يوجد نص ومقتضى القاعدة انه ليس من الخطأ شبه العمد فنلحقه بالخطأ المحض ونلتزم ان الدية تكون على العاقلة كما ذهب اليه ابن ادريس، وفي مسألة الناخسة وإن وجد النص الا انه ضعيف سنداً

فقد يقال بأن النتيجة التي لا بد ان نصل اليها هو ان رفع اليد عن ضابطة الخطأ المحض وضابطة الخطأ شبه العمد صعب جداً فنلتزم بالضابطة ولا نرفع اليد عنها الا في المورد الذي يدل الدليل على خلافها ولم يدل الا في مسألة من حفر بئراً في ملك الغير، هذا.

ويمكن أن يقال بأن الامر ليس بهذا الشكل، فالمفروض في هذه المسائل جميعها وغيرها التجاوز والتعدي ومن هنا قد يقال بأن هذا التجاوز هو الموجب للضمان فمن حفر بئراً ومن أجج ناراً في ملك غيره من دون اذنه يكون ضامناً لكل ما يترتب على فعله من تلف في الاموال او النفوس ويكون الضمان في ماله لأن الدليل دل على ذلك وهو الروايات المتقدمة في مسألة من حفر بئراً في ملك غيره وظاهرها أن الضمان في ماله، والسر في هذه الدعوى هو اننا نلغي خصوصية حفر البئر ونعتبر ان هذا مثال لكل تصرف فيه تعدي وتجاوز على الغير، وبناء على هذا يكون مفاد هذه الروايات أن كل من تصرف تصرفاً عدوانياً على الغير كما في مسألة الناخسة والمنخوسة او في ملك الغير كما في مسألة تاجيج النار وحفر البئر يكون ضامناً والدليل هو تلك الروايات وظاهرها أن الضمان يكون في مال الجاني ولعل المحقق في الشرائع اشار الى ذلك ( ولو اججها في ملك غيره ضمن الانفس والاموال في ماله لأنه عدوان مقصود)[1]

هذا اذا كان هو لا يقصد تلف الاموال والانفس، وهذا هو محل الكلام بمعنى ان التلف الاتفاقي المترتب على حفر البئر او اتلاف النار هو الذي تقول الروايات بانه مضمون

واما اذا فرضنا انه كان قاصداً تلف الاموال والانفس كما اذا جاء بنار والقاها في الدار، فهذه مسألة اخرى، ففي كل المسائل التي تقدمت لا يوجد قصد اتلاف اموال او انفس، واما اذا كان قاصداً الاتلاف فلا إشكال أنه يكون ضامناً لما يتلف من الاموال، واما النفوس فكون الضمان عليه او على العاقلة اوالقصاص يختلف بإختلاف الفرض، فتارة نفترض أنه قاصد للإتلاف او انه لم يقصد الاتلاف بل الفعل الذي جاء به مما يقتل مثله فالحكم هو القصاص، واما اذا فرضنا انه لم يقصد قتل من في الدار ولا الفعل مما يقتل مثله فهذا لا يكون عمداً وانما هو خطأ شبه العمد اذا تعمد الفعل بالنسبة الى المجني عليه، واما اذا لم يقصد ايقاع الفعل بالنسبة الى المجني عليه فيدخل في الخطأ المحض والدية فيه على العاقلة، هذا في فرض مباشرته لاحراق الدار، ولكن الظاهر أن محل الكلام ليس هذا بل محل الكلام كما هو في مسألة من حفر بئراً لا يفترض أنه يقصد ان يسقط فيها احد ولا ان ما فعله مما يقتل مثله، ففي هذه الحالة مع عدم قصد القتل يمكن أن نقول بأنه يضمن دية النفس التالفة في ماله لأن الدليل على الضمان حتى في مسألتنا هو الاخبار الواردة في مسألة من حفر بئراً في ملك الغير وظاهرها ان الدية تكون في ماله

نعم في فرع آخر غير منظور اليه في المقام وهو ما اذا باشر هو احراق الدار فهنا يختلف الضمان باختلاف الفرض كما ذكرنا

والظاهر أن عبارة الشيخ ابن ادريس في أن الضمان على العاقلة ناظرة الى الفرض الثاني وهو ما اذا باشر نفس الجاني الاحراق، والعلامة في التحرير ناظر الى هذا ايضاً قال: (وان قصد باضرام النار احراق المنزل والمال خاصة وتعدى الاتلاف الى النفس من غير قصد ضمن المال في ماله و إن كانت دية الأنفس على عاقلته) [2] وهذا غير محل الكلام، وقلنا بانه يختلف باختلاف ما نفترضه في المسألة فقد نفترض أنه يدخل في العمد وقد يدخل في الخطأ شبه العمد وقد يدخل في الخطأ المحض

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo