< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٢ و٣٣ في غصب المعتكف مكاناً من المسجد

 

تبين مما تقدم أن إثباتَ جواز الجلوس على الأرض المفروشة بالمغصوب الذي لا يمكن إزالته استناداً إلى دعوى خروج التالف عن ملك المالك بالتلف أو إلى دعوى حصول المعاوضة القهرية قابلٌ للتأمل، فالمغصوب باقٍ على ملك مالكه وبالتالي لا يجوز التصرف فيه، ومن هنا قد يقال أن ما ذهب إليه السيد الماتن (قده) من عدم جواز الجلوس عليه -وإن ذكره بعنوان الإحتياط- هو الأقرب[1] ، ولذا ما ذكر بعد ذلك في المتن من وجوب الخروج فيما لو توقف الإجتناب عن الجلوس في المسجد عليه (الخروج) يكون في محله، إلا أنه ذكره بعنوان الإحتياط كسابقه بإعتبار أنه يحتاط في أصل الإجتناب عن الجلوس، فيترتب عليه الإحتياط في الخروج، لكن بما أننا ذكرنا أن الأقرب هو عدم جواز الجلوس فيكون وجوب الخروج في مفروض المسألة هو الأقرب والمتعين من باب أنه مقدمة لإمتثال الواجب.

هذا، ولكن حرمة التصرف والجلوس على الأرض التي إنتهينا إليها لا تستلزم بطلان إعتكافه لو بقى في المسجد وإعتكف فيه، لما تقدم سابقاً من نكتة عدم إتحاد الإعتكاف مع الحرام، بإعتبار أن الإعتكاف هو اللبث في المسجد، والحرام هو التصرف في المغصوب ولو في أثناء الإعتكاف بالجلوس أو غيره، والتصرف في مال الغير بالجلوس عليه ليس لبثاً في المسجد وإنما هما أمران متغايران إنضم أحدهما إلى الآخر، ومن هنا يكون التركيب بينهما تركيباً إنضمامياً، لا تركيباً إتحادياً -حسب إصطلاحهم- حتى يستلزم سراية الحرمة من أحدهما إلى الآخر فيصبح الإعتكاف حراماً فيبطل، وحينئذٍ (حين كون التركيب إنضمامياً) لا مانع من أن يكون المكلف مطيعاً من جهة وعاصياً من جهة أخرى، كالنظر إلى الأجنبية أثناء الصلاة.

والحاصل أن الجلوس على أرض المسجد في المقام كالجلوس على الفراش المغصوب في المسألة السابقة، بإعتبار أن كلاً منهما تصرف في مال الغير وحرام، وكلاً منهما مغاير للإعتكاف، فالحكم فيهما واحد وهو حرمة التصرف وصحة الإعتكاف.

نعم، يفترقان من جهة أخرى وهي أن المكلف متمكن من عدم إرتكاب الحرام في إعتكافه في المسألة السابقة بأن يزيل الفراش فيجلس على الأرض ويعتكف، والحال أنه غير متمكن من عدم إرتكاب الحرام والإعتكاف في المقام -لأن المفروض أن أرض المسجد مفروش بالسمنت المغصوب الذي لا يمكن إزالته-.

وبعبارة أخرى أن التركيب الإنضمامي بين الإعتكاف والجلوس في المقامين يكون إختيارياً في المقام السابق وقهرياً في المقام، لكن هذا لا يوجب الفرق بينهما بلحاظ الحكم الوضعي وهو صحة الإعتكاف، لأنها مبنية على أنه لا إتحاد بين الحرام والإعتكاف سواءً تمكن من الإجتناب عن الحرام أو لم يتمكن، فحتى لو بإختياره جلس على الفراش المغصوب لا يوجب بطلانه، ولا بلحاظ الحكم التكليفي، لأنه لا يجوز له الجلوس سواءً تمكن من الإجتناب على الحرام وهو معتكف كما هو الحال في المسألة السابقة أو لم يتمكن من ذلك حال إعتكافه بأن كان مقهوراً على إرتكاب الحرام كما في مسألتنا، وذلك لأنه بإمكانه أن يخرج من المسجد.

 

والذي يظهر من السيد الماتن (قده) وجود فرق بين المسألتين لحكمه بالبطلان على نحو الفتوى في المسألة السابقة وحكمه في هذه المسألة بحرمة الجلوس على نحو الإحتياط، والظاهر أنه في نظره لا فرق بين البطلان وحرمة الجلوس لأنها أيضاً توجب البطلان بالنتيجة، ولعل الفارق الذي أخذه بنظر الإعتبار هو ما تقدمت الإشارة إليه من أن تحريم الجلوس يلزم منه تعطيل المسجد والإضرار بالمسلمين، وهذا التفريق أوجب التوقف والتنزل إلى الإحتياط في حرمة الجلوس وإن لم يكن هذا التفريق تاماً في نظر السيد الماتن للفتوى بجواز الجلوس.

ونحن في نظرنا لا يوجد فرق بين المسألتين، فإذا إلتزمنا في المسألة الأولى بصحة الإعتكاف نلتزم في هذه المسألة بجواز الجلوس، والعكس بالعكس.

 

قال السيد الماتن (قده) بعد ذلك: وإن توقف على الخروج خرج على الأحوط،

وهذا الحكم تابع ومتفرع على الحكم المتقدم.

 

ثم أضاف: وأما إذا كان لابساً لثوب مغصوب أو حاملاً له فالظاهر عدم البطلان.

والحكم واضح وينبغي أن يكون ما قبله أيضاً واضحاً، لعدم وجود فارق بين لبس المغصوب ومسه بالقدم عند الجلوس عليه، فكل منهما يكون التركيب فيه إنضمامياً ولا يوجد إتحاد حتى تسري الحرمة إلى الإعتكاف ليستشكل في صحته، فما ذكره السيد الماتن (قده) صحيح ويكون المكلف مطيعاً من جهة وعاصياً من جهة أخرى.

 

(مسألة ٣٣): إذا جلس على المغصوب ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو مضطراً لم يبطل اعتكافه.

هذه المسألة لا معنى لها على ضوء النتيجة التي إنتهينا إليها من عدم البطلان بالجلوس العمدي، ولذا لا داعي للدخول في تفصيل هذه المسألة، وإنما ينفتح الباب للكلام عن هذه المسألة على ضوء ما ذهب إليه السيد الماتن (قده) من البطلان في المسألة السابقة.

والعنوان الجامع لجميع الموارد المذكورة في المسألة هو عنوان المعذورية، فالكلام يقع في صحة أو عدم صحة إعتكاف المعذور، وكذلك يقع الكلام في وجود أو عدم وجود فارق بين الحالات المذكورة في المسألة.

والجواب عن هذا السؤال يختلف بإختلاف الوجوه التي يستند إليها لإثبات بطلان الإعتكاف في صورة العمد، والوجه المعروف لذلك هو عدم إمكان التقرب فتقع العبادة باطلة لإشتراطها بقصد القربة، وهذا الوجه يبتني على القول بأن التركيب بين الجلوس على المغصوب والإعتكاف إتحادي فتسري الحرمة إليه وبالتالي لا يمكن التقرب به لحرمته، فيقع الإعتكاف باطلاً لكون العبادة مشترطة بقصد القربة.

وفيه أن الحرمة التي تمنع من التقرب هي الحرمة الفعلية الثابتة واقعاً، وأما إذا فرضنا أن الحرمة لا ثبوت لها في الواقع فلا تمنع من التقرب، ويدعى في هذه الحالات المذكورة في المسألة عدم وجود حرمة واقعية أصلاً، وذلك لتخصيص أدلة الأحكام الأولية بالإضطرار فتتحول الحرمة الواقعية إلى حلية واقعية، فإن ما من شيء حرمه الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه، وعليه فيكون الجلوس الإضطراري من قبيل أكل الميتة في حالة الإضطرار التي هي حلال بلا إشكال، وبالنتيجة فما يرتفع في موردنا ليس عنوان الغصب وإنما الحرمة التي تكون مانعة من التقرب، فيصح كلام السيد الماتن (قده) من عدم بطلان الإعتكاف، لعدم جريان هذا الدليل في هذه الحالات.

 

لكن نقول أن هذا الكلام يكون واضحاً في النسيان والإضطرار والإكراه، أما الجهل ففيه كلام من أنه هل يوجب رفع الحكم الواقعي كالثلاثة المتقدمة أو لا يوجب ذلك؟ وإختار السيد الخوئي (قده) أن الجهل لا يرفع الحكم الواقعي الفعلي، بل هو يبقى على حاله حتى في ظرف الجهل.

وهناك مناقشة أخرى لعدم جريان هذا الوجه لإثبات البطلان في صورة الجهل وهي أن الجاهل بالحرمة أو الغصبية يتأتى منه قصد القربة، وهذا بخلاف المضطر والمكره والناسي، لأن المكره مثلاً يعلم بالحرمة، فإذا كانت هذه الحرمة موجودة فلا يمكنه التقرب بالإعتكاف. فإذا كان الوجه في بطلان الإعتكاف هو عدم تأتي قصد القربة فلا يتم في صورة الجهل.

 

ثم إن السيد الخوئي (قده) ذكر وجهاً آخر لبطلان الإعتكاف في صورة الجهل، إذ يقول أنه ليس الوجه في بطلان الإعتكاف مع الجهل هو عدم تأتي قصد القربة حتى يرد عليه أن الإتيان بالفعل مع قصد القربة ممكن في صورة الجهل، بل الوجه في البطلان هو أن الحرام صار مصداقاً للواجب. فإذا فرضنا أن الحرمة ترتفع في حالة من هذه الحالات فحينئذٍ لا يكون الحرام مصداقاً للواجب وبالتالي يصح الإعتكاف، أما إذا فرضنا عدم إرتفاعها -كما هو الحال في الجهل- فلا يصح الإعتكاف لصيرورة الحرام مصداقاً للواجب.

فلابد من التفصيل بين حالة الإضطرار والإكراه والنسيان التي ترتفع فيها الحرمة وبالتالي عدم كون الحرام مصداقاً للواجب، وبين حالة الجهل التي تبقى فيها الحرمة الواقعية الفعلية على حالها وبالتالي تصير مصداقاً للواجب.


[1] فالأقرب عدم جواز الجلوس، لا أن الأقرب هو الإحتياط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo