< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان

(مسألة 244): إذا سقط من شاهق على شخص بغير اختياره، كما لو ألقته الريح الشديدة أو زلّت قدمه فسقط فمات الشخص، فالظاهر أنّه لا دية لا عليه ولا على عاقلته، كما لا قصاص عليه (1)

(مسألة 245): لو دفع شخصاً على آخر، فإن أصاب المدفوع شي‌ء فهو على الدافع بلا إشكال وأمّا إذا مات المدفوع عليه فالدية على المدفوع، وهو يرجع إلى الدافع (2)

    1. قلنا بان الصحيح ما ذكره السيد الماتن من انه ليس عليه شي لا قصاص ولا دية ولكن بعض الفقهاء ذكر ان الدية تؤخذ من بيت المال كما اختاره ابن ادريس والعلامة في التحرير واشير في بعض الكلمات الى ان مستندهم هو مسالة ان دم المسلم لا يذهب هدرا كما صرحت بعض الروايات فبناء على هذا تعتبر من مصالح المسلمين فيؤخذ من بيت المال لان بيت المال موضوع لمصالح المسلمين وكأن هذا لا ينافي الروايات الدالة على ان الجاني ليس عليه شيء، ولذا عبر العلامة في التحرير (ولو اوقعه الهواء او زلق فلا ضمان و تؤخذ الدّية من بيت المال) [1]

فجمع بين نفي الضمان وبين اخذ الدية من بيت المال

ولكن تقدم التأمل في شمول حديث (لا يبطل دم امريء مسلم) للموارد التي لا يكون القتل فيها مضموناً على احد وذكرنا انه بمراجعة هذه الروايات يظهر انها مختصة بالموارد التي يكون القتل فيها مضموناً على احد ولكن لا يمكن الوصول اليه او لا يمكن معرفته لسبب من الاسباب فيقال انه تؤخذ الدية من بيت المال

كما في رواية جميل بن درّاج ، ومحمّد بن حمران ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود ؟ فقال : (في القتل وحده ، إنَّ عليّاً ( عليه السلام ) كان يقول : لا يبطل دم امرىء مسلم) [2]

فيوجد قتل ويوجد ضمان فللتوصل الى القاتل تقبل شهادة النساء لئلا يبطل دم امري مسلم فكأن المفروض فيها وجود ضمان ولكنه لا يتوصل الى القاتل حتى يؤخذ منه الدية

ورواية عبد الله بن سنان ، وعبد الله بن بكير جميعا ، عن أبي عبد الله (عليه ‌السلام) قال : (قضى أمير المؤمنين (عليه‌ا لسلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدرى من قتله ، قال : إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم) [3]

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال : (إن وجد قتيل بأرض فلاة ، اديت ديته من بيت المال ، فان أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم) [4]

ورواية ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) ( ..... بعد فتح خيبر تخلف رجل من الانصار عن أصحابه فرجعوا في طلبه فوجدوه متشحطا في دمه قتيلا ، فجاءت الانصار إلى رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله) فقالوا : يا رسول الله قتلت اليهود صاحبنا ، ..... وإن كان بأرض فلاة اديت ديته من بيت المال ، فان أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم) [5]

فالانصار اتهموا اليهود لكن رسول الله (صلى الله عليه واله) لم يقبل ذلك فالقاتل مجهول

ورواية سلمة بن كهيل ، قال : (أتي أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) برجل قد قتل رجلا خطأ ، فقال له أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) : من عشيرتك وقرابتك؟ فقال : مالي بهذا البلد عشيرة ولا قرابة ، قال : فقال : فمن أى البلدان أنت؟ قال : أنا رجل من أهل الموصل ..... قال : فكتب إلى عامله على الموصل : أما بعد .... فان كان من أهل الموصل ممن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك ، ثم انظر ، فان كان رجل منهم يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذه بها نجوما في ثلاث سنين ، ..... فان لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ولم يكن من أهلها وكان مبطلا ( في دعواه ) فرده إلي مع رسولي فلان بن فلان إن شاء الله فأنا وليه والمودي عنه ، ولا يبطل دم امرئ مسلم) [6]

فهي تدل على انه اذا كان القاتل ليس عنده مال ولا عاقلة له تؤخذ الدية من بيت المال

ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه ‌السلام) عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال : (إن كان له مال اخذت الدية من ماله ، وإلا فمن الاقرب فالاقرب ، وإن لم يكن له قرابة أداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرئ مسلم )[7]

ففي كل هذه الموارد يكون القتل فيها مضموناً ولكن لا يمكن التوصل الى القاتل وهو غير محل الكلام اذ لا يوجد ضمان في محل الكلام فلا تشمله هذه الادلة الا ان نؤسس قاعدة جديدة ان كل دم مهما كان لا يذهب هدراً ويؤخذ من بيت المال ولا توجد هكذا قاعدة

ومن هنا فالاستدلال على اخذ الدية من بيت المال بهذا الحديث قابل للتامل

وذكر في السرائر لعله لانه ليس لاحد فيه مدخل فتؤخذ من المصالح الدية كما اذا قتل في الزحام والمفاوز ومن لم يعلم له قاتل

الا ان التنظير ليس بتام فان الظاهر من قتل في الزحام او في المفاوز انه يوجد قاتل فهو نفس مورد الروايات ففرق بين قتله الزحام وبين قتل في الزحام

 

2- ما ذكره السيد الماتن خلاف المشهور حيث صرحوا بأن الدية على الدافع بل هم لم يفرقوا بين التلف الحاصل للمدفوع نتيجة الدفع وبين التلف الحاصل للاخر (المدفوع عليه) في ان التلف في كل منهما يضمنه الدافع

والظاهر ان ذهاب المشهور الى ذلك باعتبار ان هذا هو مقتضى القاعدة

فواضح ان المفروض في محل الكلام ان الدافع لا يقصد القتل بهذا الدفع ولا الدفع مما يقتل مثله ففي هذه الحالة يدخل هذا في الخطأ شبه العمد وحكمه ان الدية تكون على الجاني وهو الدافع لان القتل يستند اليه فان المدفوع بحكم الآلة فتارة نفترض ان الدافع يدفع حجارة على الشخص فيقتله واخرى يدفع انساناً عليه

قال في الشرائع: (و لو دفعه دافع فدية المدفوع لو مات على الدافع أما دية الأسفل فالأصل أنها على الدافع أيضا )[8] وهذا اشارة الى ان مقتضى القاعدة ان الدية على الدافع لا على الواقع

نعم ذهب الشيخ الطوسي في النهاية والتهذيب والاستبصار الى ان الدية على المدفوع ويرجع هو على الدافع واستند الى صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) في رجل دفع رجلا على رجل فقتله ، فقال : (الدية على الذي دفع على الرجل فقتله لاولياء المقتول ، قال : ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه ، قال : وإن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضا)[9]

والموجود في جميع مصادرها وما امكن مراجعته من الكتب الاستدلالية (الدية على الذي وقع) نعم في الوسائل موجود هذا ولكن يحصل اطمئنان بان هذا خطأ بقرينة قوله (على الرجل) فالمناسب له (على الذي وقع على الرجل) وقوله (يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه)

مضافاً الى انه يمكن ان تقرأ (دفع) مبنية للمجهول

نعم قول الامام في ذيل الرواية (وان اصاب المدفوع شيء فهو على الدافع ايضا) قوله ايضا كانه تنافي ما ذكرناه فيظهر منها ان ما قبلها الدية على الدافع ولكن يمكن حله بان المنظور في الرواية استقرار الدية وهي تستقر على الدافع بلا اشكال

وعلى كل حال فالرواية ظاهرة في ان الدية على المدفوع وهذا فيه مخالفة لمقتضى القاعدة ولكن مخالفة هذه الرواية لمقتضى القاعدة لا يمنع من العمل بها فقد رواها المشايخ الثلاثة باسانيد صحيحة في كتبهم مضافاً الى صراحتها في المطلوب فيتعين ان نلتزم بما ذهب اليه الشيخ الطوسي وذكره السيد الماتن

وفي كشف اللثام حمل الرواية على ما اذا كان اولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له، وكأنه في مقام توجيه مخالفة الرواية لمقتضى القاعدة، وهذا معناه انهم اذا كانوا عالمين بدفع الغير له فالدية تكون على الدافع

ولكن هذا الحمل غير واضح باعتبار اننا نتكلم عن حكم شرعي وان الدية ممن تؤخذ وعلم الاولياء وجهلهم لا يؤثر على الحكم نعم هو يؤثر في مسألة رجوعهم بالدية وانهم يرجعون الى هذا او الى هذا فعندما يجهلون فهم يرجعون الى المدفوع دون ما اذا كانوا عالمين ولكن كلامنا ليس في هذا بل كلامنا في ان الدية في هذه الحالة هل تثبت على الدافع او المدفوع وهذا حكم واقعي والاحكام الواقعية لا تتبدل بالعلم والجهل


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo