< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٣ و٣٤

 

كان الكلام في بطلان الإعتكاف عند الجلوس على المغصوب في حالات النسيان والاكراه والاضطرار والجهل بعد فرض الانتهاء الى بطلان الإعتكاف عند الجلوس على المغصوب في حالة العمد في المسألة السابقة. وتقدم ان الوصول الى النتيجة في هذه المسالة يختلف باختلاف الوجه الذي على اساسه بني البطلان في صورة العمد،

فإن كان الوجه هو استحالة التقرب بالمبغوض والمبعد فهو يقتضي البطلان في صورتي الإضطرار والإكراه، ولا يقتضي البطلان في صورتي الجهل والنسيان، والسر في ذلك ان الحرمة التي تمنع من التقرب هي الحرمة الواصلة الى المكلف والتي يعلم بها، لأنه بعلمه بالحرمة سوف يثبت عنده ان هذا الفعل مبعد فكيف يتقرب به الى المولى؟ والحرمة انما تكون واصلة في مورد الإضطرار والإكراه لانه لا يفترض فيهما عدم وصول الحرمة وعدم العلم بها، بل المضطر يعلم بالحرمة الا انه معذور وكذلك المكره فينفسح المجال الى الالتزام بالبطلان فيهما، أما في صورة الجهل بالحرمة في الشبهة الموضوعية او الحكمية فلا تكون الحرمة واصلة فلا مشكلة في التقرب باللبث في المسجد الى المولى فيقع الإعتكاف صحيحاً من هذه الجهة، وكذلك الحال في النسيان لان الناسي وان فرض فيه العلم بالحرمة لكن فرض فيه الغفلة عنها ونسيانها حين العمل ايضاً، فيتأتى منه قصد التقرب.

وإن كان الوجه هو امتناع ان يكون الحرام مصداقا للواجب[1] -خصوصاً اذا كان الواجب عبادياً كما في محل الكلام- وأنّ الحرام الواقعي لا يمكن ان يكون مقرباً للمولى -لا من جهة عدم تأتي قصد التقرب من المكلف- فيقتضي البطلان في كل مورد تكون الحرمة الواقعية ثابتة فيه حتى اذا لم تكن منجزة على المكلف، لان المدار على الحرمة الواقعية، لانه هو الذي يستحيل ان يكون مصداقاً للواجب ولا يقتضي البطلان فيما اذا فرضنا عدم الحرمة الواقعية للفعل بعروض احد العناوين المذكورة في المتن، إذ سوف لا تكون هناك مشكلة في مصداقيته للواجب فيتبدل الشيء من كونه حراماً واقعاً الى كونه حلالاً واقعاً.

فبناءً على هذا نقدر أن نقول أنه في موارد الإضطرار والإكراه والنسيان لا يجري هذا الوجه لإرتفاع الحكم الواقعي بطرو هذه العناوين فإذا إضطر أو نسي أو أكره على أكل الميتة مثلاً فأكلها يكون حلالاً واقعاً.

وفي محل كلامنا الذي هو الجلوس في المسجد الذي افترضنا انه حرام على مباني السيد الماتن ففي حالة طرو أحد هذه العناوين لا حرمة واقعية في المقام فلا يأتي الوجه المتقدم من عدم إمكان وقوع الحرام مصداقاً للواجب.

وأما في الجهل فيوجد كلام في ارتفاع الحرمة الواقعية وعدم إرتفاعها فإذا قلنا أن الحرمة الواقعية ترتفع بالجهل فيلحق بالموارد الثلاثة المتقدمة .

هناك رأي آخر موجود ذكره السيد الخوئي (قده) من عدم ارتفاع الحكم الواقعي بالجهل فيبقى الشيء حراماً واقعاً وإن كان المكلف معذوراً، فتجري في حقه الأحكام الظاهرية من إجراء قاعدة اليد والبناء على الإباحة مثلاً وجواز التصرف ظاهراً مع بقاء الحكم الواقعي بالحرمة والتي يمكن إمتثالها بالإحتياط الذي يعتبر نوع من أنواع إمتثال الحكم بالحرمة الواقعية، وفي حال ثبوت مثل هذا الحكم الواقعي الذي له ملاكاته الخاصة وقابل لأن يمتثل فيجري الوجه المتقدم لإثبات البطلان، فيقال أن المكث في المسجد حرام واقعاً فكيف يقع مصداقاً للواجب، وعليه بنى (قده) على البطلان في باب الجهل لهذا الوجه، وليس لنكتة عدم إمكان قصد القربة.

وذكر أن هذه المسألة وكذلك مسألة الوضوء بالماء المغصوب تدخلان في باب النهي عن العبادة وذلك لنكتة كون الفعل بنفسه يكون مصداقاً للحرام الواقعي وفي موردنا يكون نفس اللبث في المسجد منهياً عنه.

ولا يدخل موردنا تحت مسألة إجتماع الأمر والنهي كما ذكر صاحب الكفاية (قده)، لأن تلك المسألة مبنية على عدم كون الفعل مصداقاً للحرام لوجود عنوانين يتعلق الوجوب بأحدهما والنهي بالآخر لكنهما يجتمعان خارجاً وبالتالي يمكن تصحيح الوضوء لكون المكلف عاصياً من جهة ومطيعاً من جهة أخرى، أما موردنا فيدخل تحت مسألة النهي عن العبادة لعدم وجود عنوانين المقتضي لفسادها بلا إشكال.

والنتيجة أن القضية مبنية على ما يختار من وجه للبطلان في صورة العمد، فإذا قلنا بالوجه الأول فلابد أن نفصل لأن الجاهل يتأتى منه قصد التقرب، وأما إذا قلنا بالثاني فنفصل بين القول برفع الجهل للتكليف الواقعي فيحكم بالصحة وبين القول بعدم رفعه للتكليف الواقعي فيحكم بالبطلان.

 

والأقرب في كلتا المسألتين أن كلاً من الأمرين من عدم تأتي قصد القربة ومن عدم إمكان وقوع الحرام مصداقاً للواجب موجبٌ للبطلان ولا مانع من القول بذلك فيلتزم بالبطلان في صورة الإضطرار للوجه الأول ويلتزم بالبطلان في صورة الجهل للوجه الثاني إذا قلنا أن الجهل لا يرفع الحرمة الواقعية وهذا هو الصحيح، لعدم إختصاص الأحكام الواقعية بالعالم بل تثبت مطلقاً في حق العالم والجاهل، وإن كان هناك فرق بين الموردين من حيث التنجيز و عدمه لكن هذا شيء آخر غير ثبوت الحكم في الواقع، فيكون الحكم الواقعي ثابتاً في صورة الجهل وبالتالي يحكم بالبطلان.

 

(مسألة ٣٤): إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه أو لإتيان واجب آخر متوقف على الخروج ولم يخرج أثم ولكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى.

 

وهذا هو الصحيح، ووجه إحتمال البطلان فينشأ من مسألة أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص الذي هو الإعتكاف في موردنا، والنهي في العبادة مفسد لها.

وفيه أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص فلا يكون الإعتكاف منهيًا عنه، بل حتى إذا قلنا بأنه منهي عنه إلا أن هذا النهي نهي غيري للتوصل للواجب الآخر، وعليه فإذا لم يكن منهياً عنه فيمكن تصحيحه إما بالملاك أو بالأمر الترتبي كما هو الأقرب، فيجب الإعتكاف على تقدير الخروج وهذا أمر قد تعلق بالعبادة ويكون مصححاً لها.


[1] فيكون ما جاء به ليس اعتكافاً، لان الاعتكاف هو اللبث في المسجد بشرط ان لا يكون حراماً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo