< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٢ لو غصب مكاناً من المسجد

قلنا بأنه استدل على ثبوت الحق بالسبق الى المسجد ونحوه من الأوقاف العامة بروايات، وقد تقدم ذكرها، وقلنا بأن رواية طلحة بن زيد تامة سنداً وهي تامة دلالة ايضاً كما ذهب الى ذلك جماعة بدعوى ظهورها في ذلك، وان التعبير ب(أحق) في هذه الرواية لا يراد به التفضيل حتى يدل على مجرد الأولوية وأن لكلٍ من السابق واللاحق حقاً، بل المستدل بهذه الرواية يقول ان المراد هو ثبوت الحق للسابق وإن كان الغير يشترك معه في الوقف بمعنى انه قبل السبق كانا يشتركان في أن لكلٍ منهما حق إشغال هذا الموضع، لأن الوقف عام يشمل كلاً منهما، لكن بعد السبق يختص الحق بالسابق، وقالوا بأن افعل التفضيل كثيراً ما تستعمل في غير التفضيل، فلا يراد بها المشاركة في المبدأ، ومورد الكلام من هذه الموارد.

ومرسلة محمد بن اسماعيل فهي من حيث الدلالة كالرواية السابقة، فاذا تممنا دلالة الرواية السابقة على ثبوت الحق للسابق فتتم فيها أيضاً، لكنها غير تامة سنداً.

أما مرسلة ابن ابي عمير فهي وإن كانت تامة سنداً لكن في دلالتها كلام، وهناك إشكالان في دلالتها على مورد الكلام:-

 

الإشكال الأول: هو انه ورد فيها (سوق المسلمين كمسجدهم، يعني إذا سبق إلى السوق كان له مثل المسجد) ولا وضوح في صدور هذا التفسير من الإمام (عليه السلام)، بل لعل الظاهر انه صادر من غير الإمام (عليه السلام)، فلا يمكن الإستدلال به.

 

الإشكال الثاني: لو فرضنا صدور التفسير من الإمام (عليه السلام) نقول جهة التشبيه ليست واضحة، أما عبارة قبل التفسير فلا اشارة فيها الى جهة التشبيه، وأما التفسير فيستفاد منه ان من سبق الى السوق يثبت له مثل ما يثبت لمن سبق الى المسجد، ولا وضوح في جهة الشبه وانه ماذا يثبت للسابق.

 

ويمكن دفع الإشكال الثاني بقراءة العبارة بهذا الشكل (يعني اذا سبق الى السوق كان له، مثل المسجد)[1] ، بمعنى ان الموضع الذي سبق اليه كان له كما هو الحال في المسجد، فيثبت ان من سبق الى المسجد كان له، غاية الأمر انه لا يمكن الأخذ بظاهر (اللام) في قوله (كان له) وهو الملكية، باعتبار ان الوقف في المسجد تحريري لا تمليكي، ولا يمكن الالتزام بالتمليك فيه، فلابد من حمله على حق الإختصاص بعد عدم امكان تفسير (كان له) بمجرد ثبوت حكم شرعي بحرمة المزاحمة، ومن خلال هذا البيان يتضح لك ان جهة التشبيه واضحة ومبينة في الرواية.

 

أما الإشكال الأول فقد يقال في دفعه أن هذا (كون ذيل الرواية من بعض الرواة لا من الإمام (عليه السلام)) لا يضر بالرواية، لأن هذه الإضافة التفسيرية تكون قرينة على أن للكلام ظهوراً في كون الكاف للتشبيه من هذه الجهة، خصوصاً إذا ضممنا إلى ذلك أنه لا توجد هناك جهة مشتركة واضحة ينزل عليها التشبيه بين السوق والمسجد غير الجهة التي ذكرها الراوي.

لكن قد يقال أنه يحتمل وجود جهة إشتراك أخرى وهي الشمولية للجميع وعدم الإختصاص بطائفة دون أخرى، وعليه تكون الرواية ناظرة إلى هذه الجهة ويكون ما ذكره الراوي مجرد إجتهاد منه.

وبالنتيجة إذا كان التفسير الوارد في الرواية للإمام (عليه السلام) فيمكن العمل بها، وأما إذا كان لغيره ولم نقل أن الرواية ظاهرة فيه (التفسير الوارد فيها) فيشكل العمل بها. ولعل الراوي فسّر بهذا التفسير لوجود هذا التفسير في رواية أخرى هي رواية طلحة بن زيد المتقدمة، وهذا بالنتيجة لا يخرج عن الإجتهاد.

 

وعلى كل حال فرواية طلحة بن زيد تكفي للمستدل، لعدم ورود هذه الإشكالات عليها، فيثبت للسابق حق في المقام.

لكن يرد على الإستدلال بها عدة إعتراضات:-

 

الإعتراض الأول: ما ذكره جماعة من أن هذه الرواية تحدد الحق إلى الليل، ولم يذكر أحد من فقهائنا هذا التحديد، بل ما ذكره الفقهاء هو التحديد بما إذا كان جالساً فيه، أو بما إذا أبقى رحله، أو بما إذا نوى العود، ولكن لم يحدد أحد منهم بالليل حتى إذا لم تكن الأمور المذكورة متحققة، فهذا الإشكال يُشكّل نقطة ضعف في الإستدلال بهذه الرواية؛ وهذا الإشكال لا يرد على مرسلة ابن أبي عمير إن تمت دلالتها لخلوها عن هذا التحديد.

وأجاب السيد الخوئي (قده) عن هذا الإعتراض بأن التقييد بالليل في هذه الرواية يكون لخصوصية في السوق الذي هو موضوع الكلام، والمتعارف في الأسواق هو إستمرار التكسب فيها إلى الليل. فالرواية فيها دلالة على ثبوت الحق للسابق في كل من المسجد والسوق، والتحديد ورد في السوق لعدم إمتداد وقت الحاجة بعد دخول الليل عادة، وأما المسجد فالوقت يمتد بإمتداد الحاجة التي ؛ وعليه فليس المقصود من التحديد هو التحديد في جميع الحالات حتى يكون منافياً لكلام الأصحاب.[2]

وفيه أن لازم هذا الجواب أن يكون التشبيه الوارد في الرواية ناظراً إلى أصل ثبوت الحق، فكما أن أصل ثبوت وجود الحق يكون ثابتاً في المسجد فكذلك يكون ثابتاً في السوق، ولكن تحديد هذا الحق غير منظور في الرواية. وهذا المعنى لعله خلاف ظاهر الرواية، إذ فيها ظهور في أن التشبيه إنما بلحاظ تحديد إستمرار هذا الحق -مع إستبطانها لأصل وجود الحق-، بل يمكن أن يقال أن الرواية أساساً هي مسوقة لبيان تحديد مقدار إستمرار هذا الحق، فمن هنا حمل الرواية على ما ذكره السيد الخوئي (قده) خلاف الظاهر جداً.

أجيب عن هذا الإعتراض بجواب آخر بأن نحمل التحديد بالليل فيها على غلبة عدم تعلق غرض الإنسان بالبقاء في المسجد والسوق إلى مدة تزيد على الليل، فيراد منها بيان إستيعاب هذا الحق بتمام الزمان الذي يراد البقاء فيه عادة. فلا تدل الرواية على التحديد الحقيقي للحق وأنه يستمر إلى الليل، بل تدل على غاية ما يمتد إليه الحق في الحالات المتعارفة من دون فرق في ذلك بين السوق والمسجد.

وفيه أنه خلاف ظاهر الرواية، لأنها مسوقة لبيان إشتراكهما في التحديد، فتقول كما أن الحق في السوق يستمر إلى الليل فكذلك في المسجد يستمر إلى الليل، فهي تشبه المسجد بالسوق في إستمرار ذلك الحق إلى الليل.


[1] فلا يكون قوله (مثل المسجد) اسم كان، بل يكون اسمها هو الموضع الذي سبق اليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo