< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان

(مسألة 233): لو صدم شخصاً عمداً غير قاصدٍ لقتله، ولم تكن الصدمة ممّا يترتّب عليه الموت عادةً، فاتّفق موته، فديته في مال الصادم، وأمّا إذا مات الصادم فدمه هدر، وكذلك إذا كان الصادم المقتول غير قاصد للصدم، وكان المصدوم واقفاً في ملكه أو نحوه ممّا لا يكون فيه تفريط من قبله، وأمّا إذا كان واقفاً في مكانٍ لا يسوغ له الوقوف فيه، كما إذا وقف في طريق المسلمين وكان ضيّقاً فصدمه إنسان من غير قصد فمات، كان ضمانه على المصدوم (1)(مسألة 234): لو اصطدم حرّان بالغان عاقلان قاصدان ذلك فماتا اتّفاقاً، ضمن كلّ واحد منهما نصف دية الآخر (2)، ولا فرق في ذلك بين كونهما مقبلين أو مدبرين أو مختلفين (3)

    1. قد يقال لم لا نتمسك في بعض الموارد التي حكمنا فيها بأن دم الصادم يذهب هدراً او التي التزمنا فيها بأن دم المصدوم يذهب هدراً بالروايات التي تقول (لا يبطل دم امريء مسلم) وهي روايات كثيرة، غاية الامر إن الدية تؤخذ من بيت المال، وقد علل ذلك في بعض الروايات بأن ميراثه للامام فديته على الامام

وجوابه: بأن جميع هذه الروايات ناظرة الى الموارد التي لا يكون القتل فيها مضموناً على أحد ولا تشمل ما اذا كان القتل مضموناً على أحد فهي تختص بما إذا كان قاتل ولم نتمكن منه كالهارب وكما لو وجد قتيل في الفلاة وامثال هذه الموارد، فهي لا تشمل من قتل نفسه كما في محل الكلام

وهذا واضح في الروايات

منها: رواية جميل بن دراج ، ومحمد بن حمران ، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال : ((في القتل وحده ، إن عليا (عليه ‌السلام) كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم)) [1] ففرض وجود قاتل فتقبل شهادة النساء لاثبات أن هذا هو القاتل

ومنها: عبدالله بن سنان ، وعبدالله بن بكير جميعا ، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((قضى أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله ، قال : إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم لان ميراثه للامام فكذلك تكون ديته على الامام))[2]

ومنها: رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((إن وجد قتيل بأرض فلاة ، اديت ديته من بيت المال ، فان أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم))[3]

ولأن هذه المسألة مهمة وعملية نلخصها فنقول:

مع فرض تعمد القتل او كون الصدمة مما يقتل مثلها فالحكم هو القصاص وهو خارج عن محل كلامنا في الديات، وأما إذا قصد الفعل دخل في الخطأ شبيه العمد والدية تكون على الجاني، فإذا فرضنا موت الصادم وكان قد قصد الفعل يذهب دمه هدرا فإن موته يستند الى فعله فلا يكون مضموناً، واما لو مات كل من الصادم والمصدوم فلكل منهما حكمه فالصادم يذهب دمه هدراً وتؤخذ دية المصدوم من تركة الصادم، قال في الشرائع: (ولو كان قاصداً وله مندوحة فدمه هدر وعليه ضمان المصدوم) وقلنا لا مجال هنا للتمسك باحاديث (لا يبطل دم امريء مسلم)، واما اذا لم يكن قاصداً للصدم فإن مات المصدوم دخل في الخطأ المحض وتكون الدية على عاقلة الصادم، هذا اذا لم يستند الموت والتلف الى نفس المصدوم، ولو مات الصادم في هذه الحالة يكون دمه هدرا، هذا إذا كان المصدوم واقفاً في ملكه او في مكان يسوغ له الوقوف فيه، واما اذا كان واقفاً في مكان لا يسوغ له الوقوف فيه فيكون ضمان الصادم إذا مات على المصدوم لاستناد القتل اليه عرفاً

    2. وفرض المسألة في ما اذا قصدا الاصطدام دون القتل، لا أن يقصد الاصطدام بالاخر تحديداً، بل حتى لو قصد ما يؤدي الى الاصطدام بالاخر كما لو كان يسير في طريق يعلم أنه يؤدي الى الاصطدام بالاخر

ولا بد أن نفترض انه لم يقصد القتل وان الفعل مما لا يقتل مثله والا فالحكم القصاص، وحينئذ يدخل في الخطأ شبه العمد والضمان فيه على الجاني، ولكن الجاني لا يضمن تمام دية الاخر بل يضمن نصف الدية، فكل واحد منهما يضمن نصف دية الاخر لأن كل واحد منهما تلف بفعل الاخر وبفعله هو لأنه قصد الاصطدام، فكل منهما يضمن المقدار من التلف الذي حصل بسبب فعله دون ما لم يحصل بفعله، وحينئذ يحصل التهاتر

واما إذا اختلفا في الدية كما إذا كان احدهما رجل والاخر امرأة فالتقاص يكون حينئذ في ربع الدية، فإن الرجل يتحمل ربع الدية الكاملة بينما تتحمل المرأة نصف الدية، فالتهاتر يكون في الربع

    3. فإن الملاك في الجميع واحد وهو أنه قصد الاصطدام من دون قصد القتل ولا أن الفعل مما يقتل مثله، بل لا فرق بين أن يكونا راجلين او فارسين او يختلفان في ذلك لأن المناط هو أن يقصد كل منهما الاصطدام بالاخر، ففي كل هذا تدخل المسألة في شبه العمد

نعم يستثنى من هذا ما إذا كان أحدهما اعمى او كان كلاهما اعمى ففي هذه الحالة لا تثبت الدية على الجاني وإنما تثبت على عاقلته -كما نبه السيد الخوئي[4] (قده) على ذلك-، باعتبار أن الرواية صريحة في أن دية الاعمى على عاقلته كما في صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله قال : فقال أبو عبدالله (عليه ‌السلام) : ((هذان متعديان جميعا فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا ، لانه قتله حين قتله وهو أعمى ، والاعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما ، فان لم يكن للاعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين ، ويرجع الاعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه))[5]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo