< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الإعتکاف/مسالة 22 /غصب مکانا من المسجد

لا زال الكلام في مسألة ٣٢، ويقع الكلام في الفرع الثالث منها، قال السيد الماتن (قده): بل الأحوط الإجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب على وجه لا يمكن إزالته، وإن توقف على الخروج خرج على الأحوط.

 

في هذا الفرع يمكن أن يقال أن المسجد المفروش بشيء مغصوب تارة يفترض فيه إمكان إزالة المغصوب والجلوس بعد إزالته والإعتكاف، وأخرى يفترض فيه عدم إمكان إزالته -وهو الفرض الذي جاء في المتن-.

على الأول يكون حكمه حكم الفراش المغصوب المتقدم والكلام فيهما واحد، فيصح الإعتكاف في نظرنا وإن إعتكف على أرض المسجد المفروش بالمغصوب.

أما على الثاني فهناك تفصيل:-

بين ما إذا عُدّ المغصوب تالفاً عرفاً -كالسمنت- ويكون مضموناً على الغاصب المتلف، فحينئذ يجوز الجلوس عليه ويصح الإعتكاف من قبل الغاصب ومن قبل غيره إذا أذن له الغاصب، ولا داعي إلى الإستئذان من المالك، وهذا مبني على أن الضمان بالتلف يكون موجباً لإنتقال التالف إلى الضامن بالتلف بأن ينتقل السمنت التالف إلى الغاصب عندما يتلفه ويجب عليه دفع بدله إلى المالك؛

وبين ما إذا لم يُعدّ تالفاً فهنا يوجد وجهان بل قولان -كما قيل- في جواز الجلوس عليه وبالتالي صحة الإعتكاف أو عدمه. ويستدل للأول (الجواز) بأنّ منع المسلمين من الإعتكاف فيه والجلوس عليه تعطيلٌ للمسجد ومنع للمسلمين من ممارسة حقهم في هذا المسجد، لفرض أنه لا يمكن إزالته وهو محذور في حد نفسه وضرر عليهم؛ ويستدل للثاني (المنع) بأنه على فرض التسليم أن المنع فيه ضرر على المسلمين يقال أن التصرف في المغصوب من دون إذن المالك فيه ضرر على المالك، فإذا تعارض الضرران نرجع إلى القواعد العامة وهي تقتضي حرمة التصرف في مال الغير من دون إذنه، ولعلّ ما في المستمسك [1] إشارة الى هذا التفصيل.

 

الذي يلاحظ على أصل التفصيل هو أن فرض المسألة من عدم إمكان الإزالة لا يقبل هذا التفصيل ظاهراً، لأن عدم إمكان إزالة الشيء يلازم التلف عرفاً -وإن لم يكن تلفاً حقيقة- لعدم إمكان الإستفادة والإنتفاع به، فلا مجال بأن نقول أنه تارة يُعدّ تالفاً وأخرى لا.

 

فالكلام في هذا الفرض (عدم إمكان الإزالة) يقع في أنه هل يجوز التصرف في التالف بدون إذن المالك أو لا يجوز ذلك؟ وذكرت عدة وجوه للجواز:-

 

الوجه الأول: ما ذكره السيد الخوئي (قده) من أن التالف يخرج عن المالية والملكية بالتلف، فكأن سقوط المالية يلازم سقوط الملكية، والذي يثبت للمالك بعد ذلك هو حق الإختصاص الذي يترتب عليه مجرد عدم جواز مزاحمته بالتصرف بالعين لا عدم جواز أصل التصرف بها بدون إذنه، ولذلك إنتهى (قده) إلى جواز تصرف الغير بالعين مع بقاء عدم جواز مزاحمة الغير له إذا أراد هو التصرف بالعين، لأن هذا هو الذي يترتب على حق الإختصاص، وبناءً عليه فيجوز الإعتكاف والتصرف للغاصب وغيره في العين.[2]

ومن الواضح أن هذا الوجه مبني على ثبوت الملازمة بين سقوط الشيء عن المالية وبين سقوط الملكية، فحيثما تسقط المالية فالملكية تسقط أيضاً، وهذا بعكس الوجه الأول المبني على بقاء الملكية مع سقوط المالية وعدم الملازمة بينهما -ومثاله حبة من الحنطة أو كأس من الماء قرب نهر-، وعليه فيحتاج إلى وجود معاوضة قهرية مع الضامن من إنتقال العين إليه والبدل إلى المالك لإثبات جواز تصرفه وإعتكافه فيه.

ومن هنا فحكم المسألة التي فرضُها عدم إمكان الإزالة للتلف حقيقة أو عرفاً هل هو جواز تصرف المسلمين فيه بالإعتكاف وغيره أو عدم جواز التصرف؟ والظاهر أن الحكم في هذه المسألة متوقف على تحقيق جملة من الأمور أشير إليها في كلماتهم وهي:-

 

الأمر الأول: مسألة ثبوت الملازمة بين سقوط المالية وسقوط الملكية أو عدم ثبوتها، والسيد الخوئي (قده) صرح في ثبوت الملازمة بينهما، وكلامه في التلف الحقيقي أو العرفي لا في بدل الحيلولة أو بقاء بعض المنافع.

قد يقال أن الصحيح هو عدم الملازمة، بإعتبار أن التلف يزيل مالية الشيء ولا يزيل ملكيته، ولا يوجد هناك محذور ثبوتي لإفتراض أن الإنسان مالك لشيء لا مالية له، ولعلّ الوجه في هذه الدعوى يستند إلى أن المالية متقومة بالإنتفاع والإستفادة من الشيء، لأن المال هو ما يرغب العقلاء بتملكه بعوضٍ، والعقلاء لا يدفعون عوضاً بإزاء الشيء إذا خرج عن قابلية الإنتفاع به المقومة لماليته، ومحل الكلام من هذا القبيل لأجل التلف، فحينئذٍ تزول المالية فقط من دون زوال الملكية، لأن الملكية ليست متقوّمة بالإنتفاع بالشيء أو الإستفادة منه، إذ الملكية هي مجرد إضافة بين المالك والعين المملوكة، ويعرّفونها (الملكية) بالسلطنة والإحاطة على الشيء بمعنى أن أمره يكون بيد الإنسان، وهذا لا يشترط فيه الإنتفاع والإستفادة منه. فعليه لا ملازمة بين سقوط المالية وبين سقوط الملكية؛ ويشهد لذلك ما يراه البعض من أنّ حقَ الإختصاص -الذي لا إشكال في أنه يتعلق بما لا مالية له كالخمر، فإنه لا مالية له شرعاً- ملكيةٌ ضعيفة وسلطنةٌ محدودة.

في المقابل قد يقال -كما ذهب إليه السيد الخوئي (قده)- بأن الملازمة ثابتة بينهما وأن العين بالتلف كما تخرج عن المالية كذلك تخرج عن الملكية. ويمكن تعليله بأن الملكية من الأمور الإعتبارية بلا إشكال، والإعتبار دائماً يكون بلحاظ أثرٍ وثمرةٍ تترتب على هذا الإعتبار، إذ العقلاء لا يعتبرون شيئاً إلا أن يكون له أثر، ومع عدم الأثر إعتباره يكون لغواً، وفي المقام يلغو إعتبار الملكية للتالف، فلا ملكية مع سقوط المالية.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo